إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم

 

“إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم” (يو 15 : 20)

نحن لسنا من العالم ، لوكنا من العالم لكان العالم يرحب بنا.

ولكن حقيقة الإيمان بالمسيح تقوم أساساً على حمل الصليب واتباع المسيح خطوة خطوة . فالمسيح اضطُهد في بدء حياته التي انتهت بالصليب . والمسيحية من فجر حياتها واقعة تحت الاضطهاد والملاحقة ، وقامت وتقوم على هذا الأساس . ومن يرفض الصليب يؤخذ بالأحضان ، ومن يحمل الصليب يوضع عليه ضريبة الاضطهاد والملاحقة . فالأمر واضح جداً ، واختيار حياة الإيمان هو اختيار حياة الضيق في العالم . والذي يرفض الضيق ويقاوم الاضطهاد هو يرفض الصليب ، ويلزمه أن يخرج من العالم .

لذلك أصبح من الحكمة أن نعيش ونحتمل الضيقات ، ولا نئن أو نحتج أو نقاوم . و لأن الذي يئن يلزمه أن يفهم أن أنينه سيورثه الهم بلا داع ، فالأنين في احتمال الآلام يضيع أجر احتمالها . والذي يحتج يُوضع عليه النير أكثر ، ويُغرم بسبب احتجاجه . والمقاوم يزداد عليه النير ويُضطهد ضعفين ، ولا يكون له أجر بل يضيع أجر إيمانه ، ولن يقبله الله أو يعطف عليه . فالمسيح قبل الاضطهاد صامتاً ، فالذي يحتج ، في الحقيقة يحتج على المسيح وعلى الصليب وعلى الإيمان . وهو كمن يقاوم نفسه ويضيع سلام حياته سُدی بدون مقابل .

والذي يئن أو يحتج أو يقاوم ، يلغي حقيقة إيمانه بالمسيح . ونحن حينما نقبل الاضطهاد نكون أثبتنا أننا مسيحيون حقاً . 

كل من احتمل الاضطهاد يثبت أنه صادق في مسيحيته ومؤمن حقا بالمسيح والصليب ، ويستحق المديح لتشجيعه على الاستمرار في إيمانه . أما إذا اشتكى المسيحي من الضيق أو الاضطهاد ، فقد ألغى إيمانه وليس له مع المسيح نصيب .

والحكمة تقول : “يا ابني تقبل نصيبك من يد الرب ، فالذي يحتمل الضيقات تخف عليه”، والذي يشكر الله على الضيقات يكون كمن ألغي ثقلها كلية ، وربما طلب المزيد من يد الرب . فسر احتمال الضيقات هو في الحقيقة سر النصرة ، لهذا لما صلب المسيح قال : ” ثقوا أنا قد غلبت العالم” . وهذا هو نصيبنا نحن المسيحيين إن احتملنا ضريبة الصليب ، التي هي آلام الاضطهاد وضيق العالم ، نستطيع أن نقول مع المسيح ” أنا غلبت العالم ” ( يو 16 : 33) . إذن غلبة العالم هي في احتمال ضيقاته ، وإلا كيف يقول بولس الرسول : ” افرحوا..وأقول أيضا افرحوا ” ( في 4: 4 ) ، فعلى ماذا نفرح ، أليس على الضيقات ؟ ويقول أيضا : ” اشكروا في كل شيء ” ، فعلى ماذا نشكر ، أليس على حياة الإيمان القائم على تحمل الآلام ؟

والقديس بولس يقول : “مفتدين الوقت” ، فهو يرى أن الزمن الذي نعيشه الآن مملوء متغيرات وليس على حال واحد . والإنسان الحكيم يحيا أيامه متوقعاً أن كل شيء سيتغير . لذلك فهو يعيش على رجاء الآتي ، لأن الرب أعد لنا حياة نحياها فوق في حب الآب . وهكذا يلزم أن نفتدي الزمن ، بمعنى أن نتحمل آلامه برجاء الحياة الأخرى التي لا يكون فيها حزن ولا بكاء ولا تتهد ، بل نحيا في نور الآب الذي سيمسح كل دمعة من عيوننا . 

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

زر الذهاب إلى الأعلى