التواضع صون للنعمة

‏العظة الحادية والأربعون من العظات الخمسون للقديس أنبا مقار

[عميقة جداً هي مخادع النفس التي تنمو جزئياً إما مع النعمة أو مع الشرور]

[أ] تغلغل الخطيئة في النفس           [ب] التواضع يصون النعمة

+++

[أ] تغلغل الخطيئة في النفس

1 – إن إناء النفس الثمين لعميق شديد العمق ، كما يقول في موضع : « هو يفحص العُمق والقلب » ( سي 18:42) . فإنه لما حاد الإنسان عن الوصية وأمسي تحت حكم الغضب أحكمت الخطيئه قبضتها عليه ، وحيث إنها هي ذاتها أشبه بغور للمرارة ينسل في خفة وعمق ، فقد نفذت إلى الداخل وأمسكت بمراعي النفس حتى أعمق مخادعها. بمثل هذه الطريقة فلنمثل النَّّفس والخطيئة الممتزجة بها بمثل شجرة عظيمة جداً لها أغصان كثيرة وجذور تضرب في أبعد أعماق الأرض ؛ هكذا الخطيئة المُنسلة لما أمسكت بمراعي مخادع النفس العميقة ، صارت عادة وميلاً تنمو مع كل واحد من الطفولة وتربو معه وتُعليمه الشرور.

[ب] التواضع يصون النعمة

۲ – فلذلك حين يُظلل النفس عمل النعمة الإلهية ، وفقاً لقامة إيمان كل واحد، وتتقبل النفس معونه من فوق، فلا يزال تظليل النعمة هذا إلى الآن جزئیاً. فلا يتوهم أحد إذاً أن النفس قد استنارت بالكلية، فحتى الآن هنالك مرعي فسيح للشر في الداخل ، ويقتضي الأمر من الإنسان تعباً كثيراً وكذا يتوافق والنعمة الصائرة إليه. لأنه من أجل هذا أيضاً شرعت النعمة تفتقد النفس جزئياً مع كونها قادرة أن تطهر الإنسان وتكمله في لحظة من الزمان ، وذلك لكيما تختبر حرية إرادة الإنسان، أيحفظ محبته نحو الله تامه ، غير مرتبط بالشر في شيء بل مسلماً نفسه بالتمام للنعمة . وهكذا لما تتزکی النفس لأزمنة وأوقات ولا تحزن النعمة في شيء ولا تزدريها ، تُعان شيئا فشيئا . والنعمة نفسها تتخذ مرعي في النفس وتضرب بجذورها حتى أعمق أجزائها وأفكارها ، فيما تكون النفس قد تزكت عبر زمان طويل وتوافقت مع النعمة ، إلى أن تُطوق النفس بكليتها بالنعمة السماوية ، وتملك النعمة أخيراً في إناء النفس ذاته .

٣- لكن إن كان هناك أحد ليس له تواضع كثير ، يُسلم هذا للشيطان ويُعرَّى من النعمة الإلهية التي صارت إليه ويُجرب بضيقات كثيرة ، وحينئذ ينكشف إدعاؤه إذ يوجد عرياناً وشقياً . فينبغي إذا لمن هو غني في نعمة الله أن يلبث في تواضع كثير وانسحاق قلب ، ويحسب نفسه كمسكيين لا شيء له ، لأن ما عنده ليس منه ، وآخر هو الذي أسبغه عليه ومتى أراد نزعه منه. فالذي يُوضع نفسه هكذا لله والناس يمكنه أن يصون النعمة الصائرة إليه ، كما يقول الرب : «مَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ» ( لو 11:14 ؛ 14:18) . حتى وإن يكن مختاراً من الله فليكن عند نفسه مرفوضاً، وإن يكن أميناً فليحسب نفسه غير مستحق. مثل هذه النفوس تُرضي الله وتُحيا في المسيح الذي له المجد والقوة إلى دهور الدهور ، آمین . 

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى