الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد

تفسير سفر الرؤيا اصحاح 8 – كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة

الأصحاح الثامن
“الأبواق السبعة”
 “إنذارات الله بالأبواق الأربعة الأولى”

 

مقدمة الأصحاح الثامن:

حمل الأصحاح السادس الأختام الستة الأولى والتي أنبأت عن بعض الأمور الآتية على الأرض إلى نهاية الزمن، وبعد المنظر المطمئن السمائى الذي نظره القديس يوحنا في الأصحاح السابع، يعود بنا إلى الختم السابع والأخير والذي بدوره يحمل سباعية جديدة لسبعة أبواق تشغل الأربعة الأولى منها الأصحاح الثامن أما باقيها فيأتى في الأصحاح التاسع.

 

(1) فتح الختم السابع والمبخرة الذهبية (ع1-5)

(2) البوق الأول (ع6، 7)

(3) البوق الثاني (ع8، 9)

(4) البوق الثالث (ع10، 11)

(5) البوق الرابع (ع12، 13)

(1) فَتْح الختم السابع والمبخرة الذهبية (ع1-5):

1 وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ السَّابِعَ، حَدَثَ سُكُوتٌ فِي السَّمَاءِ نَحْوَ نِصْفِ سَاعَةٍ. 2 وَرَأَيْتُ السَّبْعَةَ الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ يَقِفُونَ أَمَامَ اللهِ وَقَدْ أُعْطُوا سَبْعَةَ أَبْوَاقٍ. 3 وَجَاءَ مَلاَكٌ آخَرُ وَوَقَفَ عِنْدَ الْمَذْبَحِ، وَمَعَهُ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَأُعْطِىَ بَخُورًا كَثِيرًا، لِكَيْ يُقَدِّمَهُ مَعَ صَلَوَاتِ الْقِدِّيسِينَ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَذْبَحِ الذَّهَبِ الَّذِي أَمَامَ الْعَرْشِ. 4 فَصَعِدَ دُخَانُ الْبَخُورِ مَعَ صَلَوَاتِ الْقِدِّيسِينَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ أَمَامَ اللهِ. 5 ثُمَّ أَخَذَ الْمَلاَكُ الْمِبْخَرَةَ، وَمَلأَهَا مِنْ نَارِ الْمَذْبَحِ وَأَلْقَاهَا إِلَى الأَرْضِ، فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَزَلْزَلَةٌ.

 

ع1، 2: عند فتح الختم السابع ساد صمت في السماء كلها، والصمت هنا يشير للإستعداد والترقب لحدوث شيء جديد عظيم ومهيب.

“نصف ساعة” فترة من الزمن لا تقاس بالزمن الأرضى ولكن أجمع الآباء أن ذكرها كناية على قصر هذه الفترة الساكنة.

“السبعة ملائكة” هم رؤساء الملائكة السبعة، والتي ذكر الملاك روفائيل في سفر طوبيا أنه أحدهم.

“أعطوا” أي كلفوا من الله بحمل الأبواق والتبويق فيها لإعلان إنذاراته المتتالية على البشر نتيجة عدم توبتهم.

البوق: كانت الأبواق منظرًا مألوفًا في العبادة اليهودية ويستخدمها أيضًا الشعوب الوثنية، وكانت أهم استخداماتها:

  1. الإعلان عن بدء الاحتفالات الدينية.
  2. الإستعداد للحرب بالدفاع أو الهجوم.
  3. إنذار بعمل قوى لله كما حدث وسقطت أسوار أريحا بعد التصويت بالأبواق.

 

ع3، 4: ملاك آخر: أي ليس من السبعة رؤساء الحاملين الأبواق بل هو صاحب مهمة شفاعية توسلية كما سنرى.

مبخرة من ذهب .. مذبح من ذهب: إذ وقف هذا الملاك أمام العرش الإلهي وفي مواجهة الله ذاته فلا يمكن أن تكون المبخرة وكذلك المذبح إلا من الذهب النقى في إشارة إلى بهاء مجد الله وأن كل ما هو ماثل أمام الله لا يكون ناقصًا أو معيوبًا.

أما مهمة هذا الملاك فهي تقديم بخور كثير، أي صلوات شفاعية حارة صاحبتها أيضًا صلوات القديسين السمائيين الشفاعية عن المؤمنين في الأرض، وهذا المنظر السمائى يؤكد عقيدة كنيستنا في شفاعة الملائكة والقديسين المقدمة عنا في كل حين أمام عرش الله.

وفي تفسير رمزي آخر: رأى البعض أن هذا “الملاك” هو الرب يسوع نفسه الذي وقف أمام المذبح (الصليب) حاملا المجمرة الذهبية (آلامه وشفاعته الكفارية) أما الآب فقبلها وقبل أيضًا معها شفاعات القديسين وطلباتهم.

 

ع5: بعد أن قدم الملاك البخور أخذ من نار المذبح والتي تمثل العدل الإلهي وألقى بها على الأرض، فحدثت أمور مخيفة كالرعود والبروق والزلازل لتنبيه الناس وتحذيرها قبل الإعلان “بالأبواق المنذرة”.

† أخي الحبيب إن الله في محبته لنا واتساع قلبه يقبل عنا صلوات وشفاعات الملائكة والقديسين، وهو طويل الأناة بطئ الغضب فلا يأتي على الأشرار بالعقوبة التي يستحقونها مرة واحدة بل يحذر وينذر مرارًا … ولكن علينا ألاّ ننسى أنه أيضًا إله عادل ومرهوب… فلا تهمل توبتك ولا تؤجلها واتخذ لنفسك شفيعًا صديقًا يساندك بصلواته أمام عرش النعمة.

(2) البوق الأول (ع6، 7):

6 ثُمَّ إِنَّ السَّبْعَةَ الْمَلاَئِكَةَ، الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الأَبْوَاقُ، تَهَيَّأُوا لِكَيْ يُبَوِّقُوا. 7 فَبَوَّقَ الْمَلاَكُ الأَوَّلُ، فَحَدَثَ بَرَدٌ وَنَارٌ مَخْلُوطَانِ بِدَمٍ، وَأُلْقِيَا إِلَى الأَرْضِ، فَاحْتَرَقَ ثُلْثُ الأَشْجَارِ، وَاحْتَرَقَ كُلُّ عُشْبٍ أَخْضَرَ.

 

ع6، 7: تهيأوا: أي استعدوا بلا عجلة في إشارة إلى تمهل الله على البشر لعلهم يتوبون.

برد ونار: تذكرنا بضربة الله لفرعون في (خر9: 23) “فأعطى الرب بردًا وجرت نار على الأرض”. واستخدام الاسم ونقيضه (برد ونار) يعني اتساع العقوبة وشمولها كل الدرجات، كأن نقول “يمينًا ويسارًا” فتعنى كل الأماكن أو نقول “حلوا ومرًا” فنعنى كل الأطعمة، والمعنى هنا أن من ينجو من “البرد” ويحتمله يُضَّر بالنار ومن لا يتاثر بشدة الحرارة يتلفه البرد ويميته.

مخلوطان بالدم: كيف يختلط النار بالبرد بالدم؟! تعبيرات مخيفة استخدمها الروح القدس للإعلان عن الغضب الإلهي على البشر في حال عدم توبتهم.

ثلث: أي أنه بالرغم من غضب الله العادل إلا إنه لا يأتِ علينا بما نستحق تمامًا، فرحمته الواسعة جعلت من هذه العقوبة ثلثًا، لأن الغرض من هذه الإنذارات هو توبة الإنسان ورجوعه وليس القصاص الإلهي النهائى.

الأشجار وكل عشب أخضر: أي أن الإنذار الأول موجَّه إلى خيرات الأرض الزراعية والغذائية والى تمثل أهم احتياجات الإنسان للحياة على الأرض.

† عندما تقابلك ضيقة مادية أو تنقص احتياجاتك في أي شيء، لا تنزعج بل اقبلها بالرضا وافحص نفسك لعل الله يقصد أن تنتبه لخطأ فيك تصلحه أو شيء ناقص تكمله فهو يحبك ويبحث عن خلاص نفسك حتى لو سمح بضيق مادي محدود لك.

(3) البوق الثاني (ع8، 9):

8 ثُمَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ الثَّانِي، فَكَأَنَّ جَبَلًا عَظِيمًا مُتَّقِدًا بِالنَّارِ أُلْقِىَ إِلَى الْبَحْرِ، فَصَارَ ثُلْثُ الْبَحْرِ دَمًا. 9 وَمَاتَ ثُلْثُ الْخَلاَئِقِ الَّتِي فِي الْبَحْرِ الَّتِي لَهَا حَيَاةٌ، وَأُهْلِكَ ثُلْثُ السُّفُنِ.

 

ع8، 9: جبلًا عظيمًا متقدًا بالنار: أي رئيس متجبر أو دولة عظمى تثير حربًا (نفس التشبيه استخدمه الله في الكلام عن ملك بابل في (أر51: 25).

ألقى إلى البحر: البحر في اتساعه واضطراب أمواجه يشير إلى العالم المنقلب. والمعنى أن الإنذار الثاني هو إنذار بحرب عظيمة تجتاح العالم في كل بقاعه، كالحروب العالمية، ويكون السبب فيها هو كبرياء أمة عظيمة، كالجبل المتقد، وتكون نتائج هذه الحرب هي:

ثلث البحر دما: أي أن الموت الناتج عن القتال وفتك الناس ببعضهم يشمل ثلث سكان الأرض أو ثلث كل “الخلائق التي لها حياة”، فالأسلحة الفتاكة تأخذ الإنسان والحيوان معًا.

ثلث السفن: هلاك ثلث السفن يشير إلى انقطاع الصلة والإتصال بين الناس وبعضها لهول الحرب ونتائجها من جهة أو لانشغال كل إنسان بأنانيته عن الآخرين من جهة أخرى.

والصورة كلها هي صورة مخيفة جدًا، فكلمة ثلث هنا تعني ملايين البشر وأن الموت قد يشمل فردًا من كل أسرة، والحرب هي صناعة إنسانية نتيجة شر الإنسان وإن سمح بها الله، لعلها تكون إنذارًا شديدًا لعودته عن شره.

† مهما كان مركزك أو سلطانك لا تستخدمه لمصلحتك على حساب الآخرين فتضرهم لتستفيد أنت، بل اصنع سلامًا وحبًا قدر ما تستطيع فيكون لك كنز في السماء تفرح به.

(4) البوق الثالث (ع10، 11):

10 ثُمَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ الثَّالِثُ، فَسَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ كَوْكَبٌ عَظِيمٌ مُتَّقِدٌ كَمِصْبَاحٍ، وَوَقَعَ عَلَى ثُلْثِ الأَنْهَارِ وَعَلَى يَنَابِيعِ الْمِيَاهِ. 11 وَاسْمُ الْكَوْكَبِ يُدْعَى “الأَفْسَنْتِينُ.” فَصَارَ ثُلْثُ الْمِيَاهِ أَفْسَنْتِينًا، وَمَاتَ كَثِيرُونَ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْمِيَاهِ لأَنَّهَا صَارَتْ مُرَّةً.

 

ع10، 11: عندما بوَّق الملاك الثالث أعلن لنا عن مشكلة جديدة تكون سببًا في هلاك كثيرين.

سقوط كوكب عظيم: أي رئاسة دينية لها شأن، أو قيادة روحية كانت تضئ بتعاليمها كالمصباح. ولكن عند سقوطها أتت التعاليم الغريبة عن الإيمان على ثلث الأنهار والينابيع.

الأنهار والينابيع: هي ما يرتوى به الناس ويشربون منه، ومعنى هذا أن بسبب انتشار الإيمان الغريب عن إيمان الكنيسة القويم صارت الأفكار (الأنهار) والمشاعر (الينابيع) ملوثة تمامًا.

اسم الكوكب الأفسنتين: الأفسنتين هو عشب شديد المرارة جدًا، وهذا الاسم استخدم ككناية عن شدة مرارة التعليم الغريب عن الإيمان، فهو مهلك لكل من يتذوقه. ويمكن القول أيضًا أنه كم هو مُر على قلب الله أن يهلك من كان لهم الإستنارة مرة بالإيمان السليم ثم انحرفوا وسقطوا وراء من ضلَّلهم بسقوطه.

ثلث المياه: كما سبق وأشرنا فإن الثلث يعني أن كثيرين ضلوا ولكن لازال الله بمراحمه وعنايته يحفظ البقية في إيمانها السليم.

† لقد ائتمن الله رسله الأطهار وكنيسته المقدسة على وديعة الإيمان، وحفظها لنا آباؤنا بالتقليد المُسَلَّم لنا بدمائهم … فاحتمى أيها الحبيب بالكنيسة وآبائها، ولا تقبل تعليمًا مُرًا مهلكًا حتى وإن بدا معسولًا ناعمًا ما دام غريبًا عن كنيستك ولم تتعوده أذناك من قبل.

(5) البوق الرابع (ع12، 13):

12 ثُمَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ الرَّابِعُ، فَضُرِبَ ثُلْثُ الشَّمْسِ وَثُلْثُ الْقَمَرِ وَثُلْثُ النُّجُومِ، حَتَّى يُظْلِمَ ثُلْثُهُنَّ، وَالنَّهَارُ لاَ يُضِىءُ ثُلْثُهُ، وَاللَّيْلُ كَذَلِكَ. 13 ثُمَّ نَظَرْتُ وَسَمِعْتُ مَلاَكًا طَائِرًا فِي وَسَطِ السَّمَاءِ، قَائِلًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «وَيْلٌ، وَيْلٌ، وَيْلٌ لِلسَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ بَقِيَّةِ أَصْوَاتِ أَبْوَاقِ الثَّلاَثَةِ الْمَلاَئِكَةِ الْمُزْمِعِينَ أَنْ يُبَوِّقُوا.»

 

ع12: ثلث الشمس: شمسنا هو مسيحنا.

ثلث القمر: القمر هو الكنيسة التي تعكس ضوء مسيحها فتنير ظلام القلوب.

ثلث النجوم: هم رجال الله والمسئولون الروحيون المضيئون في كنيسته كالنجوم.

تحذيرًا وإنذارًا جديدًا يأتي مع البوق الرابع، فمع زيادة الهرطقات والضلالات تضرب ثلث الشمس أي يتعدى الناس على السيد المسيح إما بإنكار لاهوته أو بعدم الاعتراف به كليةً بإلحادهم وانصرافهم عنه.

وكذلك يرفض الكثيرون سلطان أمهم الكنيسة (القمر) فيحرمون أنفسهم من أنوارها، وكذلك تشمل هذه الظلمة الكثير من رجال الدين (النجوم) فيسقط ثلثهم ويزول نورهم ويفقدون بهاء قدوتهم للمؤمنين.

النهار لا يضئ ثلثه والليل كذلك: أي دخل ظلام الشر على النهار والليل الذي يرمز للشر وصار أكثر شرًا وإظلامًا.

 

ع13: “ملاكًا طائرًا وسط السماء”: هو ليس من الملائكة السبعة الرؤساء الممسكين بالأبواق بل يفصل هذا المشهد الأبواق الأربعة الأولى عن الثلاثة الباقية ولهذا يرى بعض الآباء أن هذا الملاك هو الروح القدس نفسه الذي يحذر بما هو آتٍ.

بصوت عظيم: صوت ذو جلال ورهبة.

ويل ويل للساكنين على الأرض: كلمات مخيفة تنبئ بأن ما هو آتِ أسوأ بكثير في أهواله مما سبق …

† نجنا يا الله مخلصنا من الأزمنة الصعبة واحفظنا في اسمك فإنه ليس لنا آخر سواك نرجوه ونترجى مراحم أبوته … فما دمت معنا لا نخاف شرًا لأنك تحفظنا مهما كانت الضيقات المحيطة بنا.

 تفسير رؤيا 7 تفسير سفر الرؤيا موسوعة تفسير العهد الجديد   تفسير رؤيا 9
كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة
تفاسير سفر الرؤيا تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى