تفسير رسالة رومية 3 – كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة

الأَصْحَاحُ الثَّالِثُ
التبرير بالإيمان وليس بأعمال الناموس

 

(1) ما هي فائدة الختان؟ (ع 1-4):

1 إِذًا؛ مَا هُوَ فَضْلُ الْيَهُودِىِّ، أَوْ مَا هُوَ نَفْعُ الْخِتَانِ؟ 2 كَثِيرٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ! أَمَّا أَوَّلًا، فَلأَنَّهُمُ اسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ اللهِ. 3 فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ أَمَانَتِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ اللهِ؟ 4 حَاشَا! بَلْ لِيكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لِكَىْ تَتَبَرَّرَ فِي كَلاَمِكَ وَتَغْلِبَ مَتَى حُوكِمْتَ.»

 

ع1: يبدأ بولس الرسول هذا الأصحاح بتساؤل، إن لم يبرر الناموس أو الختان الإنسان فلماذا طلبه الله منذ أيام إبراهيم وموسى؟

 

ع2: إن الناموس والختان لهما فوائد كثيرة، إذ أن الله استأمن اليهود على أقواله ووصاياه، ليحافظوا عليها سليمة للبشرية كلها، وهم بالحقيقة كانوا على مستوى المسئولية، ولكن بشكلية وحرفيه في التطبيق.

 

ع3: يعلن بولس الرسول أن عدم أمانة الإنسان لا يبطل قوة الوصية وسلامتها، فالعيب ليس في الوصية، بل في عجز الإنسان عن تنفيذها.

 

ع4: إن كلام الله حق دائما، أما اعتراض الإنسان وتشككه فهو الكذب، كما قيل في المزمور (مز 51: 4)، إن الله في اتضاعه يسمح لنا أن نفحص أقواله لنكتشف قوتها وصحتها. فلو فحص الإنسان كلام الله ليحكم عليه، سيكتشف أن كلام الله بار وحق ويغلب كل حجج وكلام الناس.

† لا تسرع في التذمر على الله لأنك مخلوق محدود، وحكمته أعلى من عقلك، وكل وصاياه ضرورية لحياتك. أطلب معونته وإرشاده، فتفهم وتقدر على تطبيق وصاياه، بل على قدر خضوعك لكلامه يكشف لك حكمته في تدبير أمورك.

(2) هل فعل الشر يمجد الله؟؟ (ع 5-8):

5 وَلَكِنْ، إِنْ كَانَ إِثْمُنَا يُبَيِّنُ بِرَّ اللهِ، فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ اللهَ الَّذِي يَجْلِبُ الْغَضَبَ ظَالِمٌ؟ أَتَكَلَّمُ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ، 6 حَاشَا! فَكَيْفَ يَدِينُ اللهُ الْعَالَمَ إِذْ ذَاكَ؟ 7 فَإِنَّهُ، إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِى لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟ 8 أَمَا كَمَا يُفْتَرَى عَلَيْنَا، وَكَمَا يَزْعُمُ قَوْمٌ أَنَّنَا نَقُولُ: «لِنَفْعَلِ السَّيِّآتِ لِكَيْ تَأْتِى الْخَيْرَاتُ.» الَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ عَادِلَةٌ.

 

ع5: هنا يتعجب القديس بولس، ويستنكر قول الناس الذين يتلاعبون بفكرة أن بر الله يتجلى مع الخطاة والزناة، فكلما صعب المرض كلما ظهرت مهارة الطبيب، وكلما زاد الإثم كلما ظهرت كفاءة الله في الشفاء والتقديس والتبرير. فإذ بالناس يقولون “الله الذي يجلب علينا الغضب كعقاب لخطايانا ظالم”، لأننا أظهرنا بخطايانا بره، فكان ينبغي أن يكافئنا بدلًا من العقاب.

 

ع6: هنا استنكر القديس بولس تلك الفكرة بقوله، كيف يكون الله الديان العادل ظالمًا؟

 

ع7: كرر بولس الرسول كلام الناس على لسانه “كلما كذبنا وأخطأنا، كلما مجدت الملائكة والأبرار الله على عظم رحمته وقدرته”. فلماذا أُدان أنا كخاطئ بينما أنا السبب في تمجيد الله؟

 

ع8: يفترى: يقال على لساننا ما لم نقله، وينسب إلينا كلام خاطئ.

يعلن الرسول بولس ضيقه من الذين نسبوا إليه قولًا لم يقله، وهو لنفعل السيئات فيرحمنا الله ويعطينا خيرات، فيتمجد اسمه القدوس. وكأن بولس يبيح فعل الإثم. فهؤلاء بالحق يستحقون الدينونة على هذه المغالطة.

† احترس أيها الحبيب من هذه الفكرة الخطيرة، لأنها تدعو إلى التسيب الأخلاقى والروحيٍ. فرحمة الله لا تعفى الخاطئ من مسئوليته الكاملة بإرادته نحو فعل الخطية، والأجدر بك إذًا أن تحاول من الآن السلوك في طريق الحق، لتتدرب على فعل الخير، فيرى الناس أعمالك الصالحة ويمجدوا أباك الذي في السموات.

(3) خطايا اليهود قبل المسيح (ع 9-20):

9 فَمَاذَا إِذًا؟ أَنَحْنُ أَفْضَلُ؟ كَلاَّ الْبَتَّةَ! لأَنَّنَا قَدْ شَكَوْنَا أَنَّ الْيَهُودَ وَالْيُونَانِيِّينَ أَجْمَعِينَ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ، 10 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. 11 لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُـبُ اللهَ. 12 الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ. 13 حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. 14 وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً. 15 أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. 16 فِى طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسُحْقٌ، 17 وَطَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ. 18 لَيْسَ خَوْفُ اللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ.» 19 وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ النَّامُوسُ، فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ الَّذِينَ فِي النَّامُوسِ، لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ 20 لأَنَّهُ، بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، كُلُّ ذِى جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ؛ لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ.

 

ع9: لكي لا يفتخر المسيحيون من أصل يهودي، ويقولون نحن أفضل من المسيحيين من أصل أممى، يرد القديس بولس نافيًا ذلك، ويذكرهم أنه قد أعلن في (أصحاح 1، 2) أن اليهود والأمم جميعهم أخطأوا.

 

ع10: “كما هو مكتوب”: فكل الآيات القادمة من عدد (10) إلى عدد (19) عبارة عن آيات من العهد القديم تصف خطايا الشعب اليهودي، يقتبسها هنا القديس بولس، ليدلل بها على أنهم شعب أغاظ الله كثيرًا.

بدأ بولس الرسول بآية “ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد” (مز14: 3)، فحتى القديسون في العهد القديم كانت لهم أخطاؤهم، ومن قال عنهم الكتاب أنهم أبرار كأليصابات وزكريا كان برهم ناقصا، لأن المسيح لم يكن قد أتم الفداء بعد. لذلك عندما كان الأبرار يموتون، كانوا يذهبون إلى الهاوية بالرغم من كونهم أبرارا، ولم يدخلوا الفردوس إلا بعد صلب وموت المسيح. وهنا فقط بدأوا التمتع بالتبرير الكامل.

 

ع11: هذه الآية من (مز 53: 2)، تظهر أن اليهود حفظوا آيات وكلمات الناموس، ولم يفهموا القصد من ورائها، ولم يحبوا الله من قلوبهم، الذي هو غاية الناموس.

 

ع12: زاغوا: ابتعدوا وانحرفوا عن طريق الحق.

يبين الله في (مز14: 3) أن الكل قد سقط في الفساد، ولم يوجد حتى إنسان واحد صالح.

† هناك خطايا منتشرة وسائدة في المجتمع الذي حولك؛ لا تنساق فيها لأجل سقوط الكثيرين في ارتكابها.

 

ع13: الأصلال: الثعابين.

يعلن الله في (مز5: 9) أن فم الأشرار الذي ينطق بمؤامرات وشهادات زور كان سببا في قتل كثير من الأبرياء، وهم كالثعابين يتكلمون بمكر ورياء، كأنهم أصدقاء، ولكن يحمل لسانهم خطورة مميته.

 هنا إسأل نفسك، هل لسانك سبب بركة للآخرين، أم سبب أذى ومرارة لهم؟

 

ع14: يستشهد هنا بولس بكلام المزمور (مز10: 7)، الذي يوضح كيف أن الخطاة يشتمون الكل، ويتذمرون على كل شيء.

† احذر التذمر، ولا تظن أن الله قد اختصك بالقدر الأكبر من مصائب الدنيا، بل اشكره على الخيرات الكثيرة التي يغدقها عليك.

 

ع15-17: يبين إشعياء في (إش 59: 7، 8) سرعة الأشرار في قتل الآخرين، وهم لم يكتفوا بالاغتصاب أي سرقة الآخرين بل عملوا على سحقهم وتحطيمهم، مثل آخاب الملك، الذي قتل نابوت اليزرعيلى لكي يغتصب حقله، وكنتيجة لكل تلك الأفعال، فقدوا سلامهم الداخلي “إذ لا سلام قال الرب للأشرار” (إش48: 22).

 

ع18: يكشف المزمور (مز 36: 1) عن سبب تلك الخطايا، وهو أنهم لم يضعوا خوف الله أمامهم عندما كانوا يصنعونها.

 

ع19: قصاص: العقاب الإلهي.

مفهوم بديهيا، أن ما قاله الناموس من الآيات السابقة إنما هو موجه إلى الذين في الناموس، أي اليهود، لكي يصمت كل اليهود ولا توجد عندهم حجة للدفاع بفمهم عن أنفسهم.

وبذلك يصير العالم كله بشقيه، اليهود والأمم، مستحقين العقاب والموت من الله.

 

ع20: أمامه: أي أمام الناموس.

لأن الناموس قد عرفنا معنى الخطية، كأنه كتاب للقانون والعقوبات جاء لينظم حياة الإنسان الذي عاش بلا دين يحده أو قانون يردعه، فوجد كل إنسان نفسه غير بار لأنه مقصر في تنفيذ وصايا الناموس.

(4) التبرير بنعمة الله (ع 21-31):

21 وَأَمَّا الآنَ، فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ، 22 بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ، 23 إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ، 24 مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، 25 الَّذِى قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ، 26 لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ. 27 فَأَيْنَ الافْتِخَارُ؟ قَدِ انْتَفَى! بِأَىِّ نَامُوسٍ؟ أَبِنَامُوسِ الأَعْمَالِ؟ كَلاَّ! بَلْ بِنَامُوسِ الإِيمَانِ. 28 إِذًا؛ نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ. 29 أَمِ اللهُ لِلْيَهُودِ فَقَطْ؟ أَلَيْسَ لِلأُمَمِ أَيْضًا؟ بَلَى، لِلأُمَمِ أَيْضًا؟ 30 لأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ، هُوَ الَّذِي سَيُبَرِّرُ الْخِتَانَ بِالإِيمَانِ وَالْغُرْلَةَ بِالإِيمَانِ. 31 أَفَنُبْطِلُ النَّامُوسَ بِالإِيمَانِ؟ حَاشَا! بَلْ نُثَبِّتُ النَّامُوسَ.

 

ع21: أما الآن فقد ظهر لنا ورأينا بر الله الذي تحقق بالفداء، والذي هو نقطة التحول في التاريخ الروحي للبشرية بدون الناموس، فصار ممكنًا الخلاص بدون الحاجة إلى أعمال الناموس كالختان والذبائح الدموية. وهذا البر بفداء المسيح ليس فكرة جديدة على البشرية، بل أن كل الأنبياء تكلموا عنه، وكل فرائض الناموس والطقوس والذبائح كانت تشير وتمهد له.

 

ع22: بر الله بالإيمان: أي الخلاص المقدم للبشرية حتى نؤمن به.

إلى كل: أي كل نفس سواء يهودي أو أممى لا فرق عند الله.

 

ع23: كل البشر تساووا أمام الله من جهة خطاياهم، تلك التي أفقدت الإنسان مجده كشبيه بالله على صورته ومثاله، فأصبح الإنسان في أشد الإحتياج والعوز لمجده المفقود.

 

ع24: حمل المسيح كل خطايانا ومات عنا، وبهذا نتبرر مجانًا إذا آمنا بفدائه.

 

ع25: هذا التبرير بدم المسيح يعمل أيضًا بأثر رجعى، ليكفر عن خطايانا السابقة أو خطايا من ماتوا على الإيمان منتظرين المسيح المخلص.

 

ع26: خطة الله منذ الأزل هي تبرير الإنسان وفداؤه، وقد تم ذلك بصلب المسيح. فالله بار منذ الأزل وإلى الأبد، ولكن بموته برر كل من يؤمن به.

 

ع27-28: يجب ألا يفتخر اليهودي بإتمامه أعمال الناموس، لأنها لم تبرره بل قد تبرر بإيمانه بالمسيح.

 

ع29: الله بالقطع هو لليهود والأمم.

 

ع30: الله العادل هو واحد للكل، يبرر الكل بالإيمان به، سواء اليهودي المختون أو الأممى الأغرل.

 

ع31: كل هذا لا يبطل ولا يلغى مكانة وأهمية الناموس في العهد القديم، فقد كان ممهدًا للخلاص الذي أتمه المسيح على الصليب، وإيماننا بالمسيح الفادي يثبت الناموس الذي كان ضروريًا لإعداد الإنسان حتى يعرف الخطية ويرفضها، ثم يأتي المسيح فيرفعها عنه.

† آمن بقوة الله الغافرة لخطاياك مهما كثرت، واطلب معونته ليحررك من أصعب الخطايا، وثق أن الله يفرح بتوبتك وسعيك نحوه وجهادك في طرد الخطايا والابتعاد عنها. ولكن من ناحية أخرى، لا تعتمد على ذكائك وقدراتك فقط في الإقلاع عن الخطايا، بل آمن بالله واطلب مساندته، واعمل كل ما في وسعك فتنال غفرانًا وسلامًا.

فاصل

فاصل

 تفسير رومية 2 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد
 تفسير رومية 4
كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة
تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى