تفسير سفر يشوع ٧ للقمص تادرس يعقوب

انتصر الشعب على أريحا المدينة الضخمة المحصنة، لكنهم انهزموا أمام قرية عاي الصغيرة، لأنه في وسطهم حرام، ولم يعد الله في وسطهم حتى ينزعوا الخميرة الفاسدة ويتقدسوا له.

 

1. خيانة عخان 1

“وخان بنو إسرائيل خيانة في الحرام، فأخذ عخان بن كرمي بن زبدي بن زارح من سبط يهوذا من الحرام، فحمى غضب الرب على بني إسرائيل” [1].

 ليس عجيبًا أن تنتهي النصرة الفائقة على أريحا بارتكاب عخان هذا الحرام وقيامه بهذه الخيانة وسط شعب الله، فإن هذا العمل يمثل بشاعة الطبيعة البشرية التي تُقابل عطايا الله الفائقة والمجانية بالجحود عوض الشكر. أمام أسوار أريحا الشاهقة تقف في مذلة تنتظر خلاص الله العجيب، وإذ تنهار الأسوار ويخضع لها الأعداء تعود فتقدم خيانة عهد الله!! حقًا كثيرون كانوا جبابرة واستطاعوا بالنعمة أن يهزموا أريحا ويحطموا جبروتها، لكنهم في فساد قلبهم الداخلي تحطموا أمام قرية عاي الصغيرة بسبب الحرام الذي تسلل إلى القلب في الداخل.

على أي الأحوال لقد سمح الله أن يبدأ الميراث بالنصرة القوية تلوها مباشرة الهزيمة المؤلمة ليكون ذلك درسًا للأجيال كلها، أن الغلبة هي من عند الله والفشل هو بسبب شرنا. وأنه كلما انتصرنا بالنعمة الإلهية يلزمنا بالحري ونحن نشكر الله على عطاياه أن نحذر لئلا يتسلل الشر إلينا خلال تهاوننا فندخل إلى الهزيمة أمام خطايا تبدو لنا صغيرة وتافهة. في هذا يقول الرسول بولس: “أقمع جسدي وأستبعده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا” (1 كو 9: 27). ولهذا السبب يحذرنا كاتب النشيد: “خذوا لنا الثعالب الصغار المفسدة الكروم، لأن كرومنا قد أقعلت” (نش 2: 15)، وكأنه كلما كرز الرسول وأثمر في حياة الآخرين بالأكثر أقمع جسده واستعبده خوفًا من سقوطه، وكلما أقعل الكرم وظهرت الثمار يخشى الكرام عليه من الثعالب الصغار لئلا تفسده.. كلما نلنا نصرة على أريحا في داخلنا أو في حياة الآخري وتمتعنا بالنعم الإلهية المجانية ونحن نقدم الشكر لله ويزداد يقيننا في عمله الإلهي نحذر لئلا يتسلل العدو إلينا خلال الصغائر. يقول القديس مرقس الناسك: [يقدم لنا الشيطان خطايا صغيرة تبدو كأنها تافهة في أعيننا، لأنه بغير هذا لا يقدر أن يقودنا إلى الخطايا العظيمة(129)].

ويلاحظ في النص الذي بين أيدينا (يش 7: 1) أن عخان أخطأ فإذا بغضب الرب يسقط على كل الشعب. يقول العلامة أوريجانوس[يليق بنا ألا نهمل هذه العبارة فإنه إذ يرتكب شخص واحد خطية يُجلب الغضب على الشعب كله. كيف تحدث هذه الكارثة؟ عندما يُريد الكهنة – مدبروا الشعب – أن يظهروا متسامحين مع الخطاة، لأنهم يخشون لسانهم لئلا يثور ضدهم، ناسين الحزم اللائق بكهنوتهم. إنهم بهذا يرفضون تنفيذ ما هو مكتوب: “الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف” (1 تي 5: 20)، وأيضًا: “اعزلوا الخبيث من بينكم” (1 كو 5: 13). هؤلاء الكهنة غير ملتهبين بغيرة الرب ولا يمتثلون بالرسول الذي يأمر: “أن يُسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح” (1 كو 5: 5). إنهم يسلكون بغير مبالاة لنصائح الإنجيل من جهة الخطاة. عندما نرى خاطئًا فلنذهب إليه بمفردنا، ثم نحدثه على فم شاهدين أو ثلاثة، أما إن استهتر حتى بعد لوم الكنيسة له ولم يتب فليفرز من الكنيسة ويحسب كالوثني والعشار (مت 18: 5)(130)].

2. الهزيمة أمام عاي 2-5

 لم يكن ممكنًا أن يحدث تحركًا نحو أريحا المحصنة إلاًّ بعد أن أعلن الله ليشوع “قد دفعت بيدك أريحا وملكها جبابرة البأس” (6: 2)، أما هنا فإذ تسلل الحرام إلى وسط الشعب، وعاي قرية صغيرة، لم نسمع صوت الرب يعلن شيئًا ليشوع، ولا استشار يشوع الرب قبل إصعاد رجال للتجسس أو تحديد عدد رجال الحرب… ولو أن يشوع استشار الرب لكان الرب منعه من القيام بأي عمل قبل تنقية الفساد الذي تسلل إلى شعبه خفية، وبالتالي ما كانت قد حدثت الهزيمة أمام عاي.

 استهتر الجواسيس بقرية عاي، إذ قالوا ليشوع: “لا يصعد كل الشعب بل يصعد نحو ألفي رجل أو ثلاثة آلاف رجل ويضربوا عاي. لا تكلف كل الشعب إلى هناك لأنهم قليلون” [3]. حقًا إن سكان عاي قليلون، لكن شعب الله بعد أن تخلى الله عنهم وفارقهم صاروا ليس فقط قليلين بل وكلا شيء. وكما يقول الحكيم: “الشرير يهرب ولا طارد، أما الصديقون فكشبل ثبيتٍ” (أم 28: 1). هذا ما حذر به الله شعبه على فم موسى النبي “ولكن إن لم تسمع لصوت الرب إلهك… يجعلك الرب منهزمًا أمام أعدائك، في طريق واحدة تخرج عليهم وفي سبع طرق تهرب أمامهم وتكون قلقًا في جميع ممالك الأرض. وتكون جثتك طعامًا لجميع طيور السماء ووحوش الأرض وليس من يزعجها” (تث 28: 15، 25-26). هكذا أخطأ الجواسيس في حساباتهم إذ تطلعوا بمنظار بشري وتجاهلوا فقدانهم سرّ نصرتهم الخفي، ألا وهي الحياة المقدسة في الرب! لقد ظنوا أن ألفين أو ثلاثة آلاف قادرون على ضرب عاي، مع أن عاي كانت تحتاج أولًا إلى ضرب الفساد الداخلي في الشعب وإلى قيام جميع الشعب مع يشوع إلى المدينة وإقامة كمينين من ثلاثين ألف جبار بأس ومن خمسة آلاف (يش 8: 5، 3، 12).

ضرب أهل عاي نحو ستة وثلاثين رجلًا من الشعب [5]، وهو ذات رقم الرشومات لسرّ الميرون حيث يدهن الكاهن 36 رشمًا على كل أعضاء المعمد حديثًا من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه، وكأن عاي الضعيفة استطاعت أن تقتل كل الأعضاء الإنسان وتبددها بسبب الحرام المختص في داخل القلب! إن فكرة شريرة نظنها بسيطة وهينة إذ نستسلم لها تفقدنا طهارة كل الجسد، بل وتفقدنا كل حياتنا!

أما ثمر هذا كله فهو: “ذاب قلب الشعب وصار مثل الماء” [5]. هذا هو عمل الخطية، لقد حطمت الشعب كله وأفقدته كل شجاعة وقوة وصيرت قلبه كالماء يسيل وليس من يقدر أن يعين أو يسند. لهذا لا تعجب إن كان إرميا النبي إذ يدرك فاعلية الخطية المرّة يقول: “أحشائي أحشائي، توجعني جدران قلبي، يئن فيَّ قلبي، لا أستطيع السكوت لأنكِ سمعتِ يا نفسي صوت البوق وهتاف الحرب” (إر 4: 19). وإذ حمل السيد خطايانا قال على لسان النبي: “كالماء انسكبت، انفصلت كل عظامي، صار قلبي كالشمع. قد ذاب في وسط أمعائي” (مز 22: 14)، يا لبشاعة الخطية!

3. يشوع الشفيع 6-9

“فمزق يشوع ثيابه، وسقط على وجهه إلى الأرض أمام تابوت الرب إلى المساء هو وشيوخ إسرائيل ووضعوا ترابًا على رؤوسهم” [6].

 وقف يشوع كشفيع عن الشعب أمام الله، فمزق ثيابه وسقط على وجهه إلى الأرض أمام التابوت إلى المساء، يحمل صورة رمزية لشفاعة ربنا يسوع المسيح الكفارية الذي أخلى ذاته وكأنه قد نزع عنه ثوب مجده من أجلنا، ونزل إلى الأرض هذا الذي ترتعب أمامه القوات السمائية وأعلن كمال حبه محققًا المصالحة على الصليب عند المساء. يقول عنه أشعياء النبي: “سكب للموت نفسه، وأُحصى مع الأثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين” (53: 12)، وأيضًا يوحنا الحبيب: “وإن أخطأ أحدنا فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار، هو كفارة لخطايانا، ليس خطايانا فقط بل وخطايا العالم أيضًا” (1 يو 2: 1). كما يقول الرسول بولس: “فمن ثمَّ يقدر أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم” (عب 7: 25).

إن ثمن شفاعته ليس تمزيقًا لثوبه أو سقوط وجهه على الأرض كما فعل يشوع، وإنما هو الحيّ الأبدي حمل جسدًا ليسكب للموت نفسه، حاملًا آثامنا وضعفاتنا ليدينها في جسده، فيُحصى مع الأثمة هذا الذي لا يعرف خطية! يقدم حياته عن البشرية التي حملت العداوة ضده بإرادتها، إذ هو وحده قادر أن يسلم نفسه للموت وفي نفس الوقت قادر أن يقوم، صار لنا شفيعًا حيًا يقدمنا إلى أبيه كأعضاء جسده الحيّ، فنجد لنا موضع راحة في أحضانه الأبوية. شفاعته ليست كلامًا ولا مجرد صراخ لكنه دخول بنا، فيه نتبرر بدمه ونحسب موضع سرور الآب!

يقول القديس أغسطينوس إن ربنا يسوع يُصلي من أجلنا، ويُصلي فينا في الوقت الذي فيه نحن نصلي إليه: [يوجد مخلص واحد، ربنا يسوع المسيح ابن الله، الذي يُصلي من أجلنا، ويصلي فينا، وإليه نحن نصلي، يُصلي عنا ككاهننا، ويصلي فينا بكونه رأسنا، ونُصلي إليه بكونه إلهنا(131)].

4. سرّ الهزيمة 10-15

أعلن الله ليشوع سرّ الهزيمة، مقدمًا له العلاج:

“قم، لماذا أنت ساقط على وجهك:

قد أخطأ إسرائيل بل تعدوا عهدي…

لأنهم محرومون ولا أعود أكون معكم إن لم تبيدوا الحرام من وسطكم.

قم، قدس الشعب…

في وسطك حرام يا إسرائيل،

فلا تتمكن للثبوت أمام أعدائك حتى تنزعوا الحرام من وسطكم” [10-13].

يلاحظ في العبارات السابقة الآتي:

أولًا: يقول الله ليشوع “قم” مرتين، في المرة الأولى: “قم لماذا أنت ساقط على وجهك”، وفي الأخرى: “قم قدس الشعب”. وكأن الآب إذ يرى الابن حاملًا الموت عنا بإرادته يطلب منه أن يقوم… وبقيامته يقدس الشعب.يقوم الابن المتجسد فيقيمنا معه بلا خطية…! سفر يشوع هو سفر القيامة، لأنه بدونها لن يتحقق لنا الميراث ولا يكون لنا نصيب في المواعيد الإلهية.

ثانيًا: سرّ الهزيمة إن المؤمنين صاروا محرومين وقد فارقهم الرب حتى يبيدوا الحرام من وسطهم. إذ استولى أحدهم على ما هو محرم حمل في داخله طبيعة هذا المحرم، فصار محرومًا وأصغى بهذا على كل الشعب. اقتناء الشر يعطينا طبيعته، واقتناء المقدسات يجعلنا قديسين. من يقتني الخطية الباطلة يصير باطلًا، ومن يقتني الله يحمل فيه الحياة الإلهية وتصير له السمات الجديدة على صورة خالقه.

ثالثًا: إن كان دخول الحرام في وسطنا هو سرّ هزيمتنا فالعلاج يحمل جانبين متكاملين: إبادة الحرام من وسطنا، اقتناء القداسة، لا يكفي الجانب السلبي وهو نزع الشر وإنما يلزم العمل الإيجابي وهو اقتناء القدوس ذاته. لذا يقول الله ليشوع أن يبيد الحرام وأن يقوم فيُقدس الشعب.

5. نزع الخميرة الفاسدة 16-26

 ما كان يمكن للشعب أن يتمتع بالحياة المقامة المقدسة إن لم تُنزع عنهم الخميرة الفاسدة التي تفسد العجين كله (1 كو 5: 6)؛ كان لا بُد من إبادة الحرام تمامًا لكي يعودوا فيتمتعوا بمعية الله الدائمة. وهنا نلاحظ الآتي:

أولًا: للأسف السبط الذي أنجب لنا القديسة مريم التي تحني رأسها بالطاعة لله لتقبل حلول الكلمة في أحشائها فيخرج مخلص العالم الأسد الخارج من سبط يهوذا، يخرج عخان بن كرمي الذي أعثر الشعب وحطمه. لعل الله سمح بذلك لكي نحذر السقوط ولا نستهين بالعثرة مهما بدت بسيطة، فالسبط الذي أُعطيت له الوعود خرج منه هذا الذي استحق الإبادة، مواعيد الله الأمينة وعطاياه الإلهية المجانية تهبنا رجاءً ويقينًا لكن مع حذر فإن عخان رأى فاشتهى ثم أخذ وطمر [21]، إذ يقول: “رأيت في الغنيمة رداء شنعاريا ومئتي شاقل ولسان ذهب وزنه خمسون شاقلًا فاشتهيتها وأخذتها، وها هي مطمورة في الأرض في وسط خيمتي والفضة تحتها”. تبدأ العثرة بالرؤية غير المقدسة فالشهوة فالعمل ثم إخفاء الشر في الأرض وسط الخيمة حتى لا يبقى للشر أثر يمكن إدراكه.

ثانيًا: لم يصفح الله عن عخان ربما لعدة أسباب. السبب الأول لأن هذا التصرف كان الأول من نوعه بعد دخولهم كنعان. فأراد الله من البداية أن يعطيهم درسًا يبرز فيه بشاعة الخطية مؤكدًا ضرورة بترها. هذا ما حدث مع الحطاّب الذي كان يجمع الحطب يوم السبت فكان أول كاسر للسبت، وقد جاء حكم الرب عليه، “قتلًا يقتل الرجل، يرجمه بحجارة كل الجماعة خارج المحلة” (عد 15: 35)، وأيضًا مع حنانيا وسفيرة كأول عائلة تكذب على الروح القدس في عصر الرسل (أع 5: 3). أما السبب الثاني فهو أن عخان قد تمتع بالبركات الإلهية ورأى بنفسه في نهر الأردن الطريق ينفتح ليعبر، وأسوار أريحا تنهدم لكي يرث، لذلك كان جزاؤه مُرًا وقاسيًا. لو أنه انتظر لنال نصيبه من غنائم عاي وغيرها من المواقع كما ورث أرض الموعد، لكنه إذ احتقر بركات الله مهتمًا بالأمور الأرضية فقد هذه وتلك! السبب الثالث أن عخان لم يشعر بالتوبة ولا اعترف في البداية وانتظر حتى كشف الله السبط الذي أخطأ [16] فالعشيرة [17] ثم عُرف البيت وأخيرًا عُرف اسمه وعندئذ اضطر أن يعترف… لقد أخفى الجريمة ولم يقدم التوبة حتى بعد انكسار الشعب…

على أي الأحوال، صار عخان درسًا للكنيسة كلها عبر الأجيال، من جهة كشف أن سرّ الهزيمة في حياة المؤمن أو الجماعة هو “الحرام” الذي يجد له موضعًا في وسطنا! من جهة أخرى صار عبرة لكل من يخطئ… ليس له ما يقدمه من عذر وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي[عندما أُتهم عخان بالسرقة لم يحتج أنه كان غيورًا في الحروب، لكنه إذ ثبتت معصيته رجمه الشعب كله بالحجارة(132)]، وأخيرًا صار درسًا حيًا لكل الأجيال من جهة التزام المؤمن أن يبيد كل أثر للخطية في حياته دون مناقشة. لقد أباد يشوع بن نون كل أثر لعخان وكل ماله، حتى نُسلم حياتنا الداخلية وسلوكنا بين يدّي الله يسوعنا الحيّ الذي وحده يقدر أن يقتلع جذور خطايانا، فلا يترك فينا أثرًا للشر أو شبه الشر، لنتمسك بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به تُقطع كل عثرة فينا فلا نهلك، متذكرين وصية السيد لنا: “إن كانت عينك اليمين تعثرك فاقلعها والقها عنك، لأنه خيرٌ لك أن يُهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم. وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك…” (مت 5: 29، 30).

ثالثًا: كانت مادة الجريمة هي:

أ. رداء شنعاريًا نفسيًا [21]، أي رداء مستوردًا من شنعار (بجوار بابل) وهي المنطقة التي أُقيم فيها برج بابل (تك 11: 2)، وإليها سبى بعض اليهود (إش 11: 11، زك 5: 11).

إن كان الرداء يُشير إلى الجسد، فإن اشتهاء الرداء البابلي أو الشنعاري إنما يُشير إلى شهوة الجسد للتنعم بأمور الأمم وملذاتهم. ففي سفر حزقيال يوبخ الله يهوذا لأن إسرائيل أختها “عشقت بني أشور الولاة والشحن الأبطال الملابسين أفخر لباس” (حز 23: 12). لقد حمل عخان البذار الأولى لشهوات الجسد مع الأمم، لذلك كان لا بُد من إبادتها في بداية انطلاقها… لقد دنس الجسد الذي خلقه الله مقدسًا!

ب. مائتي شاقل فضة [16]، إن كان الرداء يُشير إلى شهوات الجسد، فإن المائتي شاقل فضة تُشير إلى محبة المال… الذين يقتنون الفضة على حساب إخوتهم المحرومين. والفضة تُشير أيضًا إلى كلمة الله، وكما أن الإنسان الشرير يسيء إلى جسده المقدس بتدنيسه إياه فإنه أيضًا يسيء فهم كلمة الله فيطمرها في الأرض تحت خيمته، أي يستخدمها بمفهوم أرضي لحساب خيمة جسده بدلًا من أن يتقبلها لترفعه إلى السماويات لحساب روحه كما لخلاص جسده!

ج. لسان ذهبي [16]، يُشير إلى لسان الفلاسفة الملحدين الذي يبدو ذهبيًا وبراقًا. يقول العلامة أوريجانوس[لست أظن أن سرقة القليل من الذهب كانت خطية كافية لتدنيس كنيسته العظيمة… لسان الذهب هي مذاهب الفلاسفة الفاسدة التي تبدو لامعة. احرص لئلا يغريك بهاء صنعتهم وتخدعك حلاوة لسانهم الذهبي. تذكر أمر يشوع بأن كل ما هو ذهبي في أريحا فليكن محرمًا. إن كنت تقرأ مقالات الشعراء البراقة التي تحكي عن الآلهة فلا تترك نفسك تسحرها فصاحتهم. فإنك إذ أخذتها ووضعتها في خيمتك، أي تركت تعاليمهم تدخل إلى قلبك، تتدنس الكنيسة كلها. هذا ما فعله فالنتينوس وباسيليدس البائسين. فقد سرقا اللسان الذهبي الذي في أريحا وحاولا أن ينقلا المبادئ الفلسفية الرديئة إلى الكنيسة فيدنسوا كل كنيسة الله(133)].

د. خمسين شاقلًا: رقم 50 يُشير إلى روح الحرية والوحدة، ففي خيمة الاجتماع كانت الستارتان تتحدان معًا خلال خمسين عروة في إحدى الجانبين من كل ستارة (خر 26: 4-5) ترتبط العرى كلها بواسطة خمسن أشظة ذهبية إشارة إلى سرّ الوحدة بين الشعبين (اليهودي والأمم) إنما بحلول الروح القدس في يوم الخمسين حيث ينالون روح الحرية في المسيح يسوع والذي يهب الوحدة أيضًا. وفي اليوبيل – في السنة الخمسين – كان العبيد من اليهود يتحررون، والأرض المرهونة يفك رهنها، ويشعر الكل بالحرية… هنا عخان يتسلم الحرية لطمره في الأرض تحت خيمته، أي يستخدم الحرية المقدسة لحساب جسده ومطالبه الزمنية فتصير إباحية واستهتارًا.

في اختصار إن ما فعله عخان هو تدنيس للمقدسات أو المواهب التي قدمها الله له لراحته وسلامه فاستخدمها لتحطيمه وهلاكه:

استخدم الجسد (الثوب) للشهوات عوض أن يكون معينًا للنفس في الحياة المقدسة،

واستخدم كلمة الله بفكر خاطئ عوض أن ترفعه للسمويات،

واستخدم الفكر في الفلسفات البراقة غير البناءة عوض أن يكون عمله لمجد الله،

واستخدم الحرية كفرصة للجسد عوض أن تكون سرّ انطلاقه إلى حضن أبيه بلا عائق أو قيود.

 

زر الذهاب إلى الأعلى