تفسير إنجيل متى 22 للقمص انطونيوس فكري

الأصحاح الثاني والعشرون

المثل الثالث: عُرْس ابن الملك (مت1:22-14)

الآيات (1-3): “وجعل يسوع يكلمهم أيضًا بأمثال قائلًا. يشبه ملكوت السماوات إنسانًا ملكًا صنع عرسًا لابنه. وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس فلم يريدوا أن يأتوا.”

العريس هو المسيح والعروس هي الكنيسة ككل أو كل نفس بشرية، فالنفس مدعوة لا أن تكون متفرجة في هذا العرس بل هي العروس التي تتحد بعريسها على مستوى أبدي. وما هو العرس؟ هو دعوة لكل نفس للفرح الدائم من خلال أسرار مقدسة وغفران وسلام يفوق العقل وتعزيات وأفراح روحية. ولكن للأسف فهناك نفوس من أجل بؤسها الداخلي ترفض أن تفتح قلبها لعريسها لتفرح. والمثل قاله المسيح عن اليهود الذين يرفضونه، وقد أرسل لهم رسلهُ بل هو أتى شخصيًا ليدعوهم ولكنهم رفضوه ورفضوا تلاميذه. ونلاحظ أن المسيح لا يرغب أن يغتصب قلب عروسته بغير إرادتها فهو يرسل عبيده ليقنعوها أن تقبله باقتناع كامل، يعلن حبه تاركًا لها الاختيار. والمسيح لا يمل من أن يرسل لنا دائمًا رسله لدعوتنا من خلال خدامه وإنجيله وصوت الروح القدس ومن خلال ظروف وأحداث الحياة. وهو واقف على الباب ويقرع .. (رؤ20:3). ونلاحظ أن هناك إرساليتين (آية3) هم أنبياء العهد القديم الذين تنبأوا عن المسيح. ثم (آية4) هم التلاميذ والرسل والكنيسة. يشبه ملكوت السموات= الملكوت السماوي هو الكنيسة وهي في عرس دائم، أقامها الملك= الآب لابنه ينعم بها، وتنعم هي بحلوله في وسطها. وبإتكائها على صدره، تتقبل منه أسرار أبيه وتتمتع بإمكانياته الإلهية حتى ترتفع به وفيه إلى حضن أبيه تنعم بشركة أمجاده.

  • هذا المثل قدّمه المسيح لقادة اليهود ولليهود الذين رفضوا ملكوت المسيا السماوي وهو مقدم لكل نفس منّا ترفض ملكوته الحقيقي في داخلها.

 

آية (4): “فأرسل أيضًا عبيدًا آخرين قائلًا قولوا للمدعوين هوذا غذائي أعددته ثيراني ومسمناتي قد ذبحت وكل شيء معد تعالوا إلى العرس.”

تعالوا إلى العرس= هذه دعوة تحمل قوة وسلطانًا تقدر أن تجتذب القلب إلى العريس، لكن دون إلزام أو إجبار. وقد دفع العريس ثمن الدعوة من حياته التي بذلها كذبيحة لمصالحتنا مع الآب= ثيراني ومسمناتي قد ذبحت. بل أعطى لنا جسده مأكلًا ودمه مشربًا= هوذا غذائي قد أعددته. فالآب هو صاحب الدعوة. والابن  هو العريس الذي يدفع تكاليف العرس. والروح القدس هو الذي يعمل فينا ليهيئنا للعرس. وهذا ما يقدم للابن الضال حين يعود، أن يأكل من العجل المسمن (لو22:15-24)

 

الآيات (5-6): “ولكنهم تهاونوا ومضوا واحد إلى حقله وآخر إلى تجارته. والباقون امسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم.”

هذا ما فعله اليهود إذ رفضوا الدعوة. وهناك حتى الآن من يرفض دعوة المسيح للولائم الروحية فلا وقت لديهم بسبب أعمالهم. تهاونوا= لأنهم اعتمدوا على أنهم أولاد إبراهيم وأن لهم الهيكل والناموس والوعود. (أر1:7-7) وهؤلاء يمثلون من يرفض التوبة والعمق مكتفيًا بأنه مسيحي، هذا يُحرم من أفراح العُرس. وهناك من يرفض المسيح لانشغاله بأموره الزمنية= حقله.. تجارته. وهذا يمثل من يدعي أن لا وقت لديه للانشغال بالروحيات بسبب أعماله وظروفه. أمّا بالنسبة لليهود فإن قادتهم إنصرفوا عن المسيح لاهتمامهم بالتجارة في الدين وتحولت العبادة إلى بيع وشراء. وانشغل كل واحد بأملاكه أي حقله. ثم قاموا على المسيح وتلاميذه وقتلوهم إذ ظنوا أن المسيح وبالتالي تلاميذه سيحرمونهم من أملاكهم وتجارتهم.

ونلاحظ التسلسل [1] تهاونوا.. [2] مضوا إلى حقله= الاهتمام بنفسه وبأملاكه [3] الاهتمام بتجارته= لقد تحوَلت حياة الشخص لتجارة في كل شيء [4] الهجوم على المسيح إذ يظنوا أنه ينافس آلهتهم التي هي مكاسبهم.

 

الآيات (7-9): “فلما سمع الملك غضب وأرسل جنوده واهلك أولئك القاتلين واحرق مدينتهم. ثم قال لعبيده أما العرس فمستعد وأما المدعوون فلم يكونوا مستحقين. فاذهبوا إلى مفارق الطرق وكل من وجدتموه فادعوه إلى العرس.”

هنا نرى الدعوة موجهة للأمم عن طريق الرسل. ولقد أحرق تيطس أورشليم فعلاً وأحرق هيكلها سنة 70م. وإنتهت إسرائيل كأمة من وقتها. وقوله مفارق الطرق= فأمام كل إنسان طريقان يسلك في أحدهما [1]الإيمان بالمسيح فتغفر خطاياه ويحيا في طهارة لائقة به كعروس للمسيح [2] رفض المسيح والاهتمام بملذات العالم.

والمسيح أرسل رسله لمن يفكر في أي الطريقين يسلك ليساعدوه في القرار علَّه يقرر أن يسلك في طريق الإيمان. أمّا من إتخذ قراراً أن يكون ضد المسيح فهذا لن يقبل الدعوة بل سيعتذر أو سيهاجم المسيح ورسله. ومن يختار المسيح تاركا ملذات الخطية هو من قيل عنه في سفر الرؤيا….من يغلب.

 

آية (10): “فخرج أولئك العبيد إلى الطرق وجمعوا كل الذين وجدوهم أشرارًا وصالحين فامتلأ العرس من المتكئين.”

المسيح أتى لأجل العشارين والخطاة ليطهرهم. فهو دعا الجميع حتى السامرية. ولكن بعد أن يدعوهم يعتمدوا فيلبسوا الحلة الأولى وبهذه الحلة الأولى يحق لهم دخول العرس. وأمّا من دخل للإيمان ثم أخطأ فله فرصة التوبة. والخطاة الذين يأتون تائبين فالتوبة تلبسهم الحلة الأولى (الابن الضال). فالمسيح قطعاً لن يدعو الخطاة ويتركهم بخطيتهم!! أو يليق هذا بعرس ابن الملك، بل هو يطهرهم بل يلبسوا المسيح ويكون لهم صورته من المحبة والتواضع، والوداعة والحكمة والطهارة والبساطة (رو14:13) فلا بُد أن نلبس المسيح فهو برنا وقداستنا وبدون القداسة لن نعاين الرب (عب14:12). ونظل ثابتين فيه.

 

آية (11): “فلما دخل الملك لينظر المتكئين رأى هناك إنسانًا لم يكن لابسًا لباس العرس.”

قارن مع (صف7:1-8). إذًا الدعوة للجميع والمعمودية للجميع، ولكن بالمعمودية نحصل على ثياب العرس وبالتوبة نحفظها. ولكن هناك من يأخذ ثياب العرس ثم يختار مرة أخرى طريق الخطية، يعود إلى مفارق الطرق ويختار الطريق الآخر فيفقد لباسه ويرتدي لباسًا غريبًا ويكون عوضًا أن يلبس المسيح أي أن تكون له صورة المسيح أنه تصبح له صورة العالم. ولنلاحظ أن من يفعل هذا لهو أكثر شرًا من اليهود الذين رفضوا الحضور أصلًا. أمّا هذا فَقَبِلَ ثم ارتدَّ وأضاع ثيابه التي حصل عليها بالمعمودية عوضًا عن أن يحفظها نامية بواسطة الروح القدس وجهاده وتوبته.

 

آية (12): “فقال له يا صاحب كيف دخلت إلي هنا وليس عليك لباس العرس فسكت.”

لقد إنتهى الوقت الذي كان يمكنه فيه أن ينسج لنفسه ثوب العرس وليس له عذر فلذلك يصمت. هؤلاء هم من إكتفوا من المسيحية بالإسم دون أن يعملوا أعمالاً صالحة بل سلكوا في طريق الخطية.

 

آية (13): “حينئذ قال الملك للخدام اربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان.”

الخدام هم الملائكة. اربطوا يديه ورجليه= الإنسان الذي رفض بالحب أن يلبس ثوب العرس، فينال الحل من الخطية مقيدًا نفسه بنفسه بخطاياه، فهذا يُربط أي لا يعرف أين يذهب ولا ماذا يفعل، لقد اختار الظلمة الداخلية إذ بخطاياه إنطمست عيناه ولم يكن قادرًا أن يرى الرب وهو في العالم (مت8:5) فبخطيته إنغلقت عيناه الداخلية وكان غير قادر أن يرى الرب بالروح. لذلك فعقوبته أن ينال أيضًا الظلمة الخارجية ويُحرم من أن يعاين الله مثل القديسين (1يو2:3) فهذا امتداد لما صنعه بنفسه على الأرض أمّا البكاء وصرير الأسنان فيشير لأن الجسد سيقوم ليشترك مع النفس في مرارة الظلمة الخارجية. وقوله الخارجية أي هو خارج أورشليم السماوية التي نورها هو المسيح نفسه (رؤ5:22).

 

آية (14): “لأن كثيرين يدعون قليلين ينتخبون.”

على كل مؤمن أن لا يتشابه مع الناس بدعوى أن الكل يفعل ذلك فقليلين هم الذين ينتخبون، وقلة هي التي تغلب ويكون لها نصيب في العرس السماوي أمّا الكثرة التي نراها تتلذذ بالشر فستفقد نصيبها في هذا العرس.

تأمل في (رؤ20:3 + رؤ7:19، 17-18). في (رؤ20:3) نسمع عن عشاءين. الأول أتعشى معه هذا لمن يفتح، وهذا عن ما نحصل عليه الآن في الأرض من لقاء مشبع فيه راحة لنفوسنا، فالعشاء هو راحة بعد يوم مرهق إشارة لحياتنا على الأرض. وهو معي= هذا عن عشاء عرس الخروف، وهذا ما سنفرح به من شبع بشخص المسيح في السماء. والعكس فالأشرار سيكونون هم عشاء للطيور أي مأكلًا ونصيبًا للشياطين.

 

حول الفكر اليهودي عن العُرس (إدرشيم)

هناك مثل قيل في التلمود مشابه لمثل الرب ولكن مع فارق كبير. فالمثل اليهودي كان عن ضرورة الاستعداد الدائم للعالم الآتي. فقالوا :- ملك دعا الناس لحفل عشاء عرس، وكان أن أناسا لبسوا وتزينوا وجلسوا بجانب قصر الملك، وأناسا ذهبوا لأعمالهم متصورين أن هناك وقت للاستعداد. وكانت دعوة الملك فجأة ودخل المستعدون (وهنا هم الملتزمون بتعاليم الربيين). وهؤلاء جلسوا يأكلون ويشربون على مائدة الملك، والآخرين وقفوا في حسرة خارجا في جوع وعطش.

وهناك مثل آخر من المدراش :- عن ضرورة أن نسلم الروح لله حين نفارق الجسد في حالة من النقاوة كما سلمها لنا الله (ولاحظ هنا عدم وجود فكر الخطية الأصلية التي ولدنا بها في الفكر اليهودي كما شرحها بولس الرسول في رسالة رومية). ويقول المثل أن هناك ملك سلم عبيده ثيابا إئتمنهم عليها فمنهم من إحتفظ بها في حالة نظيفة، ومنهم من لبسها خلال عمله فإتسخت. ومن إحتفظ بثيابه نظيفة، فهؤلاء فرح بهم الملك وأخذ الثياب ووضعها في مخزن وهم ذهبوا لمنازلهم في سلام. أما الآخرون فعاقبهم الملك إذ وجد ملابسهم قد إتسخت وألقاهم في السجن ليعاقبوا على ما فعلوه ويكفروا عن أخطائهم.

وواضح الخلاف بين مثل الرب يسوع والأمثلة اليهودية. فالمدعوين الأصليين في مثل الرب يسوع كانوا هم المختارين الذين يستحقون هذه الدعوة (وهم اليهود) ولكنهم رفضوا، فتم دعوة من كانوا غير مستحقين (الأمم). أما التشابه فهو في أن الملكوت مُصَوَّر في الأمثلة اليهودية وفى العهد الجديد على أنه وليمة فرح وعرس، ولكن هنا في مثل الرب يسوع هي وليمة يقيمها الملك لإبنه. وبالتالي يكون الابن الوارث أي المسيح هو المحور الذي يدور حوله المثل. ونلاحظ في المثل أن الملك لم ييأس وظل يرسل لهم رسلا بل حتى الآن هو يرسل وهم يرفضون.

أما عن الرؤيا المسيحية لملابس العرس هي ما نلبسها بالمعمودية ثم ندخل إلى العرس أي الكنيسة الآن استعدادًا لوليمة عرس ابن الملك في أورشليم السماوية (رؤ19 : 9). ويجب أن نحافظ عليها، وإن إتسخت بالخطية فبالتوبة تعود لنا الحلة الأولى (لو15 : 22) حتى لا نطرد إن لم تكن علينا.

ثلاثة أسئلة يسألها رؤساء اليهود

السؤال الأول: بخصوص الجزية (مت15:22-22 ):-

(مت15:22-22): “حينئذ ذهب الفريسيون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة. فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين يا معلم نعلم أنك صادق وتعلم طريق الله بالحق ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس. فقل لنا ماذا تظن أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا. فعلم يسوع خبثهم وقال لماذا تجربونني يا مراؤون. اروني معاملة الجزية فقدموا له دينارًا. فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة. قالوا له لقيصر فقال لهم أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا.”

الفريسيين= حزب ديني أو مدرسة يهودية كانت موجودة أيام المسيح. وأطلق عليهم هذا الاسم نسبة لكلمة عبرية معناها منفصل أو مفروز ومنها فريسي. وكان المسيح يهاجمهم بسبب ريائهم. ويمكن تسمية الفريسيين بالمتزمتين والصدوقيين بالعقلانيين.

الهيرودسيين= هم طائفة سياسية تتبع هيرودس الكبير وكان منهم من الفريسيين وأيضًا من الصدوقيين ويؤمنون أن أمال الأمة اليهودية تتعلق بآل هيرودس كسد منيع في وجه سيطرة الرومان وهم من أطلق علي خبثهم خمير هيرودس في مقابل خمير الفريسيين (مر15:8+ لو1:12) وكان القيصر في ذلك الوقت هو طيباريوس الذي اشتهر بالقسوة. وكانت الجزية مفروضة على كل رأس علامة للخضوع لقيصر. وكانت الجزية مكروهة عند الفريسيين الذين اعتقدوا أنها ضد شريعة موسى، أما الهيرودسيين الذين يتشيعون لهيرودس الأدومي راغبين أن يكون ملكًا على اليهودية فكانوا يرحبون بالجزية تملقًا للرومان ولقيصر لينالوا مأربهم، لذلك كان همهم الموالاة لروما وحفظ هدوء الشعب من أي مؤامرة ضد روما. وكان هناك تذمر بين اليهود المتعصبين إذ يرفضون دفع الجزية، وبسبب هذا قامت ثورات مثل ثورة ثوداس ويهوذا الجليلي وقد قتلهم الرومان في فترة قريبة وأنهوا ثوراتهم (أع36:5-37). والجليليين الذين تسموا باسم يهوذا الجليلي قتلهم بيلاطس وخلط دمهم بذبائحهم (لو1:13).

والغريب هنا أن يجتمع الفريسيين والهيرودسيين على المسيح مع إختلافهم في المبادئ. فنحن يمكننا أن نتوقع هذا السؤال من الهيرودسيين فهم كانوا يجمعون الجزية ويعطون قيصر نصيبه ويختلسون الباقي ولكن الفريسيين ممتنعون عن دفع الجزية متذمرين ضدها، بل يعتبرون الهيرودسيين خونة ضد أمتهم وناموسهم. ومنهم من إعتبر أن كل الكوارث التي حلت بإسرائيل كان سببها خضوع اليهود لملك أجنبى ودفع الجزية له.. ولكن لأجل أن يتخلصوا من المسيح فلا مانع من أن يتحدوا. وتفسير هذا أن هيرودس كان خائفا من أن يتخلص من المسيح ويقتله حتى لا يُهيِّج ثورة شعبية ضده بعد أن قتل المعمدان قبلها. فأرسل رجاله ليقفوا مع الفريسيين ليوقعوا بالمسيح، ويظل هو بعيدا عن ثورة الجماهير ضده.

ولو أجاب المسيح بأن نعطي الجزية لقيصر تنفر منه الجموع وتنفض من حوله وتفقد ثقتها فيه كمخلص من المستعمر ولو رفض لأعتُبِرَ مثير فتنة ضد قيصر. إعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر= هي رد على الفريسيين الذين رفضوا طاعة السلطات الحكومية وقد أمر الكتاب بطاعتها. ولنلاحظ أن قيصر أعطاهم حكومة مستقرة وحماية وأنشأ لهم طرق فيكون من حقه الجزية. وهكذا فعلى المسيحي أن يطيع حكومته (رو1:13-7). وعلينا أن نخضع لحكومتنا وقوانينها طالما أن ذلك لا يتعارض مع ما لله ووصاياه. والعجيب أنه قدَّم الطاعة لقيصر عن الطاعة لله، ففي طاعة قيصر أي الرؤساء شهادة حق لله نفسه. فليس هناك ثنائية بين عطاء قيصر حقه وعطاء الله حقه فكلاهما ينبعان عن قلب واحد يؤمن بالشهادة لله من خلال الأمانة في التزامه نحو الآخرين ونحو الله والكلمة الأصلية لإعطوا هي سددوا أو إدفعوا. فهذه الجزية واجبة فقيصر يدافع ويحمي ويمهد الطرق.. إلخ. إعطوا ما لله لله= هذا رد على الهيرودسيين الذين ينسون واجباتهم نحو الله بجريهم وراء قيصر. والله له القلب والنفس بل الحياة كلها. الإنسان هو العملة المتداولة عند اللهأروني معاملة الجزية= هي الدينار وهو قطعة عملة رومانية، وكلمة معاملة من عملة. وكانت عادة تدفع كجزية وعليها صورة قيصر. وكون أنهم يقدمون له الدينار فهذا اعتراف منهم أنهم تحت حكم قيصر فالعملة الجارية تظهر نظام الحكم والسلطة القائمة ويدفع منها الجزية. (عملة اليهود الشاقل بلا صورة تمامًا فهم يرفضون التماثيل والشعارت الوثنية ويُسَمّى عملة القدس ويستخدم للمعاملات الدينية. وللمعاملات المدنية يستخدم معاملة الجزية).

يا معلم نعلم أنك صادق..= هذا تملق ومديح للخديعة بعد ذلك. والمديح هدفه أن يفقد حذره منهم فيخطئ في كلامه. والله خلقنا على صورته ولما فقدنا هذه الصورة أتى الروح القدس ليعيدنا إليها (غل19:4) ومن لا توجد عليه وفيه هذه الصورة سيرُفض. فكما يحمل الدينار صورة قيصر هكذا ينبغي أن نحمل صورة الله لنقدم للملك السماوي عملته الروحية، تحمل صورته وكلمته فنصير عملة متداولة في السماء، يمكننا أن ندخلها ويجدوا علينا ثياب العرس. وكما أن أي دولة لا يمكنك أن تتعامل فيها بعملة لا يكون عليها صورة ملك هذه الدولة، فنحن لا يمكننا دخول السماء إلاّ كعملة عليها صورة الله ملك السماء والأرض، ملك الملوك. فكما يطلب قيصر صورته على عملته هكذا يطلب المسيح صورته فينا. والله محبة فمن لا توجد محبة في قلبه فلا مكان له في السماء. ولكن إن وُجِدَ في إنسان صورة الشيطان يستعبده الشيطان (يو44:8+ 1يو7:3-10).

 

السؤال الثاني: بخصوص القيامة من الأموات (مت23:22-33):-

(مت23:22-33): “في ذلك اليوم جاء إليه صدوقيون الذين يقولون ليس قيامة فسألوه. قائلين يا معلم قال موسى إن مات أحد وليس له أولاد يتزوج أخوه بامرأته ويقيم نسلًا لأخيه. فكان عندنا سبعة اخوة وتزوج الأول ومات وإذ لم يكن له نسل ترك امرأته لأخيه. وكذلك الثاني والثالث إلى السبعة. وآخر الكل ماتت المرأة أيضًا. ففي القيامة لمن من السبعة تكون زوجة فأنها كانت للجميع. فأجاب يسوع وقال لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله. لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء. وأما من جهة قيامة الأموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل. أنا إله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب ليس الله إله أموات بل إله أحياء.  فلما سمع الجموع بهتوا من تعليمه.”

الصدوقيون= هم فرقة يهودية دينية ينتسبون إلى مؤسس فرقتهم صادوق الذي ربما يكون هو صادوق الذي عاش أيام داود وسليمان وفي عائلته حفظت رياسة الكهنوت حتى عصر المكابيين، أو هو صادوق آخر عاش حوالي سنة 300ق.م. حسب رأي البعض وهذه الفرقة كما يقول يوسيفوس كانت مناقضة للفريسيين، لكن مع قلة عددهم كانوا متعلمين وأغنياء وأصحاب مراكز وإحتلوا مركز القيادة في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد في العصرين الفارسي واليوناني. وأحبوا الثقافة اليونانية واهتموا بالسياسة أكثر من الدين. فسيطر عليهم الفكر المادي ولم يستطيعوا أن يقبلوا عودة الروح إلى الجسد بعد انحلاله فأنكروا القيامة، ولذلك إصطدموا بكلمات السيد المسيح في هذا الشأن إذ كان يتحدث عن الملكوت السماوي وأنه ملكوت أبدي. وأنكروا قانونية أسفار العهد القديم ما عدا أسفار موسى الخمسة (لذلك فإن المسيح حين جاوبهم أتى لهم بآية من أسفار موسى الخمسة التي يعترفون بها) وإستخفوا بالتقليد على خلاف الفريسيين الذين حسبوا أنفسهم حراسًا لتقليد الشيوخ لذلك كرههم الفريسيين. ولكن كان الفريسيون على استعداد لوضع يدهم في يد خصومهم الصدوقيون لمقاومة المسيح. وظن الصدوقيون بأن أسفار موسى لا تذكر شيئًا عن القيامة من الأموات. (أع8:23). بل هم ظنوا أنه بخصوص الزواج الناموسي، حينما يموت زوج بدون أطفال فتلتزم زوجته بالزواج من أخيه أو أقرب ولي له (تث5:25-6) ويكون الأطفال باسم الميت. ظنوا في هذا تأكيدًا لعدم القيامة من الأموات. ولأنهم تعلقوا بالحياة السياسية والعالم فحسبوا القيامة حياة زمنية مادية. وهذه القصة التي استخدمها الصدوقيون هنا، كانت غالبًا مستخدمة في الحوار بين الصدوقيين والفريسيين الذين كانوا يعلمون بأن هناك زواج في السماء. وقدّم الصدوقيون القصة للمسيح على أنها لغز يصعب حله. وإشتملت إجابة المسيح على:-

1-    أظهر لهم أنهم لا يعرفون حتى الكتب الخمسة التي لموسى والتي يؤمنون بها= تضلون إذ لا تعرفون الكتب. واستخدم السيد المسيح قول الله لموسى (خر6:3، 15) وأنه إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، والله لا يمكن أن يكون إله أموات بل إله أحياء. (هل نعرف الكتاب المقدس وقوته على تغيير حياتنا بل ولادتنا ثانية (1بط23:1).

2-    إن الحياة في الأبدية ستكون كحياة الملائكة بلا شهوات ولا جنس، إذ لا موت ولا إنقراض للجنس البشري، أجسادنا ستكون روحية لا مادية، ومن تذوق الفرح الروحي لا يعود يحتاج بعد للفرح المادي.  لذلك لن تناسبنا الشهوات بل سيكون المؤمنين في مجد نوراني. وهم تعمدوا أن يقولوا أنها لم تنجب حتى لا يقول المسيح تكون زوجة لمن أنجبت منه.

السؤال الثالث: عن الوصية العظمى (مت34:22-39):-

(مت34:22-39): “أما الفريسيون فلما سمعوا أنه ابكم الصدوقيين اجتمعوا معًا. وسأله واحد منهم وهو ناموسي ليجربه قائلًا. يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس. فقال له يسوع تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك.”

ناموسي= أي مفسر قانوني للناموس.

إتفق الفريسيين أن يوقعوا المسيح فأرسلوا له هذا الناموسي ليمتحنه في مسألة حيرتهم واختلفوا بخصوصها فيما بينهم، على أي الوصايا هي العظمى، وأيها هي الثقيلة وأيها هي الخفيفة وأيها هي المهمة. وكانت لهم منازعاتهم الساخنة. ففي رأيهم أنه لا بُد أن تكون هناك وصية هي الأعظم فمنهم من قال أنها حفظ السبت ومنهم من قال تقديم الذبائح ومنهم من قال أنها الختان. وهذا الناموسي الذي أرسلهُ الفريسيين ليمتحن السيد يبدو أنه كان في داخله باحثًا عن الحقيقة بصدق فحين أجابه السيد فرِح بالإجابة فمدحه السيد (مر34:12). وفعلًا تتفق إجابة المسيح مع أن الوصايا العشر مقسمين للوحين الأول يختص بالله والثاني يختص فيما للإنسان، وهكذا لخص السيد الوصايا أن تحب الله وتحب قريبك وكان هدف الفريسيين أن المسيح يتكلم عن تعاليمه ويميزها عن تعاليم موسى، أو أن يجيب بأن الناموس ناقص فيشتكون عليه. ولكن إجابة السيد كانت مملوءة حكمة فحب إخوتنا مكمل لحبنا لله، ولا يمكننا أن نحب الله غير المنظور ولا نحب إخوتنا المنظورين وأراد السيد بإجابته أن يظهر لهم أن الوصايا ليست موضوع نزاع عقلي وبحث ومناقشات وجدل بل هي حب، حياة حب، يحيا الإنسان لله وللناس.

يتعلق الناموس كله والأنبياء= من يتمم وصية الحب لله وللإخوة يتقبل هبات الله وأولها الحكمة خلال الروح القدس. ومحبة الله تجعلنا نَحْفَظْ وصاياه. بل إن من له الروح القدس الذي يعطي المحبة لا يحتاج للناموس (غل22:5-23).

وكأن الوصية هي تمتع بسمة داخلية، حياة داخلية يعيشها الإنسان في أعماقه وتُعْلَن خلال إيمانه ومحبته لله ومعاملاته مع الناس. ولأنها حياة داخلية قال السيد من كل قلبك وكل نفسك وكل فكرك أي بكل كيانك ومشاعرك وقلبك.

(مر34:12). المسيح يشجعه ليستمر ليصل للمعرفة الحقيقية ويدخل ملكوت الله فليس كافيًا أن يكون المرء ليس بعيدًا عن ملكوت الله. بل عليه أن يعرف حاجته للمسيح المخلص. هو ليس بعيدًا إذ كان باحثًا عن الحقيقة بصدق مبتعدًا عن خبث الفريسيين، وهو فهم الناموس فهمًا صحيحًا فبالتالي سيسهل عليه أن يعرف المسيح. فالمسيح غاية الناموس بل أن وصية المحبة هذه يستحيل تنفيذها بدون المسيح، فكيف نحب كل الناس حتى أعدائنا إن لم نكن في المسيح. والسبب بسيط أن الله محبة. فبدون معونة منه لا توجد محبة حقيقية. لذلك فأول ثمار الروح القدس “المحبة”. والروح القدس هو الذي يسكب محبة الله فينا (غل22:5-23).

سؤال المسيح الذي لا يرد عليه (مت41:22-46):-

(مت41:22-46): “وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع. قائلًا ماذا تظنون في المسيح ابن من هو قالوا له ابن داود. قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح ربًا قائلًا. قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك. فان كان داود يدعوه ربًا فكيف يكون ابنه. فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتة.”

السيد هنا يفحم اليهود بسؤال تستدعى إجابته اعترافهم بلاهوته كما بناسوته، بهذا السؤال يظهر السيد لاهوته مستخدماً المزمور (110) الذي يعتبره اليهود مزمور خاص بالمسيا. وهم يفهمون أن المسيا لا بُد أن يكون ابن داود. ونلاحظ أن المسيح قبل هذا اللقب ابن داود يوم دخوله أورشليم فبالتالي هو يشير لنفسه، ويشير لنفسه أنه ابن داود ورب داود. السيد يسأل ليُعلِّم. والمعنى أن الآب رب داود والابن أيضاً رب داود وقد رفعه الله الآب وأعطاه إسماً فوق كل اسم في الأعالي وأجلسه عن يمينه ووضع أعداؤه عند موطئ قدميه، بعد أن أكمل الفداء. وكأن السيد يحذرهم من المقاومة، فهو جاء ليخلص لا ليدين، يفتح الباب لقبولهم حتى لا يوجدوا في يوم الرب كأعداء مقاومين. المسيح بهذا السؤال يكشف لهم طريق الخلاص. إجلس عن يميني= أي في ذات مجدي وهذا تم بعد الصعود. أضع أعداءك.. هذا سيتم في المجيء الثاني. لقد إكتفى الفريسيين بأن يعلنوا أن المسيح الآتي سيكون ملكاً يخلصهم من الإستعمار الروماني، أما المسيح هنا فيعلن أنه المسيا، هو الرب السماوي الذي ملكه سماوي. هو أصل وذرية داود (رؤ16:22). ولقد أدرك الكل أن المسيا سيكون ابن داود حتى الأعمى (لو39:18). أمّا ما يثيره المسيح هنا جديداً أنه الرب. الرب= الله الآب. ربي= سيد وإله داود. إذ لا يمكن أن يدعو إنسان ابنه أو حفيده “ربي”. المسيح ابن داود بحسب النبوات= (إش6:9-7+ 1:11-2، 10 + إر5:23-6+ مز20:89-29).

فاصل

إنجيل معلمنا متى : 12345678 910111213141516171819202122232425262728 

تفسير إنجيل معلمنا متى : مقدمة – 12345678910111213141516171819202122232425262728 

زر الذهاب إلى الأعلى