يو 10:1 كان في العالم، وكون العالم به، ولم يعرفه العالم

 

كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. يو 10:1

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

“كان في العالم،

وكون العالم به،

ولم يعرفه العالم” (10).

يا للعجب إنه خالق العالم بقدرته، وقد نزل إليه ليحل في وسطنا، ويبعث بنوره إلينا وفينا، لكن العالم الشرير رفضه، مفضلاً جهالة الظلمة عن معرفة النور.

إن كان الإنسان قد صار ظلمة فهو بلا عذر، وظلمته ليست من صنع خالقه، إنما هي من فعل إرادته الشريرة الرافضة للنور الحقيقي.

v يقول يوحنا عن المسيح: “كان في العالم، وكوِّن العالم به“. بهذا القول يصعد بك إلى فوق أيضًا، إلى ما قبل الدهور، وجود الوحيد، لأنه من يسمع أن به تكوّن هذا العالم كله فإنه حتى وإن كان فاقدًا الحس جدًا، ولو كان عدوًا، ولو كان محاربًا لمجد الله، فسيضطر أن يعترف به طائعًا.

يقول: “ولم يعرفه العالم” إذ أنه يوجد من انحرفوا عن تمييزهم، وقد صرعوا وجنوا جنونًا في أقصى غايته، ويوجد من عرفوه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v “والعالم لم يعرفه“، ليس لأنه غير معروف، وإنما لأن العالم ضعيف. فالابن ينير، لكن الخليقة تبعثر النعمة. لقد أعطى الكلمة للخليقة النظر لكي تدركه كإله بالطبيعة، ولكن الخليقة بددت العطية، وجعلت الكائنات حاجزًا يمنعها عن التأمل في اللَّه، فلم تفكر إلا في ذاتها، ودفنت عطية الاستنارة بالإهمال.

v العالم في الحقيقة مُتهم بعدم الشكر وعدم إدراك خالقه… هذه الحقيقة يعبر عنها النبي، إذ يترنم بخصوص بني إسرائيل: “ونظرت لكي يثمر عنبًا، ولكنه أثمر عنبًا رديئًا وشوكًا” (إش 4:5 LXX).

القديس كيرلس الكبير

v ليس العالم الذي خلقه هو الذي لم يعرفه.

ما هو العالم الذي خلقه؟ السماء والأرض.

كيف لم تعرفه السماء هذه التي عند آلامه أظلمت الشمس؟

كيف لم تعرفه الأرض التي تشققت عندما عُلق على الصليب؟

العالم لم يعرفه“، هذا الذي قيل عن رئيسه: “هوذا رئيس هذا العالم آت، ولا يجد له فيّ شيء” (يو ١٤: ٣٠). يُدعى الأشرار “العالم”؛ يُدعى غير المؤمنين “العالم”. أخذوا هذا الاسم من ذاك الذي يحبونه.

بحب الله نصير آلهة، وبحب العالم نصير “العالم”. لكن “الله في المسيح مصالحًا العالم لنفسه” (٢ كو ٥: ١٩).

v قدمت كل الأشياء من كل الجوانب شهادة له، ولكن من الذين لم يعرفوه؟ أولئك الذين بسبب محبتهم للعالم دُعوا “العالم“.

v خلق العالم به، السماء والأرض وكل ما فيهما. “العالم لم يعرفه“، محبو العالم، ومحتقرو الله، هذا هو العالم الذي لم يعرفه. فالعالم شرير، لأن الذين يفضلون العالم عن الله هم أشرار.

v “والعالم لم يعرفه“، ليس العالم الذي قيل عنه: “الله في المسيح مصالحًا العالم فيه” (٢ كو ٥: ١٩).

يوجد عالم شرير، ويوجد عالم صالح. العالم الشرير هم الأشرار الذين في هذا العالم. والعالم الصالح هم كل الصالحين في العالم. هذا ما نلاحظه كثيرًا في الحقل. فنقول: هذا الحقل مملوء بالحنطة، كما نقول أيضًا، ونقول بالحق: هذا الحقل مملوء قشًا. وأيضًا نقول بالنسبة لشجرةٍ ما أنها مملوءة ثمرًا، ويقول آخر عنها إنها مملوءة أوراقًا. وكلٍ من القائل بأنها مملوءة ثمرًا والقائل مملوءة أوراقًا صادقان. فليس امتلاؤها بالأوراق ينزع امتلاءها بالثمار. ولا امتلاؤها بالثمار ينزع كثرة أوراقها.

v العالم شرير لأن سكانه أشرار، كما أن البيت شرير ليس بسبب الحوائط وإنما بسبب سكانه.

القديس أغسطينوس

فاصل

تفسير الأب متى المسكين

10:1- كَانَ فِي الْعَالَمِ وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ.

يلزم أن ننتبه إل الرؤيه المتسعه لمفهوم القديس يوحنا عن الكلمة وعلاقته بالعالم, وذلك بالتفريق بين «كل شيء به كان» ويعني العالم بكل ما فيه، وبين “النور أضاء في الظلمة والظلمة لم تدركه” وهنا الظلمة هي ظلمة العالم والإضاءة هي استعلان الله لكل من له إدراك في العالم أي الإنسان، فالعالم هنا هو عالم الإنسان. أما قوله: “كان النور الحقيقي آتيأ إل العالم”، فهنا انتقال أساسي من عمل الكلمة على مستوى الخلق والإضاءة إل عمل الكلمة بالحضور الشخصى للاعلان عن الله.
ومن ها نفهم قوله “كان في العالم” بمعى أنه كان عاملاً بالإضاءة أي بالاستعلان ‏الإدراكي لكل من له إدراك, كما نفهم “وكون العالم به” بمعنى الخلقة ودوام الخلقة متصلة بخالقها، أما النتيجة الدائمة أو رد فعل العالم، وباستمرار فهو «لم يعرفه العالم». وهنا «لم يعرفه العالم» لا يعني عدم المعرفة بالإستضاءة العامة، ولكن عدم التعرف الشخصي عليه وعدم الاستجابة له أخلاقياً، وبالتالي الوقوف في الظلمة ومع الظلمة ضد الله، لأن عدم الإذعان للنور هو التحرر من سلطانه، وكأن لا خالق له,بل وكأنه هو خالق ذاته أو موجواً من تلقاء ذاته، وهذه هي نظرة الملحدين تماماً ونظرة اللاأدريين ومؤلهي العالم.
‏وهنا يتضح أيضاً عمق التغير الروحي لثنائية وجود النور والظلمة في لاهوت القديس يوحنا. فالظلمة في العالم أو في الإنسان ليس الله صانعها، بل الإنسان وحده مسئول عن صنعها بنفسه بالسير في الخطية والشر. فالظمة ليست كالنور، فهي ليس لها أصل وجودي كالنور، بل هي من إفرازات التاريخ والسلوك الإنساني. وبكل اختصار تكون الظلمة هي غياب النور، ويكون عمل النور في الإنسان هو العودة إلى الله ، أي الخلاص، وعمل الظمة بالمقابل هو الدينونة، أي الحرمان من الله. وهكذا أيضأ ينقسم العالم في لاهوت القديس يوحنا إلى عالم قابل للنور والخلاص، وهو العالم الذي أحبه الله، وعالم رافض للنور وواقع تحت الرفض والدينونة. وهذا هو الذي حدا بالكلمة أو جعله يتخذ الخطوة الأكثر استعلاناً وهي: المجيء الشخصي .

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

أية (يو 1: 10): “كان في العالم، وكون العالم به، ولم يعرفه العالم.”

كان في العالم= فهو كان يعطي لكل إنسان نورًا يعرف به الله، ليقترب إلى الله بإدراكه (رو 1: 19 ). وكل فكر صالح وكل حق ظهر في العالم الوثني كان مصدره الابن فهو مصدر كل حق (يع16:1-17) (وتعني أنه كان في العالم يحفظه ويدبره). وكون العالم به= فهو الذي خلق كل الخليقة وهو الذي يعطيها حياتها وهي متصلة به دائمًا. لم يعرفه العالم= لم يستجب له العالم إيمانيًا وأخلاقيًا، فهو يدعوهم ليكونوا في النور وهم يرفضوا، بل وقفوا مع الظلمة ضد الله وساروا وراء أوثانهم وشهواتهم وملذاتهم (رو 1: 21 -25). الله موجود دائمًا في العالم ولكن بسبب أن العالم أختار طريق الخطية احتجب الله عن العالم، إذ أن الخطية أعمت قلوب الناس. هم كونوا علاقات مع الشيطان وليس مع الله. فالظلمة في الإنسان صنعها الإنسان برفضه النور وسيره في الخطيئة والشر أما من يستجيب لنداء الله الذي يجذبه للنور يعرف الله ويترك الظلمة ويعود لله وهذا هو الخلاص. ومن يرفض يكون له الدينونة أي الحرمان من الله. إذًا سبب عدم معرفة العالم لله ليس أن الله كان مختفيًا بل لم يكن هناك من يستقبل النور، فالخطية أعمت عيون البشر. يوحنا بدأ بأن المسيح هو الكلمة الأزلي. وهنا أسماه نور فهو نور الخليقة. وطالما قال أن النور كَوَّن العالم، إذًا هو يقصد الكلمة. وبعد هذا يقول يوحنا أن النور كان في العالم لكن كنور. وبعد هذا يقول يوحنا أن النور تجسد.

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى