تفسير رسالة رومية 6 – كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة

الأَصْحَاحُ السَّادِسُ
المعمودية والجهاد لنوال التبرير

 

(1) دور المعمودية في التبرير (ع1-10):

1 فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ؟ 2 حَاشَا! نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟ 3 أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا، كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيسُوعَ الْمَسِيحِ، اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، 4 فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ، هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ. 5 لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ 6 عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَى لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. 7 لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. 8 فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. 9 عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ، بَعْدَ مَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ، لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ، 10 لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ، قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا لِلَّهِ.

في هذا الإصحاح، يوضح القديس بولس دور سر المعمودية في تطهير الإنسان وتجديد طبيعته الفاسدة من آثار خطية آدم، ومطالبته للإنسان بعدم العودة إلى حياة الخطية مرة أخرى.

 

ع1: يستنكر بولس الرسول رأي الخطاة، الذين يقولون أنه إن كان الله يزيد نعمته ورحمته على الساقطين في خطايا شديدة وظروف صعبة حتى يساعدهم على الخروج منها، فلنبق إذًا في حياة الخطية لننال مراحم الله الكثيرة .

 

ع2: متنا عن الخطية: بالمعمودية.

ينفى بولس الرسول هذا الرأى، لأنه إن كان الله بكثرة رحمته أفاض علينا بنعمه الجزيلة لينزع عنا كل أثر للخطية، فهذا لا يدفعنا للاستهتار والاستمرار في الخطية. ثم يوضح أننا بالمعمودية أصبحنا ككائن ميت أمام الخطية، فعندما تهاجمنا لا تجد فينا حواس تُغوى أو أعضاء تنفذ الخطية.

 

ع3: اعتمد ليسوع المسيح نال المعمودية المسيحية، إيمانا بالمسيح المخلص.

اعتمدنا لموته: الترجمة الأدق هي “اعتمد في موته“، أي يموت مع المسيح عند نزوله إلى ماء المعمودية ويقوم معه.

قيمة المعمودية عظيمة جدا، لأننا فيها نموت مع المسيح عن خطايانا. فبموته رفع خطايانا وخلّصنا منها.

 

ع4: بالمعمودية، نشارك المسيح في موته وقيامته التي تمت بمجد الآب (بقوة الآب)، فندفن ليموت فينا الإنسان العتيق الضعيف أمام الخطية، ثم نقوم كإنسان مولود من جديد، يسلك في حياة جديدة بسيرة مقدسة. إذًا الحياة بالمعمودية شبيهة بعملية الخلق.

 

ع5: شبه موته: التغطيس في ماء المعمودية الذي يشبه موت المسيح على الصليب.

نصير أيضًا بقيامته: نحيا حياة القيامة والنصرة على الخطية والتمتع بعشرة المسيح.

عندما اعتمدنا وماتت الخطية فينا في صورة شبيهة بموت المسيح على الصليب، اتحدنا به اتحادا وثيقا، فصارت ذاتنا واحدة مع ذاته وتمتعنا بفرح القيامة معه. تلك هي القيامة الأولى في حياتنا، عندما تموت فينا الخطية فنحيا للبر، كقول السيد المسيح عن الابن الضال “ابنى هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد” (لو15: 24).

 

ع6: الإنسان العتيق: هو الطبيعة الفاسدة القديمة الموروثة من آدم والمائلة للشر.

مات الإنسان العتيق مع المسيح بطريقة سرية، عندما صلب على الصليب. وبموت الإنسان العتيق، أبطل “جسد الخطية“، أي أصبحت الخطية غير سارية المفعول علينا، لأننا متنا بالنسبة لها.

ويذكرنا هذا بقول القديس أغسطينوس، عندما جاءت إليه بعد توبته امرأة، كانت قد تعودت ممارسة الخطية معه في زمن ماضٍ، فقال لها “أغسطينوس الذي تعرفينه قد مات”. وبهذا يتحرر الإنسان من سلطان الخطية عليه، ولا يصير عبدًا لها.

 

ع7: أيضًا يتبرأ، أي لا يعود هناك شيء يربطه بالخطية، ولن تعد لها سيطرة عليه وانتهت علاقتها به.

 

ع8: كما شاركنا المسيح في الموت عندما دفنا في ماء المعمودية، هكذا نقوم معه بطبيعة جديدة مقدسة لا تميل للشر، كما قام هو بجسد نورانى.

 

ع9-10: الذي يجعلنا واثقين من قيامتنا الروحية في المعمودية هو أننا آمنا أنه توجد قيامة، لأن المسيح قد قام من الأموات ولن يموت مرة أخرى أبدًا، إذ أنه إله قدوس حى لا يموت وإنما مات بإرادته من أجل خطايانا، ثم قام ليحيا في وحدانية مع الآب. هكذا كل من اعتمد، يموت عن الخطية ويحيا في البر ليرضى الله.

كلمة مرة واحدة تشير إلى أن المعمودية لا تتكرر، مثلما مات المسيح أيضًا مرة واحدة.

 تذكر في بداية كل يوم طبيعتك الجديدة التي نلتها في المعمودية، لتحيا حياة جديدة للمسيح، تراه أمامك في كل عمل وكلام لترضيه وتقدم حبا لكل من يقابلك.

(2) الدور الإنساني في التبرير (ع11-14):

11 كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا، احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. 12 إِذًا؛ لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ، 13 وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لِلَّهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرٍّ لِلَّهِ. 14 فَإِنَّ الْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ، بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ.

 

ع11: بعدما لفت القديس بولس نظرنا إلى العامل الإلهي في عملية الخلاص والتبرير، ينتقل إلى العامل الإنساني، ناصحا لك، بعدما صرت نظيفا لابسا ثياب الخلاص، بعدم العودة مرة أخرى إلى الاتساخ في طين الخطية، بل فلتصر أعضاؤك أعضاء حيه لتنفيذ إرادة الله فيك.

† أنت يا من تحررت من عبودية الخطية، لا تعود لتبيع نفسك لها رخيصا فتصير عبدا لها مرة أخرى، مطيعا لأوامرها على جسدك الذي عاد ليشتهى لذة الخطية. ولماذا بعدما أمات المسيح فيك، في المعمودية، الشهوات المختلفة تعود أنت لتحييها من جديد، مثيرا ومنشطا إياها بحواسك عندما تعرضها للمؤثرات والمثيرات الخارجية، فتنحدر مرة أخرى إلى قاع الخطية؟

 

ع12: المعمودية تحررك من سلطان الخطية ولكن لا تعطيك عصمة من الخطأ، فجسدك إن كان ميتًا عن الخطية فلماذا تثيره بالشهوات حتى تملك عليه الخطية مرة ثانية.

 

ع13: لا تجعل أعضاءك صانعة للخطية. لا تجعل لسانك شتامًا، ولا يدك ضاربة ولا جسدك زانيا وكأنه جسم حيوانى متجرد من العقل والحكمة؛ بل قدم ذاتك، والتي هي نفسك وفكرك وعقلك وقلبك، كإنسان حى مدرك لقيمة نفسك وكابن لله يصنع البر بكل ما وُهِبَ من أعضاء (يصلى/ يخدم…).

 

ع14: بهذا لن تستطيع الخطية أن تتسلط عليك، لأنك لست في عصر الناموس القاصر على توبيخ الإنسان على خطاياه دون إعطائه أي قوة للغلبة، بل أنت الآن في عصر النعمة، نعمة الروح القدس الذي يعمل فيك بقوة سرية، وحب المسيح الذي يحاصرك، وعناية الآب الذي يعينك. وبهذا تتقوى أعضاؤك وتغلب وتنتصر.

(3) عبد الخطية وعبد المسيح (ع15-23):

15 فَمَاذَا إِذًا؟ أَنُخْطِئُ لأَنَّنَا لَسْنَا تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ؟ حَاشَا! 16 أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيدًا لِلطَّاعَةِ، أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِى تُطِيعُونَهُ، إِمَّا لِلْخَطِيَّةِ لِلْمَوْتِ أَوْ لِلطَّاعَةِ لِلْبِرِّ؟ 17 فَشُكْرًا لِلَّهِ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلَكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا. 18 وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ. 19 أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضُعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ، كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هَكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدا لِلْبِرِّ لِلْقَـدَاسَةِ. 20 لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ. 21 فَأَىُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ. 22 وَأَمَّا الآنَ، إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ وَصِرْتُمْ عَبِيدًا لِلَّهِ، فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ، وَالنِّهَايَةُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. 23 لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ، فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.

 

ع15: الغريب أن البعض في عصر النعمة أساءوا استخدام فهم الحرية التي في المسيح، فتحولوا للتسيب. وهنا يستنكر بولس الرسول بشدة على المعُمَد المُطَّهر أن يسلك في الشر.

 

ع16: الإنسان كما قال السيد المسيح “لا يقدر أحد أن يخدم سيدين” (مت 6: 24)، فإما أن يكون عبدا مطيعا للخطية في أوامرها على جسده، والنتيجة ستكون الموت الروحي له ويصير الإنسان كجسد حيوانى؛ أو يكون مطيعا لوصايا الله، فيصير بارا.

 إحذر أيها الحبيب… فطاعتك للخطية هي طاعة لإبليس نفسه، الذي يعطى مسميات خادعة للخطية، ليخفف من وقعها على ضمير الإنسان لئلا يتوب، مثل تسمية الزنا بالخطايا الشبابية، والغضب بقوة الشخصية، والطمع بالطموح… إلخ.

 

ع17: تسلموها من الرسل: هنا يشير بولس الرسول إلى أهمية التسليم الرسولي كمصدر للتعليم بجوار الإنجيل.

أطعتم من القلب: توضح أن المسيحية ليست وصايا أخلاقية ظاهرية، بل محبة قلبية، تؤدى إلى طاعة وصاياه والسلوك في الوصية.

صورة التعليم: تؤكد أن التعليم اعتمد على قدوة ترى في حياة المعلمين، وليس مجرد كلام أو وعظ نظرى.

هنا يشكر بولس الرسول الله، ليس لأنهم عاشوا كعبيد للخطية، ولكن لأنهم تركوا تلك الطريق، وساروا بكل قلوبهم وراء تعاليم المسيح التي تسلموها من الرسل.

 

ع18: عندما تحررتم من الخطية، صرتم عبيدا بإرادتكم الحرة لله، منفذين وصاياه.

 

ع19: أتكلم إنسانيا: أي بأسلوب إنساني سهل بسيط، لتفهمه النفوس الضعيفة نحو الخطية.

للإثم: حبا فيه.

عندما قبلتم العبودية للخطية بسهولة، وكانت أعضاؤكم تصنع النجاسة والإثم حبًا فيه، حان الوقت الآن لتصير الأعضاء مقدسة عاملة البر، فتصبحوا قديسين.

 

ع20: هناك طريقان رئيسيان:

أ- طريق الشر والشهوات، والذي يسير فيه يصير عبدا لإبليس متحررا من وصايا المسيح.

ب- الطريق الروحي، والسائر فيه هو عبد لرئيسه يسوع المسيح ملك السلام، متحرر من أي سلطان للخطية عليه.

 يأتي الشيطان أيها الحبيب مخادعًا قائلًا: هيا تحرروا من كل قيود الوصية، فلماذا تتعب جسدك بالصوم؟ ولماذا تحرم جسدك من اللذة والمتعة والخطية؟ ولماذا تصون لسانك من الخطأ؟

فهيا إفعل ما يحلو في عينيك متحررًا من وصايا الإنجيل المؤدية للبر. ولكنك أيها الحبيب ما أن تحصل على هذه الحرية الزائفة المزعومة، إذا بك تخرج من بر الله الرؤوف المحب للبشر، المعطى السلام على الأرض والأبدية في السماء، وتدخل تحت سيطرة الشيطان القاسى الكاره للبشر، فيذلك ويحطم حياتك ومستقبلك بل وأبديتك.

 

ع21: ثم يعود القديس بولس طارحًا سؤالًا، ماذا جنيتم من ثمار نتيجة هذه الحياة السابقة، التي صنعتم فيها شرورًا تخجلون منها الآن؟ ولأنكم تبتم عنها، تخلصتم من الموت الأبدي، أي العقاب من جهنم.

 

ع22: أما الآن فبعد ما تحررتم من الخطية، وأصبحتم عبيدًا محبوبين لله، نلتم ثمار الروح القدس “محبة فرح سلام …. إلخ”، ثم سيكافئكم الله في النهاية بالحياة الأبدية.

 

ع23: ثم يأتي القديس بولس إلى خلاصة الحياة: إذا صنعتم الخطايا ولم تتوبوا عنها، ستموتون موتًا أبديًا. أما السالك بالبر فيهبه الله حياة أبدية، تلك التي فتحها أمامنا ربنا ومخلصنا يسوع المسيح.

فاصل

فاصل

 تفسير رومية 5 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد
 تفسير رومية 7
كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة
تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى