تفسير إنجيل مرقس ٤ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع

الآيات (1-9،13-20):        في كتاب إنجيل متى (مت1:13-9،8-23)

الآيات (10-12):              في كتاب إنجيل متى (مت10:13-17)

الآيات (21-25) + (لو16:8-18) (مثل السراج)

الآيات (مر21:4-25): “فسخروا رجلاً مجتازاً كان آتياً من الحقل وهو سمعان القيرواني أبو الكسندرس وروفس ليحمل صليبه. وجاءوا به إلي موضع جلجثة الذي تفسيره موضع جمجمة. وأعطوه خمراً ممزوجة بمر ليشرب فلم يقبل. ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها ماذا يأخذ كل واحد. وكانت الساعة الثالثة فصلبوه.”

الآيات (لو16:8-18): “وليس أحد يوقد سراجاً ويغطيه بإناء أو يضعه تحت سرير بل يضعه على منارة لينظر الداخلون النور. لأنه ليس خفي لا يظهر ولا مكتوم لا يعلم ويعلن. فانظروا كيف تسمعون لأن من له سيعطى ومن ليس له فالذي يظنه له يؤخذ منه.”

هل يؤتى بسراج ليوضع تحت مكيال= مجد المسيح لن يُخفى، بل سيُعرف في كل العالم، وتعاليمه سيعرفها الجميع وستعلن للعالم عن طريق تلاميذه وعن طريقنا نحن إذ نطبق تعاليمه ووصاياه فنكون نوراً للعالم، نكون نوراً إذ يحيا المسيح فينا، والمسيح هو الذي سيظهر فينا، نوراً في أعمالنا وأحاديثنا. حقاً المسيح يطلب أن تكون حياتنا في الخفاء، أي كل صلواتنا وأصوامنا في الخفاء، ولكن معنى هذا أن لا نبحث عن مجد شخصي لنا، بل نبحث عن مجد المسيح في أي عمل نقوم به، ومن يبحث عن مجد المسيح سيجعله المسيح نوراً للعالم لا يمكن أن يختفي. فالسراج هو كلمة الله (المسيح هو كلمة الله) وهو تعاليم السيد المسيح التي علينا أن ننشرها ولا نخفيها. المكيال= يستخدم للبيع والشراء (لكيل البذار ويسع كيلة قمح). فما يخفي نور المؤمن هموم المكسب والخسارة وهموم لقمة العيش، والمقاييس البشرية التي تفقد الإنسان إيمانه بالله العامل فوق كل الحدود البشرية (يو7:6). والمكيال هو حب المال ونسيان حقوق الله (نش2:3). المكيال هو الإنشغال بالعالم وهو المقاييس المادية للعالم التي تخفي كلمة الله. السرير= هو إشارة للكسل والنوم والتراخي، وهذا لا يليق بتلاميذ المسيح (نش1:3) “في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي طلبته فما وجدته”

ولاحظ أن هذا المثل يأتي وراء مثل الزارع، فمن يتقبل كلمة الله في قلبه ويكون أرضاً جيدة سيكون نوراً للعالم. ويكون سراجاً متقداً بزيت النعمة، أي مملوءاً من الروح القدس الذي يلهب قلوب أولاد الله حباً وغيرة على مجد الله. وما يطفئ هذه النار هو التراخي والكسل أو الإنشغال عن الله بسبب ماديات هذا العالم. والمنارة هي إشارة للشهادة للحق والخدمة، هي الكنيسة. والنور الذي هو المسيح، الذي كان مكتوماً فينا حينئذ سيظهر للعالم كله من خلال الشهادة للحق والأعمال الصالحة التي يراها الناس فيمجدوا أبونا السماوي. كل هذا ليس منّا بل من المسيح الذي يحيا فينا، مجده هو الذي سيظهر. والمنارة مرتفعة إشارة لحياة المؤمنين السماوية المرتفعة عن ملذات وشهوات هذا العالم. فيكونوا نوراً للعالم. ليس ش خفي لا يُظهر= إذ أخفينا كلمة الله بحياتنا الأرضية وخطايانا ستظهر في حياة آخرين، لكن نكون قد خسرنا فرصة العمل في خدمة المسيح وهي أيضاً ملكوت المسيح الذي بدأ وسط الإثنى عشر ثم إنتشر في العالم كله. ولا صار مكتوماً= بدأ الملكوت وتعاليم المسيح مكتومة بل وشخص المسيح غير معروف من هو (حتى التلاميذ ما كانوا يعرفون حقيقة المسيح)، كان مخفياً في البداية، ثم عُرِف كل شئ بعد ذلك. إن كان لأحد أذنان..= الملكوت سيعلن وسيعرفه من له أذنان وليس كل العالم. وفي لوقا يقول أنظروا كيف تسمعون= فمن يسمع ويريد أن يفهم، وليس له نية أن يعاند ويقاوم، بل له نية أن ينفذ مثل هذا يكون له أذنان للسمع وسيسمع ويفهم ويؤمن، أمّا من يسمع وهو يريد أن يعاند ويقاوم، أو يسمع دون نية على التنفيذ فهو لن يسمع ولن يفهم، بل الذي يظنه له من معرفة وحكمة عالمية سوف يؤخذ منه. وهنا يضيف معلمنا مرقس= بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويُزاد= بحسب طريقتكم في السماع، لو بإستهتار أو بعناد ومقاومة، حينئذ ستكونون كمن بلا أذان، ولن تفهموا شيئاً وستكونون بلا بصيرة. أو لو كان سماعكم بقلوب بسيطة تريد أن تفهم سأعطيكم فهماً وإستنارة. المنارة هي الكنيسة والسرج هي الخدام وهم كل مؤمن ينفذ وصايا المسيح. من له سيعطى=من كان أميناً سيزداد دائماً، هذا للخدام في خدمتهم وللشعب في طريقة حياتهم. أنظروا ما تسمعون= أي تأملوا هذه التعاليم أولاً وتشبعوا بها في نفوسكم قبل أن تعلموها للآخرين. نفذوا أنتم أولاً هذه التعاليم ثم علموها. أما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه= من يهمل في حياته الروحية يزداد فقراً، من هو ليس أميناً ويجحد الرب مثل اليهود فالذي كان عندهم أخذ منهم فراحت منهم أورشليم وهيكلهم، وفقدوا حكمتهم وفهمهم للناموس فبعد أن كانوا يفهمون النبوات وينتظرون المسيح، صاروا يجهلون كل شئ. وفي حياتنا الروحية إن رفضنا عمل الله فحتى ما نلناه بالطبيعة من مواهب سيؤخذ منا. لذلك نجد أن بعض البشر يسلكون كحيوانات، بل أقل من الحيوانات (فالشذوذ الجنسي غير معروف وسط معظم الحيوانات)

حقاً.. نرى في هذا المثل.. إمّا أن يصير المؤمن نوراً لا يُخفى أو يصير ظلمة. فالله أعطى لكل منا مواهب ووزنات لا ليستمتع بها في ملذاته بل ليشهد بها لله ويمجد إسمه (1بط10:4). فإن لم يصنع ويمجد إسم الله فمن العدل أن يًحرم من هذه المواهب.

 

الآيات (مر26:4-29) نمو البذار

الآيات (مر26:4-29): “وقال هكذا ملكوت الله كان إنساناً يلقي البذار على الأرض. وينام ويقوم ليلاً ونهاراً والبذار يطلع وينمو وهو لا يعلم كيف. لأن الأرض من ذاتها تأتى بثمر أولاً نباتاً ثم سنبلاً ثم قمحاً ملآن في السنبل. وأما متى أدرك الثمر فللوقت يرسل المنجل لأن الحصاد قد حضر.”

القديس مرقس هو الوحيد الذي يذكر هذا المثل “البذور التي تنمو في السر” وهو مقابل لمثل الخميرة.

ربما إستصعب التلاميذ العمل، وكيف يقدمون نوراً للعالم، لذلك يؤكد لهم السيد هنا أن العمل الكرازي، وعمل الخدمة هو عمل إلهي مستمر، له فاعليته في حياة الآخرين. الكارز أو الخادم يلقي الكلمة في القلوب والله ينميها كيف؟ لا نعرف. هنا الإنسان الذي يلقي البذار على الأرض هو الكارز أو الخادم. (هناك من قال أنه المسيح.. ولكن لا يصح أن تقال باقي الكلمات عن المسيح ينام ويقوم ليلاً ونهاراً.. وهو لا يعلم). فالخادم يلقي البذار أي كلمة الله، والله في سرية له عمله الخفي في القلوب التي يقيمها معه بطريقة لا يمكن لنا إدراكها. ويفاجأ الخادم بنمو الملكوت. نحن نجهل طريقة نمو البذار، ولكننا نرى نتائجها وربما بعد مدة. النمو هو عمل الروح القدس في النفس وليس عمل الخادم. فالخادم يجهل كيف تنمو الكلمة. سمعت هذا الاعتراف من أحد خدام الكنيسة الموقرين خارج مصر:- قال في حفل أقيم له في مصر حضره خادم مدارس الأحد الذي كان يخدمه منذ ثلاثين عاماً، قال لخادمه هذا في الحفل.. لطالما زرتني وإفتقدتني، وكنت آخذ كلامك بسخرية، ولطالما إحتملتني لمدة سنوات، وإذا حضرت فصل مدارس الأحد كنت أسخر من كل ما أسمعه، ولطالما أتعبتك في مناقشات حول صحة الفلسفات الإلحادية. وسافرت للخارج.. وهناك وأنا وحدي كانت كلماتك ترن بشدة في أعماقي، وحولتني تدريجياً إلى الكنيسة وهناك وصلت لأعلى درجات الخدمة.. لقد نمت الكلمات بطريقة سرية، مع أن الخادم نفسه كان يائساً من إصلاح هذا الشاب الذي كان يظنه في طريقه للإلحاد. حقاً ليس الغارس شيئاً ولا الساقي بل الله الذي يُنمي (1كو7:3). ولكن على الخادم أن يصبر. وفي النهاية سيأتي الملائكة كحاصدين قادمين بالمنجل السماوي يحصدون لحساب ملكوت الله ثماراً مفرحة. وقد يشير المنجل للحصاد الآن على الأرض، فكل من نمت داخله البذار يخطفه منجل الله ليترك خدمة العالم ويبدأ في خدمة الله وكنيسته، مثل هذا الخادم الذي ذكرنا قصته. الأرض من ذاتها تأتي بثمر= الأرض إشارة إلى طبيعة البشر بعد أن صارت خليقة جديدة (1كو17:5)

الآيات (30-32)               في كتاب إنجيل متى (مت31:13-32)

الآيات (33،34)               في كتاب إنجيل متى (مت34:13،35)

الآيات (35-41)               في كتاب إنجيل متى (مت23:8-27)

فاصل

إنجيل معلمنا مرقس: 12345678910111213141516

تفسير إنجيل معلمنا مرقس: 12345678910111213 141516

 

زر الذهاب إلى الأعلى