تفسير سفر عزرا ٧ للقمص تادرس يعقوب

الباب الثاني
 الفوج الثاني للراجعين من السبي
عزرا 7-10

 مع نهاية الأصحاح السابق انتهي الحديث عن الفوج الأول من الراجعين من السبي تحت قيادة زرُبابل ويشوع.

أما الفترة ما بين نهاية الأصحاح السابق وبداية الأصحاح السابع فتبلغ حوالي 58 عامًا، من عام 516 ق.م إلى 458 ق.م. لقد جرت فيها الأحداث الواردة في سفر أستير مع الملك أحشويرش الكبير. لدينا كتابات سُجلت في هذه الفترة مثل جزء من سفر زكريا وربما ملاخي ويوئيل.

ومع بداية هذا القسم لا نسمع عن زرُبابل أو يشوع الكاهن أو حجي وزكريا النبيين.

في هذه الفترة عاد بعض أبناء القادمين من السبي إلى التزوج بالوثنيات، وكادوا أن يرجعوا إلى العبادة الوثنية عن طريق هؤلاء الزوجات. الله في محبته أرسل لهم عزرا الكاتب والكاهن، قادمًا مع فوج جديد ويقوم بالإصلاح الداخلي، خاصة طرد النساء الوثنيات مع أولادهن.

يبدأ الحديث بعرضٍ مختصرٍ للأحداث، ثم يعود فيتحدث عنها في شيء من التفصيل. 

الأصحاح السابع

إرسال عزرا رجل الشريعة للإصلاح

موكب روحي جديد!

الآن يبدأ بالحديث عن موكب روحي جديد، هو موكب الفوج الثاني تحت قيادة رجل الشريعة والإصلاح الروحي، عزرا نفسه.

بعد مرور حوالي 80 سنة من نداء كورش و58 سنة من بناء الهيكل، وبعد نجاة اليهود من خطة هامان الواردة في سفر أستير في أيام الملك أحشويرش الذي يُسمى أيضًا أجزركسيس الكبير امتدت يد الله الصالحة لتعمل خلال الملك ارتحشستا الأول لونجيمانوس (ابن الملك أحشويرش). لقد أعطى الله نعمة لعزرا في عيني الملك ليعطيه سلطانًا مفتوحًا للعمل في أورشليم.

كان عزرا دارسًا عظيمًا للشريعة [6]، وهو من نسل هرون. وواضح أنه نال مركزًا مرموقًا في بلاد فارس، ربما كان أشبه بكاتب الدولة لشئون اليهود. في نفس الوقت كان رجل عملي [6-10]. كانت مسرته تكمن في دارسة للكتاب المقدس. أرسله الملك لكي يدرس الموقف ويُلزم اليهود على حفظ الناموس [25-26]. توجد شواهد أخرى على اهتمام ملوك فارس على ممارسة العبادة التي للشعوب الخاضعة لهم، كما يظهر من ورقة بردي أُرسلت إلى مستعمرة يهودية في جزيرة الفيلة بأسوان في مصر.

يد الله الصالحة   1-10.

وَبَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ فِي مُلْكِ أَرْتَحْشَسْتَا مَلِكِ فَارِس،َ

عَزْرَا بْنُ سَِرَايَا بْنِ عَزَرْيَا بْنِ حِلْقِيَّا [1].

“بعد هذه الأمور”. يبدأ السفر هنا في حقبة جديدة. فالإصحاحات الستة الأولى تمت في عهد داريوسهستاسب وارتحششتا وكورش. فأذن كورش ببناء الهيكل كان سنة ٥٣٦ ق. م وانتهى بناء الهيكل في أيام داريوسهستاسب سنة ٥١٥ .ق م، والآن نجد عزرا وقد صعد من بابل إلى أورشليم وكان ذلك سنة ٤٥٨ ق.م. فقوله” بعد هذه الأمور” أي بعد أمور بناء الهيكل والمقاومة التي تعرضوا لها. ونلاحظ أن بين نهاية أحداث أصحاح  ٦ وبداية أصحاح ٧ حوالي 58 سنة.

يبدأ حديثه بإعلان انتسابه لهرون، مؤكدًا أن ما تحقق هو بيد الله الصالحة عليه، ليقود موكبًا روحيًا جديدًا، حيث أعطاه الرب نعمة في عيني ارتحشستا الملك.

عزرا بن سرايا: عزرا اسم عبري معناه معونة، فقد أرسل الله عونًا إلى شعبه، لكنه يرجع إلى الشريعة الإلهية، ويتطهر من الخطايا التي سقط فيها.

سرايا ليس والد عزرا، وإنما جده، فما يشغل عزرا هو البلوغ إلى نسبه لهرون مع ذكر الشخصيات الهامة في نسبه. فقد أراد إثبات نسبه الكهنوتي فقط وهذا مهم جدًا ليقوم بوظيفته ككاهنٍ. سرايا هذا هو رئيس الكهنة وقت خراب الهيكل سنة 588 ق.م، قبض عليه نبوزادان رئيس الشرط مع صفنيا الكاهن الثاني ونحو 70 شخصًا، وسار بهم إلى نبوخذنصر ملك بابل الذي ضربهم وقتلهم في رمله في أرض حماة (2 مل 25: 18-21).

حلقيا: رئيس الكهنة أيام الملك يوشيا الصالح، وهو الذي عثر على سفر الشريعة، فسلمه إلى شافان الذي قرأه أمام الملك (2 مل 22: 13).

بْنِ شَلُّومَ بْنِ صَادُوقَ بْنِ أَخِيطُوب [2].

بْنِ أَمَرْيَا بْنِ عَزَرْيَا بْنِ مَرَايُوث [3].

بْنِ زَرَحْيَا بْنِ عُزِّي بْنِ بُقِّي [4].

بَنِ أَبِيشُوعَ بْنِ فِينَحَاسَ بْنِ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ الرَّأْس [5].

فينحاس: الكاهن الذي بغيرته رد غضب الله عندما قتل الرجل الإسرائيلي الذي زنى مع امرأة موآبية (عد 25: 8).

هرون: أول رئيس كهنة، أخ موسى النبي.

عَزْرَا هَذَا صَعِدَ مِنْ بَابِل،َ

وَهُوَ كَاتِبٌ مَاهِرٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي أَعْطَاهَا الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ.

وَأَعْطَاهُ الْمَلِكُ حَسَبَ يَدِ الرَّبِّ إِلَهِهِ عَلَيْهِ كُلَّ سُؤْلِهِ [6].

كاتب ماهر: كان عزرا موظفًا في البلاط الفارسي، ومستشارًا للملك أرتحشستا، لذلك دُعي بالكاتب بحكم وظيفته. استغل معرفته وموهبته في نسخ الشريعة ودراستها وتعليمها للشعب. كان ماهرًا ليس من جهة براعة الخط فحسب، وإنما أيضًا من جهة تعلم الشريعة ودراستها وفهمها، والسلوك فيها. وكما يقول المرتل: “لساني قلم كاتب ماهر” (مز 45: 1).

في شريعة موسى التي أعطاها الرب إله إسرائيل“: يذكر هذا ليؤكد أن سرّ مهارته وعلمه هو تمسكه بالشريعة الإلهية الموهوبة من الله كعطية للشعب. فكل ما ناله من مكانه أو معرفة سَّره كلمة الله. دعاه الشعب “موسى الثاني”.

يد الرب“: يحسب عزرا كل النعم التي تمتع بها الشعب في ذلك الحين عطية من يد الله الصالحة، وقد ذكر هذه العبارة وما يعادلها ست مرات في الاصحاحين 7، 8: (عز 7: 6، 9، 28، 8: 18، 22، 31). يد اللههي التي تساعد وتحمى وتقود.

“كل سؤله”: أي أن يتعين ويتفوض كما هو مرسوم بالتفصيل في مكتوب الملك.

اقتدى عزرا الكاتب بداود النبي والملك والمرتل هذا الذي كان له شهرته، وله إمكانياته وخبراته، ومع هذا حسب نفسه غريبًا، محتاجًا إلي وصايا الله لتكون له قائدًا ومرشدًا ورفيقًا ومعزيًا له في غربته. إنه يصرخ قائلاً: “غريب أنا على الأرض، فلا تخفِ عني وصاياك” (مز 119: 19). شعوره بالغربة يدفعه إلي الالتصاق بالوصية كي تسنده كل زمان غربته، وتهبه نجاحًا في الرب، كما ترفعه إلي الحياة السماوية.

v     يحتاج الغرباء على الأرض إلي وصايا الله لكي تحميهم من أعمال الجسد ومحبة العالم.

من يتبع هذه الوصايا تعتاد نفسه عليها، ولا يقدر العالم أن يغلبه.

لكن توجد وصايا كثيرة مكتوبة برموز مثل: “والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من أمتعته شيئًا” (مت 17:24؛ مر15:13؛ لو31:17)؛ “دع الموتى يدفنون موتاهم” (مت 22:8)… كل هذه ليست واضحة في المعنى، كذلك الوصايا الخاصة بالذبائح والأعياد والحيوانات الطاهرة والنجسة… لهذا يليق بالغريب على الأرض أن يطلب من الله أن يضيء له وصاياه ولا يخفيها عنه، لكي يتممها ويحبها ويصير بلا لوم.

يوسابيوس القيصري

v     بكونه غريبًا على الأرض صلى ألا تُخفي عنه وصايا الله، حيث يتمتع بالحب كأمرٍ فريدٍ أو رئيسيٍ، الآن يُعلن أنه يشتهي أن يكون له الحب من أجل أحكامه. هذه الشهوة تستحق المديح لا الدينونة…

القديس أغسطينوس

وَصَعِدَ مَعَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ

وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَالْمُغَنِّينَ وَالْبَوَّابِينَ وَالنَّثِينِيمِ إِلَى أُورُشَلِيمَ

فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ [7].

وَجَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِلْمَلِكِ [8].

لأَنَّهُ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ ابْتَدَأَ يَصْعَدُ مِنْ بَابِلَ وَفِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الْخَامِس،ِ

 جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَسَبَ يَدِ اللهِ الصَّالِحَةِ عَلَيْهِ [9].

لأَنَّ عَزْرَا هَيَّأَ قَلْبَهُ لِطَلَبِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ وَالْعَمَلِ بِهَا،

وَلِيُعَلِّمَ إِسْرَائِيلَ فَرِيضَةً وَقَضَاءً [10].

بدأ أولاً بحفظ الشريعة وطلبها في قلبه، يحملها في داخله أينما ذهب، سواء في القصر في بابل، أو في الرحلة في أورشليم. لقد خبأها في قلبه ليحيا بها. أما المرحلة الثانية والمكملة الأولى فهي تحويل الوصية الإلهية إلى عمل وسلوك يمس مشاعر الشخص وكلماته وسلوكه. وأخيرًا يقوم بالكرازة بها وتعليمها. وكما يقول السيد المسيح من عمل وعلم، فهذا يُدعى عظيمًا في ملكوت السماوات؟ (مت 5: 19).

v     لا يكفينا أن نقتني الوصايا فقط، لكننا نحتاج إلى حفظ مستقصى وبليغ لها.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     غاية التلذذ بوصايا الله هو وضعها موضع التنفيذ والعمل…

من يتلذذ بالحق أولاً، قائلاً: “أتلذذ بوصاياك التي أحببتها جدًا”، يقول بعد ذلك: ورفعت أذرعي إلى وصاياك التي وددتها جدًا”. ما أجمل أن نتلذذ بالوصايا ونفهم معانيها، ثم نرفع أذرعنا إلى الأعمال التي تتفق مع الوصايا.

لا نتمم عمل الوصايا عن حزنٍ أو اضطرارٍ (2 كو 9: 7)، وإنما بفرحٍ.

إذ نتلذذ بها وننفذها يلزمنا أن ننطق بها (تث 6: 7)، لهذا يضيف: “وتلوت (أناجي) في حقوقك“، بمعنى أنه من أجل حبي لوصاياك لا أتوقف عن الحديث عنها، وإنني أتلو وأنا متلذذ جدًا بكل ما يمس حقوقك.

العلامة أوريجينوس

v     الذي عنده (وصاياي) في ذاكرته ويحفظها في حياته؛ الذي عنده في شفتيه ويحفظها سلوكيًا؛ الذي عنده في أذنيه ويحفظها في العمل؛ الذي عنده في الأعمال ويحفظها بالمثابرة، مثل هذا “يحبني”. بالعمل يعلن الحب، وبالتطبيق بغير ثمر يكون مجرد الاسم (للحب)[76].

القديس أغسطينوس

v     البعد عن العمل بوصايا الله هو بعد عن الله؛ وهذا هو جوهر الخطيئة التي هي انفصال عن الله وبعد عن الوحدة معه[77].

القديس باسيليوس الكبير

v     أخفيت التعاليم الخفية في قلبي، وأيضًا العلوم والمعارف المستترة، أما هذه الأحكام فأظهرتها للكل، حيث تدركها كل البشرية وتتفهمها، إذ يجب أن يظهر الكل أمام كرسي المسيح (2 كو 10:5).

يوسابيوس القيصري

رسالة الملك لعزرا 11-26.

تكشف رسالة الملك لعزرا عن يد الله، وروحه العامل لحساب شعبه.

أ. حث الملك الوثني الكهنة والشعب للذهاب إلى أورشليم لإعادة العبادة بقوة، وإصلاح الشعب [13].

ب. دعا عزرا “كاتب شريعة إله السماء” [21]، رأى فيه مسحة سماوية فريدة!

ج. قدم الملك ومشيروه عطايا وآنية من عندهم، لأن آنية بيت الرب ردها كورش.

د. حث الملك الوثني الشعب اليهودي وكهنتهم على التبرع لبيت إلههم [16].

هـ. ترك القرارات في يد عزرا حسب شريعة إلهه [25] وأعطاه سلطات واسعة ليقيم حكامًا وقضاة لجميع الشعب أينما وجدوا في عبر النهر.

و. أعطاه سلطات لإصدار أحكام ضد المخالفين وتنفيذها سواء بالإعدام أو النفي أو دفع غرامة أو السجن [26].

وَهَذِهِ صُورَةُ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا الْمَلِكُ أَرْتَحْشَسْتَا

لِعَزْرَا الْكَاهِنِ الْكَاتِبِ،

كَاتِبِ كَلاَمِ وَصَايَا الرَّبِّ وَفَرَائِضِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ: [11]

مِنْ أَرْتَحْشَسْتَا مَلِكِ الْمُلُوكِ

إِلَى عَزْرَا الْكَاهِنِ كَاتِبِ شَرِيعَةِ إِلَهِ السَّمَاءِ الْكَامِلِ إِلَى آخِرِهِ [12].

ظهرت يد الله الصالحة في هذه الرسالة التي كشفت عن تأثير عزرا الروحي على الملك، فشعر انه ليس كاتبًا عنده في الديوان الملكي، وإنما هو “كاتب شريعة إله السماء الكامل“. لم نسمع عن ملك في إسرائيل يدعو كاتبًا له أو نبيًا بهذا اللقب العجيب. فقد حسب ارتحشستا أن إله عزرا هو إله السماء الكامل.

قَدْ صَدَرَ مِنِّي أَمْرٌ،

أَنَّ كُلَّ مَنْ أَرَادَ فِي مُلْكِي مِنْ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ وَكَهَنَتِهِ وَاللاَّوِيِّين،َ

أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ مَعَكَ فَلْيَرْجِعْ [13].

مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ مُرْسَلٌ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ وَمُشِيرِيهِ السَّبْعَة،ِ

لأَجْلِ السُّؤَالِ عَنْ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ،

حَسَبَ شَرِيعَةِ إِلَهِكَ الَّتِي بِيَدِك [14].

السبعة المشيرون كانوا رؤساء بيوت في مملكة فارس. جاء ذكر هؤلاء المشيرين السبعة في سفر أستير: “وكان المقربون إليه كرشنا وشيتار ووادماثار وترشيش ومرس ومرسنا ومموكان، سبعة رؤساء فارس ومادي” (إس 1: 14). وهم يمثلون مجلس شورى الملك، وكان العدد ٧ له اعتباره عند الأمم كما كان عند اليهود.

“لأجل السؤال” عن أحوال اليهود الروحية والأدبية، ويظهر من مضمون الرسالة أن عزرا كان مفوضًا فيالعمل وليس في السؤال فقط، وعمله كان إقرار الشريعة، وكان له سلطة أن يعاقب المخالف.

وَلِحَمْلِ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ تَبَرَّعَ بِهِ الْمَلِكُ وَمُشِيرُوهُ،

لإِلَهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ مَسْكَنِهُ [15].

من العجيب أن ملوك يهوذا أفقروا الهيكل وملوك فارس الوثنيون تبرعوا للهيكل (إش 49: 23؛ 60: 4-16).

وَكُلُّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الَّتِي تَجِدُ فِي كُلِّ بِلاَدِ بَابَِلَ،

مَعَ تَبَرُّعَاتِ الشَّعْبِ وَالْكَهَنَةِ الْمُتَبَرِّعِين،َ

لِبَيْتِ إِلَهِهِمِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيم [16].

كانت هناك تبرعات من الملك ومشيريه ومن الشعب البابلي المحبين لأصدقائهم اليهود ومن اليهود الذين فضلوا البقاء في بابل. هذه التبرعات لشراء حيوانات للتقدمة ولشراء السكائب وللصرف على باقي أوجه الخدمة.

من أهداف هذه الإرسالية أن تحمل الفضة والذهب كتبرع من الملك كما من مشيريه السبعة علامة خضوع الكل لهذا الإله، وحرصًا على استمرار العبادة بأورشليم.

لِتَشْتَرِيَ عَاجِلاً بِهَذِهِ الْفِضَّةِ

ثِيرَانًا وَكِبَاشًا وَخِرَافًا وَتَقْدِمَاتِهَا وَسَكَائِبَهَا،

وَتُقَرِّبَهَا عَلَى الْمَذْبَحِ الَّذِي فِي بَيْتِ إِلَهِكُمُ،

الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ [17].

يفتح الملك باب للتبرعات من كل الشعب في بابل، سواء اليهود أو الأمم، كما من الكهنة الذين لم يرجعوا إلى أورشليم، حتى يمكن شراء حيوانات لتقديم ذبائح في أورشليم.

وَمَهْمَا حَسُنَ عِنْدَكَ وَعِنْدَ إِخْوَتِكَ،

أَنْ تَعْمَلُوهُ بِبَاقِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَب،ِ

فَحَسَبَ إِرَادَةِ إِلَهِكُمْ تَعْمَلُونَهُ [18].

يوجه الملك الوثني في القرن الخامس ق.م. رجل الله ليتصرف مع إخوته في الفضة والذهب حسب الإرادة الإلهية. يطلب منه العمل الديمقراطي المشترك!

وَالآنِيَةُ الَّتِي تُعْطَى لَكَ لِخِدْمَةِ بَيْتِ إِلَهِك،َ

فَسَلِّمْهَا أَمَامَ إِلَهِ أُورُشَلِيمَ [19].

“الآنية التي تعطى لك”: ليست هذه الآنية من آنية بيت الرب التي أخذها نبوخذنصر من هيكل أورشليم،بل هي أوانٍ هدية وتبرعات من الملك ومشيروه ورؤساءه ومن كل الشعب (شعب بابل وشعب إسرائيل).

سبق أن رد كورش الآنية التي أغتصبها نبوخذنصر، والآن يتبرع ارتحشستا بآنية ثمينة جدًا لبيت الله في أورشليم.

“إله أورشليم” أي إله إسرائيل الذي في أورشليم مسكنه.

وَبَاقِي احْتِيَاجِ بَيْتِ إِلَهِكَ الَّذِي يَتَّفِقُ لَكَ أَنْ تُعْطِيَه،

فَأَعْطِهِ مِنْ بَيْتِ خَزَائِنِ الْمَلِكِ [20].

وَمِنِّي أَنَا أَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ،

صَدَرَ أَمْرٌ إِلَى كُلِّ الْخَزَنَةِ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ،

أَنَّ كُلَّ مَا يَطْلُبُهُ مِنْكُمْ عَزْرَا الْكَاهِنُ

كَاتِبُ شَرِيعَةِ إِلَهِ السَّمَاءِ،

فَلْيُعْمَلْ بِسُرْعَة [21]. ٍ

إِلَى مِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ،

وَمِئَةِ كُرٍّ مِنَ الْحِنْطَةِ،

وَمِئَةِ بَثٍّ مِنَ الْخَمْرِ،

وَمِئَةِ بَثٍّ مِنَ الزَّيْتِ،

وَالْمِلْحِ مِنْ دُونِ تَقْيِيدٍ [22].

١٠٠ كر حنطة  تعادل ١٥٠ ألف كيلو جرام، و١٠٠ بث خمر أي ٣٥٠٠ لترًا تقريبًا.

 كُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ إِلَهُ السَّمَاء،

 فَلْيُعْمَلْ بِاجْتِهَادٍ،

لِبَيْتِ إِلَهِ السَّمَاءِ،

لأَنَّهُ لِمَاذَا يَكُونُ غَضَبٌ عَلَى مُلْكِ الْمَلِكِ وَبَنِيهِ؟ [23]

الشعب اليهودي في أورشليم لا يخشى غضب الرب، فيكسر الناموس من أجل شهوات الجسد، ويتزوج بعضهم وثنيات. بينما الملك الوثني في بابل يحرص ألا يحل غضب الله على مملكته أو على بيته. الملك الوثني هنا خائف من أن يغضب الله. “لماذا يكون غضب؟” هذه هي يد الله.

الملك الوثني يدين هنا المؤمنين المتراخين في عمل الرب، والخدام الذين يمارسون الخدمة في تهاون وكسلٍ، إذ يطلب أن يُمارس ما يطلبه إله السماء باجتهاد.

يقول الحكيم: “”العامل بيدٍ رخوة يفتقر، أما يد المجتهدين فتُغني” (أم 10: 4)؛ “”طريق الكسلان كسياج من شوك، وطريق المستقيمين منهج” (أم 15: 19).

v     يتقبل العامل الصالح أجرة عمله بجرأة، أمّا الكسول والمتهاون فلا يجسر أن ينظر بعينيه إلى رب عمله[78].

القديس إكليمنضس الروماني

v     يوجد أولئك الذين يُدعون كسالي في سفر الحكمة، الذين يكسون طريقهم بالأشواك، ويحسبون الغيرة في حفظ وصايا الله أمرًا مضرًا للنفس، المعترضون على الوصايا الرسولية، الذين لا يأكلون خبزهم بالتعب، وإنما يترددون على الغير، ويجعلون من الخمول سُنة الحياة. عندئذ الحالمون، الذين يحسبون خداعات الأحلام موضع ثقة أكثر من تعاليم الأناجيل، ويدعون الخيالات إعلانات. بخلاف هؤلاء يوجد أيضًا الذين يقيمون في بيوتهم، ويحسبهم الغير غير اجتماعيين وحشيين لا يعرفون وصية الحب ولا يعرفون ثمر طول الأناة والتواضع[79].

القديس غريغوريوس النيسي

وَنُعْلِمُكُمْ أَنَّ جَمِيعَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ

وَالْمُغَنِّينَ وَالْبَوَّابِينَ وَالنَّثِينِيمِ وَخُدَّامِ بَيْتِ الله

 هَذَا لاَ يُؤْذَنُ أَنْ يُلْقَى عَلَيْهِمْ جِزْيَةٌ أَوْ خَرَاجٌ أَوْ خِفَارَةٌ [24].

أعفى الملك الفارسي خدام بيت الرب من كافة أنواع الضرائب والجزية، لكي يتفرغوا للعبادة والتعلم.

أَمَّا أَنْتَ يَا عَزْرَا،

فَحَسَبَ حِكْمَةِ إِلَهِكَ الَّتِي بِيَدِكَ،

ضَعْ حُكَّامًا وَقُضَاةً يَقْضُونَ لِجَمِيعِ الشَّعْب،ِ

الَّذِي فِي عَبْرِ النَّهْرِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ يَعْرِفُ شَرَائِعَ إِلَهِكَ.

وَالَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ فَعَلِّمُوهُمْ [25].

وثق الملك في عزرا، إذ وجد فيه الرجل الأمين، الكاتب لشريعة إله السماء الكامل، فأرسله إلى أورشليم لإقرار الشريعة ومنحه السلطة لتعيين الحكام والقضاة الذين يراهم صالحين.

“حكمة إلهك”: شريعة إلهك التي في يدك. يلتزم عزرا أن يجرى هذه الشريعة بالحكمة لا بالقسوة.

“جميع من يعرف شرائع إلهك”: كانت سلطة عزرا على شعب اليهود فقط الذين يدينون بشريعة موسى،لذلك نفهم أن عزرا كان مسئولاً دينيًا، لكن كان هناك والٍ من قبل ملك فارس للأمور المدنية، أما عزرا فكان لهالاختصاص في الأمور الروحية فقط وهدفه التعليم للشعب وإصلاح أمورهم الروحية.

وَكُلُّ مَنْ لاَ يَعْمَلُ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ وَشَرِيعَةَ الْمَلِك،ِ

فَلْيُقْضَ عَلَيْهِ عَاجِلاً،

إِمَّا بِالْمَوْتِ أَوْ بِالنَّفْيِ أَوْ بِغَرَامَةِ الْمَالِ أَوْ بِالْحَبْسِ [26].

أدرك الملك عظمة شريعة إله السماء الكامل من حياة عزرا وسلوكه، لهذا يقدمها عن شريعته، ويعطيها الأولوية. يا للعجب، الملك الوثني يحث رجل الله على تعليم الشعب شريعة إله السماء بكل حزمٍ في غير تهاونٍ.

مبارك الرب إله آبائنا   27-28.

مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ آبَائِنَا الَّذِي جَعَلَ مِثْلَ هَذَا فِي قَلْبِ الْمَلِكِ،

لأَجْلِ تَزْيِينِ بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ [27].

أمام هذا العمل الإلهي الفائق والعجيب في قلب الملك الوثني من جهة شعب الله لم يكن لدى عزرا سوى الشكر والتسبيح للرب. لم يجد عزرا ما يعبر به عن يد الله العجيبة والصالحة التي حركت هذا الملك الوثني للعمل بكل إمكانية مادية وسلطان لحساب ملكوت الله، بسخاء شديد وثقة ويقين في الله مع تواضع، إلا أن يقدم هذه التسبحة.

تزيين بيت الرب“: لم تكن رسالة عزرا هي إقامة مبانٍ وزينة للهيكل، فالزينة هنا هي الاهتمام بقدسية البيت وقدسية الشعب مع الكهنة.

وَقَدْ بَسَطَ عَلَيَّ رَحْمَةً أَمَامَ الْمَلِكِ وَمُشِيرِيه،ِ

وَأَمَامَ جَمِيعِ رُؤَسَاءِ الْمَلِكِ الْمُقْتَدِرِينَ.

وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ تَشَدَّدْتُ حَسَبَ يَدِ الرَّبِّ إِلَهِي عَلَيَّ،

وَجَمَعْتُ مِنْ إِسْرَائِيلَ رُؤَسَاءَ لِيَصْعَدُوا مَعِي [28].

جاءت رسالة الملك وتصرفاته تكشف أن ما سيحققه عزرا، إنما هو من يد الرب إلهه الصالحة! يذكر عزرافي إصحاحي 7 و8 “يد الله “٦ مرات، إذ ينسب كل العمل ليد الله، وليس لنفسه.

 

من وحي عزرا 7

هيئ قلبي لطلب وصيتك!

v     في أرض السبي أشرقت بنور شريعتك على عزرا.

أقمت منه كاتبًا ماهرًا.

يطلب قلبه وصيتك، ويجد فيها لذته.

حفظها في قلبه، وصارت له مرشدًا في غربته.

انعكس بهاؤها عليه،

فنال نعمة عند الملك ومشيريه.

v     بوصيتك صار قائدًا لموكبٍ جديدٍ.

يعبر من أرض السبي إلى مدينة أورشليم.

يحمل الكثير من التقدمات،

كما يقود آنية بشرية ثمينة جدًا لديك.

وصيتك قدمت له كل إمكانية.

v     وقف في دهشة يتساءل:

ماذا يقدم لك من أجل كثرة احساناتك عليه؟

ليس له إلا أن يقدم ذبيحة الشكر والتسبيح.

ليس له إلا أن يلهج بحبك ومراحمك الفائقة

مبارك أنت يا صانع الخيرات!

فاصل

فاصل

تفسير عزرا 6

تفسير سفر عزرا
القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير عزرا 8
تفسير العهد القديم

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى