تفسير سفر طوبيت 6 للأنبا مكاريوس أسقف المنيا

في الحوت: طعام وشفاء وخلاص

 

1 فكَفَّت عنِ البُكاء.2 وذَهَبَ الوَلَدُ والمَلاكُ معه، وذَهَبَ معه الكَلْبُ ورافَقَهما، وسارا كِلاهُما. ولَمَّا كانتِ اللَّيلَةُ الأُولى، باتا بِجانِبِ نَهْرِ دِجلَة.3 وَنزَلَ الوَلَدُ لِيَغسِلَ رِجلَيه في النَّهر، فَوثَبَ حُوتٌ كَبيرَ مِنَ الماء وأَرادَ أن يَبتَلِعَ رِجْلَه. فصَرَخَ الصَّبِيُّ،4 فقالَ المَلاكُ لِلصَّبِيِّ: ((أَمسِكْ بِالحوتِ وآقبِضْ علَيه)). فقبَضَ الصَّبِيُّ على الحوتِ وجَرَّه إِلي الأَرض.5 فقالَ لَه المَلاك: ((شُقَّ الحوتَ وأَخرِجْ مَرارَتَه وقَلْبَه وكَبدَه وضَعْها جانِبً وأَلْقِ بِالأَحْشاء، فمَرارَتُه وقَلْبَه وكَبِدُه دَواءٌ ناجِع)).6 فَشَقَّ الصَّبِيُّ الحوتَ وجَمَعَ المَرارَةَ والقَلْبَ والكَبِد، وشَوى شيئً مِنَ الحوتِ وأَكَل وترَكَ البَقِيَّةَ لِلتَّمْليح. ثُمَّ سارا كلاهما معً حتَّى آقتَرَبا مِن ميدِيا.

في لمسة رقيقة من كاتب السفر، يشير هنا إلى دور ترفيهى للكلب، وكان الكَلْبُ ضمن الحيوانات النجسة في العهد القديم لعدة أسباب أهمها استخدام لفظة الكلب للإشارة إلى الوثنيين، فقد كره اليهود الكلاب بسبب طعامها وعاداتها وقد شبه الخاطئ المرتد مثل الكلب الذي عَادَ إِلَى قَيْئِهِ (2 بط 2: 22) وحُذر من التحدث في الأمور السامية أمام غير المستحقين كمن يجعل القدس أمام الكلب (لاَ تُعْطُوا الْمُقَدَّسَ لِلْكِلاَبِ وَلاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ لِئَلَّا تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ. مت 7: 6).

ولكن اليهود في السبي إقتننوه على سبيل الترفيه لا سيما بين العائلات الموسرة، كما استخدمت، الكلاب في أعمال الحراسة ومع قطعان الماشية (وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ضَحِكَ عَلَيَّ مَنْ يَصْغُرُنِي فِي الأَيَّامِ الَّذِينَ كُنْتُ أَسْتَنْكِفُ مِنْ أَنْ أَجْعَلَ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلاَبِ غَنَمِي. (أي 30: 1)).

تبلغ الرحلة من نينوى إلى جبل أحمتا (أكبتانا) حيث يسكن غابليوس هناك في مدينة راجيس، حوالي 360 كم (وحوالي مائتى ميل). 1 الأمر الذي يتطلب مبيتًا يوميًا ، حيث كانت المحطة الأولى لهما على شاطئ أحد روافد نهر دجلة المتجه شرقًا نحو أحمتا (أنظر الخريطة).

فلما خرج طوبيا من الخيمة التي نصباها على شاطئ النهر، لكي يغتسل من وعثاء السفر، خرجت سمكة كبيرة من الماء، ففزع منها، وكلمة حوتِ وردت في جميع الترجمات الأخرى (مثل القبطية والحبشية والإنجليزية) بمعنى سمكة كبيرة، حيث أن الحيتان لا تعيش في الأنهار وروافدها، وإنما تحيا في المحيطات، كما أن الإنسان بمفرده لا يقدر على إصطياد الحوت، الذي يحتاج صيده إلى سفن خاصة مجهزة، وكما مرّ بنا في المقدمة، فإن الأقباط حتى وقت قريب كانوا يقرأون في إنجيل الساعة التاسعة من الأجبية (خمس خبزات وحوتان)

وكانت عادة حفظ اللحوم بالتمليح، منتشرة في بلاد الشرق الأوسط والأقصى والأدنى، قبل أن يكتشف بعض العلماء الأحاثيين Paleontologues السوفييت، جسم حيوان الماموث Mamouth طافيًا على سطح الماء سليمًا بينما يرجع عمره إلى بضعة آلاف من السنين، في سيبريا، وذلك في سنة 1889 م، ومن هنا اكتشفت فكرة الحفظ بالتجميد. 2

وكانت شرائح اللحم تخلى من الشحوم وتملّح، وهكذا فعل طوبيا ببقية السمكة الكبيرة، ليكفيهم لحمها مؤونة مدة سفرهما.

وسوف يكون لهما بركة وخير في السمكة ..!، فقد أكل طوبيا منها، ومنها شفى أبوه من عماه، وبها طرد الشيطان بعيدًا ، حسنًا استخدم المسيحيون السمكة كعلامة للمسيحية حيث أن السمكة في اليونانية هي (إخثوس = IXQUC) وهي الحروف الأولى للعبارة (يسوع المسيح ابن الله المخلص). 3

وقد صارت صورة الملاك برفقة طوبيا بينما سمكة كبيرة قابعة تتخبط عند قدميه (وكلب يرافقهما مسرورًا) منظرًا مألوفًا منتشرًا في منازل الأقباط وغيرهم من المسيحيين في جميع أنحاء العالم.   (راجع المقدمة).

 7 حينَئِذٍ سَأَلَ الصَّبِيُّ المَلاكَ فقالَ لَه: ((يا عَزَرْيا أَخي، ما هو الدَّواءُ الَّذي في قَلْبِ الحوتِ وكَبِدِه ومَرارتِه))؟8 قالَ لَه: ((أَمَّا قَلْبُ الحوتِ وكَبدُه، فتُصعِدُ دُخانَهما أَمامَ رَجُلٍ أَوِ آمرَأَةٍ يُعَذِّبُها شَيطان ورُوحٌ شِرِّير، فيَهرُبُ كُلُّ حُضور ولا يَعودُ يُلازِمُهما أَبدً .9 وأَمَّا المَرارة، فتَمسَحُ بِها عَينَيِ الإِنْسانِ الَّذي أُصيبَ بِبُقَعٍ بَيضاء وتَنفُخُ في البُقعَ فتَبرَأُ عَيناه.

هذه أول إشارة رجاء إلى طوبيا، بشفاء أبيه الشيخ الذي تركه يجتر آلامه ويعانى من فقدان المال والعين وسيأتي شرح ذلك في حينه، وبهذا سيهون عليه السفر ويحلو له التعب.

ولَمَّا دَخَلا ميدِيا وآقتَرَبا مِن أَحْمَتا، 11 قالَ رافائيلُ لِلصَّبِيّ: ((يا طوبِيَّا أَخي)). قالَ لَه: ((هاءَنذا)). قالَ لَه: علَينا أن نَبيتَ هذه اللَّيلةَ في مَنزِلِ رَعوئيل، وهو رَجُلٌ مِن قَرابتِكَ ولَه آبنَةٌ آسمُها سارة، 12 ولَيسَ لَه مِنِ آبن ذَكَرٍ ولا آبنَةٍ سِوى سارة. وأَنتَ أَقرَبُ النَّاسِ إِليها، فمِن حَقِّكَ أَن تُعْطى لَك قَبلَ سِواكَ، ومِن حَقِّكَ أَيضً أَن تَرِثَ جَميعَ أَمْوالِ أَبيها. وهي فتاةٌ رَصينةٌ باسِلةٌ جَميلَةٌ جِدًّ ، وأَبوها يُحِبُّها حُبًّ شَديدً . 13 مِن حَقِّكَ ان تَتَزوَّجَها. إِسْمَعْ لي، يا أَخي، فإِني سأُكلِّمُ الأَبَ عنِ آبنَتِه مُنذُ هذه اللَّيلة لِكَي تتخِذَها لكَ خَطيبة، ومتى عُدْنا مِن راجيس نُقيمُ عُرسَها. وأَنا عالِمٌ بِأَنَّ رَعوئيلَ لا يَستَطيعُ أَن يَمنَعَكَ إيَّاها ولا أَن يَخطُبَها إلى رَجُلٍ آخَر، وإِلاَّ آستَحَقَّ المَوتَ بحَسَبِ حُكْمِ كِتابِ موسى، لِعِلْمِه بِأَنَّه مِن حَقِّكَ قَبلَ أَيِّ رَجُلٍ آخَر أَن تتَزوَّجَ آبنَتَه. فآسمَعْ لي، يا أَخي، ففي هذه اللَّيلةِ نتكَلَّمُ في شَأنِ الفَتاة ونطلُبُها لَكَ. ومتى عُدْنا مِن راجيس نأخُذُها ونَذهَبُ بِها معَنا إِلي بَييكَ  

عند ذلك دخل إثنيهما بلاد الماديين، واقتربا من جبل أَحْمَتا (أكبتانا) فإقترح الملاك على طوبيا أن ينزلا بشخص يدعى رَعوئيل ومن هناك يتسنى المضى إلى جَبَعْئيلَ (غابليوس) لإسترداد الوديعة.

وتقع منطقة مادي (ميدِيا) مكان إيران حاليًا ، وكان يحدها من الشمال الشرقي، نهر أركسيس وبحر قزوين، ومن الشرق فرثية وهركانية وصحراء فارس، ومن الجنوب فارس وسوسيانة، ومن الغرب آشور وأرمنية، ويبلغ طولها من الشمال إلى الجنوب حوالي ألف كيلو متر، ومن الشرق إلى الغرب حوالي 400 كيلو متر، وتبلغ مساحتها حوالي 250 ألف كيلو متر مربع.

والماديين الذين سكنوا هذه المنطقة أصلًا هم نسل مادي بن يافث (بَنُو يَافَثَ: جُومَرُ وَمَاجُوجُ وَمَادَاي وَيَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ وَتِيرَاسُ. تك 10: 2، 1 بَنُو يَافَثَ: جُومَرُ وَمَاجُوجُ وَمَادَايُ وَيَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ وَتِيرَاسُ. أخ 1: 5) وقد أخضعها أولًا شلمناسر الثالث في سنة 835 ق.م، ثم شمس أداد    (812 – 782 ق.م.) ثم تجلث فلاسر الثالث في سنة 737 ق.م. حيث ضم مقاطعاتها إلى آشور، وعندما استولى سرجون على السامرة سنة 726 ق.م.، وضع عددًا من بنى إسرائيل المسبيين في مدن مادي (فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِهُوشَعَ أَخَذَ مَلِكُ أَشُّورَ السَّامِرَةَ، وَسَبَى إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ وَأَسْكَنَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي.  2 مل 17: 6، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ مَلَكَ حَزَقِيَّا بْنُ آحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا. 18: 1) يتبعون كل من سبطي أشير ونفتالى.

أَحْمَتا هي عاصمة ميديا وأسمها اليوناني أكبتانا، وهي همدان حاليًا وتبعد عن إيران 270 كم إلى الجنوب الغربي، وقد وردت بنفس اسم أَحْمَتا في سفر يهوديت (يهو) وهو اسم أرامي مشتق من اللفظة الفارسية (هجمتانا) وقد أقيمت في أواخر القرن الثامن الميلادي، وقد اعتاد ملوك فارس قضاء أجازاتهم الشتوية هناك، وكان لها أهمية كبيرة فيما تلا ذلك من عصور حيث حفظت السجلات الملكية فيها، ونقلت إليها الغنائم في عهد الإسكندر وبنيت فوقها القصور الشاهقة، وفي أيام طوبيا كان الاسم يطلق على المنطقة بأسرها بما فيها راجيس.

راجيس: وأما راجيس وهي المدينة التي سكنها رعوئيل، فهي مدينة محصنة تحصينًا قويًا وقد يكون معنى الاسم الممتاز والفائق ، وقد أسماها بطليموس راجيانا، وتقع راجيس على بعد ثمانية كيلو مترات من طهران الحالية من جهة الجنوب الشرقي، وجنوب سلسلة جبال البرز العالية، وتبعد مسافة 11 يومًا من أحمتا (فَوُجِدَ فِي أَحْمَثَا فِي الْقَصْرِ الَّذِي فِي بِلاَدِ مَادِي دَرْجٌ مَكْتُوبٌ فِيهِ هَكَذَا: تِذْكَارٌ. عز 6: 2) وتقول بعض التقاليد أنها مسقط رأس زرادشت، وصارت مركزا ً للزرادشتيين (المجوس) وقد تهدّمت وأعاد بناؤها سلوقس فكاتور (كما مر بنا) حيث أطلق عليها اسم أوريوس ولما استولى عليها أرساكس أسماها أرساكيا، وهي حاليًا عبارة عن أطلال بالقرب من مدينة: شاه عبد العظيم، في إيران

أما ضرورة زواج طوبيا من سارة لكونها من نفس سبطه، ومن عشيرته فقد كان ذلك أمرا ً استثنائيًا كما حدث مع بنات صلفحاد، حيث أمر موسى أن يتزوجن من أبناء عمومتهن حتى لا يتحول نصيب سبط إلى سبط آخر ] راجع عد 36: 9 – 12 [ وقد صار ذلك عرفًا في فترة السبي، وقد رأى بعض الربيّيين اليهود، أن الذي يتزوج من سبط آخر، يستحق الموت وقد ورد أيضًا في التلمود أن نوح تزوج امرأة من عشيرته وأن تلك المرأة هي ابنة عمه. 4

ومن المناسب أن يتزوج اليهودي من محيط جماعته في السبي، حتى لا يتفكك المجتمع اليهودي في السبي، فهم أحوج ما يكون في مثل تلك الظروف للترابط والتجاور وأن تتداول أموالهم فيما بينهم ] راجع أيضً تك 38، «إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعً وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَليْسَ لهُ ابْنٌ فَلا تَصِرِ أمْرَأَةُ المَيِّتِ إِلي خَارِجٍ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَليْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً وَيَقُومُ لهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. وَالبِكْرُ الذِي تَلِدُهُ يَقُومُ بِاسْمِ أَخِيهِ المَيِّتِ لِئَلا يُمْحَى اسْمُهُ مِنْ إِسْرَائِيل. «وَإِنْ لمْ يَرْضَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَ أمْرَأَةَ أَخِيهِ تَصْعَدُ أمْرَأَةُ أَخِيهِ إِلي البَابِ إِلي الشُّيُوخِ وَتَقُولُ: قَدْ أَبَى أَخُو زَوْجِي أَنْ يُقِيمَ لأَخِيهِ اسْمً فِي إِسْرَائِيل. لمْ يَشَأْ أَنْ يَقُومَ لِي بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. فَيَدْعُوهُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَتَكَلمُونَ مَعَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ وَقَال: لا أَرْضَى أَنْ أَتَّخِذَهَا تَتَقَدَّمُ أمْرَأَةُ أَخِيهِ إِليْهِ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّيُوخِ وَتَخْلعُ نَعْلهُ مِنْ رِجْلِهِ وَتَبْصُقُ فِي وَجْهِهِ وَتَقُولُ: هَكَذَا يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ الذِي لا يَبْنِي بَيْتَ أَخِيهِ. فَيُدْعَى اسْمُهُ فِي إِسْرَائِيل «بَيْتَ مَخْلُوعِ النَّعْلِ». تث 25: 5 – 10 [ غير أن التشديد كان بالأكثر، فيما يتعلق بالأرامل كما هو الحال في (راعوث 4) وسيلتزم كل من طوبيا ورعوئيل بهذا القانون طاعة ومراعاة التقاليد.

يقول القديس أمبروسيوس (أنه يلزم أن يتزوج طوبيا من سارة بحسب القانون). 5

ويقول العالم جيفن P. Giffin، أن الرجل الذي يهمل ميراثه ولا يطمئن إلى أنه سوف يكون في نفس سبطه، هو مجرم في ميراث الله لإسرائيل، ولذلك كان من المناسب أن تتزوج المرأة الوحيدة زوجًا من نفس سبطها. 6

14 فأَجابَ طوبِيَّا وقالَ لِرافائيل: ((يا عَزَرْيا أَخي، سَمِعتُ أَنَّه قد عُقِدَ لها على سَبعةِ رِجالٍ فماتوا في غُرفةِ العُرْس، وكانوا يَموتونَ لَيلةَ دُخولهِم علَيها. وسَمِعتُ أَيضً مَن يَقولُ إِنَّ شَيطانً كانَ يَقتُلُهم، 15 فأَنا الآنَ خائف. إِنَّه لا يُسيءُ إِلَيها، ولكِن إِذا أَرادَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَن يَقتَربَ مِنْها، قَتَلَه. إِني وَحيدٌ لأَبي، فأَخْشى أَن أَموتَ فأُنزِلَ إِلي القَبرِ حَياةَ أَبي وأُمِّي غَمًّ علَيَّ. ولَيسَ لَهُما آبنٌ آخَرُ لِيَدفِنَهُما)). 16 قالَ لَه: ((أَلا تَذكُرُ وَصايا أَبيكَ؟ فقَد أَوصاكَ بِأَن تتَّخِذَ آمرَأَةً مِن بَيتِ أَبيكَ. فآسمَعِ الآنَ لي، يا أَخي، ولا تَحسِبْ لِهذا الشَّيطانِ حِسابً وخُذْها. وأَنا عالِمٌ بأَنَّها ستُزَفُّ إِليكَ آمرأَةً هذه اللَّيلة. 17 ومتى تَدخُلُ إِلي غُرفةِ العُرْس، تأخُذُ شَيئً مِن كَبِدِ الحوتِ وقَلْبِه وتَضَعُه على جَمْرِ المِبخَرَة، فتَنبَعِثُ الرَّائِحةُ 18 فيَشُمُّها الشَّيطانُ فيَهرُب، ولَن يَعودَ أَبدً إِلي الظُّهورِ حَولَ الفَتاة. وإِذا أَوشَكتَ أَن تَخلُوَ بِها، إِنْهَضا كِلاكُما فصَلِّيا وآسأَلا رَبَّ السَّماء أَن تَحِلَّ علَيكُما رَحمَتُه وخَلاصُه. لا تَخَفْ، فهي نَصيبُكَ مُنذُ القِدَم وأَنتَ الَّذي سيُخلِّصُها، وستَذهَبُ معكَ، وأَعتَقِدُ أَنَّه سيكونُ لكَ مِنها أَولادٌ يَكونونَ لَكَ كالإِخوَة. فدَعْ عنكَ الهَمّ)). 19 ولَمَّا سَمِعَ طوبِيَّا كَلامَ رافائيل وعَلِمَ بِأَنَّ سارَةَ هي أُختٌ لَه مِن نَسْلِ أَبيه، أَحبَّها حُبًّ شَديدً وعَلِقَ بِها قَلبُه.

وإذ يذكر طوبيا هنا للملاك، ما سمعه عن مأساة سارة، فهو يدلل بذلك على أن الأمر كان معروفًا وأن هناك صلة قرابة تربطهما معًا ، ولعّل هذا هو السبب في أن طوبيا الشيخ لم يشر إلى رعوئيل ولا إلى سارة عند إرساله طوبيا إلى راجيس مع علمه بأنهم يسكنون هناك، ومن المحتمل أن يقابلهم الابن هناك، كما لم يوصى ابنه بشيء يتعلق بزواجه، فقد خشى أن يتعرض طوبيا وحيده لما تعرض له بقية الأزواج الشبان السبعة، إن هو تزوج بسارة.

يقول القديس أمبروسيوس ] إن طوبيا عندما سمع اقتراح الملاك خاف لأن سبعة أزواج قد تقدموا للزواج بسارة ولكنهم ماتوا جميعًا [. 7

وطوبيا هنا هو وحيد أبويه، شأنه في ذلك شأن سارَةَ إبنة رَعوئيل، فكما خشيت سارة من أن تموت خلوًا من نسل يخلفها فتحزن بذلك قلب والديها، هكذا طوبيا يخشى أن يتعرض لأذى الشيطان أَزْموداوُس، فيحدر شيبة أبويه بحزن إلى الجحيم (فَقَامَ جَمِيعُ بَنِيهِ وَجَمِيعُ بَنَاتِهِ لِيُعَزُّوهُ. فَابَى انْ يَتَعَزَّى وَقَالَ: «انِّي انْزِلُ الَى ابْنِي نَائِحا إلَى الْهَاوِيَةِ». وَبَكَى عَلَيْهِ ابُوهُ. راجع قصة يوسف الصديق تك 37: 35، فَقَالَ: «لا يَنْزِلُ ابْنِي مَعَكُمْ لانَّ اخَاهُ قَدْ مَاتَ وَهُوَ وَحْدَهُ بَاقٍ. فَانْ اصَابَتْهُ اذِيَّةٌ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي تَذْهَبُونَ فِيهَا تُنْزِلُونَ شَيْبَتِي بِحُزْنٍ الَى الْهَاوِيَةِ». 42: 38). ولكن الملاك هنا يطمئن طوبيا بأن طاعته وبره سيخلصانه من ذلك الشيطان، فدَعْ عنكَ الهَمّ، فسيتزوج طوبيا من سارة وسينجح الله طريقهما وسيكون لهما أولاد يصبحون بمثابة أخوة له في الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى