تفسير رسالة رومية اصحاح 14 د/ موريس تاوضروس

الاصحاح الرابع عشر
معاملة ضعاف الايمان 

الله يستطيع أن يُثبَّت أيضا ضعاف الايمان

 

” ومن هو ضعيف في الايمان فاقبلوه لا لمحاكمة الافكار “

يمكن أن يشـار بـضـعـاف الايمان الي المسيحيين الذين كانوا أصلا من الـيـهـود ، وظلوا يتأثرون بعبادتهم السابقة حتي بعد الايمان ، وكذلك يمكن أن يشار بهـم الي المسيحيين الذين كانوا أصلا من الأمميين ، وتأثروا بالـيـهـود المؤمنين أوتأثروا بأفكار دينية معينة كانت تميز بين أنواع الاطعمة، وقد علق ضعاف الايمان خلاصـهم علي هذا التمييز وكانوا لا يدركون حقيقة الخلاص ، وأنه لا يتعلق بهذا التمييز بين أنواع الاطعمة بل فقط بالايمان بالرب يسـوع مخلصا للبشرية. كان ضعاف الايمان يمتنعون عن تناول بعض الاطعمة ظنا منهم أن هذه الاطعمة تؤثر تأثيرا سيئا علي حالتهم الروحية والأخلاقية ، وان الامتناع عنها يعطيهم الفرصة للسمو الروحي فوق الآخرين.

. مثل هؤلاء الضعاف من المؤمنين يجب أن نتقبلهم برحمـة دون أن نسعي لادانة أفكارهم أو كـمـا يقول الرسول في الاصـحـاح الـخـامس من نفس الرسالة ( فيجب علينا نحن الأقوياء أن نـحـتـمـل أضـعـاف الضعفاء ولا نرضي أنفسنا ، ( رو15: 1 ) ويقول في الرسالة الاولي الي كورنثوس “ولكن انظروا لئلا يصير سلطانكم هذا معثرة للعضفاء” ( 1کو8: 9)

واحد يؤمن أن يأكل كل شئ وأما الضعيف فيأكل بقولا

هناك من يؤمن أنه ليس هناك أنواع من الأطعـمـة يـحـرم عليه تناولها ، أمـا الضعيف في الايمان فهو يأكل بقولا ويحرم علي نفسه الانواع الاخري من الطعام معتقدا أن تناولها يدنسه. 

لا يزدر من يأكل بمن لا يأكل ولا يدين من لا يأكل من يأكل لان الله قبله

هذا الذي بسبب قوة ايمانه يأكل من كل نوع من أنواع الأطعمة ،عليه ألا ينظـر باحـتـقـار وازدراء لمن لا يأكل من كل شئ وألا يعامله كـانسـان ضيق الأفق ضـحـل الـتـفـكـيـر فـيـديـنـه علي مسلكه ، وعلي هذا الـنـحـو أيضـا فـان من لا يأكل من كل شئ عليـه ألا يدين من ياكل كل شئ فيخطئه في تصرفه ، لان الله قد قبل هذا لذي يأكل من كل شئ ، عضوا في كنيسته ،كيف تجرؤ أنت يا من لا تأكل كل شئ أن تقطع علاقتك مع من يأكل كل شئ بينما أن الله قد قبله، كواحد من خاصته . لا يجوز لنا أن نقطع علاقتنا مع من يرتبط بعلاقة البنوة مع الله ولا يجوز لنا ان ندين من لا يدينه الله ، ولا يـجـوز لنا أن نرفض من قـد رضي عنه الله . يـقـول الرسـول بـولس في الرسالة الي كولوسي ، فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت ، ( کو2: 16) .

من أنت الذي تدين عبد غيرك ، هو لمولاه يثبت أو يسقط ، لكنه سيثبت لأن الله قادر أن يثبته

من أنت الذي تـديـن عـبـدا ليس لك لأنه لم يتسخـذك انت سـيـدا لـه بل إتخـذ الرب ، ولذلك فهـولربه يثبت أو يسقط روحيا . وبينما أنت تدينه فانه يثبت لان الله قادر أن يقويه ويثبته علي ايمانه .لقد نهي السيد المسيح عن ادانة الغير فقال : لا تدينوا …ولماذا تنظر القـذي الذي في عين أخيك .. أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذي من عينيك…» ( مت5: 1 – 5 ) ويقول الرسول يعقوب “لا يذم بـعـضـكـم بعـضـا أيـهـا الأخـوة ، الذي يذم أخـاه ويدين اخاه يذم الناموس ويدين الناموس ، وان كنت تدين الناموس فلست عاملا بالناموس بل ديانا له ، واحد هو واضع الناموس القادر أن يخلص ويهلك ، فمن أنت يامن تدين غـيـرك” ( يع4: 11) .لاحظ معني الـعـبـارات التالية:

– من انت : أي من أنت أيها الانسان الضعيف حتي تدين غيرك .

– عبد غيرك : الكملة اليونانية oiketys المستعملة في هذه الآية والمترجمة – عبد ، تعبر عن علاقة أقوي وأشد مما تعبر عنه كلمة doulos “عبد” ، لانها تشير الي الـعبـد الذي يكون في خدمة سيده خدمة شخصية .

– الذي تدين غيرك: أن المسيحيين سواء منهم ضعيف الايمان او قويه ، هم جميعهم أخوة وهم جميعهم عبيد لسيـد واحـد . ولذلك فان ادانة الواحد للآخر معناه أنه يضع نفسه في وضع السيد بالنسبة للأخـر ويأخذ وضع الرب وحـقـوق الله بالنسبة للبشر . أنت تحاول أن تدين أفكار غيرك ونو اياه وهي أمور لا يعرفها إلا الله وحده فهو يكشف خفايا القلوب ، وحتي اذا أدنت انسانا بناء علي مايبدو منه من تصرفات وسلوك ، فإن أعـمـال الانسان التي تقع تحت البـصـر لا تقـدم فكرة متكاملة عن أخلاقه وحقيقة مقاصده فقد يبطن الانسان غير مايعمل.

– يثبت أو يسـقط : لا يشـار هـنا الـي الثـواب والـعـقـاب في يوم الدينونة، ولكن يشـار الـي الثبات أوالضعف الروحي والاخلاقي في علاقة الانسان مع المسيح في الحياة الارضية، عن السقوط الاخلاقي يقول الرسول «فأقول العلـهـم عثروا لكي يسقطوا ، حاشا … (رو11: 11، 12)، وعن الاتجاه الاخلاقي يقول الرسول” اسهروا ، أثبتوا في الايمان ، كونوا رجالا تقروا” (1کو16: 12) “….أسمع أمـوركـم أنكم تثبتون في روح واحـده ( في1: 17) ” …. اذن من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقطه (1كو12:10)، “ولكنه سيثبت :أي لا تقلق من جهته لأنه سوف يثبت علي ايمانه .

واحـد يـعـتـبـر يـوما دون يـوم وأخـر يـعـتـبـر كل يـوم فـلـيـتـيـقن كل واحـد في عقله:

واحد يميز يوما ويعتبره أقدس من غيره من الأيام ، وأخر يعتبر كل يوم مقدس ،وفي هذا يجب أن أن يبني اقتناع كل واحد بحسب ضميره . كلمة «عقله، هنا تشير الي الضمير الاخلاقي ،فالرسول بولس يقيم اذن وزنا للاقتناع الشخصي ولحكم الضمير الخاص بكل فرد ولكن يجب أن لا ننسي أن الرسول بولس يتكلم عن الضمير الذي يستنير بارشاد الروح القدس وتوجيهاته وهـذا هـو الذي يحمي الكنيسة من الاتجاهات الفردية ومن فوضي الأحكام والتصرفات لان الرسول بولس يري الكنيسة علي الدوام في وضعها المنظم كجسد رأسه المسيح ،ثم ان الاعتبارات الشخصية التي يشـيـر الـيـهـا الـرسـول في هذه الآية ، هي – كمـا سـوف تبدو بـوضـوح من الآيات التالية- من أجل تمجيد الله . فالاختلافات في الاحكام هنا تعبر عن الاختلافات في درجة الايمان ومقداره .

الذي يهتم بـالـيـوم فللرب يهتم والذي لا يهتم بـالـيـوم فـلـلـرب لا يهتم ، والذي يأكل فللرب يأكل لأنه يشكر الله، والذي لا يأكل فللرب لا يأكل ويشكر الله .

هذا الذي يعتبر يوما أقدس من غيره هو يفعل ذلك من أجل تمجيد اسم الرب ، وهذا الذي لا يقـدس هذا اليوم أكـثـر مـن غيـره بل يعتبر كل يوم من الأيام مـقـدسـا ، فهـو لأجل مجد الله لا بفضله عن غيره .وهذا الذي يأكل من جميع أصناف الاطعمة دون تمييز،فهو لاجل مجد الله يأكل منها جميعا لأنه عندما يأكل منها فهويشكر الله الذي وهب هذه الأطعمة، وهذا الذي لا يأكل منها كلها فهو أيضا من أجل مـجـد الله لا يأكل ، وهو أيضـا يـشـكر الله . يقول الرسول بولس في رسالته الاولي الي كورنثوس: فان كنت أنا أتناول بشكر فلماذا يفـتـري علي لاجل ما أشكر عليه ، فاذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئا فافعلوا كل شئ لمجد الله . كونوا بلا عثرة لليهود ولليونانيين ولكنيسة الله . كما أنا أيضا أرضي الجميع في كل شئ غير طالب ما يوافق نفسي بل الكثيرين لكي يخلصوا (1کو10: 30 – 33)

كل شئ يصدر عن المؤمن يجب أن تراعي فيه الاعتبارات التالية- وهي بالتالي الاعتبارات التي تحفظ الكنيسة من خطر الانفرادية والاتجاهات الشخصية، وخطر فوضي الاقتناع الشخصي في الاحكام والتصرفات – :

1 – كل شئ يجب أن يقصد الي مجد الله ، لا المجد الشخصي الذاتي .
2- في كل تصرف لا يطلب المؤمن ما يوافق نفسه بل الكثيرين .
3- في كل تصرف يجب أن نهتم بتحقيق خلاص الآخرين .
4- الحرية الشخصية تتم في حدود ومراعاة حرية الآخرين. “ان كان أحد من غير المؤمنين يدعوكم وتريدون أن تذهبوا فكل مـايقدم لكم كلوا منه غير فاحصين من أجل الضمير ، ولكن ان قال احد هذا مذبوح لوثن فلا تأكلوا من أجل ذاك الذي أعلمكم والضمير لان للرب الارض وملأها ، أقول الضمير ، ليس ضميرك أنت بل ضمير الآخر، لانه لماذا يحكم في حريتي من ضمبر أخر (1کو10: 27- 29 ) .

5 – المسيح هو المثل الأعلي لاحكامنا ومقاييسنا الروحية وكونوا متمثلين بي كما أنا أيضا بالمسيح : (1کو11: 1) .

لأن ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته.

ان كلا الاثنين ( الذي يهـتم بـالـيـوم والذي لا يـهـتـم بالـيـوم ) من أجل مـجـد الله يفـعـلان مايفعلان ،لأنه ليس واحد منا نحن المؤمنين يعيش لنفسه أو يموت لنفسه .ان وجودنا ليس ملكا لنا . لسنا أرباب ذواتنا ولسنا نمتلك أنفسنا أن هدفنا في الحياة ليس أن نعمل مـايـرضينا بل مايرضي الله . واذا كنا نتعرض في حياتنا لخطر الموت ،فاننا لا تفعل ذلك من أجل مسجد ذاتي بل من أجل مجد الله.

لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متـنـنا فللرب نموت ، فان عشنا وان مـتـنا فللرب نحن .

ان عشـنا فـأننا نعيش لنخدم الله .. وان متنا فاننا نموت طاعة لارادة الله ، وفي حياتنا وفي موتنا يظهر سلطان الله ومجده ، أي أن الله هو الذي يمتلكنا له نعيش وله نموت يقول الرسول بولس : “وهـو مـات لأجل الجميع كي يعيش الاحياء فـيـمـا بـعـد لا لأنفسهم بل للذي مـات لأجلهم وقام” (1کو5 : 15) ، “مع المسيح صلبت فـأحـيـا لا أنا بل المسيح يحيا في ،فما أحـيـاه الآن في الجسد فانما أحياه في الايمان ،ايمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي” (غلا2: 10).

“لأنه ان كنا نؤمن أن يسـوع مـات وقام فكذلك الراقدون بيسـوع سـيـحـضـرهـم الله أيضا معه” (1تس4: 14)، “الذي مات لأجلنا حتي اذا سهرنا أو نمنا نحيا جميعا معه” (1تس5: 10) .

لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود علي الأحياء والاموات

أننا جميعا سواء كنا أحياء أو أموات ملك لله . لأنه من أجل هذا الغرض مات المسيح وقام وأخذ الحياة كانسان لكي يصير سيدا وربا علي الاموات والاحياء .

لاحظ معني العبارة التالية :

– لانه لهذا أي من أجل أن يحقق المسيح سيادته علي خاصـته سـواء كانوا أحياء أو أموات. بصوت المسيح وقيامته اكتسب السيادة علي الاموات والاحياء ،وقد صرح السيد المسيح بعد قيامته أنه قد أعطيت له كل سلطة في السماء وعلي الارض.

– لقد دفع السيد المسيح ثمنا باهظا لكي يحقق هذه السيادة علي الجميع الاحياء والاموات . وأما أنت فلماذا تدين أخاك أوأنت أيضا لماذا تزدري بأخيك،لاننا جميعا سوف نقف أمام كرسي المسيح

اذا كنا جميعا ملكا للمسيح ، فأنت الذي لا تأكل من جميع أنواع الأطعمة ،لماذا تدين أخاك الذي يأكل من كل طعام، وأنت الذي لديك معرفة أكمل عن الطعام فتأكل من جميع أنواعه الماذا تدين أخـاك الذي لا يأكل طعامـا فـتـحـتـقـر وتـزدري به . أن أحدا منكم (سـواء ممن يأكل أو لا أكل ) ليس له الحق في أن يدين أو يحـتـقـره أخاه ،لأننا جميعا سوف نقف أمـام كرسي المسيح الذي من حقه وحـده الدينونة ، كما قال الرسول بولس في وسط أريوس باغـوس و لأنه أقام يومـا هـو فـيـه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه مقدما للجميع ايمانا از اقامه من الاموات، أع 17 : 31 (أنظر أيضا مت25: 31) لانه لا بد أننا جميعا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ماصنع خيرا كان أوشرا ، 2کو5: 10.

لأنه مكتوب أنا حي يقول الرب انه لي ستجثو كل ركبة وكل لسان سيحمد الله

يشير الرسـول هـنا الـي مـا يقـولـه أشـعـياء النبي ، بذاتي أقـسـمـت خـرج من فمي الصدق ، كلمة لا ترجع ، إنه لي تجثو كل ركبة ، يحلف كل لسان ، إش45: 23. “أرفعي عينيك حـواليك وأنظري ، كلـهـم قـد أجـتـمـعـوا أتوا اليك ، حي أنا يقـول للرب” (إش49: 18). وبالطبع فان الاشارة هنا الي الحياة الاخري عند الحكم النهائي علي البشر يقدم الجميع الخضوع والتسبيح للرب .

لاحظ معني العبارات التالية :

– أنا حي : ان الله يؤكد أنه حي وأن لديه علي الدوام الـقـوة ليحقق هذا الأمر ، أي سـجـود الجميع وخضوعهم له ، أوقد تفهم العبارة علي النحو التالي :بقدر ما ان الحياة بالنسبة لي ( أي بالنسبة لله ) حقيقة واضحة وأكيدية و علي هذا النحو أيضا ،فان خضوع الناس وسجـودهـم لله ، هو حقيقة مؤكدة لا تخضع للشك .

– لي سـتـجـنـو كل ركبة: هـذه الـعـبـارة يـسـتـعـمـلـهـا النبي أشـعـيـاء ليـشـيـر بـهـا الـي الله، ويستعملها الرسول بولس ليشير بها الي المسيح ، وفي هذا يبدو التساوي في الجوهر بين الابن والآب

فاذن كل واحد منا سيعطي عن نفسه حسابا لله . .

أي أن النتيجة لكل مما سبق ، هي أن كل واحد منا سيعطي للرب حسابا عن نفسه ، وعلي ذلك فعليه أن يدين أفـعـاله لا أفعال غيره . يقول الرسول بولس في رسالته الي غلاطية ، لأنه ن ظن أحد شئ وهو ليس شيئا فانه يغش نفسه ، ولكن ليمتحن كل واحد عمله وحينئذ يكون له الفخر من جهة نفسه فقط لا من جهة غيره “لان كل واحد سيحمل حمل نفسه” غلا6: 3-5.

وصايا للأقوياء في الايمان :

فلا نحاكم أيـضـا بـعـضـنـا بـعـضـا بـل بالحرى احكمـوا بـهـذا أن لا يوضع للأخ مصدمة أو معثرة .

يطلب الرسول بولس من أقوياء الايمان ألا يدينوا ضعاف الايمان ويحاكموهـم علي ضعف ايمانهم ، بل بالحري عليهم أن لا يضعوا امـام أخوتهم في الإيمان يعطلا وعائقا في طريق إيمانهم ويدينوهـم علـي تصـرفـتهـم فيتعثرون في الايمان .ويضرب الرسول بولس في رسالته الاولي الي كورنثوس مثالا لعثرة الايمان فيقول « ولكن ليس العلم في الجميع بل اناس بالضمير نحو الوثن الي الآن يأكلون كأنه مما ذبح لوثن ، فـضـمـيـرهـم اذ هو ضعيف يتنجس ، ولكن الطعام لا يقدمنا الي الله ، لاننا أن أكلنا لا نزيد وان لم نأكل لا ننقص . ولكنا انظروا لثـلا يـصـيـر سلطانكم هذا معثرة للضعفاء ،لأنه إن رآك أحـد يـا من له علم متكئا في هيكل وثن أفـلا يتقـوي ضميـره از هـو ضعيف حتي يأكل ماذبح للأوثان ، فيهلك بسبب علمك الاخ الضعيف الذي مات المسيح من أجله، وهكذا اذ تخطئون الي الاخوة وتجرحون ضميرهم الضعيف تخطئون إلي المسيح ، لذلك ان كان طعام يعثر أخي فلن أكل لحما الي الابد لئلا أعثر أخي ، 1کو8: 7- 12 ، “من يحب أخاه يثبت في النور وليس فيه عثرة” 1يو2: 10.

أني عالم ومتيـقن في الرب يسوع أن ليس شئ نجـسـا بذاته الا من يحسب شيئاً نجساً فله هو نجس.

يبين الرسول ان ماسـوف يقوله هنا ، انما يقوله عن معرفة وعن يقين تام ، ويشير الي ان هذا اليقين أو هذا الاقتناع يلهمه اياه اتحاده مع المسيح كما هو واضح من عبارة افي الرب يسوع. إنه ليس هناك طعام بالطبيعة غير طاهر ، ولكن يصير هذا الطعام غير طاهر بالنسبة للشخص الذي يعتبره غير طاهر ، أي أن نجاسة الطعام هنا أمر لا يتعلق بالطعام نفسه بل بحكم الشخص يقول السيد المسيح ليس مايدخل الفم ينجس الانسان بل ما يخرج من الفم ، هذا ينجس الانسان مت15: 11 (أنظر أيضـا اع10: 11-15) ويقـول الرسول بولس في الرسـالة الاولي الي كورنثوس « كل مـايباع في الملحمة كلوه غير فاحصين عن شئ من أجل الضمير ، لان للرب الارض وملأها” 1کو10: 26-27.

فان كان أخوك بسبب طعامك يـحـزن فلست تسلك بعد حسب المحبة ، لا تهلك بطعامك ذلك الذي مات المسيح لاجله

علي أنه لا يكفي مجرد الاقتناع الشخصي حتي لا تخطي عندما نتناول من الأطعمة، بل يجب أن نساك مع الآخرين من خلال محبتنا لهم ، فاذا كان بسبب تناولك من الاطعمة يحـزن أخـوك ويظن سوءا فـانك لا تسلك بعـد بما يتفق والمحبة لانك تظل تتناول من الاطعمة ، فلتحذر لئلا تهلك بطعامك اخاك الذي من أجل خلاصه مات المسيح . فنعلم أن لجميعنا علما ،العلم ينفخ ولكن المحبة تبني 1كو8: 11 فيهلك بسبب علمك الاخ الضعيف الذي مات المسيح من أجله وهكذا أن تخطئـون الـي الاخـوة وتجـرحـون ضـمـيـرهـم الضعـيف تـخـطـئـون الي المسيح” (1کو11:8-13)

فلا يفتر على صلاحكم

يتعرض قـوي الايمان بسبب تناوله من الاطعمة المخـتـلـفـة الي أن يفتري عليه من ضعاف الايمان الذين لا يبيحون تناول كل الاطعمة،وفي هذه الحالة يتكلم ضعيف الايمان بالسـوء علي قوي الايمان بسبب ثباته في أيمانه ، وهكذا فـان هـذا الثابت الصالح الذي بفضله تبيح لنفسك أن تتناول من جميع أنواع الاطعمة دون تمييز،يتعرض لللافتراء .لاحظ معني العبارات التالية :

– يفـتـري : لا يجئ الانـتـراء هنا من الخارج بل من ضـعـاف الايمـان كـمـا يـبـدو في 1کو29:10-30. والافتراء هنا معناه : الكلام الردئ والسب والشتيمة والتعبير واللوم وقد وردت في العهد الجديد بالمعنيين التاليين :

1- ذم ، ثلب . طعن ، وشـي به .سب . شـتم ، عـاب .انتهـر أو تكلـم بـالـوشـاية والنميمة والسعاية والثلب والاهانة والاستهزاء والفضيحة والتعيير (أنظر مت27: 39) .

۲ – الحديث عن الامور المخـتـصـة بالله حـديثـا مـشـوباً بالازدراء والاحـتـقـار وعـدم الـوقـار والتجديف والكفر ( مت9 :3)

( يفتري Blasphymw الافتراء Blasphymia )

– علي صلاحكم : أي علي حريتكم في أن تبرروا أي نوع من الطعام دون تمييز ( كما في1کو10: 29) او علي ثباتكم في ايمانكم بعدم التمييز بين أنواع الأطعمة .

لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس.

ان ملكوت السـمـوات التي أسسها السيد المسيح علي الأرض لا تقوم على أساس أن يأكل الانسان ويشرب حرا كما يريد ، بل هي : تتأسس وتتدعم علي البر والسلام والفرح ، هذه الفضائل الثلاث التي هي من ثمار الروح القدس وعمله.

يقـول الـرسـول بولس في رسالته الاولي الي كورنثوس ولكن الطعام لا يقدمنا الي الله ، لأننا أن أكلنا لا نريد ، وأن لم نأكل لا ننقص 1کو8: 8 . لاحظ معني الكلمات التالية :

– بر dikaiosuny تشير الكلمة هنا الي الحياة الروحية الفاضلة بوجه عام او الي الكمال الاخلاقي الذي يتمثل في أن يهب الواحد للآخـر مـا يخـصه (أي ما يخص الآخر ) وعلي الاخص احترام اتجاهاته الروحية واقتناعه القلبي الذي لا يتعارض مع الايمان .

– سلام :أي السلام نحو الآخرين ، أو مابين المؤمنين من اتساق وانسجام .

– الفرح : الذي ينتج عن هذا السلام وعن حياة البر .

– في الروح القدس : جميع هذه الفضائل هي من عمل الروح القدس في حياة المؤمنين الروح القدس هو علة الحياة الفاضلة .

لأن من خدم المسيح في هذه فهو مرضي عند الله ومزكي عند الناس هذا الذي يخدم المسيح بهذه الفضائل الثلاث ، يصبح مرضيا عند الله (ينال رضي الله ) وقادرا علي أن يثبت أمام ادانة الناس وأحكامهم .

فلنعكف اذن علي ماهو للسلام وما هو للبنيان بعضنا لبعض .

إذا كانت هذه الفضائل تحمل هذه النتائج فعلينا نحن أيضا أن نسعي الي كل ما من شأنه أن يؤدي الي السلام والي المـنـفـعـة الروحية والي الـتـقـدم والنمو الروحي بعـضـنا لبعض. يقـول الرسول بولس في الرسالة الاولي الي كورنثوس، ولكن الله قد دعانا في السلام ( 1کو7: 15) لا يطلب أحد مـاهـو لنفسه بل كل واحد ماهـو للآخر، ( 1کو10: 24)، فليكن كل شئ للبنيان، (1کو14: 26) .

كلمة البنيان تعني العمل علي مساعدة الآخرين لتـقـدهـم ونموهم الروحي. وبالطبع إن تحقيق البنيان يتطلب استتباب السلام بين المؤمنين .

لا تنقض لاجل الطعام عمل الله ، كل الأشياء طاهرة لكنه شر للانسان الذي يأكل بعثرة.

لا تحاول بمثل هذه الأمور غيـر الـجـوهـرية في العبادة ، كما هو الشأن بالنسبة للطعام ، لاتحاول أن تعطل أو تعوق عمل الخلاص الذي دبره الله من أجل أخيك . ان كل الاطعمة طاهرة ولا تنجس الانسان روحيا ، ومع ذلك فان الطعام يمكن أن يحمل ضررا نفسيا لضعيف الايمان ويتعثر به. . كل شئ طاهـر لـلطاهرين وأمـا للنجسين وغير المؤمنين فليس شئ طاهرا بل قـد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم، ( تي1: 15) .لاحظ معني العبارات التالية :

– لاجل الطعام : أي لاجل أمور تافهة .

– عمل الله :أي خلاص الآخرين بواسطة الايمان بالرب يسوع .

– شـر للانسان الذي يأكل بعـثـرة : أي علي الرغم من أن الطعام طاهر في حـقـيـقـتـه فـانه يصير رديئا وشرا لمن يأكله بعثرة أو توجد خطية اذا اكل الانسان شيئا بعثرة وبعدم ايمان .

حسن أن لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ولا شيئاً يصطدم بـه أخـوك أو يعثر أو يضعف

جميل ان تأكل من كل الاطعمة ، ولكن اجمل من هذا وأحسن أن لا تأكل لحمـا ولا تشرب خمرا ولا تفعل شيئا مما يمكن أن يتعثر بسببه أخـوك ويضعف في أيمانه ، وكما يقول الرسول في رسالته الأولي الي اهل كورنثوس ولذلك إن كان طعام يعثر أخي فلن أكل لحما الي الابد لثلا أعثر أخي ، (1کو8: 13) .

إن المسيحي ليس مسئولا عن نفسه فقط، بل يحمل أيضا الاحساس بالمسئولية تجاه الآخرين ،وقد تفرض عليه المسئولية أن يحرم علي نفسه أمورا ليست محرمة في الاصل ،فليس الطعام نجـسـا في ذاته ولا ينجس من يأكله ،ولكنه من أجل ضعاف الايمان الذين يتشككون في طهارة طـعـام مـا يحكم المؤمن علي نفـسـه بـالـحـرمـان ، كـأن يـحـرم نفسه من أكل ما ذبح لغير المؤمنين ، لان ضعيف الايمان يشك في طهارة هذا النوع من الطعام .

لك ايمان ، فليكن لك بنفسك أمام الله .طوبي لمن لا يدين نفـسـه في ما يستحسنة .

أنت لك ايمان صحيح – والخطاب هـنـا مـوجه لقوي الايمان – فيما يختص بالاطعمة فليكن لك هذا الايمان في نفسك وليـعـرفـه الله ، وطوبي لهذا الانسان الذي لا يشـعـر بنـانيـب وتبكيت الضمير عندما يفعل هذا الذي سبق له وفـحـصـه بكل تدقيق واسـتـحـسـن فـعله . يقول الرسـول بواس في رسالته الاولي الي كورنثوس وكل مايباع في الملحمة كلوه غير فاحصين عن شئ من اجل الضمير ، لان لشرب الارض وملأها ، وإن كان أحـد من غير المؤمنين يدعوكم وتريدون أن تذهبوا فكل ما يقدم لكم كلوا منه غير فاحصين من أجل الضمير» (1کو10: 25-27) لاننا لو كنا حكمنا علي أنفسنا لما حكم علينا ، ( 1کو11: 31)

وأما الذي يرتاب ، فان أكل يدان لأن ذلك ليس من الايمان ، وكل مـا ليس من الايمان فهو خطية

. الذي يرتاب فيما إذا كان الطعام لا ينجسه ، فانه إذا أكل وهو علي هذا الحال من الشك والارتياب ، فانه يفعله هذا يعرض نفسه للوقوع تحت الدينونة والحكم، لانه لم يأكل باقتناع وبأيمان ولم يكن على ثقة بطهارة الطعام ، ان كل شئ لا ينم عن اقتناع وايمان باطني ، أي كل فعل لايصير عن أيمان ، فهو خطيئة ، الأيسان للفعل كالنفس الحياة، وكل فعل لا يكون الايمان هو نفسه ، فهو خطية. إن كل فعل لا يصدر من الانسان كانسان مخلص بدم المفادي يسوع السيح ، هو خطيئة.

تفسير رومية 13 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 15

د/ موريس تاوضروس

تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى