تفسير إنجيل متى 23 للقمص انطونيوس فكري

الأصحاح الثالث والعشرون

نطق المسيح بالويلات للكتبة والفريسيين 

رأينا كيف قاوم الكتبة والفريسيين مع الهيرودسيين والصدوقيين المسيح. والمسيح سبق وعلَّم، وإذ أصَّروا على مقاومتهم سقطوا تحت الويلات كنتيجة طبيعية لحياتهم الشريرة التي قبلوها بإرادتهم، والسيد هنا يظهر ثمار تصرفاتهم ليعطيهم فرصة يراجعون فيها أنفسهم لعلهم يتوبون، ويحذر تلاميذه من أن يصنعوا نفس الشيء. ونلاحظ أن عدد الويلات (8) في مقابل (8) تطويبات بدأ بها المسيح خدمته (مت5) فمن استمع للسيد يناله التطويب ومن قاوم ورفض تنصب عليه الويلات. ونلاحظ أن هناك تقابل بين كل تطويب وبين كل ويل من الثمانية.

فاصل

الآيات 1-7

الآيات (1-3): “حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه. قائلًا على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون. فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون.”

بينما صوب الكتبة والفريسيين سهامهم ضد المسيح نجده في لطف يقول “كل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه” فهو يحث الشعب على الخضوع لهم، لا من أجل سلوكهم لكن من أجل كرسي موسى الذي جلسوا عليه، ومن أجل ناموس موسى الذي يشرحونه. والمقصود بكرسي موسى الذي جلسوا عليه أنهم تسلموا ناموسه لكي يسجلوه ويقرأوه ويفسروه. وكان من عادتهم أن يقرأوا التوراة من على المنبر كما فعل عزرا. ولكن للأسف كانوا يقدمون تعاليم موسى كوعظ جيد لكنهم لا ينفذونه (وهذا حال بعض الخدام). ونلاحظ أن الله أعطاهم عظات يقدمونها للشعب “فكل عطية صالحة هي نازلة من فوق..” (يع17:1) وأن الله أعطاهم  هذا كثمرة للكرسي الذي يجلسون عليه. لذلك علينا أن نسمع لمن يجلس على الكرسي فهو يخبرنا بكلام الله، والله يعطيه ليقول لنا. وللأسف فهؤلاء الكتبة والفريسيين لم يستفيدوا حتى مماّ قالوه. لذلك يدعو السيد الشعب أن يسمعوا لهم إذ أن الله أعطاهم ما يقولون، ولكن إذا رأوا في كلامهم ما يناقض الناموس فعليهم أن لا يعملوه. فهم بتقليد أبائهم خالفوا الناموس (مت1:15-20+ يو10:5-17). وعلى الشعب أن لا يفعل ما يرونهم يعملونه من شرور. والمسيح أعطانا أن نتمثل ونقتدي بالله لا بإنسان “كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل”. فلا يصح أن نعمل الخطأ مبررين ذلك بأن هذا أو ذاك مهما كان منصبه يفعل هذا الخطأ.

 

آية (4): “فأنهم يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم.”

الوصية في حد ذاتها ليست صعبة، وذلك لأن الله يعطي معونة على أن ننفذها ولكن لن يدرك هذا إلاّ من حاول تنفيذ الوصية. لذلك فالسيد يقول احملوا نيري فهو هين وحملي فهو خفيف، والنير هو ما يربط ثورين يجران معًا والمعنى أن السيد يحمل معنا، بل هو يحمل كل شيء. وإذا وقف الإنسان ليحكم على الوصية يتصور أنها ثقيلة جدًا، من يقدر أن ينفذها، والسبب أن الله غير مرئي ولكن الحمل مرئي وثقيل. ولكن من يحاول أن يزحزح هذا الحمل حتى بأطراف أصابعه سيجد أن الحمل خفيف فالله هو الذي يحمل عنه. وهؤلاء المعلمون اليهود لم يختبروا هذا ولذلك فهم يتصورون أن الوصايا ثقيلة عسرة ويعلمون الناس هذا، أمّا المعلم المختبر الذي عَرِف معونة الله ولذة الوصية يكون تعليمه مشوقًا للناس لأنه هو نفسه قد اختبر (تث11:30-14).

* كان الربيين يحزمون أحمالا ثقيلة يضعونها على الناس وهم لا يريدون أن يحركوها بأصابعهم. فهم وضعوا التقاليد فوق وصايا الناموس. وكقاعدة عامة لا يجب أن تكون هناك شرائع لا يحتملها الناس. فبينما كانوا يبحثون في وصايا الناموس عن ما هي الوصية الأثقل وما هي الوصية الأخف، كان الربيين يتبارون في وضع وصايا ثقيلة. واللوم كان موجه بالدرجة الأولى للمدرستين الكبيرتين للربيين اللذان دخلا في منافسة لوضع قوانين أشد، وهما مدرستى هليل وشماى. ودخلوا في شجار وخلاف ولكنه كان خلاف للخلاف. ووصلت التفاهة في الجدال للإختلاف حول هل يجب قتل قملة يوم السبت أو تحريم هذا. هو تشدد لمجرد إظهار الورع والتقوى. وبينما يضعون للناس هذه الوصايا الثقيلة، كانوا يخترعون وسائل يتحايلون بها ليخففوا على أنفسهم ويجدوا مخارج لهذه الوصايا الصعبة.

 

آية (5): “وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم.”

ترك معلمي اليهود الاهتمام بتنفيذ الوصايا إلى الاهتمام بالمظهريات وماذا يقول عنهم الناس. طلبوا الزينة الخارجية التي تخفي حياة داخلية فارغة بلا عمل. وهكذا كل مرائي يهتم بما يجلب له المديح غير مهتم بحقيقة حياته الداخلية وخلاص نفسه. والعصائب= عندما أعطى الله شريعته لموسى أوصى “أربطها علامة على يدك ولتكن عصائب بين عينيك (تث8:6) والمعنى ليكن كل عمل تعمله بيدك هو بحسب وصاياي، وتأملها بعينيك نهارًا وليلًا. ولكن الفريسيين فسروا الوصية حرفيًا وكتبوا الوصايا العشر وبعض من كتابات موسى ووضعوها على أربطة صغيرة من الجلد ويطوونها على أياديهم اليمنى وعلى رؤوسهم (يربطونها كما نلبس الساعة الآن) ويربطونها على جباههم، متصورين أنها تعطيهم حماية خاصة، ولم يفهموا أنه يجب حمل الوصية في القلب (هم تعاملوا مع العصائب كما يعمل بعض الجهلة اليوم أحجبة تحميهم) بل صاروا يتنافسون في وضع عصائب أعرض= يعرضون عصائبهم. يراهم الناس فيظنوا أنهم متمسكين بالناموس وتنفيذ الوصية أكثر من الجميع. ويعظمون أهداب ثيابهم= الأهداب هي حواشي إسمانجونية في أذيال ثيابهم تنفيذًا لما جاء في (عد38:15-39). وهي تذكرهم بأهمية تنفيذ الوصايا كمن يربط خيطًا على إصبعه ليتذكر شيئًا مهمًا. والمقصود بهذا أن يظل لهم الفكر السماوي فاللون الإسمانجوني هو لون أزرق سماوي، وأذيال الثياب تحتك بالأرض عند السير والمقصود أننا في أثناء احتكاكنا بالعالم يجب أن يكون لنا الفكر السماوي. أمّا هم فطلبوا الكرامة الزمنية. ولنعلم أن كل من يسلك لكي ينظره الناس هو فريسي ينطبق عليه كلام السيد هنا.

الطيالسة (مرقس ولوقا) هي ملابس فضفاضة طويلة تشبه ملابس الملوك ليجذبوا احترام الناس. وقطعًا واضح أن هذا ضد ما علَّم به ربنا يسوع المسيح عن الصلاة والصوم والصدقة في الخفاء، فعلاقتنا مع الله هي علاقة خاصة.

 

الآيات (6-7): “ويحبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع. والتحيات في الأسواق  وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي.”

هؤلاء عوضًا عن أن يقدموا للناس خدمة في محبة مهتمين بالضعيف طلبوا الأماكن الأكثر كرامة. وكانوا يطلبون أن الشعب حين يراهم من مسافة يبدأ الشعب في عمل حركات كلها تواضع أمامهم لإعلان كرامتهم. والمسيح فعل عكس هذا إذ غسل أرجل تلاميذه، هو أتى ليَخْدِمْ لا ليُخْدَمْ.

كان الربيين اليهود يسعون في الإحتفالات وفي المجامع للجلوس في الأماكن الأمامية، ويطلبون من الناس تقديم الإحترام المبالغ فيه  وأن ينادونهم بألقاب مثل (رابى وأبا وسيد وقالوا أن الملك يهوشافاط كان ينادى الربيين هكذا). وطلب اثنين من الربيين عقاب من لا يفعل. وإشتكى اثنين من الربيين أنهم فقدوا هيبتهم كربيين معلمين إذ تكلم معهم البعض في الأسواق قائلين “ليكن لكما سلام عظيم” دون أن يضيف الناس “يا سيدىَّ”. ولنرى بعض القصص والأقوال التي قالوها لتعظيم الربيين :-

  • حاكم قيصرية الوثني كان يقوم أمام الرابيين لأنه كان يرى وجوههم كالملائكة.
  • قال حاكم إنطاكية أن قسطنطين الكبير هزم أعداءه في الحرب لأنه رأى وجه الربيين.
  • قالوا عن أحد الربيين أن النور كان يخرج من وجهه.
  • قالوا أنه يجب تحية الربيين مثل الملوك، وفي بعض الأحيان أكثر من الملوك. واستندوا في هذا على (أم8 : 15)، فأى فرد من الشعب يمكن أن يصبح ملكا ولكن خسارة رابي لا تعوض.
  • لعنة الرابي لأحد ستنفذ حتى لو بلا سبب.
  • نسبوا للربيين عمل معجزات كثيرة لإثبات كل الأكاذيب التي تقال عنهم.
  • طلب أحد الربيين أن يدفن في ملابس بيضاء لكي يُظهر استحقاقه أمام خالقه. ثم وصل الأمر لهرطقات إذ قالوا أنه بعد موته حدثت مناقشة في السماء بين الله والأكاديمية السماوية حول مدى النقاء لهذا الرابي. وعند انفصال روح هذا الرابى من جسده قال أحد الربيين من الأكاديمية السماوية نقى نقى. وفي الحال جاء خبر من السماء إلى الحكماء من الشعب أن هذا الرابى انضم إلى الجماعة السمائية. وحددوا أسبوعا حدادا على خسارة هذا الرابي.

ومثل هذه الأفكار ابتعدت بهم تمامًا عن الروحيات. وبسبب هذا حذر الرب تلاميذه أن يتشبهوا بهم ويطلبون أن يناديهم الناس بألقاب. ولمثل هذه التصرفات للربيين اليهود قال الرب يسوع لتلاميذه لا تتشبهون بهم أما أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي… الآية القادمة.

فاصل

الآيات 8-15

الآيات (8-12): “وأما انتم فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد المسيح وانتم جميعًا اخوة. ولا تدعوا لكم أبًا على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات. ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح. وأكبركم يكون خادمًا لكم. فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع.”

هل يريد السيد أن نكف عن استخدام الألقاب سيد/ أب/ معلم؟! بالنسبة للأشخاص الروحيين؟ قطعًا لا يمكن أن نفهم هذا بمفهوم حرفي:-

1- بولس دعا نفسه أب (1كو15:4 + فل10-11+ 1يو1:2+ 3يو4). ولكن نفهم من كلام بولس “لأني أنا ولدتكم في المسيح بالإنجيل” معنى الأبوة المطلوبة فخارج المسيح يفقد بولس أبوته، ويفقد الكاهن أبوته، وتصير دعوته أبًا اغتصابًا أمّا في المسيح فيحمل أبوة الله لأولاده، يحمل لهم ما هو لله لا ما هو لذاته.

2- بولس دعا نفسه معلم وقال إن الله وضع للكنيسة معلمين (رو7:12+ 2تي11:1) وبنفس المفهوم نقبل المعلم المختفي في الرب. فالمعلم الحقيقي يُعَلِّم لحساب مجد الله.

3- قبل بولس الرسول من سجان فيلبي هو وسيلا قوله يا سيدي (أع30:16) والمهم أنهما لم يهتما باللقب بل بخلاص نفس الرجل وأهل بيته. والله أعطى للقادة الروحيين سلطان بالروح القدس ليدبروا أمور الكنيسة بالمحبة. (فل8-9، 19).

4- عندما يكون القائد له حياة روحية لن يهتم باللقب إنما بخلاص النفوس. ولن يكون للألقاب خطورتها على حياته، فشوقه لخلاص كل نفس يملأ قلبه فلا يجد الرياء أو الكبرياء موضعًا فيه، بل تزيده الألقاب انسحاقًا وإحساسًا بالمسئولية. ولا يشعر في نفسه سوى أنه خادم للكل كما قال السيد على نفسه.

5- المسيح لا يقصد إلغاء الألقاب بل أراد أن نلتقي بالقادة الروحيين خلاله شخصيًا، ولا نرتبط بهم خلال التملق والمجاملات.

6- إذا فهمنا هذا الكلام حرفيًا فهل لا أقول لأبي الجسدي يا أبي وأقول له يا أخي. اعتمادًا على قول المسيح هنا “وأنتم جميعًا إخوة“. وهل لن يتعارض هذا مع وصية أكرم أباك وأمك.

7- والمسيح يحذر هنا من أن يرتفع القادة ويسعون للعظمة فيسقطون.

 

آية (13): “لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.”

هذا الويل الأول هو في مقابل التطويب الأول “طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات” أمّا هؤلاء المتكبرين فهم يغلقون ملكوت السموات أمام الناس. هم أغلقوا الباب أمام الناس بكبريائهم وبعدم تنفيذ الوصايا التي يعلمونها لهم، أي بسلوكهم الخاطئ. وكانوا يقدمون مفتاح للكتبة عند قبولهم وظيفتهم. والسيد يقصد أن يقول أنه عوضًا عن أن تفتحوا للناس باب ملكوت السموات بأن تفتحوا عقولهم وقلوبهم فيقبلون الله، فأنتم أغلقتم هذا الباب (لو52:11). ولو كنتم متضعين ومساكين بالروح لكان الروح القدس ملأكم وكان تعليمكم قد فتح لهم ملكوت السموات، ولكم أيضًا.

في مقابل التطويبات التي بدأ المسيح بها خدمته نجد هنا الويلات. ولكن شكرًا لله فهو بدأ بالتطويبات فهو أتى ليكرز بسنة الرب المقبولة وطوى السفر ولم يقرأ “وبيوم انتقام لإلهنا” (لو19:4-20) هو أتى ليبارك ويطوب ولكنه كديان فسيدين في اليوم الأخير. والتطويب هو لمن يطيع وصاياه.

 

آية (14): “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ولعلة تطيلون صلواتكم لذلك تأخذون دينونة اعظم.”

هم أصبحوا لا يبحثون سوى عن أنفسهم ويجرون وراء الماديات ليس من الأغنياء فقط، بل من بيوت الأرامل (كانوا يصلون ويطيلون صلواتهم في بيت الميت ليأخذوا أجرًا كبيرًا من أرملته)، هم طلبوا الكرامة أولًا والآن يطلبون الأموال حتى إن صار في هذا ضيق وحزن في بيوت الأرامل والأيتام. ونقارن هذا مع التطويب الثاني “طوبى للحزانى. لأنهم يتعزون”. وبينما كان واجب هؤلاء الخدام أن يعزوا الأرامل أكلوا بيوت الأرامل. وبأعمالهم الرديئة هذه اعثروا الناس. في الويل الأول نجدهم متعظمين بمعارفهم وعلمهم فأغلقوا باب المعرفة على الناس. وفي الويل الثاني نجدهم متعظمين بأموالهم فأغلقوا باب التعزية على الناس الحزانى. ونلاحظ أن المسيح لا يهاجم الصلوات الطويلة، بل العلة في إطالة الصلوات. ولنقارن بين التطويب الثاني، فالله يعزي الحزانى وبين الويل الثاني فالدينونة لمن ينهبون أموالهم.

 

آية (15): “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلًا واحدًا ومتى حصل تصنعونه ابنًا لجهنم أكثر منكم مضاعفًا.”

كانوا يتعبون ليكسبوا دخيلًا يدخل للإيمان اليهودي، ولكن هذا الدخيل حينما يدخل ويرى ريائهم، يتعلم هذا الرياء، وهو إذ لم يرى نموذج طيب يحتذى به يرتد لوثنيته ويصبح أسوأ حالًا فهو تعلم ريائهم وصار مرتدًا عن الإيمان وقد عاد لقيئه ووثنيته، وهذا حتى إن جاءه رجل فاضل مبارك يدعوه للإيمان بعد ذلك فمن المؤكد أنه سيرفض إذ صار يشك في الجميع وبهذا يصير حاله أردأ ويصير ابنًا لجهنم أكثر. وكان اليهود يحاولون زيادة المؤمنين ويطوفون البر والبحر ليأتوا بمؤمنين ليزداد عددهم ويزداد عدد المقاتلين فيرثوا أرض كنعان بل يمتدوا إلى أكثر. هذا بالإضافة إلى نظرتهم بإحتقار للدخلاء (الذين دخلوا للإيمان بعد أن كانوا وثنيين). وهم وضعوا شروطا مشددة لإختبارهم ثم يتكلمون عنهم على أنهم كلعنة البرص. وكان لهم حماس في إجتذاب الوثنيين ولكن بسبب أخلاقياتهم الصعبة أعثروا هؤلاء الدخلاء. والمسيح في التطويب الثالث المقابل لهذا الويل الثالث يقول أن الودعاء هم الذين يرثون الأرض، وليس هؤلاء المتكبرين المتغطرسين المرائين. الذين بكبريائهم يكونون سببًا في أن يخسروا الناس فيتركون عبادة الله ويرتدون عنها.

فاصل

الآيات 16-28

الآيات (16-22): “ويل لكم أيها القادة العميان القائلون من حلف بالهيكل فليس بشيء ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم. أيها الجهال والعميان أيما اعظم الذهب أم الهيكل الذي يقدس الذهب. ومن حلف بالمذبح فليس بشيء ولكن من حلف بالقربان الذي عليه يلتزم. أيها الجهال والعميان أيما أعظم القربان أم المذبح الذي يقدس القربان. فان من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه. من حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه. ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.”

يفسد الرياء بصيرة المعلمين فعوض أن يحكموا روحياً في أمور الماديات، إذ بهم يحكمون بمنظار مادي حتى في الروحيات. فيرون في ذهب الهيكل أنه أفضل من الهيكل، والقربان أثمن من المذبح. فالذي يحلف بالذهب يلتزم بدفع ذهباً لو حنث في قسمه. هذا ليشجعوا الشعب أن يأتوا للهيكل بذهب يستفيدوا هم به. والهيكل مدشن بالزيت المقدس وهو لله لذلك فهو الذي يقدس الذهب. والمذبح كل ما يمسه يكون مقدساً (خر37:29). ومن أقسم بالقربان يلتزم بدفع قرابين. أمّا من يحلف بالمذبح ويحنث في قسمه فلا يشغل قلبهم في شيء. هؤلاء لا يهتمون بمجد الله بل بشبع بطونهم وامتلاء خزائنهم. والمفهوم طبعاً ما يقدمه السيد هنا أن من يحلف بالمذبح فهو يحلف بكل ما عليه من قرابين وذبائح ونار مقدسة، وفوق الكل بالله. فالمذبح يخص الله نفسه والمفهوم أن كل الأقسام ملزمة ولا معنى لوضع هذه الفروق، وأن كل قسم من أي شخص هو إلتجاء إلى الله. والتلمود وضع فوارق بين الحلف بالسماء وبالأرض وهذه الأخيرة ليس من المفترض أنها ملزمة. والحلف باسم الله ملزم. وكان لهم تمييز بين أنواع الحلف في التعهدات والعقود كان بها نوع من التحايل الشرعى. والرب هنا يدين هذه التحايلات، فكان هناك تخفيف من ناحية الالتزام بالحلف بالتلاعب في بعض الحروف. بل بالتلاعب في حرف أو غيره فهذا يقلل من قدسية وحُرمة الحلف. والرب قال عن هذه التحايلات والخدع التي لها مظهر الشرعية أنها عمى أخلاقى. وفي مقابل هؤلاء الجوعى للأمور المادية من ذهب وأموال وكل ما يشبع بطونهم يقدم المسيح التطويب الرابع “طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون”. هذا في مقابل الويل الرابع للجياع للمادة والعالم والغنى والطمع.

 

الآيات (23-24): “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم اثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. أيها القادة العميان الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل.”

الويل الخامس لهم إذ هم يظهرون كمدققين للغاية فيعشرون النعناع والشبث والكمون وهي نباتات تزرع بكميات صغيرة في حدائق البيوت. وتدقيقهم هذا هو لصالحهم، فهم يركزون في تعاليمهم على دفع العشور مهما كانت قليلة كالنعنع والشبث والكمون، والمعنى الاهتمام بالعشور كلها لأن هذا سيعود عليهم بالفائدة، فالتدقيق هنا في وصية العشور ليس هدفه مجد الله بل مصالحهم الشخصية. فهم توسعوا في تنفيذ وصية موسى عن العشور وجعلوها تشمل الأشياء التافهة كالنباتات الصغيرة. ومن الأقوال المضحكة في التلمود أن أحد الربيين درَّب حماره ألا يأكل قمحا لم يتم إخراج عشوره. ومثل هذه التفاهات أخرجت الوصايا الثقيلة من الصورة. فبينما يفعلون هذا أهملوا أهم وصايا الناموس “الحق والرحمة والإيمان”. لم يوصوا الشعب بالرحمة تجاه الأرامل والأيتام والفقراء فهذا لن يعود عليهم بمنفعة. ولذلك نجد التطويب الخامس المقابل لهذا الويل الخامس، طوبى للرحماء لأنهم يرحمون.

تعملوا هذه= تدفعون العشور في كل شيء. ولا تتركوا تلك= الرحمة. إذًا ليس معنى كلام المسيح عدم دفع العشور بل الاهتمام بالرحمة. يصفون عن البعوضة= يُصَفون مشروباتهم في مصفاة لئلا يكون بها بعوضة تنجسها، والبعوضة هي أصغر الحشرات النجسة أي التدقيق في الأمور الصغيرة. ويبلعون الجمل= الجمل هو من الحيوانات النجسة وهو أكبرها والحيوانات النجسة تشير للخطايا. والمقصود أنهم يقبلون أعظم الخطايا إن كان في هذا مصلحة لهم. أيها القادة العميان= هم رأوا البعوضة ولكنهم لم يروا الجمل. وهم كان السيد المسيح أمامهم وبسبب بصيرتهم العمياء وحسدهم وطمعهم لم يروه ولا عرفوه بل صلبوه، لقد أظلم الرياء وحرفية العبادة عيون قلوبهم.

 

الآيات (25-26): “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوءان اختطافًا ودعارة. أيها الفريسي الأعمى نق أولًا داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضًا نقيًا.”

هنا يلومهم السيد أنهم يتمسكون بمظهر التقوى مثل كأس أو صحفة ينظفانها من الخارج دون الداخل، والمقصود الممارسات الطقسية التي بلا روح وبلا توبة وبلا محاولة لتطهير القلب. هؤلاء يطهرون الجسد ولا يهتمون بقلوبهم. ومن الخطر أن يهتم أحد بشكليات العبادة الخارجية دون أن يلتقي بالسيد المسيح نفسه جوهر عبادتنا وهو الذي يطهرنا حقيقة. وفي مقابل هذا الويل السادس نجد التطويب السادس “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله” أمّا هؤلاء فلم يروا الله ولا عرفوه.

ملحوظة: هم كانون ينظفون الأواني من الخارج خوفًا من أن يكون وثنيًا أو شيئًا نجسًا قد تلامس معها. والعجيب أنهم ما كانوا يهتمون بتنظيف الأواني من الداخل. والسيد هنا يقول أن ممارساتكم هذه هي تعبير عن حالتكم أنتم.

 

الآيات (27-28): “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبورًا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضًا من خارج تظهرون للناس أبرارًا ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثمًا.”

كان لليهود عادة أن يغسلوا القبور قبل الفصح أولًا للزينة وثانيًا حتى لا يحتك بها المارة فيتنجسون، وكانوا يدهنوها باللون الأبيض لتصير واضحة (راجع عد16:19). هنا يشرح السيد أن هؤلاء المظهريين صاروا أمواتًا. فكل من لا يتطهر من خطاياه تقتله الخطية “لك اسم إنك حي وأنت ميت” (رؤ1:3) والعكس فمن يقدم توبة كالابن الضال يحيا “إبني هذا كان ميتًا فعاش”. من يهتم بالظاهر، والداخل ميت يكون كالقبر المبيض من الخارج له اسم أنه حي، والناس يمدحونه. بينما داخله ميتًا والله هو الذي يري الداخل (رؤ18:2، 23). وفي مقابل هذا الويل نجد التطويب السابع “طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله”. الابن الضال بتوبته عاد لحضن أبيه فحصل على الحياة وصار ابنًا لله. وصانع السلام هو يعبر عما في داخله من سلام كثمرة لعلاقته مع الله وبنوته لله. أليس السلام ثمرة للروح القدس. والروح يحل على أولاد الله.

فاصل

الآيات 29-39

الآيات (29-36): “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين. وتقولون لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء. فانتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء. فإملأوا انتم مكيال آبائكم. أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم. لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون في مجامعكم وتطردون من مدينة إلى مدينة. لكي يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح. الحق أقول لكم إن هذا كله يأتي على هذا الجيل.”

ببنائهم لقبور الأنبياء فهم يشهدون أن أباءهم قتلة الأنبياء، وها هم يكملون مكيال أبائهم بتدبيرهم المؤامرات لقتل المسيح. وكان الأهم من بناء قبور للأنبياء أنهم يحفظون أقوالهم ويفهمونها، ولو كانوا قد فعلوا لعرفوا المسيح إذ هو هدف النبوات (رؤ10:19) “فإن شهادة يسوع هي روح النبوة”. ونلاحظ تصاعد الخطايا فأولًا هم تكبروا وتعظموا (الويل الأول) ثم صاروا جشعين يأكلون أموال الأرامل (الويل الثاني) ثم صاروا سبب عثرة بريائهم للدخلاء (الويل الثالث) ثم اهتمامهم الكامل بالماديات حتى أنهم شوهوا التعاليم الروحية (الويل الرابع) ثم في سبيل امتلاء بطونهم اهتموا بوصية العشور لأنهم يكسبون منها وسكتوا عن الخطايا الكبيرة التي كالجمل (الويل الخامس) ثم ريائهم (الويل السادس) وأخيرًا وصلوا لحالة الموت الداخلي (الويل السابع) وماذا بعد ذلك إلاّ أنهم يقاومون الحق ويهدرون ويسفكون دماء الأبرياء وعلى رأسهم السيد المسيح (الويل الثامن) وفي مقابل هذا الويل نجد التطويب الثامن.. طوبى لكم إذا طردوكم وعيرَّوكم.. فإنهم هكذا طرودا الأنبياء الذين قبلكم. وهل نفلت من نار جهنم لو فقدنا التقوى الحقيقية. أيها الحيات= فالحيات تقتل حتى من لا يؤذيها وهي تزحف على الأرض إشارة للأفكار الأرضية فهم صلبوا المسيح واضطهدوا تلاميذه. أولاد الأفاعي= فأبائهم أيضًا قتلوا الأنبياء.

ولنلاحظ أن كل إنسان مسئول عن نفسه، وهم غير مسئولين عن خطايا أبائهم، لكنهم إذ يعملون نفس الشيء= فإملأوا أنتم مكيال أبائكم، وهم ملأوه بشرورهم ثم بقتلهم للمسيح، هنا تأتي عليهم العقوبة وهي دينونة جهنم. والمسيح يخبرهم بأنه سيرسل لهم تلاميذه= أرسل إليكم أنبياء وحكماء.. ويتنبأ لهم بأنهم سيضطهدونهم= فمنهم تقتلون وتصلبون يا لمحبتك يا رب فقبل أن يعاقب وتخرب أورشليم يعطيهم فرصة أخيرة. وبسبب استمرارهم في خطايا أبائهم سيعاقبون لأنهم لم يتعظوا بما حدث لآبائهم من مصائب بسبب خطاياهم. لذلك فعقوبة هؤلاء الأبناء أعظم= يأتي عليكم كل دم= أي عقوبة مضاعفة وهذا ما حدث في خراب أورشليم.

مَنْ هو زكريا بن برخيا؟:

هناك 3 آراء:

  1. هو زكريا النبي فاسمه فعلًا زكريا بن برخيا (زك1:1). ولكن الكتاب لم يذكر شيئًا عن أن دمه سُفْكَ بين الهيكل والمذبح.
  2. هو أبو يوحنا المعمدان الذي إذ أتى إليه جنود هيرودس ليأخذوا يوحنا الطفل ليذبحوه، ذهب به للمذبح وقال من حيث أخذته أعيده. فخطفه ملاك الرب إلى البرية فقتل الجند زكريا.
  3. إنه زكريا الذي قتله يوآش ملك يهوذا كما جاء في (2أي21:24). ولكن اسم أبيه يهوياداع. ويرى القديس جيروم أن برخيا تعني بركة ويهوياداع تعني قداسة. وأن الشخص يحمل الاسمين. وهذا هو الرأي الأصوب. فالمسيح ذكر هابيل كأول شهيد يذكر في الكتاب المقدس بسبب بره. وزكريا هو آخر شهيد يذكر في الكتاب المقدس، في العهد القديم (ونلاحظ أن الكتاب المقدس اليهودي ينتهي بسفري أخبار الأيام.) ويكون قصد المسيح أنهم يتحملون دم كل الشهداء الأبرياء الذين إحتواهم الكتاب المقدس، فهم أشر من أبائهم لقتلهم المسيح. وربما كان زكريا الكاهن الذي قتلوه هنا هو حفيد يهوياداع الكاهن فيهوياداع الكاهن حين مات كان عمره 130 سنة (2أي15:24). ويكون برخيا هو ابن يهوياداع ووالد زكريا. ويقول إدرشيم العالم اليهودي المتنصر أن هناك تقليد يهودي أن دمه لم يجف لمدة قرنين من الزمان وظل يغلى حتى دخل نبوزردان للهيكل وإنتقم له.

الحق أقول لكم إن هذا كلّه يأتي على هذا الجيل= وفعلًا فخراب أورشليم على يد تيطس الروماني سنة 70 م. تم بعد كلام السيد المسيح بحوالي 37 سنة.

 

الآيات (37-39):

“يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا. لأني أقول لكم إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب.”

كم مرة أردت.. ولم تريدوا= لنلاحظ أن إرادتي يمكنها أن تعطل إرادة الله في أمر خلاص نفسي. فالله يريد أن الجميع يخلصون.. (1تي4:2). لذلك قال القديس أغسطينوس (الله الذي خلقك بدونك لا يستطيع أن يخلصك بدونك). والمسيح بكى على أورشليم إذ رأى مستقبلها وما سيحدث لها (لو42:19-44) ويبكي على كل نفس ترفضه لأنها ستهلك ويحاصرها الأعداء ويخربونها. هو أتى لأورشليم عارضًا رحمته وحمايته فرفضوه، فَخَرِبوا، وهو عارِضْ حمايته ورحمته لكل نفس ومن يرفض سيخرب. يبدأ بالتعليم والتطويب ومن يرفض تنصب عليه الويلات. هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا= لقد خرب الهيكل فعلًا وكل أورشليم وسيظل خربًا للنهاية وحتى يؤمنوا بالمسيح ويقولون مبارك الآتي باسم الرب. النداء الذي رفضه اليهود يوم أحد الشعانين وجن جنونهم بسببه. وسيكون إيمان اليهود علامة نهاية الأيام. والسيد هنا يشبه نفسه بالدجاجة التي تحتضن بيضها حتى يفقس وتخرج الفراخ للحياة، فهو يريد الحياة لهذا الشعب، ولكن باختيارهم. إنكم لا ترونني من الآن حتى.. تنطبق على كل منّا، فكل من يسبح الله يراه ويعرفه. ولكنها نبوة عن نهاية الأيام ومجيء المسيح الثاني. ولنلاحظ أن البيت تحول خرابًا لأن الله تركه بسبب خطاياهم وهكذا كل نفس تخرب إذا انغمست في الخطية والعكس إن تابت يعود لها الله وتراه.

الآيات (مر38:12-40):- “38وَقَالَ لَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِ:«تَحَرَّزُوا مِنَ الْكَتَبَةِ، الَّذِينَ يَرْغَبُونَ الْمَشْيَ بِالطَّيَالِسَةِ، وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، 39وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَأمِعِ، وَالْمُتَّكَآتِ الأُولَى فِي الْوَلاَئِمِ. 40الَّذِينَ يَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَأمِلِ، وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ الصَّلَوَاتِ. هؤُلاَءِ يَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ».”

 الآيات (لو45:20-47):- “45وَفِيمَا كَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَسْمَعُونَ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: 46«احْذَرُوا مِنَ الْكَتَبَةِ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ الْمَشْيَ بِالطَّيَالِسَةِ، وَيُحِبُّونَ التَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَأمِعِ، وَالْمُتَّكَآتِ الأُولَى فِي الْوَلاَئِمِ. 47اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَأمِلِ، وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ الصَّلَوَاتِ. هؤُلاَءِ يَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!». “

ترك معلمي اليهود الإهتمام بتنفيذ الوصايا إلى الإهتمام بالمظهريات وماذا يقول عنهم الناس. طلبوا الزينة الخارجية التي تخفي حياة داخلية فارغة بلا عمل. وهكذا كل مرائي يهتم بما يجلب له المديح غير مهتم بحقيقة حياته الداخلية وخلاص نفسه. هؤلاء عوضاً عن أن يقدموا للناس خدمة في محبة مهتمين بالضعيف طلبوا الأماكن الأكثر كرامة. وكانوا يطلبون أن الشعب حين يراهم من مسافة يبدأ الشعب في عمل حركات كلها تواضع أمامهم لإعلان كرامتهم. والمسيح فعل عكس هذا إذ غسل أرجل تلاميذه، هو أتى ليَخْدِمْ لا ليُخْدَمْ.

هم أصبحوا لا يبحثون سوى عن أنفسهم ويجرون وراء الماديات ليس من الأغنياء فقط، بل من بيوت الأرامل (كانوا يصلون ويطيلون صلواتهم في بيت الميت ليأخذوا أجراً كبيراً من أرملته)، هم طلبوا الكرامة أولًاً ، والآن يطلبون الأموال حتى إن صار في هذا ضيق وحزن في بيوت الأرامل والأيتام. ونقارن هذا مع التطويب الثاني “طوبى للحزانى. لأنهم يتعزون”. وبينما كان واجب هؤلاء الخدام أن يعزوا الأرامل أكلوا بيوت الأرامل. وبأعمالهم الرديئة هذه أعثروا الناس. في الويل الأول نجدهم متعظمين بمعارفهم وعلمهم فأغلقوا باب المعرفة على الناس. وفي الويل الثاني نجدهم متعظمين بأموالهم فأغلقوا باب التعزية على الفقراء الحزانى. ونلاحظ أن المسيح لا يهاجم الصلوات الطويلة، بل العلة في إطالة الصلوات. ولنقارن بين التطويب الثاني، فالله يعزي الحزانى وبين الويل الثاني فالدينونة لمن ينهبون أموالهم.

فاصل

إنجيل معلمنا متى : 12345678 910111213141516171819202122232425262728 

تفسير إنجيل معلمنا متى : مقدمة – 12345678910111213141516171819202122232425262728 

زر الذهاب إلى الأعلى