تفسير رسالة بطرس الثانية أصحاح ٢ للقمص أنطونيوس فكري

شرح رسالة بطرس الثانية – الإصحاح الثانى

هذا هو الإصحاح المتطابق مع رسالة يهوذا. والتكرار يفيد معنى التحذير من الإنسياق وراء المبتدعين فى الإيمان. فموضوع هذا الإصحاح هو عن ظهور المبتدعين وخطورتهم وأن دينونتهم أكيدة. وغالبا فالبدع التى يشير لها معلمنا بطرس الرسول فى هذا الإصحاح هى الناشئة عن فهم خاطىء لرسائل بولس الرسول كما قال فى الإصحاح الثالث (16،15:3) ولقد قال بولس الرسول مثلا فى تعاليمه أن هناك ما يسمى التبرير وأننا فى عهد الحرية، فأساء هؤلاء المبتدعون فهم أقوال بولس الرسول ونادوا بإنحلال خلقى معتمدين على أن المسيح بدمه يغفر أى خطية، وطالما أن هناك حرية فلنفعل ما نشاء. مع أن بولس أجاب على هذه النقاط فقالفماذا نقول. أنبقى فى الخطية لكى تكثر النعمة. حاشا. نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها” (رو2،1:6)،فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الإخوة. غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد…” (غل13:5).

ومن المبتدعين فى تلك الأيام مثلا النيقولاويين والغنوسيين، وهؤلاء وأولئك اباحوا الزنا.

 

آيات 2،1:

و لكن كان ايضا في الشعب انبياء كذبة كما سيكون فيكم ايضا معلمون كذبة الذين يدسون بدع هلاك و اذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم يجلبون على انفسهم هلاكا سريعا. و سيتبع كثيرون تهلكاتهم الذين بسببهم يجدف على طريق الحق.

كما يعمل الروح القدس فى الأنبياء الحقيقيين (2بط21:1)، لا يكف إبليس عن الخداع بأن يعمل فى أنبياء كذبة (أر14:14، 25:23). وبهذا حذر بولس الرسول أساقفة أفسس (اع30:20). وهدف إبليس تشويه الحق. بدع هلاك = فتعاليم هؤلاء ضارة تقود للهلاك. وأساس هرطقاتهم أنهم ينكرون الرب = أى يطعنون فى ألوهيته أو يشككون فى سلطته فيرفضون وصاياه. ويتبع إنحرافهم سقوطهم وراء شهواتهم.

بسببهم يجدف على طريق الحق = إنتشرت أيام الرسل وبعدهم هرطقات تدعو للنجاسة كالنيقولاويين. وبسبب تعاليم هؤلاء الفاسدة جدف غير المؤمنين على المسيحية لأنهم ظنوا أن تعاليم هؤلاء الهراطقة هى تعاليم المسيحية. ينكرون الرب الذى إشتراهم = الرب يسوع المسيح إشتراهم من عبودية إبليس وعبودية الخطية، وبإرتدادهم للخطية هم ينكرون السيد الذى حررهم، وكأنه لم يبذل دمه لأجلهم ولأجل تحريرهم.

أنبياء كذبة = هم الذين يدعون علاقتهم المباشرة بالله وأن تعاليمهم مأخوذة بوحى منه، وهم فى هذا كاذبون.

معلمين كذبة = هم هؤلاء الذين يروجون تعاليم الأنبياء الكذبة.

سيتبع كثيرون تهلكاتهم = الله ليس مطالب بأن ينحاز للأغلبية، بل كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون (مت16:20). وكان هناك ألاف أيام الطوفان ونجا فى الفلك ثمان أنفس فقط. وفى سدوم وعمورة هلك الجميع ونجا 4 أنفس فقط، ثم تحولت إمرأة لوط لعمود ملح بعد ذلك. فلا نضطرب إذا رأينا قليلون هم السائرون فى الطريق الصحيح. وفى هذه الآية نجد كثيرون يهلكون.

 

آيات 3-9:

آية 3:- و هم في الطمع يتجرون بكم باقوال مصنعة الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى و هلاكهم لا ينعس.

هم فى الطمع = هم يطمعون ربما فى أموالهم. ولكن من سياق الحديث نفهم أنهم يطمعون فى شهوات الجسد. يتجرون بكم بأقوال مصنعة = هم يحرفون أقوال الله ليقنعوا المؤمنين غير المتعمقين بأقوالهم وأرائهم النجسة. هم يستخدمون كلاما معسولا عن التبرير بالدم والحريةالخ لإقناع الناس بأرائهم الفاسدة. لذلك فإن دينونتهم منذ القديم قائمة تنتظرهم.

وفيما يلى نرى دليل إدانة هؤلاء الخطاة.

 

آية 4:- لانه ان كان الله لم يشفق على ملائكة قد اخطاوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم و سلمهم محروسين للقضاء.

طرحهم = الله أدان الملائكة إذ أخطأوا، فمن المؤكد أنه سيدين هؤلاء الأشرار. وقوله طرحهم بصيغة الماضى فيه تأكيد للدينونة.

أخطأوا = إذا هم لم يخلقوا أشرارا، بل خلقوا أبرارا ثم سقطوا.

 

آية 5:- و لم يشفق على العالم القديم بل انما حفظ نوحا ثامنا كارزا للبر اذ جلب طوفانا على عالم الفجار.

العالم القديم = ما قبل نوح والطوفان. نوحا ثامنا = لأن نوح كان معه 7 آخرين، ولقد دخل الفلك آخرهم. كارزا للبر = بلسانه وحياته وببناءه للفلك. فبلسانه إذ كان يؤنب الخطاة على خطيتهم وبحياته إذ كان مثالا للطهارة. وفى بنائه الفلك كان مثالا عمليا لأقواله عن غضب الله على الخطاة وأنه سوف يغرق العالم بطوفان آت قريبا.

والله فى قداسته دان العالم الشرير أيام نوح، وأهلكه بالطوفان، ولم يشفع للعالم كثرة عددهم، بل خلص 8 أنفس فقط. فنفهم رفض الله للخطية، وعدم إنحيازه للأغلبية.

 

آية 6:- و اذ رمد مدينتي سدوم و عمورة حكم عليهما بالانقلاب واضعا عبرة للعتيدين ان يفجروا.

الله فى قداسته رفض خطية سدوم وعمورة وأحرقهما محولا إياهما إلى رماد = رمد. لأن أجرة الخطية موت.

 

آيات 7-9:- و انقذ لوطا البار مغلوبا من سيرة الاردياء في الدعارة. اذ كان البار بالنظر و السمع و هو ساكن بينهم يعذب يوما فيوما نفسه البارة بالافعال الاثيمة. يعلم الرب ان ينقذ الاتقياء من التجربة و يحفظ الاثمة الى يوم الدين معاقبين.

الله فى عقابه لسدوم وعمورة لم ينس لوط وأنقذه، كما أنقذ نوحا وأسرته من قبل أيام الطوفان. فالله لا ينس أبناءه. إذا على المؤمن أن يسلك فى جهاده بنقاوة كما سلك لوط البار ونوح القديس، ويثق فى المساندة الإلهية الجبارة حين يكون الوسط رديئا، فحيثما كثرت الخطية إزدادت النعمة جدا (رو20:5) لقد أنقذ الله لوط ونوح فى حين أهلك معاصروهم الأشرار.

الأردياء = فى أصلها اللغوى الذين يعيشون بلا قانون متحللون من كل شرع أى الفاجرون. مغلوبا من سيرة الأردياء = أى يحيا فى ألم وغيظ وبنفسية مرة فى وسط هؤلاء الأردياء. كلمة مغلوبا تعنى مغتاظا وفى ألم ومحنة.

 

سؤال:- ما الذى جعل لوط يحيا فى هذا الألم؟! ألم يكن من الأسهل أن يغادر المكان ويريح نفسه من هذا الألم؟! الإجابةأنه هو إختار هذا المكان الجيد الخصب وترك الأرض غير الجيدة لإبراهيم. فهو كان لا يريد أن يفقد هذه الأرض الجيدة وربما أن إمرأته وبناته تعلقوا بهذه الأرض الجيدة ورفضوا مغادرتها. وهذا ما نفهمه من قصة تحول إمرأة لوط لعمود ملح، فهى كانت تنظر لهذه الأرض بشهوة أو فى حسرة لتركها. ينقذ الأتقياء من التجربة = كما أنقذ لوطا ونوحا فالله قادر دائما أن ينقذ أتقياءه وهو يعلم كيف ينقذهم من وسط الآتون.

 

آيات 10-22:

آيات 11،10:- و لا سيما الذين يذهبون وراء الجسد في شهوة النجاسة و يستهينون بالسيادة جسورون معجبون بانفسهم لا يرتعبون ان يفتروا على ذوي الامجاد. حيث ملائكة و هم اعظم قوة و قدرة لا يقدمون عليهم لدى الرب حكم افتراء.

هى تكملة آية 9 التى قال فيهاويحفظ الآثمة. معاقبين ويكمل هكذا…. ولا سيما الذين يذهبون وراء الجسد = أى منساقين وراء شهواتهم الفاسدة. ونلاحظ أن الله لم يخلق الجسد فاسدا، بل خلقه فى أحسن صورة ولما خلق آدم وجد أن كل شىء حسن جدا (تك31:1). وكان لآدم شهوة مقدسة، أى أنه كان يحب الله، ومحبته لله جعلته فى فرح، إذ كان فى جنة عدن، وعدن = تعنى فرح وإبتهاج. ولما سقط آدم تشوهت شهوته، فصار يشتهى العالم (مال ومراكز وجنس وسلطة…) فصار يحيا فى غم. وكل من ذهب وراء شهواته قيل عنه أنه ذهب وراء الجسد، فالجسد صار الأداة التى تحقق الشهوات الفاسدة. 

والمسيح بعد الفداء صعد إلى السماء وأرسل لنا الروح القدس الذى حل علينا ليصلح الوضع، فسكب محبة الله فى قلوبنا (رو5:5) وبهذا تقدست شهواتنا، ورجعنا للحالة الفردوسية الأولى أى الفرح، لذلك نجد أن ثمار الروح القدس هى محبة فرح سلام (غل22:5).

فمن يسلك بالروح هو الذى تخضع روحه للروح القدس، فيقود الروح القدس الروح الإنسانية، والروح الإنسانية تقود الجسد فيتجه الإنسان للسماويات وكلما ينمو الإنسان فى النعمة، ويخضع للروح القدس الذى يسكب محبة الله فيه تتقدس شهواته ويقول مع بولس الرسوللى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح..” (فى23:1). والعكس فالإنسان الشهوانى الجسدانى الذى قال الرسول عنهم هنا يذهبون وراء الجسد، هذا الإنسان غير خاضع للروح القدس بل يعاند الروح القدس ويقاومه، وشهواته فقط هى التى تقود جسده.

وهؤلاء قال عنهم أنهم يستهينون بالسيادة = وجاءت كلمة السيادة فى ترجمات أخرى (Government بمعنى حكومة أو توجيه أو سيطرة) أو (من لهم السلطة Authority). والمقصود الرياسات الكنسية. فهؤلاء الجسدانيون يستهينون بالرياسات الكنسية ويهاجمونهم ويدينونهم ويتكلمون عليهم، والهدف من وراء ذلك هو الهجوم على الإيمان الصحيح والمعتقدات الصحيحة التى ينادى بها الرياسات الكنسية. فلهدم الإيمان الصحيح، هم يهاجمون الرياسات الكنسية ويعلمون الناس الإستهانة بهم لترويج معتقداتهم الفاسدة. وما السبب وراء كل ذلك = هم معجبون بأنفسهم = هم متكبرون معجبون بأفكارهم، لا يقبلون الخضوع لما تسلمته الكنيسة جيلا بعد جيلا، بل هم لا يرتعبون أن يفتروا على ذوى الأمجاد (ترجمت Glorious ones وترجمت Dignities أى أصحاب المناصب) فهؤلاء الرياسات الكنسية والمناصب الكنسية لهم قطعا أمجاد فهم خدام الله. وهؤلاء الأشرار لم يقتدوا بالملاك ميخائيل الذى لم ينتهر الشيطان بنفسه، بل ترك الحكم والدينونة لله بالرغم من ثبوت خطية الشيطان 

(شرح هذه النقطة فى رسالة يهوذا). والملائكة فى هذا يطبقون قول السيد المسيح حرفيالا تدينوافإذا كان الملائكة وهم أعظم قوة وقطعا أكثر طهارة وبر ومعرفة، لا يدينوا الرياسات الكنسية = لا يقدمون عليهم لدى الرب حكم إفتراء، فكيف يجرؤ هؤلاء على هذا.

حقا إن وراء كل هرطقة كبرياء أو إعجاب بالذات.

 

آية 12:- اما هؤلاء فكحيوانات غير ناطقة طبيعية مولودة للصيد و الهلاك يفترون على ما يجهلون فسيهلكون في فسادهم.

كحيوانات غير ناطقة = أى يسلكون بحسب غريزتهم الطبيعية أى شهواتهم، دون أدنى محاولة للتسامى أو الضبط لهذه الشهوات، بل هم مندفعون وراء شهواتهم.

يفترون على ما يجهلون = المبتدعين ليس فقط يجهلون الأمور بل يجهلون أن من يهاجمونهم لهم هذا المجد عند الله، لذلك هم فى تجاسر يفترون مقاومين الحق. وهؤلاء سبب هلاكهم ليس خارجا عنهم بل هم سيهلكون فى فسادهم = أى هم أسلموا أنفسهم بأنفسهم للهلاك، هم صاروا كالحيوان الذى يدخل المصيدة برجليه (هم يضعون للحيوان قطعة لحم فى المصيدة ليصطادوه، لأنه سيدخل بدافع شهوته وراء اللحم، لكن دخوله سيكون لهلاكه) وهؤلاء إنجذبوا وراء شهوتهم كما إنجذب الحيوان وراء اللحم، ولكن هم ذاهبون وراء هلاكهم. مولودة للصيد = هم يهلكون لأن عقولهم تسحبها الشهوات كما تسحب الخيول الجامحة راكبيها. أما الإنسان فقد خلق الله له عقلا ليفكر ويعيش مع الله، العقل يعينه فى أن تكون له علاقة مع الله.

 

آية 13:- اخذين اجرة الاثم الذين يحسبون تنعم يوم لذة ادناس و عيوب يتنعمون في غرورهم صانعين ولائم معكم.

آخذين آجرة الإثم = أجرة الخطية موت، وهؤلاء سيهلكون فى فسادهم.

الذين يحسبون تنعم يوم لذة = هم يفرحون بلذة مؤقتة يحسبونها نصيبهم متجاهلين السعادة الأبدية الدائمة. والمقصود بيوم = قصر عمر اللذة.

أدناس = هم أدناس فى ذواتهم. وعيوب = أصلها اللغوى نقط سوداء فهم فى حقيقتهم شىء مشوه. وهم يتصرفون بخداع كإبليس = صانعين ولائم معكم = كانت الكنيسة تقيم بعد القداسات ولائم محبة، وهؤلا قلدوا الكنيسة بإقامة ولائم لخداع الناس بأنهم أعضاء فى الكنيسة.

 

آية 14:- لهم عيون مملوة فسقا لا تكف عن الخطية خادعون النفوس غير الثابتة لهم قلب متدرب في الطمع اولاد اللعنة.

لهم عيون مملوءة فسقا = تشير لمن يبحث دائما عن إمرأة ليزنى معها، فمن يستهين بكل شىء ويعيش فى إباحية تصير عيناه مملوءة فسقا أى زنا ويفقد البساطة، وتصير عيناه مظلمتين لا تريان إلا ما هو شر = لا تكف عن الخطية. خادعون النفوس = بألفاظ منمقة تسمى الخطية حرية. ولكن لا ينخدع بهم سوى النفوس غير الثابتة. لهم قلب متدرب فى الطمع = قلب لا يشبع من الشهوات، ويطمع حتى فى إمرأة أخيه. وقد تعنى أيضا الطمع فى المال، ولكن سياق الكلام يشير للطمع فى شهوات الجسد.

أولاد اللعنة = إذ هم يسعون وراء إنحراف الناس عن إيمانهم البسيط.

 

آيات 16،15:- قد تركوا الطريق المستقيم فضلوا تابعين طريق بلعام بن بصور الذي احب اجرة الاثم. و لكنه حصل على توبيخ تعديه اذ منع حماقة النبي حمار اعجم ناطقا بصوت انسان.

بلعام بن بصور = بصور هى القراءة الكلدانية للإسم العبرانى بعور، فاليهود ينطقونه بعور. وربما قصد الرسول إستخدام الإسم بالكلدانية إذ أن بصور تعنى جسد، وكانت مشورة بلعام خاصة بإسقاط شعب إسرائيل فى خطية الزنا مع بنات موآب حتى يلعنهم الله ويغضب عليهم، وحصل على أجرة فى مقابل مشورته هذه = أحب أجرة الإثم إذا قوله بلعام بن بصور (جسد) تعنى هؤلاء السائرين وراء الجسد (آية 10) هؤلاء الشهوانيون كانوا فى الطريق المستقيم يوما ما، لكنهم إنحرفوا وراء شهواتهم الجسدية التى أغلقت عقولهم، كما إنغلق عقل بلعام فوبخه حمار. راجع قصة بلعام فى سفر العدد (22-25). وإشارة الرسول لأن حمار بلعام قد نطق تعنى أن هؤلاء الشهوانيون سقطوا من درجة فهمهم للأمور إلى درجة أقل من هذا الحمار

 

آية 17:- هؤلاء هم ابار بلا ماء غيوم يسوقها النوء الذين قد حفظ لهم قتام الظلام الى الابد.

هذه اللذات الجسدية مخادعة، قد تبدو لمن هم من خارج أنها مشبعة، وأنها مغرية وأنها وأنهاولكن حين يسقط فيها الإنسان تتحول حياته لمرار. لذلك شبه الرسول هذا بقوله عمن يدعو لهذه الشهوات الجسدية بأنهم هم أبار بلا ماء = لهم مظهر خارجى مخادع، أو يدعون أن ما يدعون الناس له هو مصدر سعادة لهم، لكن من يأتى لهذه الخطايا يكون كظمآن أتى لبئر لا يجد فيها ماء، فهو لن يجد فيها سعادة أو فرح إطلاقا، ربما سيجد لذة لحظة، لكن سيعقبها حزن وتعاسة بقية العمر. وبنفس المعنى يقول تشبيه آخر غيوم يسوقها النوء = هى غيوم يفرح بها الفلاح الذى ينتظر المطر، لكن سرعان ما تحملها الرياح دون أن تمطر، فهى بلا خير، بل هى تمنع نور الشمس.

وسينكشف حقيقة هؤلاء فى الأبدية حيث حفظ لهم قتام الظلام، خلاصة هذه الآية أن هؤلاء فى حقيقتهم ما هم إلا مخادعون، يدعون الناس لما فيه شبعهم وسعادتهم (أى الخطية) ولكن حين ينفذ الناس ما يقولونه لهم لا يشعرون بسعادة أو بشبع. هم إذا أبار بلا ماء

 

آية 18:- لانهم اذ ينطقون بعظائم البطل يخدعون بشهوات الجسد في الدعارة من هرب قليلا من الذين يسيرون في الضلال.

هنا تشبيه آخر أو وصف آخر لخداعهم، فهم ينطقون بعظائم البطل كلمة عظائم فى اليونانية تشير إلى شىء يبدو أكبر مما هو فى الواقع. وفى الحقيقة فإن ما ينطقون به هو باطل وفراغ كاذب، فوراء مظهرهم الذى يشير للمعرفة لا يوجد شبع للناس ولا سعادة، أى لا جوهر حقيقىيخدعون بشهوات الجسد = هم يعلمون سامعيهم أن يشبعوا رغائب الجسد غير المقدسة. هم يدعون فى كبرياء أنهم ذوو معرفة وحكمة.

يقدمون أمالا عظيمة وكلمات براقة عن الحرية التى أعطاها لنا العهد الجديد. وفى الحقيقة فكل فلسفتهم هى إنقياد وراء شهواتهم الباطلة.

ولكن من الذى ينساق وراءهم؟ من هرب قليلا من الذين يسيرون فى الضلال أى حديثى الإيمان الذين هربوا من الوثنية عن قريب، هؤلاء كانوا ما زالوا لم يعرفوا المسيح ويختبروه حقيقة. هم كانوا مازالوا فى سطحية الإيمان لم يدخلوا إلى العمق. لذلك قال المسيحادخلوا إلى العمق” (لو4:5).

والعمق هو عمق المعرفة والحب والإتحاد الحقيقى مع المسيح والثبات فيه.

أما هؤلاء السطحيين حينما يسمعون دعوة المعلمين الكذبة بالحرية المزيفة يصدقونهم غير عالمين أن هذا هو عين العبودية، وهكذا بعد أن إختبر الهروب من نجاسة العالم بمعرفة الرب المخلصة إرتبك فيها من جديد وإنغلب من شهوته. وفى هذا النص نرى إمكانية إرتداد المؤمن وهلاكه بعد أن إختبر المسيح ونعمته. لذلك علينا أن نجتهد ونسلك بأمانة وحرص وندخل بجهادنا إلى العمق لنخلص.

 

آية 19:- واعدين اياهم بالحرية و هم انفسهم عبيد الفساد لان ما انغلب منه احد فهو له مستعبد ايضا.

الحرية فى مفهوم هؤلاء هى تحرر من الناموس وسلطانه، ما دامت النعمة تغفر، ولكن هذه ليست حرية بل عبودية للشهوة والخطية. كلمة الحرية التى يستخدمها هؤلاء هى كلمة براقة تخدع المبتدئين. وكما قال السيد المسيحكل من يعمل الخطية هو عبد للخطية” (يو34:8)، والقديس بولس الرسول قالفإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الإخوة. غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد” (غل13:5)، ومن ضمن الحريات الكاذبة الدعوة للتحرر من الترتيبات الكنسية كالأصوام والإعتراف.

 

آيات 20-22:- لانه اذا كانوا بعدما هربوا من نجاسات العالم بمعرفة الرب و المخلص يسوع المسيح يرتبكون ايضا فيها فينغلبون فقد صارت لهم الاواخر اشر من الاوائل. لانه كان خيرا لهم لو لم يعرفوا طريق البر من انهم بعدما عرفوا يرتدون عن الوصية المقدسة المسلمة لهم. قد اصابهم ما في المثل الصادق كلب قد عاد الى قيئه و خنزيرة مغتسلة الى مراغة الحماة.

لأنه إذا كانوا = يقصد الذين وقعوا فى فخاع العدو بعد ما هربوا = أى بعد ما آمنوا وصار لهم المسيح مخلصا وأعطاهم حياة جديدة إرتدوا للنجاسات الأولى….فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائللماذا؟

1.     بعد أن عرفوا المسيح وآمنوا وتابوا وإعتمدوا وعرفوا الحياة الطاهرة، تصير خطيتهم أكبر بسبب معرفتهم، أما خطاياهم قبل الإيمان فكانت عن جهل. وقد يكون لهم عذر فيها لجهلهم، أما بعد إيمانهم فخطيتهم أصبحت تعدى.

2.     جحودهم لما حصلوا عليه من نعمة ومواهب.

3.     بعد أن إعتمدوا وخرج منهم الروح الشرير، إذ إرتدوا يعود لهم ومعه سبعة أرواح آخرين أشر منه (مت45:12) + (لو26:11).

4.     من سقط وله معرفة لا يعود ينصت بعد إلى من يرشده أو يعظه.

الوصية المقدسة المسلمة لهم = فى الناموس وبتعليم الرسل، وبالروح القدس الذى كتبها على قلوبهم (أر33:31).

المثل الصادق = إقتبس القديس بطرس هذا المثل من (أم11:26) وخنزيرة مغتسلة إلى مراغة الحمأة = ربما كان هذا مثلا منتشرا أيام الرسول، أو هو إضافة من عنده. والمراغة هى مكان التمرغ. والحمأة هى الطين الأسود الذى تتمرغ فيه الخنازير.

 

تفسير 2بطرس 1 2 بطرس 2 تفسير رسالة بطرس الثانية
تفسير العهد الجديد تفسير 2بطرس 3
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير 2 بطرس 2 تفاسير رسالة بطرس الثانية تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى