تفسير سفر أخبار الأيام الأول أصحاح 29 للقمص أنطونيوس فكري

 

الآيات 1-9:- “وَقَالَ دَاوُدُ الْمَلِكُ لِكُلِّ الْمَجْمَعِ: «إِنَّ سُلَيْمَانَ ابْنِي الَّذِي وَحْدَهُ اخْتَارَهُ اللهُ، إِنَّمَا هُوَ صَغِيرٌ وَغَضٌّ، وَالْعَمَلُ عَظِيمٌ لأَنَّ الْهَيْكَلَ لَيْسَ لإِنْسَانٍ بَلْ لِلرَّبِّ الإِلهِ. وَأَنَا بِكُلِّ قُوَّتِي هَيَّأْتُ لِبَيْتِ إِلهِيَ: الذَّهَبَ لِمَا هُوَ مِنْ ذَهَبٍ، وَالْفِضَّةَ لِمَا هُوَ مِنْ فِضَّةٍ، وَالنُّحَاسَ لِمَا هُوَ مِنْ نُحَاسٍ، وَالْحَدِيدَ لِمَا هُوَ مِنْ حَدِيدٍ، وَالْخَشَبَ لِمَا هُوَ مِنْ خَشَبٍ، وَحِجَارَةَ الْجَزَعِ، وَحِجَارَةً لِلتَّرْصِيعِ، وَحِجَارَةً كَحْلاَءَ وَرَقْمَاءَ، وَكُلَّ حِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ، وَحِجَارَةَ الرُّخَامِ بِكَثْرَةٍ. وَأَيْضًا لأَنِّي قَدْ سُرِرْتُ بِبَيْتِ إِلهِي، لِي خَاصَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ قَدْ دَفَعْتُهَا لِبَيْتِ إِلهِي فَوْقَ جَمِيعِ مَا هَيَّأْتُهُ لِبَيْتِ الْقُدْسِ: ثَلاَثَةَ آلاَفِ وَزْنَةِ ذَهَبٍ مِنْ ذَهَبِ أُوفِيرَ، وَسَبْعَةَ آلاَفِ وَزْنَةِ فِضَّةٍ مُصَفَّاةٍ، لأَجْلِ تَغْشِيَةِ حِيطَانِ الْبُيُوتِ. الذَّهَبُ لِلذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ لِلْفِضَّةِ وَلِكُلِّ عَمَل بِيَدِ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ. فَمَنْ يَنْتَدِبُ الْيَوْمَ لِمِلْءِ يَدِهِ لِلرَّبِّ؟» فَانْتَدَبَ رُؤَسَاءُ الآبَاءِ وَرُؤَسَاءُ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ وَرُؤَسَاءُ الأُلُوفِ وَالْمِئَاتِ وَرُؤَسَاءُ أَشْغَالِ الْمَلِكِ، وَأَعْطَوْا لِخِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ خَمْسَةَ آلاَفِ وَزْنَةٍ وَعَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَعَشَرَةَ آلاَفِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ وَزْنَةٍ مِنَ النُّحَاسِ، وَمِئَةَ أَلْفِ وَزْنَةٍ مِنَ الْحَدِيدِ. وَمَنْ وُجِدَ عِنْدَهُ حِجَارَةٌ أَعْطَاهَا لِخَزِينَةِ بَيْتِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ يَحِيئِيلَ الْجَرْشُونِيِّ. وَفَرِحَ الشَّعْبُ بِانْتِدَابِهِمْ، لأَنَّهُمْ بِقَلْبٍ كَامِل انْتَدَبُوا لِلرَّبِّ. وَدَاوُدُ الْمَلِكُ أَيْضًا فَرِحَ فَرَحًا عَظِيمًا.”

في (1) اختاره الله = هنا داود يكرر القول حتى يفهم الشعب ويفهم باقي أبناء داود أن الله اختار سليمان ملكًا وإن كان صغيرًا. وفي (2) حجارة الجزع = نوع من المرمر وهو حجر كريم به خطوط متوازية بها عدة ألوان. وفي (3) داود يذكر ما تبرع به من ما له الخاص لبيت الله ليحث الشعب أن يتبرعوا، وهو يبدأ التبرع والشعب يتبعه علامة حب الجميع لله. فالله لا يحتاج عطايا لا من هذا ولا من ذاك بل هو يفرح بمحبة الجميع له. والـ3000 وزنة المذكورة هنا هي ما تبرع به داود من ماله الخاص. وكان الذهب لتغشية الحيطان. وأما الفضة فلم يذكر داود استخدامًا لها. وفي (7) درهم = وحدة نقود. الوزنة = 30 منا، والمنا = 100 درهم وفي (9) فرح الشعب = حقًا مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ فالشعب فرح حينما أعطى الله فهم أعطوا الله ذهبًا وفضة والله أعطاهم الفرح. وهم فرحوا لأن بيت الله الذي سيجمعهم في محبة والله وسطهم علامة إتحادهم به وإتحاده بهم، هذا البيت سيكون عظيمًا وفي آية (5) ملء يده للرب أي يعطي للرب ملء يده أي بكرم، وهذا نفهمه من بقية الآية، فمن ينتدب (أي يتبرع) وعبارة ملء يده في أماكن أخرى تشير للتكريس.

حجارة كحلاء = حجارة كريمة شديدة السواد. حجارة رقماء = حجر عليه عدة ألوان.

 

الآيات 10-19:- “وَبَارَكَ دَاوُدُ الرَّبَّ أَمَامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ دَاودُ: «مُبَارَكٌ أَنْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ أَبِينَا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ، لأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ، وَقَدِ ارْتَفَعْتَ رَأْسًا عَلَى الْجَمِيعِ. وَالْغِنَى وَالْكَرَامَةُ مِنْ لَدُنْكَ، وَأَنْتَ تَتَسَلَّطُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَبِيَدِكَ الْقُوَّةُ وَالْجَبَرُوتُ، وَبِيَدِكَ تَعْظِيمُ وَتَشْدِيدُ الْجَمِيعِ. وَالآنَ، يَا إِلهَنَا نَحْمَدُكَ وَنُسَبِّحُ اسْمَكَ الْجَلِيلَ. وَلكِنْ مَنْ أَنَا، وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نَنْتَدِبَ هكَذَا؟ لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ. لأَنَّنَا نَحْنُ غُرَبَاءُ أَمَامَكَ، وَنُزَلاَءُ مِثْلُ كُلِّ آبَائِنَا. أَيَّامُنَا كَالظِّلِّ عَلَى الأَرْضِ وَلَيْسَ رَجَاءٌ. أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، كُلُّ هذِهِ الثَّرْوَةِ الَّتِي هَيَّأْنَاهَا لِنَبْنِيَ لَكَ بَيْتًا لاسْمِ قُدْسِكَ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ يَدِكَ، وَلَكَ الْكُلُّ. وَقَدْ عَلِمْتُ يَا إِلهِي أَنَّكَ أَنْتَ تَمْتَحِنُ الْقُلُوبَ وَتُسَرُّ بِالاسْتِقَامَةِ. أَنَا بِاسْتِقَامَةِ قَلْبِي انْتَدَبْتُ بِكُلِّ هذِهِ، وَالآنَ شَعْبُكَ الْمَوْجُودُ هُنَا رَأَيْتُهُ بِفَرَحٍ يَنْتَدِبُ لَكَ. يَا رَبُّ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ آبَائِنَا، احْفَظْ هذِهِ إِلَى الأَبَدِ فِي تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قُلُوبِ شَعْبِكَ، وَأَعِدَّ قُلُوبَهُمْ نَحْوَكَ. وَأَمَّا سُلَيْمَانُ ابْنِي فَأَعْطِهِ قَلْبًا كَامِلًا لِيَحْفَظَ وَصَايَاكَ، شَهَادَاتِكَ وَفَرَائِضَكَ، وَلِيَعْمَلَ الْجَمِيعَ، وَلِيَبْنِيَ الْهَيْكَلَ الَّذِي هَيَّأْتُ لَهُ».”

داود يعترف أن كل ما يملكه هو من الرب، مجده وغناه وملكه وأن أيام الإنسان على الأرض قليلة، فعليه أن لا يفرح بما يملك بل أن يفرح بعبادته للرب. وأن كل ما نعطيه للرب هو سبق وأعطاه لنا = من يدك أعطيناك وهذه تنطبق على الروحيات فعلى كل خادم أن يعرف أن كل كلمة أو عظة قد وضعها الله في فمه. وكان طلب داود أن يعطي شعبه قلوبًا كاملة وأن يحفظوا وصايا الرب وأن يكون الهيكل علامة العبادة القلبية وشهادة عليهم ليذكرهم بعهودهم كل الأيام. يا رب إله إبراهيم وإسحق ويعقوب أي كما حفظت عهدك مع أبائنا لا تعود تتركنا ويا من أكملت معهم عملك أكمل مع شعبك. ولنا دروس فيما قاله داود وعملهُ:-

  1. داود أعد كل شيء وهو يعلم أنه لن يبني البيت، فعلينا أن لا نهتم في خدمتنا بأن يذكر اسمنا بالتكريم بل لننخفض ونقدم المجد لله فماذا ننتفع من تكريم الناس لنا في هذه الغربة.
  2. صلاة داود وما فيها من شكر وتسبيح وأنه ينسب كل المجد والكرامة لله.
  3. العطاء ليس فقط الذهب والفضة بل الكل أي القلب والنفس والجسد والمشاعر والحب لله، الجهد والعرق.. ثم نقول مع داود “مِنْ يدك أعطيناك“.
  4. بركات الله لن يأخذها إلا من حفظ وصايا الله. لذلك يصلي داود في (18) احفظ هذه إلى الأبد في تصور أفكار قلوب شعبكوأعد قلوبهم نحوك = إعطهم يا رب أن يحفظوا وصاياك بحب فتستمر لهم بركاتك ووعودك التي أعطيتها لأبائنا إبراهيم وإسحق ويعقوب وأهم هذه البركات أن يسكن الرب في قلوب شعبه فهذا أهم من الهياكل الضخمة فكل من حفظ وصايا الله يصير لهُ قلبه مسكنًا للرب وهيكلًا لهُ.

 

الآيات 20-25:- “ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ: «بَارِكُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ». فَبَارَكَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِمْ، وَخَرُّوا وَسَجَدُوا لِلرَّبِّ وَلِلْمَلِكِ. وَذَبَحُوا لِلرَّبِّ ذَبَائِحَ وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ فِي غَدِ ذلِكَ الْيَوْمِ: أَلْفَ ثَوْرٍ وَأَلْفَ كَبْشٍ وَأَلْفَ خَرُوفٍ مَعَ سَكَائِبِهَا، وَذَبَائِحَ كَثِيرَةً لِكُلِّ إِسْرَائِيلَ. وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا أَمَامَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ. وَمَلَّكُوا ثَانِيَةً سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ، وَمَسَحُوهُ لِلرَّبِّ رَئِيسًا، وَصَادُوقَ كَاهِنًا. وَجَلَسَ سُلَيْمَانُ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ مَلِكًا مَكَانَ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَنَجَحَ وَأَطَاعَهُ كُلُّ إِسْرَائِيلَ. وَجَمِيعُ الرُّؤَسَاءِ وَالأَبْطَالِ وَجَمِيعُ أَوْلاَدِ الْمَلِكِ دَاوُدَ أَيْضًا خَضَعُوا لِسُلَيْمَانَ الْمَلِكِ. وَعَظَّمَ الرَّبُّ سُلَيْمَانَ جِدًّا فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ جَلاَلًا مَلِكِيًّا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَلِكٍ قَبْلَهُ فِي إِسْرَائِيلَ.”

قبلت الجماعة صلاة داود. وسجودهم للرب ولملكهم القديس داود مسيح الرب كان علامة أن الصلاة التي صلاها داود كأنها صارت صلاتهم هم. وفي محبة قدموا ذبائح وأكلوا وشربوا (ذبائح سلامة) علامة الوحدة والشركة بينهم وبين الله وبينهم هم بعضهم لبعض. وملكوا سليمان ثانية = فهم ملكوه قبلًا بعد حادثة أدونيا وكان ذلك على عجل ولكنهم يملكوه الآن في احتفال عظيم. وصادوق كاهنًا الإشارة لتعيين صادوق كاهنًا لا تعني إعادة سيامته فهذا ممنوع ولكنها إشارة خفية لطرد أبياثار الذي كان مع أدونيا في فتنته ضد سليمان. وبذلك صار صادوق رئيسًا أوحد للكهنة.

 

الآيات 26-30:- “وَدَاوُدُ بْنُ يَسَّى مَلَكَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. وَالزَّمَانُ الَّذِي مَلَكَ فِيهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ أَرْبَعُونَ سَنَةً. مَلَكَ سَبْعَ سِنِينَ فِي حَبْرُونَ، وَمَلَكَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. وَمَاتَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ وَقَدْ شَبعَ أَيَّامًا وَغِنىً وَكَرَامَةً. وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. وَأُمُورُ دَاوُدَ الْمَلِكِ الأُولَى وَالأَخِيرَةُ هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ صَمُوئِيلَ الرَّائِي، وَأَخْبَارِ نَاثَانَ النَّبِيِّ، وَأَخْبَارِ جَادَ الرَّائِي، مَعَ كُلِّ مُلْكِهِ وَجَبَرُوتِهِ وَالأَوْقَاتِ الَّتِي عَبَرَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى كُلِّ مَمَالِكِ الأُرُوضِ.”

مات بشيبة صالحة = الشيبة الصالحة نتيجة الحياة الصالحة.

زر الذهاب إلى الأعلى