التجسد الالهي

أولاً: مفهوم التجسد الإلهي

التجسد في اَلمسيحية عقيدة جَوهرية وَخلاصية وَاتحادية ..

  •  جوهرية: لا يمكن التفريط فيها، فغيابها إلغاء للمسيحية.السيد المسيح
  •   خلاصية: لأنها أساسية لخلاصنا، إذ كيف نخلص بدون فداء؟ وكيف يفدينا الرب بدون سفك دم وموت؟ وكيف يموت بدون تجسد.
  •  اتحادية: بمعني أن حلول كل ملء اللاهوت جسديًا في الانسان يفتح الطريق لسكنى الله في فيه.

“عَظِيم هُوَ سِر التَّقْوَى: الله ظَهَرَ فِى الْجَسَدِ ” 1تى 16:3

  •  التجسد الإلهي يعني أن الله، وهو ملك الملوك، تنازل وأخذ جسد إنسانياً، فاتحد بطبيعتنا، وظهر بيننا علي الارض.
  •  والتجسد الالهي يعني أن الله غير المنظور قد صار منظوراً في جسد إنسان.
  • والتجسد الالهي يعني أن الله قد تواضع حباً فينا وأخلي ذاته وأخذ جسدنا.

–       “أَخْلَي نَفْسَه ، آخِذَا صَورَةَ عبْدَ، صَائِراَّ في شَبْه اَلنَّاسَ” (فى – 7:2)

“وَالْكَلِمَة صَارَ جَسَدً ا وَحَلَّ بَيْنَنَا” يو 14:1

أقنوم الابن “الله اَلكلمة ” صار إنسانا وحل بيننا.. ولفظة صار هنا لا تعني الصيرورة أو التحول، بل تعني (أخذ جسداً) كما يقول القديس باسيليوس الكبير في القداس الإلهي:,Af[icarx أى أخذ جَسدا.. وأقنوم الابن لم يتجسد فقط ، بل تجسد وتأنس، وهذا يعني أنه تجسد في جسد إنساني وأخذ الطبيعة الإنسانية كلها.

ثانيًا: لا صعوبة فى فكرة التجسد

التجسد الإلهي لا يعني أن الله قد أخلي السماء من وجوده حين نزل علي الارض:، فوجوده يملأ السموات والارض، وإنما أخلي ذاته من المجد..وهذا الامر داخل في دائرة قدرة الله، وليس فيه صعوبة أو غرابة.لأن اَلذى يَملك اَلكل يَملكَ الجزء، والذى يَملك اَلأكثر يَّملك اَلأقل:

  •  أليس في قدرة الملك أن يلبس رداء العامة ويجلس بينهم؟
  •  أليس في إمكان الرجل الرفيع الشأن أن يتنازل ويسير بين الفقراء؟
  • أليس في قدرة المدرس أن ينزل إلي مستوى التلاميذ ويتحدث اليهم؟

ثالثًا: ضرورة التجسد الإلهى

لم يَكن اَلتجسد اَلإلهي هَدفا فَي ذَاته ، بل كَان وَسيلة لَتحقيق أَهداف أَخرىَّ، وَهي :

  1.   فداء الإنسان
  2.   تجديد خلقته
  3.    تعليمه
  4. تقديم النموذج للكمال الإنساني

        يقول القديس أثناسيوس الرسولي: (يجب أَن نَعلم أَن اَلفساد اَلذى حَصل لَم يَكن خَارج الجسد، بل لَصق بَه ، وكان مَطلوبا أَن تَلتصق بَه اَلحياة عوض اَلفساد، حتى كَماَ تمكن اَلموت مَن اَلجسد تَتمكن مَنه اَلحياة أَيضا) (تجسد اَلكلمة ف4:44 ).

ويقول أيضاً (لهذا اَلسبب كَان مَعقولاً أنَ يَلبس اَلمخلص جَسدا، حتى إَذا مَا اَتحدَ الجسد بَالحياة لاَ يَبقى فَي اَلموت كَمائت، بل يَقوم فَي عدم اَلموت إَذ لَبس عدمَ الموت.. كذلك لمَ يَكن مَمكنا أَن يَظهر اَّلموت إَلا فَي اَلجسد وَفقاً لَطبيعته ، لهذا لَبسَ المسيح جَسدا لَكي يَجد اَلموت فَي جَسده وَيبيده)(تجسد اَلكلمة ف 6:44 ).

–       ويقول القديس كيرلس الكبيرلم يَكن هَناك وَسيلة أَخري لَزعزعة سلطان اَلموت إَلا فقط بَتجسد اَلابن اَلوحيد، فقد اَقتنى لَنفسه جَسدا قَابلا لَلفساد، لكي يَستطيع بَكونه هَو نفسه اَلحياة أَن يَزرع فَي اَلجسد اَمتيازه اَلخاص اَلذى هَو اَلحياة( المسيح وَاحد(.

      

رابعًا: تهيئة الأذهان للتجسد الإلهى

ظل الله يهيئ الأذهان لفكرة التجسد الالهي عبر القرون الطويلة لعمر البشرية.فأختار له شعباً، وميزه بالشريعة والناموس، وأرسل إَليهم اَلأنبياء اَلذين تَنبأوا عن مَجئ اَبنه اَلوحيدَ بتفصيلات مَدهشة :

1-    نبوات مهدت للتجسد: 

–       تنبأ الانبياء عن نسب السيد المسيح المخلص، فذكروا أنه سيأتي من نسل امرأَّة)تك 15:3 )، ومن نسل سام (تك 26:9 )، ومن إبراهيم (تك 18:18)، ومن إسحق دون إسماعيل (تك 19:17 )، ومن يعقوب دون عيسو (عد 17:24)، ومن سبطَ يهوذا (تك 8:49 – 11)، ومن نسل داود (مز 89 )

–        كما تنبأ إشعياء أنه سيولد من عذراء )إش – 14:7 (، وتنبأ ميخا أنه سيولد في بيت لحم  (مى 2:5 )، وتنبأ دانيال عن زمن مجيئه بكل دقة (دا 24:9 – 27 )، وتنبأ داود عن المجوس وهداياهم :(مز 29:68 )، وتنبأ إرميا عن مذبحة بيت لحم )إر15:31 (، وتنبأ إشعياء عن مجئ العائلة المقدسة لمصر )إش 1:19 (، وتنبأ هوشوع عن عودتها )هو 1:11 .)

2-   ظهورات مهدت للتجسد : –

تزخر أَّسفار اَلعهد اَلقديم بَالأحداث  اَلتي تَعلن عن ظهور اَلله للآباء فَي اَلقديم بَصورةَ مرئية مَثل: ظهورات  الله لابراهيم وهاجر ولوط وإسحق ويعقوب وموسى وهارون و ………..

وكان لكل ظهور مدلوله الخاص، ورسالته التي تتعلق بالموقف نفسه. وكذلك كانت هناك رسالة عامة تقدمها هذه الظهورات الإلهية لجميع الاجيال، وهي أنها تعلن عن الله من جهة،الطفل يسوع وتدل علي إمكانية تجسده وظهوره من جهة أخري.. فمادام الله لم يستنكف أن يتخذ هيئة ملاك أو انسان في القديم لكي يظهر للبشر فيروه ويتحتدث اليهم، فليس هناك ما يمنع أن يتخذ جسدا حقيقياً في ملء الزمان ليتمم به فداء الانسان

3-   رموز مهدت للتجسد

وكانت هَناك رَموز لَلتجسد اَلإلهي نَذكرهَّنا بَعضها، مَثل: سلم يعقوب -عليقة موسي – المن النازل من السماء – لوحي الشريعة – خيمة الاجتماع – المنارة الذهبية – تابوت العهد – قسط المن – عصا هارون – باب حزقيال المغلق – حجر دانيال

4-   عوامل عالمية مهدت للتجسد :

  •   انتشار عدد كبير من اليهود ومعلميهم: في بقاع عديدة في العالم:، وترديدهم : لفكرة المسيا المنتظر.
  •  وحدة اللغة بين شعوب العالم بانتشار اللغة اليونانية.
  •   الترجمة السبعينية لأسفار العهد القديم والتي ساعدت علي نشر هذه الاسفار بين شعوب العالم باللغة اليونانية
  •   سيطرة الإمبراطورية الرومانية علي العالم، مما جعلها تمهد الطرق بين الامم ، مما جعل الانتقال اكثر سهولة
  •   انتشار الفلسفة وما أحدثته من اثر في عقول الناس وافكارهم، فارشدتهم الي ضرورة الاعتقاد في إله واحد ،عاقل، ناطق، حي ، يضبط الكون بقوانين ثابتة. ولذلك قال إكلمنضس السكندري: (إن اَلفلسفة أَرشدت اَليونانيين إَلي اَلمسيح، مثلما أَرشد الناموس اَليهود إَليه ).

خامسًا: كيف حدث التجسد الإلهى ؟

لَمَّا جَاءَ مَلْءَ اَلزَّمَان، أَرْسلَ اَللهَ اَبْنَه مَوْلُودَا مَونِ اَمْرأَةَ، مَوْلُودَا تَحْتَ التجسداَلنَّامُوسَ، لِيَفْتَدِىَ الَّذِينَ تَحْتَ اَلنَّامُوسَ” (غل 4:4-5) في ملء الزمان وبعد ان اعد الله البشرية لمجئ ابنه، أرسل الله الملاك جبرائيل بالبشارة المفرحة الي عذراء في الناصرة تدعى مريم وقال لها: قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». (لو 30:1-38)

وهكذا حل الرروح القدس علي العذراء مريم:، وكوَّن منها جسد المسيح، فكان طاهرا خالياً من الخطية الجدية، وكذلك من الفساد الوراثي، لأنه أتي بعمل معجزي بدون ذرع بشر… وفي الوهلة الاولي التي هيأ فيها الروح القدس مبدأ الناسوت في بطن العذراء، في نفس الوهلة اتحد اللاهوت به

سادسًا: ولادة يسوع المسيح ابن الله

وبعد أن تمت أيام الحبل المقدس (تسعة أَشهر )َّ، ولدت العذراء مريم الطفل يسوع ابن الله الكلمة المتجسد. وفرحت الملائكة بهذا الميلاد العجيب وترنمت : “الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ” (لو 14:2)

سؤال لماذا قَام أَقنوم اَلابن بَالذات بَعملية اَلتجسد؟

الجواب: أولاً نريد ان نوضح أن الاقانيم الثلاثة شاركت في التجسد، وفي الفداء…. فالآب أرسل الابن، والروح القدس هيأ ومهد، ورأينا دوره في الحمل المقدس إذ حل علي العذراء .. أما اَلابن فَهو اَلذى أَخذ جَسدا إَنسانيا، وَذلك لَلأسباب اَلآتية :

أ‌-       أقنوم اَلابن (اللوغوس) هو اَلخالق كَما يَقول اَلوحي اَلمقدس :كُلَّ شَئ بَه كَان ، وَبِغَيْره لَم يَكُنْ شَئَ ممَّا كَان ” )يو 3:1

.) – “الْعَالَمِين أَتْقِنَتْ بَكَلِمَة اَللهَ“عب 3:11

يقول القديس اثناسيوس : وكيف كان ممكناً أن يتم تجديد الخليقة إلا بحضور نفس صورة الله “اقنوم الابن”

ب‌-   أقنوم الابن هو الخاص بالإعلان عن الذات الالهية كما يقول الوحي المقدس.) “اَللَّه لَم يَراهَّ أَحَدَ قَطَّاَلاِبْنُ اَلْوَحِيدُ اَلَّذِى هَوَ فَي حَضْنِ اَلآب هَوَ خَبَّر)يو 18:1

ت‌-     “قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مَنْ عدَمَ اَلْمَعْرفة ” )هو 6:4 (،وضل في طريق بعيدة، فكان لابد أن يأتي أقنوم الحكمة والمعرفة، ويقدم مثلاً ونموذجاً، ويعلم الناس الفضيلة. ولهذا قال السيد المسيح: ” تَعَلَّمُوا مَنِي” )مت 29:11

سابعًا: بركات التجسد الإلهى

التجسد اَلإلهي :

  •  كشف لنا عن محبة الله العميقة جدا للإنسان.
  •   كان الخطوة الاساسية لفداء الانسان.
  • جدد طبيعة الإنسان الساقط، اذ اتحد ابن الله بالجسد الإنساني.
  • علم الانسان الكثير والكثير عن الله.
  •   قدم للإنسان المثل الاعلي في الكمال الإنساني.

زر الذهاب إلى الأعلى