تفسير رسالة العبرانيين اصحاح 6 للقمص أنطونيوس فكري

شرح رسالة العبرانيين – الاصحاح السادس

الآيات 1-3 :- التقدم نحو الكمال فى المسيحية ضرورة حتمية.

الآيات 4-8 :- مصير المرتدين عن الإيمان.

الآيات 9-12:- عودة إلى التشجيع وإلقاء الرجاء فى قلوبهم.

الآيات 13-20:- صدق مواعيد الله.

 

الآيات 1 – 3 :- لذلك و نحن تاركون كلام بداءة المسيح لنتقدم الى الكمال غير واضعين ايضا اساس التوبة من الأعمال الميتة و الإيمان بالله. تعليم المعموديات ووضع الأيادي قيامة الأموات و الدينونة الأبدية. و هذا سنفعله ان اذن الله.

لذلك = قوله لذلك يعنى أنه ربما لم تجدوا من يعلمكم فسأقوم أنا بذلك.

تاركون = تفيد فى أصلها اللغوى الترك للتقدم. والمعنى أنه بالرغم من تدهوركم فى مستواكم الروحى وقد صرتم كأطفال روحيين وعدم فهمكم إلا أنى سأترك الحديث عن الأساسيات وأدخل فى الحديث عن التعاليم الكاملة للكاملين = لنتقدم إلى الكمال. لذلك علينا أن نفهم أن المسيحية أما هى تقدم نحو الكمال أو هى تقهقر وموت. (يو 12 : 35) + (فى 3 : 12 – 14). لنتقدم = تحمل معنى محمولين وهذا ما يؤمن مسيرتنا. فلنجاهد والله سيحملنا للكمال. والرسول هنا يضع ستة بنود كأساسيات للإيمان المسيحى. كل إثنين مرتبطين معاً. وهذه الأساسيات لا تحتاج إلى تفسير فهى الحروف الأبجدية للمؤمن. ونلاحظ فيها منهج التدرج فالتوبة تسبق الإيمان وكلاهما يسبق المعمودية وبعد المعمودية وضع اليد وتأتى القيامة بعد المعمودية. فالمعمودية تعطى حياة مقامة مع المسيح. وفى نهاية حياتنا الدينونة. والإنسان المقام مع المسيح يحيا فى هذه الدنيا وعينه على الدينونة ونجد فى النقاط التالية 1 – 6 هذا الترتيب

1، 2 :- التوبة والإيمان :- بدأ بالتوبة فلا إيمان حقيقى بدون توبة (يع 2 : 14، 18). وكان المؤمن يقدم توبة ويعلن إيمانه قبل أن يعمدوه.

3، 4 :- المعمودية ووضع الأيادى :- من أساسيات الحياة المسيحية أن يتقبل الإنسان الدفن مع المسيح فى المعمودية لينعم بالحياة المقامة معه. أى ينال حياة جديدة فى المسيح (رو 6 : 4) وينعم بحلول الروح القدس خلال وضع الأيادى ليصير الإنسان هيكلاً مقدساً.

5، 6 :- قيامة الأموات والدينونة الأبدية :- القيامة هى رجاء كل مؤمن حيث ينعم الجسد والروح بالحياة الأبدية على مستوى ملائكى ويحيا مترقباً الدينونة الأبدية لينال إكليله. 

1، 2 :-يمثلان الأساس الذى تقوم علية حياتنا، الإيمان الحى المعلن خلال التوبة من الأعمال الميتة.

3، 4 :- يمثلان إمكانية عمل الله فينا أى التمتع بالبنوة وسكنى الروح القدس فينا.

5، 6 :- هما رجاء المؤمن بدونهما يفقد طريقه ويتحطم باليأس.

وقوله المعموديات = أى هو لم يدخل فى الأساسيات ليشرح الفروق بين الغسلات والتطهيرات اليهودية وبين معمودية يوحنا  وبين معمودية المسيح.

وهذا سنعمله إن أذن الله = هو لم يعود فى رسالة العبرانيين لشرح هذه المسائل وربما كان ناوياً أن يشرح هذا لهم فى زيارتة المرتقبة. (عب 13 : 23).

 

الآيات 4 – 6 :- لأن الذين استنيروا مرة و ذاقوا الموهبة السماوية و صاروا شركاء الروح القدس. و ذاقوا كلمة الله الصالحة و قوات الدهر الآتي. و سقطوا لا يمكن تجديدهم ايضا للتوبة إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية و يشهرونه.

لأن الذين استنيروا = قبلوا المعمودية. وذاقوا الموهبة السموية = حل عليهم الروح القدس فتذوقوا حلاوة ثماره من فرح وسلام وشعروا وتذوقوا حلاوة المغفرة وصاروا شركاء للروح القدس وتذوقوا الجسد والدم فى التناول. هؤلاء صارت لهم خبراتهم الشخصية. وذاقوا كلمة الله الصالحة = ذاقوا حلاوة وتعزية كلمة الأنجيل وما تحمله من لذة وفرح وسلام للنفس. وقوات الدهر الآتى = هنا نجد أن وعى الإنسان تفتح إلى أن يطلع على أسرار الحياة الأبدية ولذتها، هذه ننظرها الأن كما فى لغز كما فى مرآة ولكنها ستتضح فى الدهر الآتى (1كو 13 : 12).

وسقطوا = أنكروا المسيح تحت ضغط الإضطهاد.

ملحوظة :- فى كل ما ذكر من عطايا لمن سقطوا لم تذكر المحبة فالمحبة لا تسقط أبداً.

لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة = لا يمكن لشخص ما أن يعيدهم للتوبة. إرتدادهم يشير لعدم ثباتهم فى المسيح. هو إرتدوا وفى عناد يرفضون الرجوع للإيمان وبإنكارهم وجحدهم للمسيح وربما بإساءتهم للمسيح يكونون كمن يصلبون لأنفسهم إبن الله ثانية ويشهرونه = هم كما لو كانوا يكررون عملية صلب المسيح ثانية.كلمة لا يمكن تجديدهم للتوبة لا تشير أن الله قد أغلق مراحمه دونهم، بل الله يقدم الفرصة للشرير تلو الفرصة. ولكن عدم إمكانية تجديدهم راجع لعنادهم ورفضهم قبول الوسائل التى تجدد الحياة الروحية. الروح القدس يدعو بإستمرار للتوبة ولكن هناك من يقاوم الروح وهناك من يطفئ الروح وهناك من يحزن الروح. والسقوط على درجات تنتهى بالتجديف على الروح القدس وهنا لا يمكن التوبة، وهذا ما أسماه القديس يوحنا اللاهوتى الخطية التى للموت (1يو 5 : 16). ولنلاحظ أن من لا يتحرك دائماً للكمال والنمو فهو معرض للإنهيار، والإنهيار يصل لهذه الدرجة المخيفة وضياع فرصة التوبة.

ولكن هناك من يسقط عن ضعف ولكن الحب فى قلبة والإيمان فى قلبه مثل بطرس وهذا يسنده المسيح ويقيمه. ولكن هناك من يسقط بكل إرادته ونيته وتصميمه وهذا لا يمكن تجديده وهذا مثل يهوذا ولنلاحظ أن يهوذا عمل معجزات وأخرج شياطين. والقديس يوحنا ذهبى الفم إستخدم هذه الآية ليشرح أن المعمودية لا تعاد لمن أنكر المسيح وعاد بالتوبة وفسرها كالأتى:

وسقطوا = أنكروا المسيح تحت ضغط الإضطهاد.. لا يمكن تجديدهم للتوبة = لا يمكن إعادة معموديتهم

 (كان بعض منهم إذ تعودوا على تكرار الإغتسال وهم يهود يريدون تكرار المعمودية وهنا الرسول يمنعهم).

 إذ هم يصلبون = فالمعمودية هى صلب مع المسيح وإعادتها تكرار للصلب. 

 

الآيات 7، 8 :- لأن ارضا قد شربت المطر الآتي عليها مرارا كثيرة و انتجت عشبا صالحا للذين فلحت من اجلهم تنال بركة من الله. و لكن إن اخرجت شوكا و حسكا فهي مرفوضة و قريبة من اللعنة التي نهايتها للحريق.

القلب الذى يتقبل نعم الله المجانية هو كالأرض التى تتقبل المطر = عطايا ومواهب الروح القدس التى ننالها بالمعمودية والميرون وتعلم كلمة الله. ومن كانت له ثمار الروح القدس يباركه الله. أما من حل عليه الروح القدس ولم تكن فى حياته ثمار من فضائل روحية بل أشواك خطية فهو معرض لنار الدينونة.

 

آية 9 :- و لكننا قد تيقنا من جهتكم أيها الأحباء أمورا افضل و مختصة بالخلاص و ان كنا نتكلم هكذا.

بعد أن جرح بمشرطه كطبيب ها هو يداوى الجرح ويشجع المريض حتى لا ييأس. هو زرع هنا روح الرجاء فيهم مؤكداً أنه لا يرى فيهم أرض لعنة بل أرض بركة.

وإن كنا نتكلم هكذا = أى من الأفضل أن أرعبكم حتى لا تسقطوا فى الإرتداد.

 

الآيات 10 – 12 :- لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم و تعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه اذ قد خدمتم القديسين و تخدمونهم. و لكننا نشتهي ان كل واحد منكم يظهر هذا الأجتهاد عينه ليقين الرجاء إلى النهاية. لكي لا تكونوا متباطئين بل متمثلين بالذين بالإيمان و الأناة يرثون المواعيد.

نرى فى هذه الآيات ثلاثية بولس الرسول الإيمان والرجاء والمحبة (1كو 13 : 13) ففى آية (10) نرى المحبة وفى آية (11) نرى الرجاء وفى آية (12) نرى الإيمان.

فى آية (10) يذكرهم بأعمال محبتهم التى أظهروها للقديسين الذين كانوا فى إحتياج لخدمتهم وفى آية (11) نصيحة عملية لهم ولنا :- كيف نقتنى الرجاء إلى النهاية ؟ الإجابة بالإجتهاد فى خدمة المحبة للقديسين والإجتهاد فى الصلاة ودراسة كلمة الله، أى فى عشرة حلوة مع الله. وفى آية (12) إذ كان هناك رجاء بالمواعيد فكيف يكون هناك إهمال فى أمور الإيمان والخلاص إذ كان هناك رجاء أى أمل فى مواعيد الله اليقينية فكيف نتباطئ فى مسيرتنا أى جهادنا.

 

آية 13 :- فإنه لما وعد الله ابراهيم اذ لم يكن له اعظم يقسم به اقسم بنفسه.

بعد أن تكلم عن الجهاد الصادر عن إيمان يضرب مثالاً بإبراهيم كنفس مؤمنة ترجمت إيمانها عملياً خصوصاًفيما يخص القديسين وخدمتهم (ضيافة الملائكة وقارنها بالآية10) فنال الوعود الإلهية وبقسم إلهى. ولماذا أقسم الله ؟ كان الموعد سيتحقق بعد زمن طويل فكان هناك 25 سنة بين الموعد وبين تنفيذه بميلاد إسحق، وعد الله بالبركة سينفذ مرحلياً، أولاً بولادة إسحق وعلى المدى البعيد بمجئ المسيح من نسل إبراهيم. وكأن الله يقسم لإبراهيم ليطلب منه الصبر حتى يتحقق الموعد. وكأن بولس الرسول يطلب الصبر أيضاً من العبرانيين فمواعيد الله ستتحقق بالتأكيد لهم كما تحقق الوعد لإبراهيم فورث الأرض (بركات زمنية) وربح السماء (بركات روحية).

 

آية 14 :- قائلا اني لإباركنك بركة و اكثرنك تكثيرا.

راجع (تك 22 : 16، 17).

 

آية 15 :- و هكذا إذ تأنى نال الموعد 

وهكذا إذ تأنى = تشير لصبر إبراهيم. ونلاحظ حكمة الرسول فى أن يأخذ إبراهيم كمثال. وإبرهيم أتى قبل الناموس. والرسول يكلم العبرانيين الذين يهتمون بالناموس فوعد الله بالحياة والبركة سابق للناموس.

 

آية 16 :- فإن الناس يقسمون بالأعظم و نهاية كل مشاجرة عندهم لأجل التثبيت هي القسم.

هنا بولس يظهر أهمية القسم لهؤلاء العبرانيين. فالقسم هو لتعزيز صدق الأقوال. فما أقسم به وهو الله يكون شاهداً على ما قلته.

 

آية 17 :- فلذلك إذ اراد الله ان يظهر اكثر كثيرا لورثة الموعد عدم تغير قضائه توسط بقسم.

كون الله يتكلم ويعد فهذا شئ عظيم فكم وكم لو أقسم وهذا يعزينا أن وعود الله ستتم. هنا نرى أن الرسول بولس يرى أن وعد الله وقسمه لإبراهيم هو وعد لكل أبناء إبراهيم بالإيمان. فالله يريد أن يحول موتهم إلى حياة كما أخرج حياة من الموت لإبراهيم. والله أقسم أيضاً فى موضوع كهنوت المسيح الذى هو على طقس ملكى صادق، أى شفاعة المسيح لنا وإلى الأبد.

 

آية 18 :- حتى بأمرين عديمي التغير لا يمكن ان الله يكذب فيهما تكون لنا تعزية قوية نحن الذين التجانا لنمسك بالرجاء الموضوع امامنا.

الأمرين هما وعد الله وقسمه وهما لا يتغيران. تكون لنا تعزية = ماذا يعزينا ؟ إن الوعد الذى أعطى لإبراهيم قد تحقق فى المسيح بكرنا الذى نال الميراث لحسابنا فهو رئيس كهنتنا الأبدى. والتعزية تعطى شجاعة إحتمال قوية للإضطهاد والآلام. لذلك علينا أن نتمسك فى ثبات ويقين بالرجاء الذى ننتظره فى الحياة الأخرى ولكن الرجاء بدون إيمان خيال وأوهام.

 

آية 19 :- الذي هو لنا كمرساة للنفس مؤتمنة و ثابتة تدخل إلى ما داخل الحجاب. 

المسيحى كمن هو فى مركب آيل للغرق فى هذا العالم (بحر العالم) والرجاء هو المرساة التى تحمى مركب المسيحى من الغرق وهى مؤتمنة وثابتة. وما هو هذا الرجاء ؟ هو الوعد الذى وعد الله به إبراهيم وثبته بالقسم أن يبارك فى نسله وهذا قد تحقق  فى المسيح وصعوده للسموات وترائيه أمام الآب لأجلنا. ليكون نسل إبراهيم بالإيمان (المسيحيين) بلا عدد وموتهم يتحول لحياة.

 

آية 20 :- حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائرا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة الى الأبد.

هذا هو رجاؤنا أن يسوع دخل السماء كسابق لأجلنا لندخل معه. على رتبة ملكى صادق = أى هو دخل ليمارس عمله الكهنوتى كشفيع لنا.

تفسير عبرانيين 5 عبرانيين 6  تفسير رسالة العبرانيين تفسير العهد الجديد تفسير عبرانيين 7
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير عبرانيين 6  تفاسير رسالة العبرانيين تفاسير العهد الجديد

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى