تفسير سفر أعمال الرسل ٤ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع

آيات (1،2) :-

وبينما هما يخاطبان الشعب اقبل عليهما الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون. متضجرين من تعليمهما الشعب وندائهما في يسوع بالقيامة من الأموات.

ما ضايق رؤساء اليهود هو تبشير التلاميذ بقيامة المسيح الذى صلبوه وهذا يعنى أنهم قتلة. وهذا التبشير حرك بعثة كبيرة للقبض على التلاميذ، من الكهنة وقائد جند الهيكل وهو المسئول عن أمن ونظام الهيكل فى الداخل والخارج وكان كاهناً يلى رئيس الكهنة ولم يكن ضابطاً عسكرياً. والصدوقيون = ومنهم رؤساء الكهنة ولهم علاقات حسنة مع السلطة الرومانية وكانوا يساعدون الرومان فى إخماد الثورات. ولأنهم لا يعتقدون فى القيامة من الأموات أهاجهم بشارة التلاميذ بأن المسيح قد قام. ضف إلى ذلك خوفهم على شعبيتهم ومصادر أموالهم.

آية (3) :-

فالقوا عليهما الأيادي ووضعوهما في حبس إلى الغد لأنه كان قد صار المساء.

هذه أول مرة يقضى فيها تلميذ للمسيح ليلته فى السجن. وبهذا بدأ الإضطهاد الرسمى للمسيحية وبدأت سلسلة الألام. ولاحظ أنهم وضعوهم فى الحبس إذ لا يجوز المحاكمة فى المساء، هنا إحترموا هذا القانون اليهودى أمّا مع المسيح فظلت المحاكمة طوال الليل.

آية (4) :-

وكثيرون من الذين سمعوا الكلمة أمنوا وصار عدد الرجال نحو خمسة آلاف.

فى مقابل الألام نجد أن الكنيسة تنمو. فالألام لا تمنع نمو الكنيسة بل تساعد على نموها.

 

آيات (5-7) :-

وحدث في الغد أن رؤساءهم وشيوخهم وكتبتهم اجتمعوا إلى أورشليم. مع حنان رئيس الكهنة وقيافا ويوحنا والاسكندر وجميع الذين كانوا من عشيرة رؤساء الكهنة. ولما أقاموهما في الوسط جعلوا يسألونهما بآية قوة وبآي اسم صنعتما أنتما هذا.

هؤلاء المجتمعون هم هيئة السنهدريم أى مجلس المشورة أو إدارة وهى كلمة أرامية. والسنهدريم هو أعلى محكمة فى إسرائيل وهم (70 شيخ + رئيس الكهنة فيصبح العدد الإجمالى 71. وكان تقسيمهم كالتالى 24 كاهناً + 24 شيخاً + 22 كاتباً) ومنهم فريسيين وصدوقيين. وكانوا 70 على غرار نظام السبعين شيخاً أيام موسى. والسنهدريم عقد أول إجتماع له سنة 200 ق.م. وإستمرت سلطاته حتى الحرب مع الرومان سنة 70م. وأيام الرومان كان لهم أن يحكموا بالإعدام على أن يوافق الوالى. ونلاحظ هنا أن الله رتب لرسله أن يشهدوا له داخل السنهدريم.

بأية قوة صنعتما هذا = إذاً فقد أقروا بالمعجزة فالكل رآها. وهم ربما ظنوا أنها قوة سحرية أو بقوة بعلزبول كما قالوا عن المسيح سابقاً. وبأى إسم = ربما تصوروا أنه بإسم أحد الأنبياء. بأى قوة صنعتما = السؤال فيه صيغة السخرية.

آيات (8-10) :-

حينئذ أمتلا بطرس من الروح القدس وقال لهم يا رؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل. أن كنا نفحص اليوم عن إحسان إلى إنسان سقيم بماذا شفي هذا. فليكن معلوما عند جميعكم
وجميع شعب إسرائيل انه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه انتم الذي أقامه الله من الأموات بذاك وقف هذا أمامكم صحيحا.

حينئذ إمتلأ بطرس مع الروح القدس = هذا هو وعد المسيح (مت 19:10 + لو 14:21) أن لا نهتم إذا وقفنا أمام ملوك وولاة فالروح القدس يعطينا فى ذلك الوقت ما نتكلم به، فعلينا أن لا نخاف أو لا نهتم. وهذا ما حدث لبطرس، بل هو وجه إتهاماً لشيوخ السنهدريم بأنهم صلبوا من أتى ليشفيهم ويشفى كل الشعب. الذى صلبتموه = هذا حكم السنهدريم على المسيح الذى أقامه الله = وهذا هو حكم الله على المسيح. وواضح بهذا أن بطرس يريد أن يقول لقد كان حكمكم باطل، فلقد أبطله الله بأن أقام المسيح، وهو يوجه لهم إتهاماً بأنهم وقفوا ضد الله. ونلاحظ أن رؤساء الكهنة ومجمع السنهدريم حينما قال بطرس أن الله أقام المسيح لم يجسروا أن يقولوا له وللتلاميذ أنكم سرقتموه والحراس نيام فهم يعلمون أنهم دفعوا رشوة للحرس ليقولوا ذلك. إمتلأ بطرس من الروح = هو سبق وإمتلأ يوم الخمسين، ولكن هذه تعنى قوة جديدة أعطاها له الروح القدس وحكمة وفهم وقوة للرد على السنهدريم. من أجل إحسان = هذه سخرية من المجمع وتعنى أننى أحاكم من أجل إحسان عملته.

آية (11) :-

هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون الذي صار راس الزاوية.

الإقتباس من (مز 22:118). وقد إستخدم المسيح نفسه هذه الآية عن نفسه (مر 7:12-11 + مت 42:21-44 + أش 14:8-16 + 16:28 + رو 32:9،33 + 1بط 3:2-5 + أف 20:2-23). فالمسيح حجر ربط بين عهدين قديم وجديد وبين يهود وأمم وبين السماء والأرض.

آية (12) :-

وليس بأحد غيره الخلاص لان ليس اسم أخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص.

هم سألوا عن الإسم الذى استخدمه الرسل لشفاء الأعرج. وبطرس يرد أنه لا يوجد سوى إسم المسيح الذى به لا نشفى من أمراضنا الجسدية فقط بل به نخلص أى نشفى روحياً. ما قاله بطرس هنا هو دعوة للسنهدريم ليؤمنوا فيشفوا.

آية (13) :-

فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ووجدوا انهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا فعرفوهما انهما كانا مع يسوع.

مجاهرة = تشير لكلام بطرس بثقة وعدم إضطراب وجسارة والكلمة الأصلية تشير للحديث بحرية وإنطلاق.

عديما العلم = أى لم يتعلما فى مدارس الربيين. وما أدهشهم إستخدام بطرس للنبوات، وهم يظنون أن لا أحد يفهمها سوى الربيين (يو 15:7) ولكن الله يفتح الذهن ليفهم العامى كلام الكتاب (لو 45:24). أليس هذا هو عمل الروح القدس، أن يعلمنا كل شئ.

كانا مع يسوع = المسيح يحيا فى رُسِلهِ. المحكمة بدأ يسيطر عليها الشعور بوجود يسوع فتلاميذه لهم نفس صفاته (الجرأة والعلم والمعجزات).

آية (14) :-

ولكن إذ نظروا الإنسان الذي شفي واقفا معهما لم يكن لهم شيء يناقضون به.

ما أغلق المناقشة أن الأعرج الذى شُفِىَ هو خير شاهد لبراءتهما. وكان الأعرج الذى شفى جريئاً فهو لم يتركهما ويهرب.

آيات (15،16) :-

فأمروهما أن يخرجا إلى خارج المجمع وتأمروا فيما بينهم. قائلين ماذا نفعل بهذين الرجلين لأنه ظاهر لجميع سكان أورشليم أن أية معلومة قد جرت بأيديهما ولا نقدر أن ننكر.

المجمع = هو السنهدريم أى المحكمة العليا.. وهناك سؤال.. من الذى أخبر التلاميذ بما دار سراً فى جلسة المداولة؟ غالباً هو بولس تلميذ غمالائيل.

آيات (17،18) :-

ولكن لئلا تشيع اكثر في الشعب لنهددهما تهديدا أن لا يكلما أحدا من الناس فيما بعد بهذا الاسم. فدعوهما وأوصوهما أن لا ينطقا البتة ولا يعلما باسم يسوع.

هنا نرى خوفهم ورعبهم من إسم يسوع الذى صلبوه. ولكن كيف ينكرون الحق؟ لابد أن الشيطان الذى حركهم ليصلبوا المسيح مازال مسيطراً عليهم. بهذا الإسم = نلاحظ أنهم تحاشوا ذكر إسم يسوع رُعباً منه. فهم رفضوا الخلاص لأنهم طلبوا مجد الناس.

آيات (19،20) :-

فأجابهم بطرس ويوحنا وقالا أن كان حقا أمام الله أن نسمع لكم اكثر من الله فاحكموا. لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا.

الروح القدس أعطى التلاميذ جرأة ليعلنوا إصرارهم على الشهادة بإسم يسوع الذى أحبوه وشاهدوا قيامته بعد صلبه.

آيات (21،22) :-

وبعدما هددوهما أيضا أطلقوهما إذ لم يجدوا البتة كيف يعاقبونهما بسبب الشعب لان الجميع كانوا يمجدون الله على ما جرى. لان الإنسان الذي صارت فيه أية الشفاء هذه كان له اكثر من أربعين سنة.

واضح هنا تخبط المحكمة. وربما هم أطلقوها حتى يستميلوهما فلا يتكلما بإسم المسيح. وربما خوفاً من الجماهير الذين إنبهروا بالمعجزة.

آيات (23،24) :-

ولما أطلقا أتيا إلى رفقائهما واخبراهم بكل ما قاله لهما رؤساء الكهنة والشيوخ. فلما سمعوا رفعوا بنفس واحدة صوتا إلى الله وقالوا أيها السيد أنت هو الإله الصانع السماء
والأرض والبحر وكل ما فيها.

هم يصلون لرفع القضية لله، الإله الصانع السماء والبحر = أى أنت ضابط الكل ولك السلطان المطلق على كل الخليقة بما فيها السلطات الكائنة مثل مجمع السنهدريم والرومان. ما قاله لهما رؤساء الكهنة = أى لا يعلما بإسم يسوع.

آيات (25-28) :-

القائل بفم داود فتاك لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب بالباطل. قامت ملوك الأرض واجتمع الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه. لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل. ليفعلوا كل ما سبقت فعينت يدك ومشورتك أن يكون

الإقتباس من مز2. فتاك = تترجم عبد أو فتى إشارة لجسد المسيح الذى أخذه من العذراء. مسحته = حل عليه الروح القدس وتخصص ككاهن وكذبيحة إثم عن الناس. ومعنى صلاتهم أن العالم هائج على المسيح ومن يتبع المسيح. وكما إنتصر المسيح ستنتصر كنيسته.

آيات (29،30) :-

والآن يا رب انظر إلى تهديداتهم وامنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة. بمد يدك للشفاء ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع.

هنا يرفعوا أمام الله قضيتهم إذ بدأ الإضطهاد ضدهم وهم يطلبون قوة ومعونة ليكملوا شهادتهم عن المسيح. ولاحظ أنهم لم يطلبوا توقف الإضطهاد ضدهم.

آية (31) :-

ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه وأمتلا الجميع من الروح القدس وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة.

تزعزع المكان = إعلان عن حضور الروح القدس الذى هو فوق الطبيعة الزائلة. فطبيعة المادة أنها من عدم وستزول. وأمام عمل الله الحقيقى يتزعزع الباطل. هم طلبوا قوة الله وكانت زعزعة المكان إستجابة من الله أنه حاضر بقوته وأن العالم كله يتزعزع أمامه. المكان يتزعزع أما التلاميذ فيمتلئون بالروح.

إمتلأ الجميع = الإنسان المؤمن صار مسكناً لله فلا يتزعزع بل الله من محبته يملأه من روحه. ونحن فى حاجة إلى الإمتلاء المستمر المستمر بالصلاة بلجاجة، مثل المصباح المحتاج دائماً لملئه بالزيت. ونحن نسمع هنا أنهم إمتلئوا وسمعنا سابقاً أنهم إمتلئوا (4:2). إذاً الإمتلاء عملية مستمرة نحصل بها على نعمة فوق نعمة (يو 16:1) وعلى مزيد من القوة، هنا نرى الكنيسة تحول ألامها ومشقاتها إلى صلاة تعطيها مزيداً من الملء.

آية (32) :-

وكان لجمهور الذين أمنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن أحد يقول أن شيئا من أمواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركا.

لما ظهرت جسامة الخدمة ما عاد الرسل يهتمون بأملاكهم بل باعوا كل شئ ليتفرغوا للخدمة (مت 29:19 + مر 29:10،30) هنا نجد أقوال السيد المسيح التى حركتهم لترك كل شئ، فمن وجد اللؤلؤة كثيرة الثمن يبيع كل اللألئ ليشتريها. هم ذاقوا طعم الإمتلاء من الروح القدس فحسبوا كل شئ نفاية وتجردوا عن ممتلكاتهم. وتجردهم عن ممتلكاتهم سهل الكرازة لهم فى كل العالم إذ لم يعودوا مرتبطين بأورشليم فهم لا يمتلكون فيها شيئاً. وعموماً حينما تصل الكنيسة لمستوى الوحدة كجسد واحد وروح واحد تختفى الذاتية والفردية والإحساس بالملكية والأنانية. وكان هذا طلب المسيح فى (يو 17) أن يصير الكل واحداً.

والنمط الذى طلبه المسيح للوحدة فى الكنيسة هو نفس النمط الذى عليه الوحدة داخل الثالوث (يو 21:17،22). وهذه قال عنها المسيح “كل ما هو لى فهو لك” (يو 10:17). والمعنى أن كل ما هو لى يكون للآخر وما هو للآخر يكون لى. وهناك مفهوم آخر. فالإبن أتى ليستعلن مجد الآب ويشهد للآب ويمجد الآب (يو 4:17 + 34:4). والآب يمجد الإبن ويشهد له (يو 5:17 + مت 17:3 + مت 5:17 + يو 28:12،29،30) والروح القدس يشهد للمسيح ويمجده (يو 26:15 + يو 14:16،15). فكل أقنوم يشهد ويمجد الآخر، هذه هى المحبة التى يطلبها الله فينا. وهذه هى الوحدة التى يطلبها فينا.

آية (33) :-

وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم.

بقوة عظيمة = هذا نتيجة طبيعية لإمتلائهم بالروح الذى كان ثمرة طبيعية لصلواتهم التى إستجابها الله.

آيات (34،35) :-

إذ لم يكن فيهم أحد محتاجا لان كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات. ويضعونها عند أرجل الرسل فكان يوزع على كل أحد كما يكون له احتياج؟

الأغنياء وفروا إحتياجات الفقراء، لقد صارت الكنيسة سماء على الأرض.

آيات (36،37) :-

ويوسف الذي دعي من الرسل برنابا الذي يترجم ابن الوعظ وهو لأوى قبرسي الجنس.إذ كان له حقل باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل.

هنا نتعرف على برنابا الذى سيرافق بولس الرسول، وأنه باع ما يمتلكه هو أيضاً وربما كانت ممتلكاته فى قبرص. فاللاوى لا حق له أن يمتلك أرضاً فى إسرائيل. وغالباً كانت أملاك برنابا ضخمة تستحق الإشارة لأنه ترك كل هذا.

فاصل

سفر أعمال الرسل : 123456789101112131415161718192021222324  – 25262728

تفسير سفر أعمال الرسل : مقدمة1 23456789101112131415161718192021222324 25262728

زر الذهاب إلى الأعلى