يو5: 27 وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا، لأنه ابن الإنسان

 

24«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. 25اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ. 26لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، 27وَأَعْطَاهُ سُلْطَانًا أَنْ يَدِينَ أَيْضًا، لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. 28لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، 29فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ. 30أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي.” (يو5: 24-30)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا، لأنه ابن الإنسان”. (27)

يرى القديس أمبروسيوس أن السيد المسيح قَبِلَ أن ينال السلطان أن يدين “لأنه ابن الإنسان” أما بكونه ابن الله فهو الديان، إذ هو واحد مع الآب.

يقول القديس أغسطينوس أنه هو “ابن الله في ذاته” (٢٥) كان يلزم (بحبه) أن يصير ابن الإنسان حين أخذنا فيه، أو أخذ طبيعتنا.

إنه إذ يقيم الموتى نراه ابن الله واهب الحياة والقيامة، وإذ يدين يتجلى أمامنا عمله الخلاصي الذي بدونه لن نتبرر، فنراه وقد حمل طبيعتنا وصار ابن الإنسان الذي مات وقام ووهبنا برَّه. يراه الأشرار أيضًا ابن الإنسان الذي صلبوه ورذلوه وطعنوه.

بقوله: “وأعطاه أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان” يوجه أنظارهم نحو نبوة دانيال النبي عنه: “كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتي وجاء إلي القديم الأيام، فقربوه قدامه، فأعطي سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض” (دا 7: 13-14).

v سيكون الديان هنا ابن الإنسان، سيكون ذلك الشكل هو الذي يدين، وقد كان تحت الحكم.

اسمعوا وافهموا ما قاله النبي بالفعل: “سينظرون إلى من طعنوه” (زك ١٢: ١٠؛ يو ١٩: ٣٧). سينظرون ذات الشكل عينه الذي طعنوه بحربة. يجلس كديان ذاك الذي وقف أمام كرسي القضاء. سيحكم على المجرمين الحقيقيين، ذاك الذي جعلوه مجرمًا باطلاً. سيأتي بنفسه بذات الشكل.

هذا تراه أيضًا في الإنجيل عندما ذهب إلى السماء أمام أعين تلاميذه، وقفوا ونظروا وتكلم الصوت الملائكي: “أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين… إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء” (أع ١:١١)…

انظروا الآن على أي أساس كان هذا ينبغي أن يحدث وبحق إن الذين يلزم أن يدانوا يروا الديان. فإن الذين يدانون هم صالحون وأشرار معًا. “ولكن طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله” (مت ٥: ٨). بقي أنه في الدينونة يعلن شكل العبد للصالحين والأشرار، ويحفظ شكل الله للصالحين وحدهم.

v أي شيء سيناله الصالحون؟… لقد قلت أننا هناك سنكون بصحة سليمة، في أمان أحياء بلا بلايا، بلا جوع ولا عطش، بلا عيب، دون فقدان لأعيننا. هذا ما قلته ولكن ما سيكون لنا أعظم لم أقله: إننا سنرى الله الآب، فإن هذا الأمر عظيم هكذا إذا ما قورنت به كل بقية الأمور تحسب أمامه كلا شيء…

هل سيرى الشرير الله أيضًا هذا الذي قال عنه إشعياء: “ليطرد الشرير فلا يرى مجد الله” (إش ٥٦: ١٠ LXX)؟… لذلك فإنه سيعلن نفسه للكل، للصالحين والأشرار، ولكن يحتفظ بنفسه للذين يحبونه… بعد قيامة الجسد عندما يُطرد الشرير فلا يرى مجد الله؛ فإنه “إذ أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو” (١ يو ٣: ٢)، هذه هي الحياة الأبدية.

v كيف إذن لا يأتي الآب نفسه؟ ذلك بكونه لا يكون منظورًا في الدينونة، “سينظرون إلى الذي طعنوه”. الشكل الذي ظهر أمام القاضي، سيكون هو الديان. ذاك الشكل الذين حوكم سيدين. لقد حُوكم ظلمًا، سيدين بالعدل. سيأتي في شكل العبد، وهكذا سيظهر. لأنه كيف يظهر شكل اللَّه للأبرار والظالمين؟ لو أن الدينونة ستكون بين الأبرار وحدهم يظهر لهم شكل اللَّه. ولكن لأن الدينونة هي للأبرار والظالمين، ولا يُسمح للظالمين أن يروا اللَّه، لأنه “طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعينون اللَّه” (مت 5: 8).

v هناك سيكون فصل (بين الأبرار والأشرار) ولكن ليس كما هو الآن. الآن نحن منفصلون ليس من جهة المكان، بل حسب السمات والرغبات والإيمان والرجاء والمحبة. الآن نعيش معًا، نعيش مع الأشرار، وإن كانت حياة الكل ليست واحدة. في السرّ نحن متمايزون، سرّا نحن مفصولون، كالقمح في البيدر، وليس كالقمح في المخزن. في الحقل القمح مفصول ومختلط، مفصول لأنه مختلف عن التبن، ومختلط لأنه لم يُغربل بعد. بعد ذلك سيحدث فصل عام… فالذين صنعوا الصالحات سيعيشون مع ملائكة اللَّه، والذين صنعوا السيئات يتعذّبون مع إبليس وجنوده…

بعد الدينونة سيعبر شكل العبد… وسيقود الجسد بكونه الرأس، ويسلم المُلك للَّه (1 كو 15: 24). عندئذ يظهر شكل اللَّه علانية، هذا الذي لم يكن ممكنًا للأشرار أن يروه، وإنما يرون شكل العبد…

سيعلن نفسه، كما وعد للذين يحبونه. إذ يقول: “من يحبني يحفظ وصاياي؛ والذي يحبني يحبه أبي، وأنا أحبه، وأُظهر له ذاتي” (يو 14: 21).

القديس أغسطينوس

فاصل

تفسير الأب متى المسكين 

 

27:5- وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ.

‏في كل الامتيازات المذكورة في التسع خطوات التي أعلن المسيح فيها لاهوته، يقفز هذا الامتياز وحده ليختص ببشرية المسيح. فهنا امتياز الديونة أخذه المسيح باعتباره «ابن إنسان» حسب القراءة اليوناية الصحيحة بدون التعريف بـ «الـ», وذلك يعني أن المسيح يتبوأ مركز الدينونة العالى ليس بصفته ممثلاً للبشرية، والا لزم أن يكون «ابن الإنسان»، ولكن المذكور هنا هو «ابن إنسان»، فرفع «الـ» التعريف توضح أن اصطلاح «ابن الإنسان» لا يفيد شخص المسيح بل الجنس أي أنه يدين كإنسان! وهذا المعنى يحمل منتهى العدالة الإلهية إذ جعل الديان الذي يقضي لبنى الإنسان هو «ابن الإنسان» أي من جنس من يقضي لهم: هذا ما يقرره بولس الرسول في سفر العبرانيين بوضوح: «من ثم كان يبغي أن يشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً فيما لله حتى يٌكفر عن خطايا الشعب. لأنه فيما هو قد تألم مُجرباً يقدر أن يعين المجربين… لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مُجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية. فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه (نجد نعمة للمعونة في وقت الحاجة)» (عب17:2-18, 15:4-16). لذلك أصبح من خصائص المسيح العجيبة التي تميزه كقاض للبشرية أنه يشفع في المذنبين! «وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد له كهنوت لا يزول (بصفته مقدم أقدس وأعظم ذبيحة حية على عرش الله)، فمن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حي في كل حين يشفع فيهم» (عب24:7-25), أي أن ديان الناس هو بعينه محامي البشرية الأول, وقد جمع بولس الرسول هاتين الصفتين معاً هكذا: «من هو الذي يدين؟ المسيح، الذي مات بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً عن يمين الله، الذي أيضاً يشفع فينا» (رو34:8- ترجمة مصححة من اليونانية).
‏إذن، خطير حقاً أن نفقد لأنفسنا وظيفة الشفاعة هذه برفضنا المسيح الشفيع فلا يبقى لنا منه إلا الدينونة!!
واستخدام المسيح للفظ «ابن إنسان» هنا ينبهنا مباشرة إلى نبوة دانيال: «كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إل القديم الايام (الآب) فقربوه قدامه فأُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأممم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض» (دا 13:7-14). وبولس الرسول أدخل في اللاهوت صفة المسيح «الإنسان» بقوله: «فإنه إذ الموت بإنسان بإنسان أيضأ قيامة الأموات» (اكو21:15)؛ موضحاً بذلك الجنس البشري الذي يتجنس به المسيح ليكمل به عمل الفداء!
‏وهكذا يتضح لنا أن في قول المسيح: «وأعطاه أن يدين أيضاً لأنه ابن إنسان»، تلميحاً واضحأ لنبوة دانيال التي يحاول المسيح فيها أن ينبه ذهن اليهود إليها لينتبهوا إلى شخصه، ولكن شكراً لله، فالذي عثر فيه اليهود صار لنا دليل حياة ومرساة إيمان.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

آية (27): “وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان.”

كما أن الآب يخلق العالم بالإبن هكذا هو يدين العالم بالإبن. سبق المسيح وأعلن لاهوته وهو هنا يعلن ناسوته وإنه إبن الإنسان وأنه هو يدين كإنسان. فالديان صار من جنسنا وهذا منتهى العدل الإلهي (عب17:2،18+ 15:4،16). وما يميزه كقاضٍ للبشرية أنه شفيع للبشرية أيضاً (عب24:7،25). وبولس جمع بين الصفتين في (رو34:8) ومن يرفض المسيح كشفيع لا يتبقى له سوى المسيح الديان. إبن الإنسان (دا 13:7،14+ 1كو21:15) والمسيح بقوله إبن الإنسان كان ينبه الحاضرين ليتذكروا نبوة دانيال فيعرفوا شخصه.

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى