تأملات في سفر ميخا 2 – أ. بولين تادري

سرد لبعض أخطاء الشعب:

” ويل للمفتكرين بالبُطل والصانعين الشر على مضاجعهم في نور الصباح يفعلونه لأنه في قُدرة يدهم فإنهم يشتهون الحقول ويغتصبونها، والبيوت ويأخذونها ويظلمون الرجل وبيته والإنسان وميراثه لذلك هكذا قال الرب: “هأنذا أفتكر على هذه العشيرة بِشر لا تُزيلون منه أعناقكم ولا تسلكون بالتشامخ لأنه زمان رديء “في ذلك يُنطق عليكم بِهجو ويُرثى بِمرثاة ويُقال: خَربنا خرابًا بَدل نصيب شعبي كيف ينزعه عنى؟ يَقسٍم للمُرتد حُقولنا”. لذلك لا يكون لك مَن يُلقى حَبلًا في نصيب بين جماعة الرب” (مى 2: 1- 5).

1- تفشى الظلم بين الناس:

“فإنهم يشتهون الحقول ويغتصبونها والبيوت ويأخذونها ويَظلمون الرجل وبيته والإنسان وميراثه “.

إنهم يُمارسون هذا الظلم “لأنه في قدرة يدهم”، أي أنهم أغنياء وأصحاب سلطان.

هكذا فعل آخاب الملك، حينما اشتهى حقل نابوت اليزرعيلي (1 مل 21: 1-16)، آخاب ملك وعنده الكثير ولكنه اشتهى هذا الحقل الصغير المجاور لحقوله، انه استخدم سُلطانه في الإيقاع بنابوت حتى يرث حقله.

وهكذا فعل داود الملك حينما اشتهى امرأة أوريا الحثي (2 صم 11). داود ملك ولديه زوجاته، ولكنه اشتهى امرأة رجل فقير من رعيته.

السُلطان يُقوى قلب الأغنياء، ويدفعهم لظلم الآخرين. مع أن الكتاب يقول: “ظالم الفقير يُعير خالقه. ويُمجده راحم المسكين” (ام 13: 31). والرسول بولس يقول: “أما الظالم فسينال ما ظلم به وليس محاباة ” (كو 3: 25). ويقول أيضًا: “أم لستم تعملون أن الظالمين لا يرسون ملكوت الله ” (1 كو 6:9).

*بداية الظلم تأتى في الفكر:

والحقيقة ليس بداية الظلم فقط تأتى من الفكر، بل أي خطية عادة تبدأ بالفكر، كما أوضح ميخا النبي: ” ويل للمفتكرين بالبُطل والصانعين الشر على مضاجعهم”. تبدأ الخطية في الفكر، حينما يشتهى الفرد ما عند الآخرين، ثم يُترجمها في الفعل ن كما يقول يعقوب الرسول: الله غير مُجرِب بالشرور وهو لا يُجرِب أحدًا. ولكن كل واحد يُجرًب إذا انجذب وانخدع من شهوته، ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كمُلت تُنتج موتًا (يع 1 13-15). لذلك يطلب داود النبي من الرب أن يكون فكره مرضيًا أمامه: “ليكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يا رب صخرتي ووليي ” (مز 19:14).

لذلك فإن مراجعة أفكارنا وفحصها وتنقيتها من كل شر مُهم جدًا، فأرميا النبي يقول: ” لنفحص طرقنا ونمتحنها ونرجع إلى الرب” (مراثى 3: 40). وسليمان الحكيم يقول:“منْ يُغمض عينيه ليُفكر في الأكاذيب ومنْ يعض شفتيه (من الغضب والغيظ) فقد أكمل شرًا” (أم 16: 30).

ليتنا نتعلم أن نفكر في الخير والصلاح لأنفسنا ولغيرنا. ليتنا نشغل فكرنا بالسيد المسيح الذي احتمل الصليب من أجلنا مُستهينًا بالخزي. فلنستمع لما يقوله الرسول “كل ما هو حق. كل ما هو جليل. كل ما هو عادل. كل ما هو طاهر. كل ما هو مُسر. كُل ما صيته حسن. إن كانت فضيلة وإن كان مدح. ففي هذه افتكروا” (فى 4: 8).

*الجرأة في فعل الشر:

فيقول ميخا النبي أن الشعوب تجرأوا جدًا في فعل الشر، لدرجة أنهم: “في نور الصباح يفعلونه “.

إنهم يُفكرون بالشر على مضاجعهم، ومجرد أن يُشرق نور الصباح يفعلونه.

إن التعود على فعل الخطأ، يصل بالإنسان إلى أن يفعله بلا خجل على الملأ.

الله شاهد بنفسه على أعمال الظلم ويحاسب أصحابها:

فيقول:“هأنذا أفتكر على هذه العشيرة بشرٍ”. لقد لمس الرب كبرياؤهم وتعاليهم على الآخرين، ولن يعودوا يسلكون بالتشامخ بسبب الخراب الذي يحل بهم.

بل أيضًا:“سوف يَنطق عليكم بهجو”، أي أنهم سوف يكونون عُرضة للسخرية والذم، عندما يعاقبهم الله على ظلمهم لغيرهم. فحتى ما حصلوا عليه بالظلم سوف يُنزع منهم: “فيقول خربنا خرابًا. بدل نصيب شعبي. كيف ينزعه عنى”. ” يقسم للمرتد حقولنا”، أي يأخذ ما عندهم وما جمعوه بالظلم ويُعطيه لآخرين. بل أكثر من هذا، لا يكون لهم نصيب في أرض الله المقدسة بل يُطردون منها، ” لا يكون لك من يُلقى حبلًا في نصيب بين جماعة الرب”، الحبل يُستخدم لقياس الأرض. ألم أقل لكم أن “الظالمين لا يرثون ملكوت السموات”.

خطايا أخرى:

“يتنبأون قائلين:”لا تتنبأوا”. لا يتنبأون عن هذه الأمور العار. أيها المسمى بيت يعقوب هل قصرت روح الرب أهذه أفعاله؟” أليست أقوالي صالحة نحو من يسلك بالاستقامة؟ ولكن بالأمس قام شعبي كعدو تنزعون الرداء عن الثوب من المجتازين بالطمأنينة ومن الراجعين من القتال تطردون نساء شعبي من بيت تنعمهن تأخذون عن أطفالهن زينتة إلى الأبد. قُوموا واذهبوا لأنه ليست هذه هي الراحة. من اجل نجاسة تُهلِك والهلاك شديد لو كان أحد وهو سالك بالريح والكذب يكذب قائلًا: أتنبأ لك عن الخمر والمسكر لكان هو نبي هذا الشعب”. (مى 2:6- 11).

 

1- رفض النبوة:

أو رفض كلمة الله، التي تهديهم وتردهم عن طرقهم الشريرة. فهم يمنعون الأنبياء أن يتنبأوا على أعمالهم الشريرة، “يتنباون قائلين لا تتنبأوا. لا يتنبأون عن هذه الأمور لا يزول العار”. أنهم لا يريدون من يُنبههم على أخطائهم. لقد انطبق عليهم قول السيد المسيح:“يا أورشليم… كم مرة أردت أن أجمع فراخك تحت جناحي ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا (لو 13: 34).

“هكذا قال الرب:قفوا على الطرق وانظروا واسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم. ولكنهم قالوا لا نسير فيه…. اسمعي أيتها الأرض هأنذا جالب شرًا على هذا الشعب ثمر أفكارهم لأنهم لم يصغوا لكلامي وشريعتي رفضوها ” (أر 6: 16- 19). إنهم فعلوا مثل الفريسيين الذين قال عنهم السيد المسيح:“رفضتم وصية الله لتحفظوا تقليدكم” (مر 6:9). ويتنبأ عنهم هوشع النبي قائلًا: “يرفضهم إلهي لأنهم لم يسمعوا له. فيكونون تائهين بين الأمم” (هو 9: 17). وينطبق عليهم كلمة الله على فم بولس الرسول:“كما لم يستحسنوا أن يُبقوا الله في معرفتهم. أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق” (رو 1: 28). مع أن: “كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومُميزة أفكار القلب ونياته (عب 4: 12). ومنْ يستمع إلى كلمة الله في كل يوم تستنير نفسه، ويتدرب على فحص أعماله في ضوء كلمة الله الحية والفعالة.

ولكنهم لم يكتفوا بصد الأنبياء الذين يُحاولون هدايتهم بنبواتهم الصحيحة، بل تمادوا بأن تبعوا أنبياء مولعين بالربح ويتنبأوا لهم بما يُحبون أن يسمعوه، فيقول ميخا النبي: “لوكان أحد وهو سالك بالربح والكذب يكذب قائلًا أتنبأ لك عن الخمر والمُسكر لكان هو نبي هذا الشعب “. لذلك يدعوهم الرب: “أيها المسمى بيت يعقوب”، أي أنتم أبناء يعقوب أب الآباء، ولكن السيد المسيح رد عليهم قائلًا: ان الله قادر أن يُقيم من هذه الحجارة أولاد لإبراهيم.

كثيرون يعتبرون أنفسهم أولاد الله، ويمكن يكونوا متواجدين دائما في الكنيسة إلا أن أعمالهم بعيدة تمامًا عن وصايا الله.

 

2- ظلمهم لفقراء الشعب:

فكانوا يُجردون المسافرين من ثيابهم، “تنزعون الرداء عن الثوب من المجتازين بالطمأنينة ومن الراجعين من القتال “. كانوا يقومون بعمليات سلب ونهب.

وأكثر من هذا كانوا يأخذون النساء الحرائر من بيوتهن ويستعبدوهن “تطردون نساء شعبي من بيت تنعمهن”. بل ويأخذون الأطفال الأبرياء من بيوتهم ويبيعونهم عبيد.

** لهذا كله قال عنهم الرب بفم النبي: “من أجل نجاسة تَهلك والهلاك شديد”، فإنهم يظنون بقسوتهم وسلطانهم يعيشون في رغد وراحة، ولكن الرب يقول لهم: “ليست هذه هي الراحة “. على مثل هؤلاء الناس الظالمين قال عاموس النبي“هل تركض الخيل على الصخر؟ أو يحرث عليه بالبقر؟ حتى حولتم الحق سُمًا وثمر البر أفسنتينًا أنتم الفرحون بالبُطل، القائلون: (أليس بقوتنا اتخذنا لأنفسنا قرونًا). (لأني هأنذا أقيم عليكم يا بيت إسرائيل يقول الرب إله الجنود أُمة فيضايقونكم مِن مدخل حَماة إلى وادي العربة)”. (عا 6:12- 14).

فإن الغِنى والسلطان والجاه، “ليست هي الراحة”، لأنها كلها أمور زائلة بل السيد المسيح قال:“من وجد حياته يُضيعها. ومن أضاع حياته من أجلى يجدها” (مت 10- 39). هذه هي الراحة الحقيقة، أن تكون حياتنا كلها لمجد المسيح وبنيان ملكوته، “ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني” (مت (10: 39)، هذا ما قاله السيد المسيح وأكده قائلًا: “إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني” (لو9: 23).

**فقوموا واذهبوا تاركين الراحة الزائلة الكاذبة واطلبوا باب التوبة، اذهبوا بعيدا عن أماكن الإثم وأعمال الظلمة، قوموا من نوم الأفكار الخاطئة، قوموا من الكسل وعدم الجهاد، قوموا من خطاياكم واذهبوا إلى بركة سلوام واغتسلوا مع المولود أعمى فتستنير عيونكم وتتطهرون من خطاياكم.

ولكن يوجد رجاء:

“إني أجمع جميعك يا يعقوب أضم بقية إسرائيل أضعهم معا كغنم الحظيرة، كقطيع في وسط مَرعاة يَضج مِن الناس قد صعد الفاتك أمامهم يقتحمون ويعبرون من الباب ويخرجون منه ويجتاز مَلكهم أمامهم والرب في رأسهم” (مى 2: 12، 13).

إن الله لا يقف مكتوف الأيدي حينما يرى شعبه يتشتت ويضيع ويُقهر من العدو، “لأن السيد لا يرفض إلى الأبد. فإنه ولو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمه. لأنه لا يُذل من قلبه ولا يُحزن بني الإنسان” (مراثي 3: 31- 33).

فهو الذي يجمع بنفسه يعقوب وإسرائيل ويردهم من الشتات، وهذا حدث بالفعل حينما رجعوا من السبي، “فقد صعد الفاتك أمامهم”، وردهم إلى أورشليم، بل وصاروا أقوياء به: “يقتحمون ويعبرون من الباب ويخرجون منه ويجتاز ملكهم أمامهم والرب في رأسهم”. لقد وعدهم الرب بأن يقودهم بنفسه، لقد أعاد لهم مجد الماضي حينما “كان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق وليلًا في عمود نار ليُضيء لهم. لكي يمشوا نهارًا وليلًا. لم يبرح عمود السحاب نهارًا وعمود النار ليلًا من أمام الشعب” (خر 13: 21، 22).

هذا حدث بالفعل حسب نبوة ميخا حينما ردهم الرب من سبيهم. ولكن نبوة ميخا النبي تشير أيضًا إلى معركة الخلاص من الخطية، حينما نزل الابن “الفاتك” من السماء وتجسد، وتألم نيابة عنا، وصُلب حاملًا خطايانا عوضًا عنا، ومات وقُبر وقام، وصار باكورة الراقدين، وفتح باب النصرة لكل من يؤمن به، رد آدم وبنيه إلى الفردوس الذي سبق وطُردوا منه، وترك لنا جسده ودمه لكي نحيا بهما ونأخذهما قائدًا لحياتنا، كما يقول الرسول: “أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ”. وأعطانا نعمة الروح القدس “لكي نستطيع أن نُجاوب كل واحد عن سبب الرجاء الذي فينا” (1 بط 3: 15). الروح القدس“الذي يشفع فينا بأنات لا يُنطق بها” (رو8: 26). الروح القدس الذي يأخذ مما للآب ويُعطينا (يو16: 15). فهو بالحقيقة: “صعد الفاتك أمامهم. يقتحمون ويعبرون من الباب ويخرجون منه ويجتاز ملكهم أمامهم والرب في رأسهم”“فشكرًا لله الذي يقودنا في موكب نُصرته في المسيح كل حين ويُظهر بنا رائحة معرفته في كُل مكان. لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفى الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة” (2 كو2: 14- 16).

تفسير ميخا 1 ميخا 2  تفسير سفر ميخا
تفسير العهد القديم تفسير ميخا 3
أ. بولين تادري
تفاسير ميخا 2  تفاسير سفر ميخا تفاسير العهد القديم

 

زر الذهاب إلى الأعلى