تفسير رسالة رومية اصحاح 11 د/ موريس تاوضروس

الاصحاح الحادي عشر

مستقبل اليهود من جهة الخلاص ( رو11: 1-36)

ماذا يعني الخلاص بالنسبة لليهود

” فأقول العل الله رفض شعبه ، حاشـا . لأني أنا أيضـا اسرائيلي من نسل ابراهيم من سبط بنيامين 2 لم يرفض الله شعبه الذي سبق فعرفه ، أم لستم تعلمون ماذا يقول الكتاب في ايليا كيف يتوسل الي الله ضـد اسرائيل قائلا 3 يارب قـتـلـوا أنبيـاءك وهدوا مـذابـحك وبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي 4 لكن ماذا يقول له الـوحي . أبقيت لنفسي سبعة آلاف رجل لم يحنوا ركبة لبعل 5 وكذلك في الزمان الحاضر أيضا قد حصلت بقية حسب اختيار النعمة 6 فـان كان بالنعمة فليس بعد بالأعمال والا فليست النعمة بعد نعمة وان كان بالأعمال فليس بعد بالنعمة والا فالعمل لا يكون بعد عملا 7 فماذا ، ما يطلبه اسرائيل ذلك لم ينله ولكن المختارين نالوه وأما الباقـون فتقسـوا 8 كما هـو مـكتـوب أعطاهم الله روح سبات وعيونا حتي لايبصروا وآذانا حتي لا يسمعـوا الـي هـذا الـيـوم 9 وداود يقول لتصـر مائدتهـم فـخـا وقنصا وعثرة ومجازاة لهم 10 لتظلم أعينهم كي لا يبصروا ولتحن ظهورهم في كل حين ( رو 11: 1-10) .

مقدمة عامة

وصف القديس بولس الرسول إسرائيل في الاصحاح السابق بأنه شعب معاند ومقاوم وفي هذا الاصحاح يناقش الرسـول مـسـتـقـبـل الـيـهـود من جهة الخلاص .وكثيرامايسـتـغـل هـذا الاصحاح إستغلالاً سيئا ، ويستند الـيـه بعـض اللاهوتيين الغربيين الذين يؤيدون اتجاهات اسرائيل العدوانية ؛ فـيـزعـمـون ان الرسول بولس تحدث عن عودة اليهود الى وضعهم الاول كشعب مـخـتـار ؛ وكـانهم بذلك يجـدون في تعاليم الرسـول بولس سندا دينيـا يـغـذون به روح اسرائيل العدوانية . ولذلك كان من المهم ان ننبه قبل ان نشرع في تفسير هذا الاصحاح الى ان الرسول بولس لا يتحدث هنا عن رحمة الله لشعب إسرائيل كامة لها كيانها المادي المستقل . ان اسـتـمـرار اسرائيل كامة أو كدولة لم يكن مطلقا مما يخطر على ذهن الرسول بولس ولا يتفق مطلقا مع المفهوم الروحي للتعاليم المسيحية ، إن أسرائيل كامة او كدولة قد انتهى وضعها في المفهوم الكتـابي ؛ بل اكثر من ذلك ؛ لقد انتهى وضع اسرائيل ككنيسة أو كديانه ؛وحلت الكنيسة المسيحية بدل الكنيسة اليهودية والديانة المسيحية بدل الديانة اليهودية . فالرجاء الذي يتحدث عنه الرسول بولس في هذا الاصحاح لا يختص بالشعب الـيـهـودى كـامـة بل كـافـراد . ذلك أن باب الخلاص والايمان بالرب يسوع مفتوح أمام كل فرد من أفراد الجنس البشري يهوديا كان أو غير يهودي ؛وهو أمر لا يتميز به شعب عن شعب أوفرد عن فردولا يختص بأمة دون امة بل هو عطية الله المقدمة لجميع الشعب على السواء .

فاذا تحدث الرسول بولس عن أن الله لم يرفض شعبه الذي سبق فعرفه و ان القساوه قد حصلت جزئيا لاسرائيل الى ان يدخل ملء الامم وهكذا سيخلص جميع اسرائيل فانه لا يتحدث هنا عن خلاصـهم كأمه بل كأفراد ؛ وبمعنى أخر فانه لا يتحـدث هنا عن الخلاص بمفهومه المادي الذي ينمـثل في وقتنا الحاضر في إقامة دولة مـغـتـصـبـة تقـوم على سلب حقوق الآخريين ؛ بل يتحدث عن الخلاص في مفهومه الروحي الذي يتمثل في قبول السيد المسيح مخلصا للبشرية والايمان به ؛ ومن هذه الناحية ؛ أي من ناحية قـبـول المسيح كمخلص والايمان به : فـان الفرصـة مواتية لكي يؤمن اليهودي بالمسيح ويخلص ؛ وفي هذه الحالة يبطل كل زعم لليهود في أحقيتهم في اقـامـة دولة خـاصـة بهم لان المسيحية لا تربط المؤمنين بملكوت ارضي أو بدولة ارضية بل بملكوت سماوى وميراث سماوي لا يفنى ولا يضمحل

فـاقـول العل الله رفض شـعـبـه ! حـاشـا ؛ لاني انا أيضـا اسـرائـيلي من نسل ابراهيم من سبط بنيامين

يتساءل الرسول بولس : هل رفض الله شعبة ؛ هل اغلق الله باب الخلاص امام من يريد り ان يؤمن به من اليـهـود ؟ واذا كان الله قد رفض إلـيـهـود كـامة تعلقت باهداب الناموس الموسـوي وحصرت فيه خلاصها ؛ فهل يرفض الله أي يهـودي يتنكر ليهودينـة ويدرك مفهوم الخلاص الحقيقي ويقبل المسيح ويؤمن به مخلصا ؟ أليس من حق أي فرد من أفراد الجنس البشـرى ان يؤمن بالمسيح ؟ وفي هذا المعنى فان الرسول بولس يؤكد أن الله لم يرفض شعبه بل يفتح أمامه على الدوام باب الخلاص ، قال صموائيل للشعب لانه لا يترك الرب شعبه من أجل اسمه العظيم ؛ لانه قد شـاء الرب أن يجعلكم له شعبا … أنما اتقوا الرب واعبدوه بالامانه من كل قلوبكم (1صم12: 22) وقال داود النبي لان الرب لا يرفض شعبه ولا يترك ميراثه ( مز94: 14) .

ولقد قدم الرسول بولس من نفسه دليلا ملموسا على ان الله لم يغلق باب الخلاص امام من أراد أن يؤمـن مـن الـيـهـود . لقـد كـان بولس الرسـول اسرائيليـا من نسل ابراهيم مـن سـبط بنیامین : واكـد انـتـسـابه الى الشعب الاسرائيلي في رسالته الثانية الى كورنثوس فـقـال «أهـم عبرانيون فانا ايضا ، أهـم اسرائليون فانا ايضا : أهـم نسل ابراهيم فأنا أيضا ، ( 2کو11: 22) وقال أيضا في الرسالة الى فيلبي ( من جهة الختان مـخـتـون في اليوم الثامن من جنس اسرائيل · من سبط بنيامين عبراني من العبرانيين ، ( في 3: 5 ). فليس من الصواب اذن القول بان الله اغلق باب الخلاص امام اي انسان يريد ان يؤمن لان بولس الرسول الذي دعاه الله رسولا للكرازه بانجيله كان اسرائيليا ومن سبط بنيامين ؛ فلو أن الله قد حرم على اليهود نعمة الايمان بالمسيح ؛ لما كان هناك مبرر لاختيار الرسول بولس للكرازه باسم المسيح.

لم يرفض الله شعبـه الذي سبق فعرفه ، أم لستم تعلمون ماذا يقول الكتاب في إيـلـيـا كيف يتوسل الي الله ضد إسرائيل قائلا : يارب قتلوا أنبياءك وهـدمـوا مذابحك وبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي، لكن ماذا يقـول لـه الوحي . أبقيت لنفسي سبعة آلاف رجل لم يحنوا ركبة لبـعل ، وكذلك في الزمان الحاضر أيضا قد حصلت بقية حسب اختيار النعمة

قدم الرسول بولس دليلا آخر ليثبت ان الله لم يرفض شـعبـه الذي سبق فعرفه ويبني رجاءه في الوقت الحاضر علي بيئات من الماضي مما حدث في أيام ايليا النبي ،فاذا كان ايليا لم ير الا الصورة القاتمة لشعب الله وهم قد تحولوا الي قتلة الأنبياء وهدموا مذابح وايضا يطلبون نفس ايلـيـا لـيـقـتـلـوه ، الا أنـه قـد أوحي الي ايليا من قبل الرب أن بعـضـا من شعب الله لم يقع فريسة الضلال فقد أبقي الله لنفسه سبعة آلاف رجل لم يحنوا ركبة لبعل . وهكذا فان ماحدث قديما يمكن أن يحدث في أي وقت ، وكـمـا أبقي اللـه قـديما سبعة آلاف رجل ، هكذا في الوقت الحاضر يمكن أن يبقي الله بقية يفرزها بحسب اختيار نعمته . ومن الملاحظ أن عبارة حسب اختيار النعمة تشير الي أن هذه البقية قد نالت التبرير كعطية ومنحة من قبل الله ، وقد أوضح الـرسـول هـذه الحقيقة في الأعداد التالية اذ قال :

فان كان بالنعمة فليس بعد بالأعمال والا فليست النعمة بعد نعمة وان كان بالأعمال فليس بعد بالنعمة والا فالعمل لا يكون بعد عملا

اي اذا كانت هذه البقية قد اختيرت حسب النعمة ، فإن هذا معناه أن الاخـتـيـار لـم يـتـم كمكافأة علي أعمال ، والا ففي هذه الحالة فان النعمة تفقد وضعها كنعمة أي لا تكون عطية مجانية وفضلا أسطي للبشر دون استحقاق ، كذلك لو أن اختيار هذه البقية كان لسبب أعمال الصلاح التي صدرت عنهم ، فان النعمة لاتكون بعد نعمة لأنهم في هذه الحالة ياخذون أجرهم كمكافأة علي أعمالهم وليس كهبة أو عطية مجانية .

واذا كان أمر خلاص اسرائيل يستند الي الايمان فماذا كان موقف اسرائيل تجاه دعـوة الخلاص ؟ يقول الرسول بولس :

فماذا مـايطلبه اسرائيل ذلك لم ينله ، ولكن المختارين نالوه ، أمـا الـبـاقـون فتقسوا

ما هو هذا الشيء الذي كان يطلبه اسرائيل ولم ينله ؟ لقد سبق وأشار الرسول بولس الي ذلك في الاصحاح التاسع من نفس الرسالة عندما قال ، ولكن اسرائيل وهـو يسعي : اثر ناموس الـبـر لـم يدرك ناموس الـبـر ه ( رو9: 31) ، ومعني ذلك أن اسرائيل فوت علي نفسه الاستفادة مـن مـواعـيـد الله لأنه طالب ان يتبرر بـأعـمـال الناموس دون الايمان بالمسيح . علي أن بعض الاسرائيليين قد أمنوا بالسيح فحصلوا علي التبرير ، وهؤلاء هم المختارون من بين الاسرائيليين . أمـا الباقون الذين لا يدخلون ضـمن دائرة هذا الاخـتـيـار فـقـد صاروا قـسـاة وغلاظا بسبب عدم أيمانهم وفوتوا علي أنفسهم نعمة الخلاص بالايمان .

كما هو مكتـوب أعطاهم الله روح سـبـات وعيـونا حـتي لا يبصروا وأذانا حتي لا يسمعوا الي هذا اليـوم، وداود يقول لـتـصـر مائدتهم فـخـا وقنصـا وعثـرة ومجازاة لهم ، لتظلم أعينهم كي لا يبصروا ولتحن ظهورهم في كل حين

هذه القسوة التي أظهـرهـا الـيـهـود فـجـأة تجاه السيد المسيح فـرفـضـوا الايمان به ، قد سبق وتحدث عنها أنبياء العهد القديم . وقد أشار الرسول الي ماورد علي لسان موسي النبي فـي سـفر التثنية وكذلك الي ماورد علي لسان اشعياء النبي :

قال النبي موسي مشيرا الي غلاظة الشعب الاسرائيلي الذي يظهر علي الدوام في تصرفاته روح الارتياب والشك وعدم الايمان علي الرغم من الاعمال العظيمة التي صنعها الرب معهم ، أنتم شاهدتم مافـعـل الـرب أمام عيونكم في أرض مصر، بفرعون وجميع عبيده وبكل أرضه . التجارب العظيمة التي أبصرتها عيناك وتلك الآيات والعجائب العظيمة، ولكن لم يعطكم الرب قلبا لتفهموا وأعـينا لـتـبـصـروا وأذانا لتـسـمـعـوا الـي هـذا اليـوم فـقـد سـرت بـكـم أربعين سنة في البربة ولم تبل ثيابكـم عليكم ، ونعلك لم تبل علي رجلك ، لم تأكلوا خـبـزا ولم تشربوا خـمـرا ولا مسكرا لكي تعلموا أني أنا الرب إلهكم . ولما جئتم الي هذا المكان خرج سيحون ملك حشبون وعوج ملك باشان للقائنا للحرب فكسرناهما وأخذنا أرضهما وأعطيناها نصيبا لراويين وجاد ونصف سبط منسي ) (تث29: 2–28 ) . ولم تكن الأعمال التي عملها الـسـيـد المسيح مع اليهود وأمامهم بأقل من أعـمـال الـرب مـعـهـم في العهد القديم ، ولكن بنفس روح العناد والشك والارتياب رفـضـوا الايمان بالسيد المسيح .

وقال النبي أشعياء : لأن الرب قد سكب عليكم روح سـبات وأغمض عيونكم . الأنبياء ورؤساؤكم الناظرون غطاهـم ، وصارت لكم رؤيا الكل مـثـل كـلام الـسـفـر المخـتـوم الذي يدفـعـونه لعارف الكتابة قائلين اقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة ( إش29: 10–12) .

وهذا الذي قاله أشعياء النبي ، اقتبسه أو أشار اليه الرسول بولس لكي يؤكد ما تميزت به روح الشعب من السبات وعدم الاحساس اوالتأثر بكرازة الانجيل بسبب غلاظة القلب التي ملأته بروح العناد والمقاومة لرسالة الايمان . ولا يفهم من عبارة الرسول – أعطاهم الله روح سبات » ان الله تسبب في تضليلهم لأن هذا الضلال يرجع اليهم وحدهم . وأما عبارة – أعطاهم عيونا حتي لا يبصرواه فانها تعني أن عيون هذا الشعب وان كانت تري في الظاهر أعمال الله إلا أنها لا تدرك معاني هذه الأعمال وما تدل عليه ، وكذلك عبارة : أعطاهـم أذانا حتي لا يسـمـعـوا فانها تعني أن أذانهم وان كانت تسمع كلمات الله الا ان هذا الشعب ، شأنه شأن المصاب بالصمم ،  فهو لا يدرك حتي هذا اليوم معاني أقوال الله وما تدل عليه كلماته.

ثم يشير أيضـا الرسول بولس الي . داود النبي وداود يقول لـتـصـر مائدتهم فخا وقنصا وعـثـرة ومجازاة لهم ، ( أنظر من 69: 22). والمائدة هنا ترمز الي استكانة الـيـهـود واقتناعهم بالناموس وبما هو مكتوب واعـتـمـادهـم علـي أعمال العبادة ، فان هذه الأمور التي يضعون عليها اتكالهم ستكون لهم كفخ، أي سـوف يـتـعـرضـون للعـقـاب وسيكون الناموس سببا في ادانتهم والحكم عليهم . وفي ختام هذا الجزء من حديثه عن عثرة اليهود ، يقول الرسول ، لتظلم عيونهم كي لا يبـصـروا ولتحن ظهورهم في كل حين .. والرسول هنا يشير الي نفس المزمور السابق حيث يقول النبي داود ، لتظلم عيونهم عن البصر وقلقل مـتـونهـم دائما ، ( مـز69: 23 ) ، أي ليعم الظلام عيون أذهانهم حتي لا يدركوا ويفهموا وليكونوا خاضعين تحت عبودية الخطية أي خطيئة عدم الايمان ، مثقلين بها .

دعوة اليهود للايمان بالمسيح: رو11: 11-36

11فَأَقُولُأَلَعَلَّهُمْ عَثَرُوا لِكَيْ يَسْقُطُوا؟ حَاشَابَلْ بِزَلَّتِهِمْ صَارَ الْخَلاَصُ لِلأُمَمِ لإِغَارَتِهِمْ. 12فَإِنْ كَانَتْ زَلَّتُهُمْ غِنىً لِلْعَالَمِ، وَنُقْصَانُهُمْ غِنىً لِلأُمَمِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ مِلْؤُهُمْ؟ 13فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا الأُمَمُبِمَا أَنِّي أَنَا رَسُولٌ لِلأُمَمِ أُمَجِّدُ خِدْمَتِي، 14لَعَلِّي أُغِيرُ أَنْسِبَائِي وَأُخَلِّصُ أُنَاسًا مِنْهُمْ. 15لأَنَّهُ إِنْ كَانَ رَفْضُهُمْ هُوَ مُصَالَحَةَ الْعَالَمِ، فَمَاذَا يَكُونُ اقْتِبَالُهُمْ إِلاَّ حَيَاةً مِنَ الأَمْوَاتِ؟ 16وَإِنْ كَانَتِ الْبَاكُورَةُ مُقَدَّسَةً فَكَذلِكَ الْعَجِينُوَإِنْ كَانَ الأَصْلُ مُقَدَّسًا فَكَذلِكَ الأَغْصَانُ! 17فَإِنْ كَانَ قَدْ قُطِعَ بَعْضُ الأَغْصَانِ، وَأَنْتَ زَيْتُونَةٌ بَرِّيَّةٌ طُعِّمْتَ فِيهَا، فَصِرْتَ شَرِيكًا فِي أَصْلِ الزَّيْتُونَةِ وَدَسَمِهَا، 18فَلاَ تَفْتَخِرْ عَلَى الأَغْصَانِوَإِنِ افْتَخَرْتَ، فَأَنْتَ لَسْتَ تَحْمِلُ الأَصْلَ، بَلِ الأَصْلُ إِيَّاكَ يَحْمِلُ! 19فَسَتَقُولُ: «قُطِعَتِ الأَغْصَانُ لأُطَعَّمَ أَنَا!». 20حَسَنًامِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّلاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ! 21لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى الأَغْصَانِ الطَّبِيعِيَّةِ فَلَعَلَّهُ لاَ يُشْفِقُ عَلَيْكَ أَيْضًا! 22فَهُوَذَا لُطْفُ اللهِ وَصَرَامَتُهُأَمَّا الصَّرَامَةُ فَعَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا، وَأَمَّا اللُّطْفُ فَلَكَ، إِنْ ثَبَتَّ فِي اللُّطْفِ، وَإِلاَّ فَأَنْتَ أَيْضًا سَتُقْطَعُ. 23وَهُمْ إِنْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَدَمِ الإِيمَانِ سَيُطَعَّمُونَلأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُطَعِّمَهُمْ أَيْضًا. 24لأَنَّهُ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ قُطِعْتَ مِنَ الزَّيْتُونَةِ الْبَرِّيَّةِ حَسَبَ الطَّبِيعَةِ، وَطُعِّمْتَ بِخِلاَفِ الطَّبِيعَةِ فِي زَيْتُونَةٍ جَيِّدَةٍ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يُطَعَّمُ هؤُلاَءِ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الطَّبِيعَةِ،فِي زَيْتُونَتِهِمِ الْخَاصَّةِ؟

25فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَأَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ، 26وَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَكَمَا هُوَ مَكْتُوبٌسَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ الْمُنْقِذُ وَيَرُدُّ الْفُجُورَ عَنْ يَعْقُوبَ. 27وَهذَا هُوَ الْعَهْدُ مِنْ قِبَلِي لَهُمْ مَتَى نَزَعْتُ خَطَايَاهُمْ». 28مِنْ جِهَةِ الإِنْجِيلِ هُمْ أَعْدَاءٌ مِنْ أَجْلِكُمْ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الاخْتِيَارِ فَهُمْ أَحِبَّاءُ مِنْ أَجْلِ الآبَاءِ، 29لأَنَّ هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ. 30فَإِنَّهُ كَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمْ مَرَّةً لاَ تُطِيعُونَ اللهَ، وَلكِنِ الآنَ رُحِمْتُمْ بِعِصْيَانِ هؤُلاَءِ 31هكَذَاهؤُلاَءِ أَيْضًا الآنَ، لَمْ يُطِيعُوا لِكَيْ يُرْحَمُوا هُمْ أَيْضًا بِرَحْمَتِكُمْ. 32لأَنَّ اللهَ أَغْلَقَ عَلَى الْجَمِيعِ مَعًا فِي الْعِصْيَانِ، لِكَيْ يَرْحَمَ الْجَمِيعَ.

33يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِمَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! 34«لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ 35أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟».

36لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِلَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِآمِينَ.

مقدمة عامة

اذا كان الله رفض اسرائيل كـامـة أو كدولة ، واذا كان الخلاص الذي تحدث عنه الرسول بولس – علي نحـو مـا أوضحنا سابقا – لا يختص باليهود كدولة بل كافـراد ، فان الدعوة موجهة الي كل يهودي يرجع عن ضلاله ويتقبل الايمان بالمسيح . فهـذا هـو باب الخلاص الوحيد المفتوح أمام كل فرد من أفراد الجنس البشري يهوديا كان أم غير يهودي . وعلي ذلك فلا غضاضة أن نعود لنكرر ماسبق وأكدناه من أن اسرائيل كامة أو كنيسة أو ديانة قد انتهي وضعها في المفهوم الكتابي ، وان حديث الرسول بولس عن خلاص اسرائيل يرتبط باسرائيل كأفراد وليس كدولة . وفي هذا المعني وعلي هذا الاساس فان القساوة – فيما يقول الرسول بولس – قد حصلت جزئيا لاسرائيل الي أن يدخل ملؤ الأمم ، وهكذا يخلص جميع اسرائيل كما هو مكتوب سيخرج من صهيون المنقذ ويرد الفجور عن يعقوب ، ( رو11: 25، 26) .

فأقول العلهم عثروا لكي يسقطوا .حاشا .بل بزلتهم صار الخلاص للأمم لاغارتهم

اذا كان الاسرائيليون يحملون كل المسئولية علي خطية عدم ايمانهم ، فمع ذلك ، إأنهم لم يعثروا لكي يظلوا ساقطين علي الدوام دون أن يكون هناك أمل في قيامهم بعد هذا السقوط ، ان هذا الـسـقـوط يكون دافـعـا لاثارة غيرتهم لأنهم يرون كيف أن الأمميين قـد سـبـتـوهـم الي نوال الخلاص والي ميراث الملكوت ، وهكذا يحاولون من جديد أن يعودوا الي رشدهم ويطلبوا الإيمان بالمسيح ، فهذا السقوط أذن يمكن أن يلتمس سببا ودافعا لبث الغيرة في الشعب الاسرائيلي حتي بدرك خطأه ويدرك مـا جر عليه عدم الايمان من الخسائر ، فيحاول أن يقـوم مـن سقطته خاصـة وهو يري أن الأممميين الذين لم يكونوا من شعب الله قد أدركوا البر الذي سعي اليه الاسرائيليون ولم يدركوه ، وقد أنذرهم الله بذلك في العهد القديم ، فقد جاء في سفر التثنية – فراي الرب ورذل من الغيظ بنيه وبناته وقال أحجب وجهي عنهـم وأنظر ماذا تكون آخرتهم . انهم جيل متقلب أولاد لا أمانة فيهم . هـم أغاروني بما ليس الهـا ، أغاظوني بأباطيلهم، فأنا أغيرهم بما ليس شـعبـا ، بامة غبيةأغيظهم ، ( تث32: 19–21) .

وعلي هذا النحـو جاهـر بولس وبرنابا وخاطبا اليهود وقالا « كان يجب أن تكلموا أنتم أولا بكلمة الله ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية، هوذا نتوجه الي “الأمم .لأن هكذا أوصانا الرب ، قـد أقـمـتك نورا للأمم لتكون أنت خـلاصـا الـي أقصي الارض ، فلما سمع الأمم ذلك كانوا يفرحون ويمجدون كلمة الرب .وأمن جميع الذين كانوا ، معينين للحياة الأبدية، (أع13: 46-49).

فان كانت زلتهم غني للعالم ونقصانهم غني للأمم فكم بالحري ملؤهم

كلمـة الـرب لابد أن تثمر ولا يمكن أن ترد فـارغـة، فـاذا حـدث أن اليهود رفـضـوا الايمان بالمسيح وأغلقوا أمامهم باب الخلاص ، فان كلمة الرب اتجهت الي الأمم راثمرت فيهم الكرازة وأمن منهم الـكـثـيـرون .ولكن اذا ارتبط ايمان الأمميين بعـدم ايمان الـيـهـود ، أو اذا كان في زلة اليـهـود ونقصانهم غني للعالم وللأمم ، فان الأمـر يكون أفضل وأكثر فائدة ، لو أمن اليهود بالمسيح ، أي لو عم الايمان جميع البشر ،اذا كان سقوط إسرائيل قد حمل بركة للعالم ، وإذا كان نقصانهم في الحياة الروحية قد صـار دافعا للهبات الكثيرة الوفيرة التي وهبت للأمم ، فكم بالحري لو أن كل اليهود بملء عددهـم يؤمنون ،فان هذا يصير منبعا لبركات وفيرة ونعم كثيرة.

فاني أقول لكم أيها الأمم ، بما أني أنا رسول للأمم أمجـد خدمتي

لقد طمان الرسول بولس المسيحيين من الأمميين بأن أفكاره : ن اليهود لا تنسيه رسالته نحو الأمم لأنه قد أفرز لكي يكرز بين الأمم فهو لذلك يمجد خدمته بين الأمم ويعمل علي أن تثمر أكثر .

لعلي أغير أنسبائي وأخلص أناسا منهم

أعرب الرسول بولس عن أمله في أن كرازته بين الأمم ومحاولته لأن يجذب الكثيرين من عابدي الوثن ، ربما تشير غيرة الاسرائيليين .وهكذا بواسطة تبشيره للأمميين ونقبلهم الايمان ، تتاح الفرصة لكي يغري أنسباءه من الاسرائيليين فيتحركون للسعي نحو الخلاص بالمسيح .

لأنه ان كان رفضهم هـومـصـالـحـة للـعـالـم فماذا يكون اقـتـبـالـم الا حـيـاة من الأموات

اذا كان رفض الـيـهـود وعـدم تقبلهم للايمان صـار علة لأن يصطلح الـعـالـم مع الله فـمـاذا سيكون قبولهم للإيمان وماذا سوف يعني هذا القبول الا الحياة والقيامة الروحية للجميع (اليهود والأمميين ) من الأمـوات ،لو أن اليهود تـقـبـلـوا الايمان كمـا تقبله الأمميون لكان معني دلك أن عدد المؤمنين يكون قد ازداد لأنه يشمل اليهود والأمميين معا ، وبذلك يزداد عدد الذين يقومون قيامة روحية من موت الخطية

وان كانت الباكورة مـقـدسة فكذلك العجين وان كان الاصل مقـدسـا فكذلك الأغصان

بهذه العبارات يعبر الرسول بولس عن أمله في إيمان اليهود بالسيد المسيح . فاذا كان أباء اليهود وانبيـاؤهـم ،هؤلاء الذين نستطيع أن نتمثل بهم ونسلك في الطريق الذي سلكوا فيـه ، اذا كان هؤلاء عاشـوا مـقدسين لأنهم كرسوا حياتهم لله ونالوا البركة ، وعلي ذلك فان العجين أو أمة اليهود كلها ، مـوضـوعة لكي تصبح أيضا مقدسة ، وإذا كان الاصل ( بطاركة اليهود ) مقدسا ، فإن الاغصان التي تثبت في هذا الأصل أي الاسرائيليين ، موضوعون ليكونوا قديسين .

فان كان قد قطع بعض الأغصان وأنت زيتـونة برية طعـمـت فـيـهـا فـصـرت شريكا في أصل الزيتونة ودسمها ، فلا تفتخر علي الاغصان ،وان افتـخرت،فأنت لست تحمل الاصل ، بل الاصل اياك يحمل

الخطاب هنا موجه من الرسول بولس الي الأمميين : اذا كان بعض الأغصان ( الاشارة الي اليهود ) قد قطعت بسبب عدم الايمان ، وفصلت من الاصل المقدس ، وانت (أيهـا الأممي ) الذي كنت قبل قليل تشـبـه الشـجـرة البـرية غير المثمرة،وأما الآن فقد طعمت في ا الشجرة الاصلية وأصبحت مشتركا في عصارة هذه الشجرة وفي أصلها أي أن الأمميين كانوا أولا بلا ثمرة لأنهم لم يكونوا من شعب الله وأما الآن فقد اندمجوا وأصـبحوا أعـضـاء الكنيسة الواحدة ، وكما يقول الرسول بولس في رسالته الي أفسس : لذلك اذكروا أنكم أنتم الأمم قبلا في الجسد المدعوين غرلة من المدعو خـتانا مصنوعا باليد في الجسد ، أنكم كنتم في ذلك الوقت بدون مسيح أجنبيين عن رعوية اسرائيل وغرباء عن عـهـود الـوعـد لا رجـاء لكم وبـلا إله في العالم ، ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلا بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحدا ونقض حائط السياج المتوسط … فلستم اذن بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله ( أف2: 11-14 ، 19).

 

لكن ليس علي الأمميين أن يحتقروا الاغصان التي قطعت .يقول الرسول بولس للأممي :اذا كنت تريد أن تفتخر فعليك أن تتذكر أنك لست الاصل وأنك لا تحمل الاصل إي لا تغذيه ، انما الاصل هو الذي يحملك لأنت أنت الـذي تشترك في عصارته .ومعني هذا ..ان كان لك الآن التمتع بالبركات السماوية الالهية ، فان الاصل الذي طعمت فيه أي الآباء الذين اشـتـركت أنت معهم ، هم أصحاب الفضل في هذه البركات التي حصلت عليها الآن ( انظر يو4: 22) .

ويبدو من كلام الرسول بولس ، أن بعض المسيحيين الذين كانوا من أصل أممي كانوا يحتقرون اليهود.

فـسـتـقـول قطعت الاغـصـان لأطعم أنا . حـسـنـا مـن أجـل عـدم الايمان قطعت وأنت بالايمان ثبت . لا تستكبر بل خف

لعلك ( والخطـاب هـنا للأممي ) وأنت تحاول أن تبـرر افـتـخـارك ، تقول إن الأغـصـان قـد قطعت لكي يصيـر لي موضع ، ثم إني طعمت في الشجرة المباركة . نعم . أن الاغصان قد قطعت لسبب عدم الايمان ،ولكن من ناحية أخري ، فانك انت لم تطعم في هذه الشجرة بسبب أعمالك أو استحقاقاتك الخاصة ، ولكن فقط بسبب الايمان ، فعليك إذن أن تحـذر ولا تفتخر ، بل لتتحلي بالتواضع والخوف . اذن من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط (1کو10: 12) .

لأنه ان كان الله لـم يـشـفق على الأغـصـان الطبيعية فلعله لا يشفق عليك أيضا

اذا كان الله قد عاقب بالقطع ، الاغصان الاصلية الطبيعية أي الاسرائيليين ، فعليك أيها الأممي أن تخف لئلا تتعرض أنت لقطع أغصانك ، خاصة وأنك لست بالأغصان الطبيعية.

فهـوذا لطف الله وصرامته ، أما الصرامة فعلي الذين سقطوا ، وأما اللطف فلك إن تثبت في اللطف والا فأنت أيضا ستقطع

فبدل أن تفـتـخـر وتستكبـر ( والخطاب مـوجـه الي الأممي ) عليك أن تفهم وتدرك كيف ينصرف الله نحـو الـبـشـر وكيف يظهـر صـرامـتـه وقسوته من ناحية ، ومن ناحية أخري لطفه ورحمته . أمـا قسوته فهي نحو أولئك الذين رفضوا الايمان ، وأما لطفه فقد أظهـره نحوك أنت أيها الأممي بشرط أن تظل ثابـا في ايمانك حتي تستحق هذه الرحمة ، والا فـانك أنت أيضـا تتعرض للقطع . يقول السيد المسيح كل غصن في لا يأتي بثمر ينزعه ، وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر … اثبتوا في وأنا فيكم ، كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته ان لم يثبت في الكرامة كذلك أنتم أيضا ان لم تثبتوا في … ان كان أحد لا يثبت في يطرح خارجا كالغصن فيجف ويجـمـعـونه ويطرحونه في النار فـيـحـتـرق ( يو15: 2 ، 4 – 6 ) ويقول الرسول بولس في رساله الي العبرانيين لأننا قد صرنا شركاء المسيح ان تمسكنا ببداءة الثقة ثابتة الي النهاية ( عب3: 14).

وهم ان لم يثبتوا في عدم الايمان سيطعمون لأن الله قادر أن يطعمهم أيضا

هؤلاء اليهود الذين قطعوا ، اذا لم يظلوا علي عدم أيمانهم ، فانهم يطعمون لأن الله قادر أن يطعمهم مرة أخري في الشجرة المباركة .

يجب أن لا نفقد الرجاء في امكانية عودة الضال الي حظيرة الايمان وسوف نجد علي الدوام مكانا في احـضـان الـرحـمـة الالهية ، فالله يـتـقـبـل توبة الخاطئ ويـعـود به الي وضعه الاصيل الذي فقده بسبب الخطيئة .

لأنه ان كنت أنت قد قطعت من الزيتونة البرية حسب الطبيعة ، وطعمت بخلاف الطبيعة في زيتونة جيدة، فكم بالحـري يطعم هؤلاء الذين هم حـسب الطبيعة في زيتونتهم الخاصة

يـوجـه الـرسـول خطابه الي الأممي فـيـقـول : ان الله قادر علي تطـعـيـمـهـم ( أي الـيـهـود) مرة أخري ، لأنه أذا كنت أنت ( أيها الأممي ) قد قطعت مـن الـشـجـرة البـرية غير المثمرة ثم علي خلاف طبيعتك قد طعمت في زيتونة جديدة مثمرة ، فكم بالحري يكون الوضع بالنسبة لهؤلاء الذين كانوا بطبيعتهم أغصانا من تلك الشجرة الاصلية ، فهؤلاء اذا أمنوا ، سوف يطعمون في شجرتهم أو زينونتهم الخاصة بهم أو في الشجرة التي كانوا هم في الاصل من أغصانها .

فاني لست أريد أيهـا الاخوة أن تجـهـلـوا هذا السر ،لئلا تكونوا عند انفسكم حكماء ، ان القساوة قد حصلت جزئيا لاسرائيل الي أن يدخل ملؤ الأمم

يشير الـرسـول الي حقيقة ، كانت في طي الكتـمـان ثم أعلنت للرسل من قبل الله ، وهي تختص بمستقبل اليهود الخلاصي ، وهو يريد للأمميين أن يعرفوا هذه الحقيقة وأن يقفوا علي هذا السر ، لئلا يظنوا في أنفسهم الحكمة ويحتقروا الاسرائيليين وينظروا اليهم كأغصان قطعت من الشـجـرة ومـصـيـرهـا الـهـلاك. هذا السر الذي كـشـف للرسول بولس مـؤداه أن القـسـاوة علي الشعب الاسرائيلي قد وقعت علي جزء منه ، حتي يدخل الي الايمان وينضم الي ملكوت المسيح ملؤ الأمميين الذين عينهم الله لهذا الايمان .

لاحظ معني العبارات التالية :

– هذا السر : تشير كلمة السر الي أمـر كان مكتوما ثم أعلن وكشف ، وبدون هذا الاعلان أو الكشف الالهي لم يكن من الممكن أن يدرك هذا الأمر من قبل الذهن البشري ، علي نحو ما يبدو من الآيات التالية :

بل نتكلم بحكمـة الله في سر ، الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر (1کو2: 8،7).

هوذا سـر أقوله لكم ، لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغیر (1کو15: 51)

انه باعلان عرفني السير ، كما سبقت فكتبت بايجاز الذي بحسبه حينما تقرأون تقدرون أن تفهموا درايتي ؛ . المسيح الذي في أجيال أخر يعرف به بنو البشر كما قد أعلن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح . أن الأمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح بالأنجيل(أف3:3-6)

عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد تبرر في الروح …(1تي3: 16).

ان تحـول بني اسرائيل الي الايمان بالمسيح سـمـي سـرا وذلك لأن الحالة التي يكون عليها بنو اسرائيل عند تحولهم للايمان ،لا تعطي احتمال هذا التحول بالنسبة للادراك البشري ، بل قد يبدو للانسان أن هذا التحول أمر غير متوقع وغير ممكن. ولكن كما كان تقبل الأمميين للإيمان سـرا ( أف3: 3 -6 ) هكذا سيكون الأمر بالنسبة لبني اسرائيل، فإن تحـولهم للإيمان سـوف يكون سـرا ، وغير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله .

– ملؤ الأمم : أي ملؤ العدد من الأمميين الذين تعينه! من قبل الله للخلاص وقبول الايمان بالمسيح ، أي تشير العبارة الي الذين يؤمنون من الأمميبن .

– القساوة قد حصلت جزئيا لاسرائيل : “تلمة جزئيا لا ترتبط بالقساوة ، بل بالشعب الاسرائيلي ، أي بالنسبة للشعب الاسرائيلي ” يتعرض كله للقساوة، بل جزء منه فقط يتعرض لهذه الخسارة .

وهكذا سيخلص جميع اسرائيل كما هو مكتوب ، سيخرج من صهيون المنقذ ويرد الفجور عن يعقوب

كلمة هكذا تعني : عندما يتحقق الشرط المشار اليه في العدد السابق ، وهو « الي ان يدخل ملؤ الأمم ، فان من يؤمن من أسرائيل سوف يخلص كما جاء في سـفـر اشـعـبـاء النبي ، وياتي النادي الي صهيون والي التائبين عن المعصية في يعـقـوب يقول الرب ( أش59: 20) ، ويقول النبي داود «ليت من صهيون خلاص لاسرائيل ، عند رد الرب سبي شعبه يهتف يعقوب ويفرح اسرائيل، ( مز14: 7) ويقـول ارميا البني ، ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت أسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا ، ليس كالعهد الذي قطعته مع أبائهم يوم أمسكتهم بيدهـم لأخـرجهم من أرض مـصـر حين نقضـوا عـهـدي فـرفـضـتهـم يقـول الـرب ، ( إر31: 32) لأنه يقول لهـم لائما «هوذا أيام تأتي يقول الرب حين أكمل مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديداه ( عب8: 8 ) (أنظر أيضا عب10: 16) .

وهذا هو العهد من قبلي لهم متي نزعت خطاياهم

ان نزع الخطايا هو الاساس لجميع بركات وخيرات ونعم العهد الجديد ، وهذا يوضح من ناحـيـة أخـري أن الخطايا كانت هي أساس كل الشـقاء الذي لحق بالانسان وهي التي خلقت روح العداوة بين الانسان وبين الله.

من جهة الإنجيل هم أعداء من أجلكم ،وأما من جهة الاختيار فهم أحـباء من أجل الآباء

فيما يختص ببشارة الانجيل ، فـان اليهود بعدم إيمانهم قد صاروا أعداء الله من أجل أن يسهل دخول الأمميين الي ملكوت المسيا ، هذا الملكوت الذي كان يعتقد هؤلاء اليهود أنه يخصهم، ولأجل ذلك كانوا يغلقونه أو يحاولون غلقه عن الأمميين ، أما فيما يختص باختيارهم الذي سبق وأعده الله منذ وقت طويل فـهـم مـحـبـوبـون من الله من أجل الآباء الذين منهم يتناسلون ، بل من مـحـبـة الـرب اياكم وحـفظه الـقـسـم الذي أقسـم لأبائكم أخرجكـم الرب بيد شـديدة وفـداكم من بيت العبودية من يد فـرعـون مـلـك مـصـر … الله الاله الأمين الحافظ العهـد والاحسان للذيـن يـحـبـونه ويحفظون وصاياه الي ألف جيل ، (تث7: 8 ، 9 ) ” ليس لأجل برك وعدالة قلبك تدخل لتمتلك أرضهم بل … لكي يفي بالكلام الذي أقسم الرب عليه لآبائك اليحبهـم فـاختار من بـعـدهـم نسلهم الذي هو أنتم فوق جميع الشعوب كما في هذا اليوم ” ( تث 10: 15 )

لأن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة

الله لا يتعرض للانخداع والضلال عندما يختار وعندما يدعـو وعندما يهب ويعطي ولذلك فهولا يندم من أجل العطايا التي وعد أن يهبها ولا يتراجع في الدعوة التي وجهها « نصيح اسرائيل لا يكذب ولا يندم لأنه ليس انسان ليندم ، ( 1صم 15: 29)” ليس الله انسانا فيكذب ولا ابن انسـان فيدم ، هـل يـقـول ولا يفعل أويتكلم ولا يفي » (عد3: 19) « فلذلك اذ أراد الله أن يظهر أكثر كثيرا لورثة الموعد عدم تغير قضائه توسط بقـسـم حتى بامرين (الموعد والقسـم ) عديمي التغير ، لا يمكن أن الله يكذب فيهما تكون لنا تعزية قوية نحن الذين التجأنا لنمسك بالرجاء الموضوع امامنا ، ( عب7: 17، 18)

– هبات الله : وهي التي أشـار الـيـهـا في الأصـحـاح التاسع من رسالة روسية، الذين هم اسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد ، ( رو9: 4) .

– دعوته :أي الدعوة التي وجـهـهـا الله الي أمـة الـيـهـود ، ولا يتـكـلـم الـرسـول هنا عن وطن ارضي لاسرائيل بل عن دعوة اليهود للايمان بالمسيح .

فإنه كما كنتم أنتم مرة لا تطيـعـون الله ولكن الآن رحمتم بعصيان هؤلاء ، هؤلاء أيضا الآن لم يطيعوا لكي يرحموا هم أيضا برحمتكم

الخطاب هـنا مـوجه الي الأمميين : يجب أن لاتتعجلوا من ان وعـود الله وهباته لابد أن تتم لأنكم أيضا أيها الأممييون كنتم قد دعيتم من الله قبل أن يدعي ابراهيم ، ولكنكم في ذلك الوقت رفضتم الدعوة وعبدتم الاوثان . وأما الآن فانكم قـد رحـمـتـم بواسطة عدم ايمان اليهود فقبلتم أنتم في حظيرة الايمان .وهكذا الحال بالنسبـة للـيـهـود ، فـانهم الآن لا يظهـرون طاعـتـهـم وايمانهم بالبشارة وذلك لكي يرحـمـوا بواسطة رحمتكم . ويلاحظ في الـعـدد ۳۱ ، لا يقصد بكلمة “لكي” أنه كان لا بد لليهود أن لا يطيعوا حتي يمكن أن يرحمـوا ، بل يعني بهذا التشبيه بين حالة اليهود وحالة الأمميين ، أن الأمميين ، وقبل خلاصهم وأصبحوا أعضاء في ملكوت الله ونالوا الرحمة بعد أن أظهروا عدم أيمانهم أولا وتعرضوا لرفض الله لهم ، علي هذا النحو يحدث أيضا مع اسرائيل ، فـانهـم ســوف يـرحـمـون عندمـا يـقـبـلـون الايمان ويظهـرون الطـاعـة ، علي الرغم من أنهم الآن مرفوضـون بسبب عـصـيانهم .فـعـبارة « يرحـمـوا هـم أيضـا برحمتكم ، تعني : يرحمـون بنفس الصورة التي رحمتهم بها أنتم أيضا . وعلي ذلك فان عبارة ( لم يطيعوا لكي يرحموا ، لا تعني ان الله فرض علي اليهود عـدم الطاعة ، بل هي نوع من التعبير ، يقصد به الكتاب الملهمين اسناد كل مايحدث في الوجود الي الله باعتباره العلة الاولي لكل شيء دون أن يكون في ذلك انقاص للحرية الانسانية بل إن الله وهو يقيم وزنا لهذه الحرية ،يدخلها أيضا ضمن خطته وتدبيره الالهي .

لأن الله أغلق علي الجميع معا في العصيان لكي يرحم الجميع

لقد صار عدم ايمان الأمميين في بادئ الأمر ، وكذلك صار عدم ايمان اليهود الآن ، لأن الله وضع أن يدعوهما معا وهما في حالة عصيان حتي يظهر للجميع رحمته.

ويجب أن لا يغيب عن بالنا مـاسـبـق وأشـرنـا الـيـه كـثـيـرا مـن أن الله ليس هـو علة عصـيـان البشر وتمردهـم ،فـاذا قيل أن الله أغلق علي الـجـمـيـع مـعـا في الـعـصيـان ،فليس معني هذا أنه هو سبب هذا الـعـصـيـان ، بل معناه أن الانسان عندمـا يعـصي بارادته واخـتـيـاره ،فان الله يرفع عنه رحمته . يقول الرسول بولس في الرسالة الي غلاطية ، لكن الكتاب أغلق علي الكل تحت الخطية ليعطي المـوعـد مـن ايـمـان يسوع المسيح للذين يؤمنون ، ( غلا 3: 2 ) . ويـقـول في الرسالة الي رومية – فماذا أذن ، أنحن ( أي اليهود ) افضل ، كلا البتة ، لأننا قد شكونا أن اليهود واليونانيين أجمعين تحت الخطية، كما هو مكتوب أنه ليس بار ولا واحد ، ليس من يفهم ،ليس من يطلب الله . الجميع زاغوا وفسدوا معا ، ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحدا ( رو 3: 9-12)

يالعمق غني الله وحكمته وعلمه ،ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء

يالعمق غني صلاح الله الذي لا يدرك وما أعمق حكمته التي بها يحكم كل الأشياء ويوجه كل الأحداث لكي تحقق أهـدافـهـا ومـا أعمق وأغني علم الله الذي يعرف سابقاً غايات الأشياء ومقاصد الأحداث ونهايات كل أمر.

 ومن ناحية أخري ، فانه يصعب علي الانسان أن يفهم أحكام الله ويدرك كيف يسير الأمور ويوجـهـهـا من أجل تحقيق الخلاص للبشرية ، لأنه اذا كـان الـعـالـم فـي حـكـمـة الله لم يعرف الله بالحكمة ، استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة لأن اليهود يسألون آية واليونانيون يطلبـون حكمة ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً للبـهـود عـثـرة وللـيـونانيين جـهـالة ، وأما للمدعويين يهـودا ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقـوي من الناس، (1کو : 21– 25) : بل نتكلم بحكمة الله في سـر، الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا ، التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر ، لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد ، (1کو : 7، 8 ) .

لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرا ، أو من سبق فأعطاه فيكافأ

من الذي يمكنه أن يعرف أفكار الله وأرادته ، ومن الذي يستطيع أن يشير علي اله السموات ، ومن الذي اعطي الله وقـرضـه شـيـئـا حـتي يمكن له أن يكون مـن حـقـه أن يأخذ مكافأة بديلا لهـذا الذي ا أعطاه ، فاذا كان الله رفع رحمته عن اسرائيل فانه ليس علي اسرائيل أن يطالب الله كما لو كان الله مدينا له ، وكما لو كان الله ملزما بأن يهبه خبراته وبركاته.

يقول أشعياء النبي ؛ من قاس روح الرب ومن مشيره يعلمه ، من استشاره فأفهمه وعلمه في طريق الحق وعلمه معرفة وعرفه سبل الفهم ، ( إش 40: 13و 14)

ويقـول أرمـيـا الـنبي «لأنه من ، يقف في مـجلس الرب ورأي وسـمـع كلمـنـه ، (إر 18:23) ويقول الرسـول في رسـالـتـه الاولي الي كـورنثوس – أمـور الله لا يـعـرفـهـا أحـد الا روح الله(1کو11:2).

لأن منه وبه وله كل الأشياء ، له المجد الي الابد أمين

لأن منه : تشير الي أن الله خلق كل الأشياء .

وبه : تشير الي أن الله يحفظ هذه المخلوقات ويحكمها بحكمته وله : أي كل المخلوقات تعمل لمجد الله

وله المجد : اي ان المجد يعطي ويقدم لله الي دهر الدهور .

تفسير رومية 10 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 12

د/ موريس تاوضروس

تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى