ملكوت الله يأتي بقوة

للأب أنتوني كونيارس

(مر8: 34 – 9: 1)

يقول الرب يسوع: «الحق أقول لكم: “إن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة”» (مر9: 1).

يظن البعض أن الرب يسوع عنـدمـا قـال تـلـك الكلمـات: «ملكوت الله قد أتى بقـوة» كان يشير إلى محيئه الثاني، ولكن لم يكـن الأمر هكذا، فهؤلاء الذين لا يذوقون الموت، أي الذين لن يموتوا مـن قبل أن يروا: «ملكوت الله قد أتى بقوة» قد رأوا هذا بالفعل يوم حلول الروح القدس، فقد تم هذا عندما حل الروح القدس بقـوة ليؤسـس الملكوت. وعد الرب يسوع تلاميذه بعد قيامته فقال: «تنالون قوة مـتى حل الروح القدس عليكم» (أع1: 8). عندما حل الروح القدس علـى التلاميذ يوم الخمسين، اختبروا قوة لم يحلموا بها؛ قـوة أرسـلتهم إلى أقاصي الأرض الأربعة ليشهدوا للمسيح؛ قوة أعطت بطرس ــ الـذي أنكر الرب يسوع ثلاث مرات ـ عدم الخـوف ليقـول للسلطات الرومانية التي طلبت منه ألا يعلم أو يكرز باسم الرب يسوع: «ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس» (أع5: 29)، بل واستطاع أن يقـف أمــام آلاف من الناس ويعلن باقتناع أن الرب يسوع هو ابن الله؛ تلك القـوة أعطت القدرة للتلاميذ الأولين أن يرنموا تسابيح الشكر إلى الله، فيمـا كانت الأسود تحوم حولهم لتفترسهم وهم في حلبة الصراع؛ قوة مكنت إسطفانوس أول الشهداء أن يصلي لأجل الذين يرجمونه إلى الموت: «يا رب، لا تقم لهم هذه الخطية» (أع7: 60)؛ قوة جعلت بولس وســـــيلا «يصليان ويسبحان الله نحو نصف الليل» وهما في السجن الــداخلي: «وأرجلهما مضبوطة في المقطـرة» (أع16: 24و25)، قوة حولـت التلاميذ الجبناء العاجزين المشلولين إلى كارزين خلاقين، حولتهم مـن الهماكهم في مشاكلهم الخاصة إلى رؤية الله عاملـة بقـوة في البـشرية للخلاص وامتداد الملكوت.

كيف تصير هذه القوة حقيقة؟

أين هذه القوة الآن؟ كيف يمكن أن ننالها؟ كيف يمكن ألا نذوق الموت قبل أن نختبر ملكوت الله وقد أتى بقوة؟

أولاً: كيف يأتي ملكوت الله بقوة ويصير حقيقة بالنسبة لنا؟ هذا يحدث عندما نفتح أبواب قلوبنا لنقبل المسيح داخلنا كما قـال الـرب يسوع: «هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحـد صـوتي وفـتـح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي» (رؤ3: 20). إلهنا ليس إلهـا غائبا، إنه إله دائم الوجود معنا. هو الرب يقف خارج باب قلبك وقلبي متوسلاً أن يدخل ليمكننا من إنجاز مهام الحياة. عندما نفـتـح البـاب لنسمح للرب يسوع ليدخل من خلال الصلاة اليومية، من خلال التوبة المستمرة، من خلال طاعة وصاياه التي نقرأها في الكتاب المقدس، خلال سر وجوده؛ أعني سر التناول، عندما نفتح الباب للرب يسوع ليدخل حياتنا، فهو لا يأتي بمفرده، يحضر ومعه حـب الآب، وقـوة الروح القدس.

يوضح القديس إيرينيئوس St. Irenaios هذا بالتشبيه بقوله:

“إننا عندما نفتح الباب لنقبل الرب يسوع، فالرب يأتي إلينـا وهو باسط يديه لنا، إحدى هاتين الذراعين ثمثـل الله الآب، والذراع الأخرى الروح القدس“.

عندما نقترب إليه، فإنه يحيطنا بذراعيه في احتضان محبـة، كما أنه ينفخ فينا نسمة الروح القدس، روح القوة، وعندما نترك هذا الحضن نكون قد شحنًا بمحبة الله وقوته. هذه هي الطريقة التي يأتي بها ملكوت الله بقوة في هذه الأيام. من خلال الصلاة يمكننا أن نفتح الباب للرب يسوع كل يوم، لنختبر حـضن محبـة الله الموهوب لنا.

مفتاحان:

قال شخص ما: إن قلب الإنسان يشبه حديقة، حديقـة سـرية حفظها الله خصيصا له بصفة فريدة، وهي مغلقة بحرص مثل الخزنة، والصندوق لا ينفتح إلا بمفتاحين؛ الله معه مفتاح، والإنسان معه  الآخر. الله لا يمكنه أن يدخل الحديقة بدون رضا الإنسان، ويظل مفتاح الحب والقوة موضوعا في القفل، لحين تجاوب الإنسان مع الله، ومفتاح الإنسان هو إرادته الحرة. الله ينتظر منا أن نضع مفتاحنا في القفل لينفتح صندوق الخزنة، أعظم صندوق في العالم، الذي فيه أعظم الكنوز الـذي هو شخص المسيح: «المذخر فيـه جميـع كـنـوز الحكمـة والعلــم (كو2: 3)، المسيح الذي هو «قوة الله وحكمـة الله» (1كو1: 24).

هل أتاك ملكوت الله بقوة أم لم تفتح الباب بعد؟ هل تحيا حيـاة الهزيمة أم حياة النصرة مع المسيح الذي يريد أن: «يقودنـا في موكـب نصرته كل حين» (2کو2: 14)؟ هل تعيش تحـت تغيـر الظـروف والأحوال والأحداث أم أنت تسود فوقها؟ صلاة واحدة منك تجد فيها قوة تشدد الإناء الخزفي، لأن: «لنا هذا الكنـز في أوان خزفية، ليكـون فضل القوة الله لا مئا» (2كو4: 7). هذا الكنـز هو ملكوت الله الذي يأتي بقوة في داخل كل واحد منا. هل تذكر كلمات الرب يسوع أن: «ملكوت الله داخلكم» (لو17: 21).

خلقنا لنكون دروع وأسلحة قوته:

يا لها مأساة إذا ما بنيت كنيسة لعبادة الإلـه من ووجدت أولادك يستخدمونها كمخزن للغلال. كم مأساة أكـبر تكون إذا ما خلقنا الله لنكون مسكنا لروحه القدوس وملكوتـه ثم تحول أنفسنا لتكون مجرد أوعية لطعام جيد من الداخل، وعلى السطح معرض لمستحضرات التجميل، ومـن الخـارج محـال للمنسوجات والأقمشة. نحن لم تخلق لنكون أوعية أطعمة أو لنشر الأزياء الرفيعة والمهذبة أو عرض الأطقم الثمينة، كلاً، نحن خلقنا لنكون هياكل للروح القدس، كأس دم حضوره، أسلحة قوتـه قلعة عزته.

هل ملكوت الله أتاك بقوة؟ يمكن أن يحدث هذا إن فتحت قلبك للرب يسوع وسمعت صوته، و«إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم» (عب3: 7و8).

شهادة للقوة:

استمع شهادة هذا الشخص الذي أتاه حقا ملكوت الله بقـوة يقول:

المسيح الذي في هو يعطيني السلام والهـدوء وسـط الارتباك. المسيح الذي في هـو الـذي يـدعـم قـواي وإمكانياتي ويقوي إرادتي. المسيح الذي في هـو الـذي يقول لي: “استمر، تقدم خطوة أخرى”. المسيح الذي هو الذي يتكلم من خلالي بكلمـات توصـل مـشـاعر السلام والأمان والثقة والتفاهم. المسيح الذي فيَّ هو الذي يلاشي الخوف. المسيح الذي في هو الذي لا يقبل أبدا الهزيمة. أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني“.

ماذا يجلب المسيح معه:

إذا ما سألتك: “ماذا يجلب الرب يسوع معه عندما نفتح له الباب وندعه يدخل حياتنا؟” ماذا ستكون إجابتك؟ إليك بعض الكنوز الـتي يحضرها معه:

(1) ملكوت الله بقوة.

(2) غفران الخطايا.

(3) التطهير الداخلي.

(4) السلام مع الله.

(5) عطية الروح القدس.

(6) المحبة.

(7) الفرح

(8) الغلبة على التجارب.

(9) القيامة من الموت.

(10) الجسد الممجد.

(11) الخلود وعدم الموت.

(12) الحياة الأبدية.

(13) مقاما أبديا في بيت الآب إلى الأبد.

إن كان ملكوت الله قد أتى بقوة داخلك، فأنت قد قبلت، أو تقبل الآن، أو ستنال يوما ما ملء هذه البركات بل وأكثر.

السؤال الهام:

أهم سؤال في الحياة هو: على أي جانب من باب حياتـك يوجد الرب يسوع؟ هل هو في الداخل أم في الخارج؟ فعلاً نحـن تعتبر أموائًا حتى ولو كنا أحياء فيزيقيا إلى أن نفتح الباب للرب. أن تفتح الباب معناه أن تختبر محيء ملكوت الله بقوة داخلك. أن تغلق الباب أمامه معناه الموت، كما يكتـب القـدّيس يوحنـا الرسول: «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة… » (يو3: 36).

عندما نفتح له الباب خلال الإيمان والصلاة والشركة فإنـه من يدخل. ماذا يحدث عندما يدخل؟ هل سيجد نفوسنا مسودة بالخطيـة؟ يجعلها أبيض من الثلج. هل يجدنا عرايا؟ يلبسنا ثيــاب الـبـر، الثيــاب الملكية، ثياب الأمراء والأميرات. هل يجدنا جياعـا وعطاشـا؟ يجلسنا أمام المائدة المسيانية التي تفيض بالمن من السماء. هل يجدنا نعيش في الزرايب؟ هو يحولها إلى هيكـل مـقـدس: «أم لـستـم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القـدس الـذي فيكم؟» (1كو6: 19). هذا ما يحدث لك عندما تفتح الباب لتدع الرب يدخل، فيأتيك ملكوت الله بقوة.

صلاة

تعال! أيها الرب يسوع،

فإن هذا هو بالضبط ما أحتاج إليه.

اجعل ملكوتك يأتي داخلي.

سد علي وكن ملكي وسيد حياتي.

اضبط حياتي واجعلني مطيعا لمشيئتك.

دع روحك القدوس يأتي ويملأني بالقوة،

لأغلب ضعفاتي وأنتصر عليها،

ولأحيا لا تحت الظروف مقهوراً، بل فوقها منتصراً،

لأنك أنت وحدك،

القادر أن تعطيني أكثر جدا كما أطلب أو أفتكر.

لك كل المجد إلى الأبد.

آمين.

فاصل

تعال وانظر كتب الأب أنتوني كونيارس لماذا الألم؟ 
كتاب لقاء مع الرب يسوع في الأناجيل – ج1
المكتبة المسيحية

 

زر الذهاب إلى الأعلى