تفسير سفر ايوب اصحاح 15 للقديس يوحنا ذهبي الفم

الإصحاح الخامس عشر
الحديث الثاني لأليفاز
ما الذي تعرفه يا أيوب ولا نعرفه نحن أيضاً؟

١ – ” أجاب أليفاز وقال: أية إجابة ممتلئة بالذكاء سيعطيها الحكيم؟ وهل شبعت آلام أحشائه فيحتج بكلام لا يفيد وبأحاديث لا ينتفع بها؟ (١٥: ١-٣)

إن أكثر الأشياء المرعبة أنه بحجة الأحاديث التقوية وتحت بند التشجيع ( والتعزية) يهيئ الشيطان أسلحة للفتك وانظر أيها القارئ بأى عنف يضعها في أحاديثهم، وهم في ذلك يستخدمون حماقة شيطانية فى الاستهزاء. وحيث أن أيوب قد قال: «أنا أيضاً لى قلب مثلكم والحكمة لن تموت معكم (۱۲: ۲ ، ۳)، «ما تعرفونه عرفته أنا أيضاً، ولو أنى بالتأكيد أكثر حداثة معكم، لكنى لست أقل منكم فهماً» (۱۲:۱۳).

إن أليفاز في هجومه عليه الآن أشار إلى هذه الكلمات فقال: «أية إجابة ممتلئة بالذكاء سيعطيها الحكيم؟»، وما يقصده أليفاز هو: هل هذا هو الجواب الحسن الذي يقوله من هو حكيم ويدعى معرفة كل شيء.

لكن (معنى) أن يشبعنى من آلام أحشائه أى أن يقال له كلمات قادرة على التعزية، ومع ذلك هو يطفح بوجعه قائلاً: إنه لا يوجد شيء منطقى فى هذه المرافعة، إذ كل شيء فيها مشوش وأثيم.

وأنت (يا أليفاز) هل تستطيع أن تنجد نفسك بنفسك؛ هل ترى (أيها القارئ) كيف أن أليفاز متكبر، وضد من يتكلم؟ فلأن أيوب قال له الحكمة لا تموت معكم، فإنه يريد قلب هذا الإثبات وإظهار أن أيوب لا يعرف شيئاً أكثر منهم.

٢- وقال أليفاز: ” ألم تبعد عنك أيضاً المخافة وتمسكت بمثل هذا الكلام أمام الرب، لأنك أذنبت بكلمات فمك ولم تميز كلمات المتجبرين”، إن فمك يستذنبك لا أنا، وشفتاك تشهدان عليك. العلك ولدت أول الناس أمر هل أقمت لتكون لك الرفعة والصدارة؟ هل سمعت وصية من الرب ؟ أم إليك (فقط) وصلت الحكمة؟ ماذا تعرفه ولا نعرفه نحن، وماذا تفهم وليس هو عندنا ؟ عندنا الشيخ والأشيب أكبر أياماً من أبيك إنك نلت عقوبة عن عدد قليل من خطاياك ومع هذا تتكلم بلهجة متكبرة ومفرطة (١٥: ٤-١١)

إنه لم يقل فقط: هل أنت نفسك ولدت قبل العالم لتعرف (الأحداث التي تمت منذ الأزمنة الغابرة، أو هل أنت تعلمت شيئاً من فم الله؟ (بل قال أيضاً) أنت لا تزيد علينا إطلاقاً في المعرفة

ولأن أيوب قال يلزم» وقت لاقتناء الحكمة» (۱۲:۱۲)

فبادره أليفاز بقوله : أليس حقاً أنك أنت قد وقعت فى المصيدة (من كلام فمك؟ لأنك بالحق لست شيخاً ولم تولد قبل الكون.

لكن أيوب قال هذا لأن أصدقاءه كانوا متكبرين.

قال أليفاز إنك نلت عقوبة عن عدد قليل من خطاياك.

وحيث أن أيوب قال: أعلمنى (يا رب) كم هى عدد تعدياتي» (۱۳: ۲۳)، لذلك قال له أليفاز بمبالغة من جانبه: إنك لم تُكفّر ولا حتى عن الجزء الأكثر خزياً من خطاياك.

أي مائت هو بلا لوم؟

ثم من جديد هاجمه أليفاز صراحة…

هل قال أيوب يا أليفاز إننى بلا لوم أمام الله ؟ أم أنه قال العكس تماماً «أنت قد سجلت تعدياتي (يا رب) (۱۳: ٢٦)، أى أنك حفظت خطاياي في ذاكرتك.

قال أليفاز: ماذا كانت جسارة قلبك؟ أين اتجهت أنظارك حتى إنك تركت العنان لغضبك أمام الرب وتجعل مثل هذه الكلمات ( غير اللائقة) تفلت من فمك؟ أي مائت يتزكى أو أى مولود امرأة يمكنه أن يُعتبر مثل بار، إن كان هو نسب ملامة للقديسين، والسموات غير طاهرة أمامه والنجوم ليست بلا لوم؟» (۱٥: ۱۲ – ١٥). ثم أضاف أليفاز بعد ذلك قوله: «وآسفاه ، فإنه بغيض وفاسد الإنسان الشارب الإثم كالماء (١٦:١٥).

انظر أيها القارئ كيف ضربه أليفاز وكيف أظهر أن ضلال أيوب كان طبيعياً.

الحكماء قالوا أن الشرير موعود بالخراب

«إننى سأعلن لك فاسمعنى حسناً، وما رأيته (أنا) الضبط. سأعلن لك ما أخبر به حكماء عن آبائهم فلم يكتموه في أنفسهم). الذين لهم وحدهم أُعطيت الأرض ولم يقم عليهم غريب.

إن كل حياة الشرير تنقضى فى القلق والاضطراب وسنوات معدودة مقدمة للعتاة ورعب الله يملأ أذنيه. وعندما يظن أنه فى سلام، حينئذ يرى وصول خرابه. إنه لا يأمل في الإفلات من الظلمات، لأنه قد أسلم الآن إلى قوة السيف وسقط فى الفناء وتعيّن مأكلاً للنسور. وهو يعرف داخلياً أنه مُعد ( حرفياً مدان) للهلاك (١٧:١٥ – ٢٣).

ولأن أيوب قال: يلزم وقت لاقتناء حرفياً اكتشاف الحكمة» (۱۲: ۱۲)، فإن أليفاز رد بقوله «ما أخبر به حكماء عن آبائهم فلم يكتموه في أنفسهم)»، ثم أضاف قوله «لم يقم عليهم غريب»، أى أن الحكماء هم الذين ينعمون بالسلام ويشركون فيه نسلهم. لم يقم عليهم غريب أى أنهم لم يعانوا حرباً أو يروا قتالاً أو يعرفوا ثورات ( عليهم) إنما يقفون دائماً مع النبلاء والأبطال. وليس فقط يبقون أحياء، بل أيضاً يمتلكون قوة وسلطاناً عظيمين وهم مستمتعون بسلام عميق.

إن كل حياة الشرير تنقضى فى القلق والاضطراب، وعندما يصيروا في سلام (خارجي) فإن ضميرهم هو الذي يجوز هذا القلق والهم.

سنوات معدودة مقدمة للعتاة الذين هم ظالمون، وهو قال «سنوات معدودة» لأن الطغاة زائلون.

عندما يظن أنه فى سلام، حينئذ سيرى وصول خرابه: إذاً فإن أيوب علم أن الحرب أتته من فوق، وأنه لا يوجد مجال لأى تغيير من جهة بلاياه.

إنه تعيّن مأكلاً للنسور، أنه قد أسلم إلى قوة السيف: لاحظ (أيها القارئ) هذا أيضاً أن موته مثير للشفقة، فهو موت لا يتطابق مع الناموس العام للطبيعة، بل هو ثمرة للعنف والحرب والقتال وبعد الموت لن يكون له قبر أو جنازة، وليس فقط سيُحرم من القبر، بل أيضاً سيصير «مأكلاً للنسور»، وهو يعلم داخلياً أن الهلاك ينتظره. وهذا الإحساس المسبق للأحداث هو من أكثر الأشياء المؤلمة للإنسان عندما تُعلن له ويُخبر بها مقدماً.

مصير الشرير

ه – إن يوم الظلمة سيجتذبه إلى عاصفة، ضيق وشؤم يضغطانه، ويسقط مثل قائد ذا منزلة رفيعة لأنه رفع يديه على الرب. نعم لأنه قشى رقبته على الرب القدير وركض ضده بوقاحة محتمياً بالغلاظة الدائرية لترسه، لأنه أخفى وجهه تحت شحمه (الكثيف)(١٧:١٥ – ٣٢)

وكما أن القائد شهير ومرئى تماماً (للكل) ويقف فى مركز معرّض للخطر، فيسقط في الحال، ولأنه يأمر الآخرين، فإنه يسقط قبلهم ، كذلك نفس الأمر للشرير.

انظر أيها القارئ أى مثال أعطاه أليفاز. فماذا تفيد كرامة وسلطان الرئيس «لأنه رفع يديه ضد الرب»؟

٦- بعد ذلك أعلن أليفاز عن اللعنات التى تتم بكل طريقة فقال: “إنه وضع وسادة من شحم على فخذه وكان تكبره مخيفاً فيسكن في العراء في مدن خربة، ويدخل في بيوت لا سكان فيها، وما أعدّه (من خيرات) سيحمله آخرون (لأنفسهم). فلن يصير غنياً على الإطلاق ولا تدوم ثروته، ولن يُلقى ظله على الأرض ولن يستطيع أن يفلت من الظلمة وستيبس الريح زهره فيسقط ولا يظن أنه سيدوم لأن نهايته ستكون باطلة” (٢٧:١٥ – ٣١)

ثم أضاف أليفاز قوله بعد ذلك: حصاده سيهلك قبل الأوان وفرعه لن يزهر ويُجمع قبل الأوان مثل عنب غير ناضج ويسقط مثل زهر الزيتون، لأن الموت يشهد على الشرير والنيران تأكل بيوت الذين ارتشوا ويحبلون بأوجاع بطنهم لأن نهايته باطلة وأحشاؤه ستعانى من ثقل الألم (٣٢:١٥ – ٣٥)

إن أليفاز يركز في كل موضع على ما هو مُعدّ (للشرير) ولم يتم بعد.

“لأن الموت يشهد على الشرير”

أى أن دحضه واتهامه (لومه) يشهدان للآخرين أن كل الأشرار ينبغي أن يعانوا هكذا، وعلاوة على ذلك «الموت يشهد على الشرير» بمعنى أنه سيكون موتاً واضحاً وظاهراً ولا يجهله أحد.

تفسير أيوب 14 سفر أيوب 15 تفسير سفر أيوب تفسير العهد القديم تفسير أيوب 16
القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير سفر أيوب 15 تفاسير سفر أيوب تفاسير العهد القديم
 

 

زر الذهاب إلى الأعلى