مار أفرام السرياني

 

 هو شماس وعالم لاهوتي بارز في الكنيسة، يعد من أشهر کتاب  وشعراء الآباء السريان، وهو أيضا من أعظم الآباء الذين خلفوا لنا تراثاً أدبياً روحياً عميقاً مازلنا ننعم به إلى يومنا هذا.

 يكرمه السريان ويعطونه لقب “ملفونو” أي المعلم، ويطلق عليه أيضا “قيثارة الروح القدس”، “نبي السريان وشمسهم”، الفم الفصيح”، “مُعلم المسكونة”، “عمود الكنيسة”.

وتستعمل الكنيسة السريانية الكثير من الأناشيد التي ألفها في ليتورجياتها، وتغنى الشرق كله بمدائحه التي نظمها.

 ولد في نصيبين من والدين مسيحيين تقريباً 303م، وأصبح ناسكاً، وعُين مديراً لمدرسة نصيبين التي أنشأها مار يعقوب أستاذه، وعلم فيها مدة ۳۸ سنة.

 حوصرت مدينة نصيبين من قبل سابور الثاني (۳۱۰-۳۷۹م) في 338م و 346م و 350م، ووقعت في يديه في 363م. فهجر القديس نصيبين هو ومعظم المسيحيين إلى المقاطعة الرومانية، وعاش في إديسا (الرها) حيث ألف هناك معظم إنتاجه الأدبي. ووسع مدرستها السريانية الشهيرة التي ازدانت به كمدير لها ومعلم فيها، أستاذاً حازماً وجندياً أميناً على حراسة معقل الأرثوذكسية.

 في طريقه إلى إديسّا أنقذ شعب ساموساطا من تأثير التعليم الكاذب الذي للبدع، وذلك بنشره التعاليم الأرثوذكسية في صورة أناشيد ملحنة.

عاش حياة التوحد في جبل الرُها المقدس بالقرب من المدينة، فعطّره بعبير فضائله. وقد اشتهر بالوقار والحلم والسكينة والعفاف والتواضع والرحمة. سافر إلى قيصرية لمقابلة القديس باسيليوس في۳۷۰م، بعد أن رآه في حلم كعمود نار يمتد من الأرض إلى السماء.

ويقال إن القديس باسيليوس رسمه شماساً وظل شماساً طيلة حياته. وعندما رأى مار أفرام القديس باسيليوس جالساً على كرسي الوعظ – وكان فخماً جداً – ومرتدياً ثياباً لامعة تأوه في روحه، ولكن عندما كشف الرب له فرأى الروح القدس مثل حمامة جالساً علی كتف القديس باسيليوس يوحي له بما يقول، عاد فامتدحه.

و هناك مثلان يظهر فيهما تأثير تعليم مار أفرام على باسيليوس:

  • كان من المألوف في قيصرية عند التمجيد أن يقال “مجداً للأب وللابن، للروح القدس”، ولكن بعد زيارة القديس أفرام للقديس باسيليوس أضاف القديس باسيليوس حرف الواو” قبل “الروح القدس” وعندما تذمر الشعب على ذلك أخبرهم أن ضيفه القديس مار أفرام قد علمه ذلك، أن يضع “الواو”، وأن ذلك يعد ضرورياً من أجل توضيح عقيدة الثالوث القدوس .
  •  في سفر التكوين ۲:1 طبقا للترجمة السبعينية وكان روح الله (يلد- ينعطف – يتحرك) على سطح المياه”. هكذا فهم القديس باسيليوس ما تفيده هذه الآية. ولكن حسب الترجمة السريانية البسيطة ” الفيشطتا “وكان روح الله (مرحفو)[بمعنی يرفرف – يحضن- يشفق – ينزل] (مثل الدجاجة التي تحضن بيضها ليفقس) علی وجه المياه. وقد فسر ذلك القديس أفرام بأن الروح القدس يستقر على المياه في دفء ورعاية كما تحضن الدجاجة بيضها؛ وهكذا تمنحه قوة أن يلد كائنات حية تتحرك. [أي أن عمل الروح القدس وهو يرف فوق المياه يمثل عمل الدجاجة بتدفئتها للبيض حاضنة إياه مما يعطية قوة لإخراج حياة. وكذلك المياه تأخذ قوة لكي تخرج منها كائنات حية.] لأن المياه كانت على طبيعتها فلم تكن لها طاقة خلاقة حتى اليوم الرابع”.

و أعطي القديس باسيليوس سببين لماذا يثق في صديقه السرياني:

  •  السبب الأول: أن القديس أفرام يعيش حياة نسكية قوية.
  •  السبب الثاني: أن “القديس مار أفرام هو مفكر حاد الذهن، وذكي ولديه معرفة تامة بالفلسفة الإلهية”، أي المعنى العام للكتاب المقدس.

عطف على المنكوبين والمرضى والبائسين عندما عانت الرها وضواحيها من مجاعة شديدة ووباء الطاعون في ۳۷۳م، وقد انتقل في نفس السنة مصاباً هو نفسه بداء الطاعون. ودفن في مقبرة الغرباء حسب وصيته.

كتب القديس مار أفرام في أناشيده عن الميلاد عن ما يرمز إليه آدم الأول و آدم الثاني في الكتاب المقدس، وعلى نفس المنوال يمكن عمل مقارنة ليس بين مريم العذراء وحواء ولكن بين مريم العذراء والأرض التي أخرجت آدم الأول قديماً:
الأرض العذراء ولدت آدم الذي هو سيد الأرض، أما اليوم فعذراء أخرى ولدت آدم آخر الذي هو رب السماء (1: 16).

إنها أمك هي وحدها، وإنها أختك مع الجميع، صارت لك أما، صارت لك أختا، هي أيضا خطيبتك مع العفيفات. ها قد زينتها بكل شيء، يا جمال أمه. (۱۱: ۲).

 وقد كتب في تسابيح حُفظت بالأرمنية: مبارك الشخص الذي قبل أن يكون صديقاً حميماً للإيمان والصلاة، فهو يعيش في وحدانية الفكر، يجعل الصلاة والإيمان معه دائما. فإن الصلاة التي ترتفع في قلب شخص ما، تفتح أمامه باب السماء. هذا الإنسان يقف ويتحدث مع الله ويفرح قلب ابن الله به. الصلاة تعمل سلاماً مع الله وتخمد غضبه الشديد. وبنفس الطريقة فإن الدموع التي تنهمر من الأعين تفتح باب الرأفة.

و كان مار أفرام كاتباً غزير الإنتاج فوق العادة حيث يذكر له مؤلف “الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة” 12 ألف قصيدة وخمسمائة وخمسون مدراشاً (نشيد)،مار افرام السرياني وغير ذلك الكثير من الصلوات والابتهالات وغيرها و كان من أوائل الذين دافعوا عن استخدام الأسلوب الشعري في المداريش (أي الأناشيد الكنسية). اتسمت التراتيل التعليمية التي ألفها في الإيمان الأرثوذكسي وفي الفضائل وغيرها، بدقة التعبير وسمو المعاني وحلاوة الأنغام فتشربتها النفوس بسهولة وراحت تتغنى بها إلى يومنا هذا. وكان لها تأثير فعال في حفظ الإيمان.

 اشتهر مار أفرام بميامره أي قصائده المنظومة على البحر السباعي المنسوب إليه.

 كثير من أشعار القديس أفرام السرياني تم ترجمتها إلى اليونانية في الجزء الأخير من القرن الرابع بواسطة فلافيان الأنطاكي و دیودور الطرسوسي. و كانت مواضيع أشعاره وأناشيده هي أحداث حياة السيد المسيح، متضمنة ميلاده و معموديته وصومه وخدمته وآلامه وقيامته وصعوده وفي أسرار ربنا. كذلك فإنه كتب أيضا عن البتولية والتوبة والإيمان والحياة المسيحية والموت والشهداء والكهنوت والرهبنة وجنازات الإكليروس والمؤمنين وقصائده الشهيرة على نصيبين.

 من الصعب الإحاطة بجميع ما كتبه مار أفرام أو تحديد عدد قصائده بدقة، وما يأتي ذكره هنا ليس على سبيل الحصر.

 يمكن تصنيف كتاباته إلى ثلاثة أقسام: ۔

تفسيرية:

 سفر التكوين والخروج ، تفسير للإنجيل المعروف بالدياتسّارون لتاتيان موجود في ترجمة أرمنية ، أعمال الرسل و رسائل القديس بولس باستثناء الرسالة إلى فليمون، وتفاسيره كلها كتبها في صورة نثر.

شذرات متفرقة من بقية الأسفار في مجموعة الراهب ساويرس (ت. 461م).

 اتخذ في تفسيره وضعا متوسطا بين الحرفية التي اشتهرت بها أنطاكية والرمزية التي لأوريجانوس. وبينما نجد أن القديس باسيليوس الكبير والقديس غريغوريوس تأثرا جداً بأوريجانوس فإن القديس أفرام كان متميزاً باستقلاله.

عقائدية وجدلية:

 كتاباته الجدلية ضد بردیصان وماركيون وماني. وضع بردیصان – الذي كان غنوسياً اشتهر في نهاية القرن الثاني – عقائده الخرافية في 150 مزموراً. فلكي يقاوم القديس مار أفرام تأثیر مزامیر برديصان ألف العديد من الألحان والأناشيد و درب عليها الفتيات اللواتي رغبن في الرهبنة لكي پرتلن بها في جوقات. و في أعياد الرب وأعياد الشهداء وفي أيام الأسبوع، كان مار أفرام يجمع حوله هذه الجوقات المنشدة وبذلك فقدت أشعار بردیصان تأثيرها .

كتب 56 مدراشاً (نشيداً) ضد الهرطقات ونقض الأضاليل ضد بردیصان وماركيون وماني.

 ۸۷ نشيدا في الإيمان ضد الآريوسيين. وهاجم في 4 منها يوليانوس الجاحد.

 رسالتان نقضاً للهراطقة أرسلهما إلى هيباتيوس ودومنوس.

 خطبة عن سيدنا تكلم فيها عن ألوهة السيد المسيح وفدائه للبشر.

و تدوي قيثارته بمديح السيدة العذراء أكثر كثيراً من أي شاعر أو واعظ آخر في العصور المسيحية القديمة. فهو يحب أن يتغنى ببتوليتها التي بلا عيب، وحقيقة كونها والدة الإله (باردینهيوير Bardenhewer). وقد كتب 15 نشيدا في الميلاد.

وعظية:

 تشكل مقالاته التي تحض على الفضيلة والتوبة الجزء الأكبر من كتاباته.

 في التأنيب: خطبة تحث على التوبة على أثر سقوط نصيبين.

الآراء أو الأحكام: تناول فيه حياة النسك والرهبنة.

 مقالان في محبة العلي 

رسالة إلى الرهبان ساكني الجبال.

 خطب نثرية وقصائد أو أناشيد في قديسي العهدين والفردوس وغيرها.

 له صلوات وأدعية دخلت في ليتورجيات الكنيسة. 

 وفي تاريخ مبكر ترجمت كتاباته إلى اليونانية والأرمنية والقبطية والعربية والإثيوبية.

 قال عنه ذهبي الفم: أفرام کنارة الروح القدس ومخزن الفضائل، معزي الحزائي ومرشد الشبان وهادي الضالين، كان على الهراطقة كسيف ذي حدين.

فاصل

يوسابيوس القيصري

الكنيسة الجامعة

القديس مار رابولا الرهاوي

آباء وكتاب أنطاكية وسوريا
تاريخ الكنيسة

 

زر الذهاب إلى الأعلى