تفسير سفر إشعياء ٢٩ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح التاسع والعشرون

هنا نري الويلين الثاني والثالث (1- 14) ، (15 – 24) ونري أن الله يستخدم أشور ثم بابل ثم الرومان ليضايق أورشليم ليؤدبها فتتضع أورشليم وتتكلم من الأرض (آية 4) ثم يعاقب أشور فتصير غبار (آية 5). وهذا يعمله مع كل نفس يؤدبها ويريدها أن تصبح أورشليماً له.

آيات 1-6

آية (1)  ويل لاريئيل لاريئيل قرية نزل عليها داود زيدوا سنة على سنة لتدر الأعياد.

أريئيل = تعني موقد الله. وهذا إشارة للمذبح الذي يقدم عليه المحرقات. ومذبح الله كنآية عن أورشليم. نزل عليها داود = وأخذها لنفسه من اليبوسيين. والله سينزل عليها ويأخذها لنفسه بنزع خطاياها. زيدوا سنة علي سنة = تهكم عليهم إذ إنهم اهتموا بشكليات العبادة كتقديم ذبائح (علي أريئيل) دون الاهتمام بحالة قلبهم واهتموا بالطقوس الخارجية كل سنة في أعيادهم ولكن بلا ثمر.

 

آية (2) و أنا أضايق اريئيل فيكون نوح و حزن و تكون لي كاريئيل.

بسبب مسلكهم سيضايق الله أورشليم فتصبح. كأريئيل = أي كموقد الله أي تتقد فيها نيران المصائب وتكون نهايتها رماد. ثم بعد ذلك تصير موقد يحرق أعدائها.

 

آيات (3، 4) و أحيط بك كالدائرة و أضايق عليك بحصن و أقيم عليك متارس. فتتضعين و تتكلمين من الأرض و ينخفض قولك من التراب و يكون صوتك كخيال من الأرض و يشقشق قولك من التراب.

الله يضايقها حتى تتواضع ويكون صوتها منخفضا. ويشقشق = يكون صوتهم كمن يكلمون الموتى في همس.

 

آيات (5، 6) يصير جمهور أعدائك كالغبار الدقيق و جمهور العتاة كالعصافة المارة و يكون ذلك في لحظة بغتة.من قبل رب الجنود تفتقد برعد و زلزلة و صوت عظيم بزوبعة و عاصف و لهيب نار أكلة.

من هنا يبتدئ الوعد بخلاص اليهود من أعدائهم فيشتتهم الله كغبار. وتفتقد = أي أشور و بأسلوب عنيف. في لحظة بغتة = هذا ما حدث فعلاً يوم ال 185000 ولكن انتقام الله الحقيقي كان من إبليس عدونا الحقيقي وقوله بغتة إشارة للغلبة السريعة ولإمكانيات الصليب. زلزلة.  صوت عظيم... الخ يوم الصليب صاحبته ظواهر طبيعية عجيبة وهذا ما سيحدثفي اليوم الأخير.

آيات 7-14

آيات (7، 8) ويكون كحلم كرؤيا الليل جمهور كل الأمم المتجندين على اريئيل كل المتجندين عليها و على قلاعها و الذين يضايقونها. و يكون كما يحلم الجائع انه يأكل ثم يستيقظ و إذا نفسه فارغة و كما يحلم العطشان أنه يشرب ثم يستيقظ و إذا هو رازح و نفسه مشتهية هكذا يكون جمهور كل الأمم المتجندين على جبل صهيون.

هذا تصوير لخيبة أمال الأعداء فهم منوا أنفسهم بالحصول علي أورشليم ولكن كان ذلك كحلم.

 

آيات (9- 12) توانوا و ابهتوا تلذذوا و اعموا قد سكروا و ليس من الخمر ترنحوا و ليس من المسكر. لان الرب قد سكب عليكم روح سبات و أغمض عيونكم الأنبياء و رؤساؤكم الناظرون غطاهم. و صارت لكم رؤيا الكل مثل كلام السفر المختوم الذي يدفعونه لعارف الكتابة قائلين اقرأ هذا فيقول لا استطيع لأنه مختوم. أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة و يقال له أقرا هذا فيقول لا اعرف الكتابة.

من (9 -16) تصوير لحالة الضلال التي وقع فيها الشعب فهم لا يفهمون ما هي إرادة الله في الخلاص ولذلك بدأوا من وراء ظهر النبي في عمل تحالف مع مصر. وهنا نري عيوب الشعب :-

1) توانوا = هم كانوا كمن في سبات. والنبي يتهكم عليهم فهم لم ينتبهوا لكلامه فهو أنذرهم واختاروا الضلال.

2) إبهتوا : من عمل الله دون أن يفهموا.

3) تلذذوا = هم غارقون في لذتهم غير منتبهين لكل ما سيأتي عليهم من مصائب.

4) أعموا = هم أغمضوا عيونهم بإرادتهم، والله تركهم ليعملوا ما يريدون.

5) روح سبات = حين ينزع الله روحه أو حين يغضب ينطفئ روح الله ولا يعود الإنسان يستمع لصوته فيكون كمن هو في سبات.

6) وأغمض عيونكم = هم اختاروا طريق العمى برفضهم سماع صوت الله فلذلك أغمض الله عيونهم.

7) غطاهم = حتى مشيريهم ما عادوا يرون فقد غطي رؤوسهم فلا يبصرون ولا يسمعون. وكان هذا حال الكتبة والفريسيين أيام المسيح، كانوا كمن علي عيونهم برقع (2 كو 3 : 14).

8) والكتاب لهم وكلام الأنبياء ما عاد مفهوما، كلام الأنبياء الحقيقيين كإشعياء، صار لهم ككلام السفر المختوم = هنا يتعجب النبي كيف أن اليهود لهم الناموس والهيكل والأنبياء مثله بينما هم علي هذا الحال، سكارى باحثين عن ملذات العالم، وصاروا غير فاهمين إرادة الله بل هم يتحدون إرادته. فصاروا يتعثرون في أي شيء في طريقهم إذ فقدوا الرؤية وآثروا أن يناموا ولا يبحثوا ويسمعوا شريعة الله فسكب الله عليهم نوماً عميقا.ً سكروا وليس من الخمر = هذه حالة من لا يدري بما حوله وبما يقال، وهذه كانت حالتهم.

 

آية (13)  فقال السيد لان هذا الشعب قد اقترب إلي بفمه و أكرمني بشفتيه و أما قلبه فأبعده عني و صارت مخافتهم مني وصية الناس معلمة.

هذا تعبير عن ريائهم. وأصبح تعليم الآباء هو السائد وليس تعليم الله وهذا ما نبه له السيد المسيح (مت 15 : 3-9).

 

آية (14)  لذلك هاأنذا أعود اصنع بهذا الشعب عجبا و عجيبا فتبيد حكمة حكمائه و يختفي فهم فهمائه.

تكرار كلمة عجباً للتأكيد والتعجب، والعجب أن يترك الله شعبه فهم تركوه وحين تركوه تركهم فضاعت حكمتهم لذلك سيقبلون ضد المسيح في أواخر الأيام وفي أيام المسيح تركوا المسيح ليسمعوا كلام الفريسييين، وفي أيام إشعياء وأرمياء تركوهم ليسمعوا الأنبياء الكذبة. وقد يكون العمل العجيب هو مجيء المسيح الذي يبطل حكمة الآخرين.

آيات 15-24

آيات (15، 16) ويل للذين يتعمقون ليكتموا رآيةم عن الرب فتصير أعمالهم في الظلمة و يقولون من يبصرنا و من يعرفنا. يا لتحريفكم هل يحسب الجابل كالطين حتى يقول المصنوع عن صانعه لم يصنعني أو تقول الجبلة عن جابلها لم يفهم.

الأرجح أن يكون الرأي الذي أرادوا أن يكتموه هو التحالف مع مصر فيا لغباوتهم فهم اعتبروا أولاً أن الله لن يعلم مؤامرتهم وثانياً أنهم بحكمتهم السياسية في التحالف يفهمون أكثر من الله. وفي هذه الآيات نري السبب في كل خطاياهم وعنادهم وهو شعورهم بأن الله لا يري.

 

آية (17) أليس في مدة يسيرة جدا يتحول لبنان بستانا و البستان يحسب وعرا.

لبنان = الوعر والغابات التي بلا ثمر. يتحول بستاناً = أي يكون فيه ثمار وبعد المسيح صار الأمم (الوعر) مؤمنين لهم ثمار، واليهود (البستان) وعراً بلا ثمر.

 

آية (18)  و يسمع في ذلك اليوم الصم أقوال السفر و تنظر من القتام و الظلمة عيون العمى.

ينسكب الروح القدس علي الأمم فيسمعون ويرون، والسمع الروحي والبصيرة الروحية الداخلية هي من عند الله. أقوال السفر = كلام الله الذي في الكتاب المقدس.

 

آية (19)  و يزداد البائسون فرحا بالرب و يهتف مساكين الناس بقدوس إسرائيل.

من ثمار عمل الله الفرح الداخلي، وكلما ازدادت المعرفة الروحية أزداد الفرح.

 

آيات (20، 21)  لان العاتي قد باد و فني المستهزئ و انقطع كل الساهرين على الإثم. الذين جعلوا الإنسان يخطئ بكلمة و نصبوا فخا للمنصف في الباب و صدوا البار بالبطل.

من هو العاتي = إلا كل من تجبر علي شعب الله مثل الشيطان الذي جعل شعب الله يخطئ. في الباب = حيث كان القضاة يجلسون، فكان من يحكم بعدل يدبرون له مكيدة = فخاً. جعل الإنسان يخطئ بكلمة = هكذا فعل الفريسيون بإبن الإنسان فلقد حاولوا أن يصطادوه بكلمة.

(مت 22 : 15)

 

آية (23،22)   لذلك هكذا يقول لبيت يعقوب الرب الذي فدى إبراهيم ليس الآن يخجل يعقوب و ليس الآن يصفار وجهه. بل عند رؤية أولاده عمل يديَ فى وسطه يقدسون إسمى ويقدسون قدوس يعقوب ويرهبون إله إسرائيل.

يعقوب الذي ظن بأن عائلته انتهت وقطع منها معرفة الله سيفرح بأن يري كثيرين آمنوا بالمسيح وصاروا أولاداً له بالإيمان، وهذا ما حدث بعد الفداء. يصفار وجهه = يبهت. (الأمم صاروا أولاداً لإبراهيم وليعقوب بالإيمان).

إشارة للأمم مثل كونيليوس عمل يدي = هذا عمل يدي الله

 

 

آية (24)  و يعرف الضالو الأرواح فهما و يتعلم المتمردون تعليما

الضالون الأرواح والمتمردون = هم شعب إسرائيل الذين سيعودون في نهآية الأيام. ففي هذه النبوة نرى رفض  اليهود لقساوة قلوبهم وعمي عقولهم وبعد ذلك نري خلاص الأمم وقبولهم البشارة ثم رجوع اليهود في النهآية.

زر الذهاب إلى الأعلى