تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس الكبير

المقالة السابعة: عن بركة يعقوب لأبنائه – عن رأوبين

 

 « رأوبين أنت بكري قوتي وأول قدرتي فضل الرفعة وفضل العز. فائراً كالماء لا تتفضل. لأنك صعدت على مضجع أبيك . حينئذ دنسته على فراشي صعد » ( تك 3:49 – 4 ) . ذهب رأوبين وصعد إلى فراش أبيه ، واضطجع مع بلهة خادمة أبيه ، وسمع كل إسرائيل بهذا الحدث المشين ( انظر تك 35: 21، 22) ، وأدين هذا العمل من جانب يعقوب ، إذ اعتبره عملاً شريرة. ولا أظن أن أحدا يتوقع أن يحدث هذا العمل في الأيام الأخيرة. لكن ونحن ننظر إلى هذه الخطية كمثال ، سوف نرى خطية الشعب البكر، أقصد الشعب الإسرائيلي[1] . إن الله قبل بجود و کرم مجمع اليهود في مصر ، إذ أقام معه علاقة وفق الناموس . لقد احتمل هذا الجمع اليهودي وجعله جديراً بالشركة معه ، وكذلك اعتبره أماً لأولاد كثيرين متخذا لهم موسی کزوج له ، والملائكة كوسطاء في علاقته به. لكن هذا المجمع رفض الله وسبب حزناً للناموس الأصيل ؛ لأنه خاض في علاقة عشق وزن مع آخرين ، وأنا أقصد علاقة ذهنية مع تعلیم غريب . إذ احتقر علاقته مع الله واعتبرها أنها بلا هدف، ثم مال إلى وصايا وتعاليم الناس رافضاً التعاليم السماوية ، وجعل تعاليم الناس ناموسا له. لأجل هذا يقول أشعياء : « كيف صارت القرية الأمينة زانية ملآنة حقا . كان العدل يبيت فيها . وأما الآن فالقاتلون ، صارت فضتك زغلاً وخمرك مغشوشة بماء » ( أش ۲۱:۲ – ۲۲).

لقد استراح فيها البر ( العدل ) أي الله ، لكنها قبلت أناسا قتلة وزناة وفاسدين ، أناساً أعطوها عملات مزيفة وغشوا الخمر بالماء. لأنه حقاً كان قول أولئك دنساً، إذ فضلوا تكريم تعاليم ووصايا الناس ، التعليم المزيف والمخلوط بكل ما هو سيئ . وهذا ما يعنيه بقوله : « وخمرك مغشوشة بماء » . و كون أن إله الجميع تضايق من هذه الحالة وأدان – عن حق – أورشلیم کزانية ، فهذا ما يقوله بفم إرمياء : « ارفعي عينيك إلى الهضاب وانظري أين لم تضاجعي . في الطرقات جلست لهم كأعرابي في البرية ونجست الأرض بزناك وبشرك . فامتنع الغيث ولم يكن مطر متأخر. وجبهة امرأة زانية كانت لك . أبيت أن تخجلي » ( ار ۲:۳-۳ ) ، وأيضا : « إذا طلق رجل امرأته ، فانطلقت وصارت لرجل آخر ، فهل يرجع إليها بعد . ألا تتنجس تلك الأرض نجاسة . أما أنت فقد زنیت بأصحاب كثيرين . لكن ارجعي إلي يقول الرب » ( إر ۱:۳ ) . ولقد أظهر لنا المخلص بكل وضوح معنى الزنى في هذه الحالة . لأن الفريسيين ، محبي الإدانة كانوا بدون تبصر – يأتون إليه ويقولون : « لماذا يتعدى تلاميذك على تقليد الشيوخ . فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزاً » ( مت 15: 2) . ورد المسيح قائلا : « وأنتم أيضا لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم . فإن الله أوصى قائلاً أكرم أباك وأمك. ومن يشتم أباً أو أماً فليمت موتاً. وأما أنتم تقولون من قال لأبيه أو أمه قربان هو الذي تنتفع به مني . فلا يكرم أباه أو أمه . لقد أبطلتم وصية الله بسبب تقلیدکم » ( مت 3:15 – 6 ) . هل سمعت كيف هم زنوا وتتلمذوا لمعلمين آخرين، لذلك آمنوا وفعلوا أمور أخرى غير تلك التي حددها المشرع؟

هكذا زنى مجمع اليهود ، بينما الكنيسة العذراء النقية والتي بلا لوم وبلا دنس بلا عيب ( انظر أف ۲۷:۲ ) وُعدت بأنها سوف تحفظ ارتباطها بزوجها بلا تغيير وبوقار ، قائلة : « حبيبي لي وأنا له » ( نش 16:2) . بالتالي بلهة خادمة يعقوب التي زنى معها رأوبين سوف نعتبرها صورة لمجمع اليهود ، أي الشعب البكر . وكلمة « بلهة » تعني « العتيقة » ، و « رأوبين » معناها « ابن الدنس » . وحقاً، شاخ مجمع اليهود وصار قديماً ومملوءة بالغضن والتجاعيد ، وحل الشعب الجديد المؤمن مكانه . ولأجل هذا ترنم داود بفرح : « وشعب سوف يُخلق يسبح الرب » (مز ۱۷:۱۰۲ ) . لأن كل ما للمسيح سيكون خليقة جديدة وفق الكتب المقدسة ، بينما إسرائيل سيعتبر دنس ومملوءا بالأرجاس ؛ لأنه لم يقبل النقاوة التي من المسيح . لذلك يقول الله بفم الأنبياء القديسين : « هل يغير الكوشي جلده أو النمر رقطه . فأنتم أيضا تقدرون أن تصنعوا خيراً أيها المتعلمون الشر » ( إر ۲۳:۱۳ ) ، وكذلك أيضا يقول لأورشليم ، كأنه يقول لامرأة : « فإنك وإن اغتسلت بنطرون وأكثرت لنفسك الأشنان فقد نُقش إثمك أمامي يقول السيد الرب » (إر۲۲:۲).

 يقول يعقوب : « رأوبين أنت بكري قوتي وأول قدرتي فضل الرفعة وفضل العز » ( تك 3:49 ) . وحقا حقق الله عجائب بقوة شديدة للشعب البكر القادم من مصر. لأن المصريين نالوا عقاباً بطرق كثيرة ، فتحول الماء إلى دم وامتلأ الجو بالبعوض والذباب وتغطت الأرض بالضفادع وسقط صقيع على كل الأرض وذبح الأبكار وعبر اليهود الأحرار البحر كأنه يابس ( انظر تك 14:8) . لأجل هذا دعي رأوبين « قوة إسرائيل » . لكن كان رأوبين قاسياً في سلوكه ووقحة وغير مؤمن وفظة ومفترساً. لأن طباع اليهود كانت وحشية وسلوكهم غير منضبط . لأجل هذا استحقوا أن يسمعوا : « يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان أنتم دائما تقاومون الروح القدس . كما كان آباؤكم كذلك أنتم » ( أع51:7) والمسيح نفسه أيضا يقول : « فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء . فاملأوا أنتم مکیال آباؤكم » ( مت ۳۱:۲۳ – ۳۲ ) . إذن ، كان إسرائيل وقحاً ومتأهباً للغضب ويصعب الاقتراب منه ، ومنتفخاً ويفور بطريقة مبالغ فيها مثل الماء . لقد كان حقاً منغلقاً ومتهوراً في هجومه على الآخرين مثل فوران الماء . « فائراً كالماء لا تتفضل » ( تك 4:49 ) . وماذا تعني هذه العبارة ؟ الماء الذي يفور ويصعد إلى فوق وينسكب من الوعاء يعطي انطباعاً أنه كثير جدا . فكأنه يقول له لا ترتفع عالياً جداً ولا تظن أنك عظيم. لأن جمع اليهود هو الأدنى في العدد بالمقارنة بجمع اليونانيين. ثم بعد ذلك يخبرنا عن علة هذا الأمر ، قائلا : « لأنك صعدت على مضجع أبيك حينئذ دنسته . على فراشي صعد » ( تك 4:49 ) . أي كما قلت بالفعل من قبل ، لم يبحثوا كل ما ذكر في الناموس وفي وصايا الذين أنارهم الله ، لأجل هذا سقطوا خارج إطار معرفة المسيح[2]. لأجل هذا أيضا يقول المسيح : « فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم لكم فيها حياة أبدية . وهي التي تشهد لي » ( يو 39:5 ) . كذلك : « لأنكم لو کنتم تصدقون موسي لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني » ( يو 46:5 ) . وأدان المسيح بشدة معلمي اليهود ، قائلا : « ويل لكم أيها الكتبة والفريسيين المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل . ولعلة تطيلون صلواتكم . لذلك تأخذون دينونة أعظم » ( مت 14:23).

لقد ارتكب بنو إسرائيل الزنى واستحقوا أن يصيروا أبناء جهنم ، إذ صعدوا على سرير أبيهم محتقرين وصايا الناموس معتبرين إياها بلا فائدة ، وأدخلوا تعاليمهم الخاصة واضعين بذور النجاسة داخل نفوس الذين يتعلمون[3].  

فاصل

  1.  يقول القديس كيرلس عن رأوبين في موضع آخر : “ إذن ، برأوبين يشير إلى إسرائيل ، الشعب البكر من ناحية الزمن ، الذي كان قاسياً ووقحاً وشتاماً” السجود والعبادة بالروح والحق ، ص 486. وقبل القديس كيرلس ، يرى العلامة هيبوليتس ( + 325 م ) أن رأوبين كان يرمز لشعب إسرائيل الذي دعاه الله ابنه البكر ، فقال قال موسی الفرعون : “ هكذا يقول الرب : إسرائيل ابني البكر .. ” ( خر 22:4-23 ) . وبذلك فإن النبوة عن رأوبين تشير إلى ما سيحدث لشعب إسرائيل في أخر الأيام.(164.A.N.F.uol.0 , p) راجع شرح سفر التكوين ، سفر البدايات ، دار مجلة مرقس ، طبعة أولى 2005، ص 494.
  2. يعلق العلامة هيبوليتس على عبارة “ لأنك صعدت على مضجع أبيك ‘ ‘ قائلا : “ إنه يذكر الحادثة الأولى ، مشيرا إلى أنه في نهاية الأيام سوف يغتصب الشعب مضجع الآب ، محاولا إفساد العروس کنیسة الله ، الأمر الذي تم بالفعل في هذه الأيام بمحاولتهم إفسادها بالهرطقات ( 164.A.N.F.ool . , p ) . المرجع السابق ، ص 494 .
  3. يفسر الحكيم الفارسي المسيحي “ أفراهات ” ( 280-345) كيف بقيت لرأوبين بقية من الرجاء : “ منذ أن رقد يعقوب وحتى زمان موسي انقضت مائتان وثلاث وثلاثون سنة . حينذاك أراد موسی بسلطانه الكهنوتي أن يحل رأوبين من تعديه وخطيته في كونه اضطجع مع بلهة سرية أبيه ، لكي عندما يقوم إخوته لا يقطع هو من جملتهم . لذلك قال في بداية بركته لهم “ ليحي رأوبين ولا يمت ولا يكن رجاله قليلين ” ( تث 6:33 ) 2nd series , pol.xiii , p.377A.N.F المرجع السابق ، ص 495 .

فاصل

عن بركة يعقوب لأبنائه الاثنا عشر

المقالة السابعة 

عن شمعون ولاوي

تعليقات لامعة على سفر التكوين
البابا كيرلس عمود الدين

 

زر الذهاب إلى الأعلى