تفسير رسالة بطرس الأولى أصحاح 4 للقمص أنطونيوس فكري

 

الإصحاح الرابع

آيات 1-4

آية 1:- فاذ قد تالم المسيح لاجلنا بالجسد تسلحوا انتم ايضا بهذه النية فان من تالم في الجسد كف عن الخطية.

تسلحوا أنتم أيضا بهذه النية = أى نية إحتمال الآلام من أجله فى جهادنا وفى حياتنا عموما. وهذه تحمل معنيين:

1.     إحتمال الألم حتى الموت بمنطق إن كان المسيح قد تألم فلماذا لا أحتمل أى ألم يسمح به، خصوصا لو وضعت فى قلبى أن ما يسمح به من ألم هو للمنفعة.

2.     صلب الأهواء فنكون كالأموات لا نطلب ملذات هذا العالم.

ولاحظ قوله تسلحوا فمن وضع فى قلبه أنه مستعد للموت عن العالم من أجل المسيح، يكون له هذا كسلاح ضد إبليس. فإبليس دائما يأتى ليشتكى الله فى اذاننا بأن الله لا يحبنا إذ قد تخلى عنا بسبب هذه التجربة أو ذاك المرض، فإذا وجدنا مستعدين لا أن نقبل المرض فقط بل لآن نموت يهرب منا مهزوما. نقطة أخرى يضيفها الرسول فإن من تألم فى الجسد كف عن الخطية = فمن يضع فى قلبه أنه مات مع المسيح وصلب أهوائه مع شهواته، طالبا المعونة من الروح القدس على تنفيذ حكم الموت كل يوم وكل ساعة، نجد أنه مع أن جسده حى إلا أنه لا سلطان لشهواته عليه، حتى يظن الإنسان أن طبيعته قد تغيرت، ولكن الجسد لا تتغير طبيعته، ولكن هذا هو مفعول النعمة، والدليل إن من يتهاون فى شركته مع الروح القدس تعود إليه عادات جسده أشر من الأول (رو 13:8) والله يسمح لنا ببعض الآلآم فى الجسد بها نكره العالم وخطاياه. فالصليب إذا يساعدنا على كراهية العالم وبهذا نكمل. إذا الألم هو وسيلة علاج روحية من الله، ومن يحبه الرب يؤدبه.

 

آية 2:- لكي لا يعيش ايضا الزمان الباقي في الجسد لشهوات الناس بل لارادة الله.

لكى لا يعيش الزمان الباقى = ومن منا يعرف مقدار الزمان الباقى؟

إذا فلنستعد من الآن، بنية صادقة على صلب شهواتنا والروح يعين.

 

آية 3:- لأن زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عملنا ارادة الامم سالكين في الدعارة و الشهوات و ادمان الخمر و البطر و المنادمات و عبادة الاوثان المحرمة.

الزمن الذى قضيناه فى الشرور هو أكثر مما ينبغى فلنكف عن الشر. إرادة الأمم = أقسى الشرور الأخلاقية بين الأمم كان يقرها الضمير الإجتماعى وكانت المراسيم الوثنية فى العبادة تؤيد هذه الشرور.

 

آية 4:- الامر الذي فيه يستغربون انكم لستم تركضون معهم الى فيض هذه الخلاعة عينها مجدفين.

يستغربون = كم تكون دهشة الخاطىء أو الوثنى، إذ يرى زميله بعدما آمن وتاب لا يشترك معه ولا يدرى أن الله وهبه خليقة جديدةيجدفون = بأن ينسبوا إلى المؤمنين الكبت والحرمان والجهل، دون أن يدركوا مقدار السعادة التى هم فيها.

آيات 5-11

آيات 6،5:- الذين سوف يعطون حسابا للذي هو على استعداد ان يدين الاحياء و الاموات.

فانه لاجل هذا بشر الموتى ايضا لكي يدانوا حسب الناس في بالجسد و لكن ليحيوا حسب الله بالروح.

يبشر الرسول المتألمين أن الله سيدين هؤلاء الأشرار الذين يجدفون ويستهزئون، وفى آية 7 يكمل ان نهاية كل شىء قد إقتربت أى نهاية شرور الأشرار وآلام الأبرار. والله يدين الأحياء والأموات .

الأحياء:- هم الأحياء بالروح والأموات :- هم موتى الخطية، موتى بالروح أو الأحياء:- هم من سيكونوا أحياء بالجسد يوم مجيئه والأموات:- من ماتوا قبل ذلك لأجل هذا بشر الموتى:- هم موتى الخطيةإبنى هذا كان ميتا فعاش” + (يو 25:5) فالأموات الذين بشرهم وإستمعوا له وآمنوا صاروا أحياء وهؤلاء دانهم الأشرار وجدفوا عليهم وعلى إلههم آية 4: ولكنهم بإيمانهم كانوا فى نظر الله أحياء = لكى يدانوا حسب الناسولكن ليحيوا

وتفهم الآية بأن الموتى هم من إستشهدوا على إسم المسيح إذ دانهم العالم وحكم عليهم بالموت جسديا وإعتبرهم أشرار، ولكنهم الآن أحياء عند الله فى مجدهم تألموا فى عذاباتهم ولكنهم بهذا صاروا شركاء المسيح فى الألم والمجد.

 

آية 7:- و انما نهاية كل شيء قد اقتربت فتعقلوا و اصحوا للصلوات.

إنما نهاية كل شىء قد إقتربت = هذه تفهم بثلاث طرق:-

1.     نهاية الأيام وقرب المجىء الثانى وكان هذا هو شعور الكنيسة الأولى (1 يو 18:2) + (1 كو 52،51:15) + (1 تس 18:4). وهكذا ينبغى أن يكون شعورنا.

2.     كانت نهاية أورشليم قد إقتربت، وكان إنحلالها يبدو للعين العادية فكم وكم لمن هو مرتشد بالروح القدس. لقد كانت كنيسة العهد القديم فى طريقها للنهاية لتبدأ كنيسة العهد الجديد. وهذا ما تؤكده (آية 17).

3.     نهاية كل شىء فى حياة كل فرد هى موته وإنتقاله من هذا العالم فتعقلوا وإصحوا للصلوات= العاقل هو من يستطيع أن يميز بين ما هو خير وما هو شر له. فالعاقل الذى أدرك قرب النهاية عليه أن يلجأ لله بالصلاة ويكف عن ملذاته وشهواته. ويصح أن تفهم كلمة تعقلوا أى كفوا تماما عن الخمر ليكون لكم عقل سليم متيقظ متصل بالله، والكلمة تمتد لتشمل التوقف عن كل الملذات والشهوات. وإصحوا = فى حياة سهر دائم.

 

آية 8:- و لكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لان المحبة تستر كثرة من الخطايا.

الذى يحب إنسانا (والمحبة هى سمة المسيحية) يتغاضى عن أخطائه مهما كثرت، ويحاول إخفائها عن الآخرين (كما فعل أبو مقار، وكما قال السيد للخاطئةإذهبى ولا تخطئى) ويصلى لله حتى يغفر ذنوب من يحبهم ويستر على عيوبهم، ورب كل نعمة يرد لهذا المحب الكيل كيلين. وبمقارنة آية 7 بهذه الآية نجد أن الصلاة بدون محبة لا نفع لها بل هى غير مقبولة.

 

آية 9:- كونوا مضيفين بعضكم بعضا بلا دمدمة.

فى العصور المسيحية الأولى كانت هذه الوصية مهمة جدا، فأين يبيت المسيحى المتغرب:

1)     لو ذهب للوثنيين لأسلموه للموت.

2)     لو ذهب إلى فندق يكون عرضة للنجاسة.

 والمسيحيين المتغربين غالبا كانوا من المبشرين بالإنجيل خصوصا لأنه لم تكن هناك كنائس، وكانوا يأخذون معهم خطابات للتعريف بهم من الكنيسة (2 كو 1:3). دمدمة = تذمر وضيق.

 

آيات 11،10- ليكن كل واحد بحسب ما اخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة.

ان كان يتكلم احد فكاقوال الله و ان كان يخدم احد فكانه من قوة يمنحها الله لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح الذي له المجد و السلطان الى ابد الابدين امين.

 

ليكن كل واحد : فلا يوجد فى الكنيسة كلها إنسان بلا موهبة، ولا يوجد عضو فى الكنيسة بلا عمل، ولأن كل عضو له عمل (أف 10:2) فالله يعطى له الموهبة (الوزنة) التى يكمل بها عمله. والمواهب قد تكون: مال / صحة / علم / مراكز / موهبة وعظ / موهبة إدارة / خدمة…..

والله يعطى ويوزع المواهب بالقدر الذى يرى فيه خلاصنا، فليس معنى أن إنسانا له موهبة أقل أن الله لا يحبه، بل ما أخذه هو بالضبط ما يساعده على خلاص نفسه، ولكى يؤدى دوره الذى خلق له بنجاح. والمواهب تعطى لأولاد الله وبها يتكامل عمل الله فى الكنيسة.

ليتمجد الله فى كل شىء = المجد هو إعلان صفات الله المستترة هو يسكن فى النور الذى لا تستطيع العين أن تعاينه. ولذلك تجسد المسيح ليستعلن شخص الآب وأعلنه لنا. والروح القدس يمجد المسيح بأن يعلنه لنا ويشهد له (يو 14،13:16). والمسيح مجد الآب بأن أعلنه وأعلن صفاته التى كانت مستترة فآمن بلايين من البشر وأحبوا الله وأعطوه المجد. وهكذا ينبغى أن نفكر فى كل عمل نعمله أن يكون لمجد الله.

آمين = لا تعنى نهاية الحديث بل تعنى ليكن هذا.

آيات 12-19

آيات12:- ايها الاحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لاجل امتحانكم كانه اصابكم امر غريب.

البلوى المحرقة = فى أصلها اللغوى التعرض للنار بغرض الإنتحار ولكنهم كانوا فعلا يحرقون الشهداء. وهذا القول يكشف عن شدة الإضطهاد الذى تعرض له المسيحين. لا تستغربوا = فكما فعلوا برب المجد سيفعلون بكم. والله يستغل هذه الآلام للتنقية كما ينقون الذهب والفضة فى بوتقة بالنار لينفصل الزغل عن المعدن الثمين ويزداد المعدن بريقا. وقوله لا تستغربوا يحمل معنى أن الشيطان فى حرب مستمرة ضد الكنيسة وضد أولاد الله، ولكن شكرا لله الذى يجعل كل الأمور تعمل معا للخير لنانحن الذين نحبه، فتكون هذه الضيقات التى يثيرها عدو الخير، لخلاصنا 

 

آية 13:- بل كما اشتركتم في الام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده ايضا مبتهجين.

 هى نفس ما قاله بولس الرسول فى (رو 17:8) إن تألمنا معه نتمجد أيضا معه.

 

آية 14:- ان عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لان روح المجد و الله يحل عليكم اما من جهتهم فيجدف عليه و اما من جهتكم فيمجد.

إن عيرتم بإسم المسيح = أى عيرتم لأجل إيمانكم بالمسيح، وليس لأجل ذنب إرتكبتموهفطوبى لكم. وسر التطويب أن الروح القدس = روح المجد يحل على المتألم من أجل الرب ليسنده فى أتعابه ويهبه مجدا من جهتهم فيجدف عليه = على المسيح وأما من جهتكم فيمجد = بإحتمالنا الألم فى صبر وإحتمال من أجل المسيح يتمجد المسيح. قد يستغرب الخطاة أننا نترك طريق الخطية الذى يشربون منه مياها ملوثة تزيدهم عطشا، لأنهم لا يعلمون أننا نشرب مياها مروية من الروح القدس الذى هو الله = روح المجد والله = فهو الروح الذى يعطى مجدا وهو الله فى نفس الوقت.

 

آيات 16،15:- فلا يتالم احدكم كقاتل او سارق او فاعل شر او متداخل في امور غيره. و لكن ان كان كمسيحي فلا يخجل بل يمجد الله من هذا القبيل.

متداخل فى أمور غيره = هذه كانت التهمة الأساسية الموجهة للمسيحية لأن المسيحية كانت تدعو للطهارة فإعتبروا هذا تدخلا فى أمورهم الخاصة إذ يحيون فى نجاسة، والمسيحية دعت للحرية وكان هذا ضد نظام العبودية السائد فإعتبروا هذا تدخلا فى أمور الغير وهذه العبارة إخترعها الرومان كتهمة ضد المسيحيين ولم تستخدم سوى فى أيام الإضطهاد 

كمسيحى = كان الإسم يطلق من الوثنيين كإهانة

والإنسان يخجل متى سقط تحت العقوبة بسبب جريمة إقترفها، أما إذا إحتمل الآلام بسبب نسبته للمسيح فليحسب هذا شرفا هو غير مستحق له. والسيد سبق وأخبرنا بالضيق الذى ينتظرنا (يو 20:15 + 33:16).

 

آية 17:- لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله فان كان اولا منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون انجيل الله.

إن كان الأمرقد خرج بخراب أورشليم وهيكل اليهود لأنهم رفضوا المسيح وتلاميذه، فالقضاء آت لا محالة على كل من لا يطيعون إنجيل الله وتفهم الآية أن الله يبدأ بتأديب أولاده أولا وأولاد الله هم هيكل الله أيضا، فالله ليس عنده محاباة. بل كما قلنا فالآلام لازمة لتطهير المؤمنين وتكميلهم وإعدادهم للمجد، فإن كان الله يسمح بالآلام لأولاده ليكملهم فماذا سيحدث للأشرار.

 

آية 18:- و ان كان البار بالجهد يخلص فالفاجر و الخاطئ اين يظهران.

هذه الآية مأخوذة من (أم 31:11) بالجهد يخلص = الآلام التى يكابدها الأبرار وإحتمالهم لها هو الجهد الذى به يخلصون، ونلاحظ انها تكملهم. وكلمة الجهد تشير أيضا لجهاد الإنسان البار فى صلواته وأصوامه وصلب أهواؤه وشهواته وتقديم جسده ذبيحة حية. وبكل الجهد هذا وذاك نخلص، فمن لا يجاهد بل يعيش فى فجر وخطية ماذا سيكون مصيره. إذا فالأفضل لنا أن نحتمل الآلام من أن نشترك مع الفاجر والخاطىء وننكر المسيح. المقصود أن كل من يجاهد يخلص لذلك قال بولس الرسولجاهدت الجهاد الحسنبالجهد = تترجم أيضا بصعوبة وبشق النفس وبالجهد تترجم أيضا نادرا فقليلون هم من يقبلوا أن يجاهدوا فيخلصوا.

 

آية 19:- فاذا الذين يتالمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا انفسهم كما لخالق امين في عمل الخير.

بحسب مشيئة الله = قارن مع قول السيد المسيح لبيلاطسلم يكن لك على سلطان البتة إن لم تكن قد أعطيت من فوق” (يو 11:19). إذا لنفهم أن الله هو الذى يسمح بالآلام للتنقية، والله هو الذى سمح للشيطان بأن يجرب أيوب لينقيه. إذا نحن لسنا فى يد إنسان، بل فى يد الله وما يسمح به هو للخيرفليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين فى عمل الخير = أى يسلموا لله تسليما كاملا بأن ما سمح به الله هو لازم لخلاصهم وليسلموا لله بأنه إله محب لا يسمح أبدا بما فيه ضررا لهم. والمسيح أكد لنا أن شعرة واحدة من رؤوسنا لا تسقط إلا بإذن أبينا السماوى ولنثق أنه صانع خيرات، إذا سمح لنا أن نجتاز نار الآتون فهو يأتى ليشترك معنا فيها. فالآلام لازمة لخلاصنا والله يشترك معنا فيها ليعزينا.

تفسير 1بطرس 3 1 بطرس 4 تفسير رسالة بطرس الأولى
تفسير العهد الجديد تفسير 1بطرس 5
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير 1 بطرس 4  تفاسير رسالة بطرس الأولى تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى