حول سرّ مسحة المرضى

1 – لماذا تحدث الرسول يعقوب عن سرّ المرضى؟

الكنيسة كعروس تشارك المريض آلامه فيصلى الكهنة مع الشعب وعائلة المريض من أجله، لينال شفاء نفسه وجسده أيضاً. “أمريض أحد بينكم، فليدعُ قسوس الكنيسة، فيصلوا عليه، ويدهنوه بزيت باسم الرب، وصلاة الإيمان تشفى المريض، والرب يقيمه، وإن كان قد فعل خطية تُغفر له” (يع5: 14 – 15).

فى سرّ مسحة المرضى لا يزال السيدّ المسيح نفسه ينحنى على المرضى ليسكب عليهم محبته الإلهية والتصاقه بالإنسان المريض المتألم.

تطلب الكنيسة بروح عريسها أن يشفى أولادها، لكنها تقدم مشيئته لا مشيئتنا البشرية الذاتية، فقد يكون لخير المريض، بالرغم من مغفرة خطاياه، أن يبقى فى المرض لأجل تزكيته أو تأديبه أو بحكمة إلهية أخرى كما حدث مع بولس الرسول فى مرضه. “فقال لى تكفيك نعمتى، لأن قوتى فى الضعف تكمل. فبكل سرور أفتخر بالحرى فى ضعفاتى لكى تحل علىّ قوة المسيح” (2كو12: 9). لذلك تصلى الكنيسة قائلة:

[يا من أقام ابن الأرملة وابنة الرئيس من الموت لما أمرهما بالقيام، وأقام لعازر من بعد موته بأربعة أيام من الجحيم بسلطان لاهوته، أقم عبدك هذا من موت الخطية، وإن أمرت بإقامته إلى زمان آخر، فامنحه مساعدة ومعونة لكى يُرضيك فى كل أيام حياته.

وإن أمرت بأخذ نفسه فيكون ذلك بيد ملائكة نورانيين يخلصونه من شياطين الظلمة – انقله إلى فردوس الفرح ليكون مع جميع القديسين بدمك الذى سُفك من أجل خلاصنا الذى به اشتريتنا لأنك أنت رجاؤنا…].

2 – ماذا يرى آباء الكنيسة فى قول يعقوب الرسول: “أمريض أحد بينكم؟ فليدعُ شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب، وصلاة الإيمان تشفى المريض، والرب يقيمه، وإن كان قد فعل خطية تُغفر له. اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات، وصلوا بعضكم لأجل بعض، لكى تشفوا” (يع5: 14 – 16)؟

يرى العلامة أوريجينوس أنه يليق بالمؤمن أن ينشغل بالتمتع هو وإخوته بالحياة المقدسة فى الرب ونوال غفران خطاياه، ففى عظاته على سفر اللاويين (1 – 16) يعدد بعض المناسبات التى يستغلها المؤمن للتمتع بهذه العطية:

أولاً: عندما نتمتع بالمعمودية ننال غفران الخطايا (مر1: 4).

ثانياً: إن سمح الله لنا بآلام الاستشهاد ننال المغفرة.

ثالثاً: إذ نقدم عطاء للمحتاجين فهو مغفرة الخطايا، إذ يقول الرب: “بل أعطوا ما عندكم صدقة فهوذا كل شئ يكون نقياً لكم” (لو11: 41).

رابعاً: ننال مغفرة الخطايا إن كنا نغفر خطايا إخوتنا، إذ يقول الرب المخلص نفسه: “فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوى. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم” (مت6: 14 – 15).

خامساً: يُقدم لنا غفران الخطايا بقوله: “فليعلم أن من ردّ خاطئاً عن ضلال طريقه، يخلّص نفساً من الموت، ويستر كثرة من الخطايا” (يع5: 2).

سادساً: تُغفر الخطايا حيث يوجد فيض من الحب، وذلك كقول الرب نفسه: “قد غُفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيراً” (لو7: 47). ويقول الرسول: “لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة، لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا” (1بط4: 8).

سابعاً: مغفرة الخطايا خلال الندامة، وإن كان ذلك يتم بصعوبة ومجهود، حيث يغسل الخاطئ فراشه بدموعه (مز6: 7).

ثامناً: يقدم يعقوب الرسول الفرصة للمريض أن يدفعه المرض ليستدعى كهنة الكنيسة ويضعوا أياديهم عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب، وصلاة الإيمان تشفى المريض، كما تُغفر له خطاياه (يع5: 14 – 15).

هكذا يرى العلامة أوريجينوس أن المؤمن الحكيم، وإن كان يطلب شفاء جسده، مسلماً حياته الزمنية فى يدى مخلصه ليعمل ما فيه خيره. ما يشغله هو التمتع بأبديته، فيجد فى مرضه الفرصة سانحة أن يقدم توبة صادقة ويعترف طالباً من الرب غفران خطاياه.

ويميز القديس يوحنا الذهبى الفم فى مقاله بخصوص الكهنوت المسيحى بين محبة الوالدين لأبنائهم حسب الجسد، ومحبة الكاهن لابنه حسب الروح. فالوالدان ينشغلان ألا يُغضب ابنهما أصحاب المراكز العالية والسلطة، لأن هذا ليس فيه نفع للابن، أما الكاهن فما يشغله أن يقيم مصالحة بين الابن لا مع الحكام والملوك بل مع الله نفسه.

ويرى الأب قيصريوس أسقف Arles أن يعقوب الرسول يدعو المؤمنين أن يلجأوا إلى الكنيسة عندما يعانون من الأمراض وليس إلى السحرة والعرافين، لأن الكنيسة تطلب للمؤمن شفاء جسده وخلاص نفسه.

3 – ماذا نلمس فى الأسرار الكنسية المفرحة؟

تكشف الأسرار الكنسية عن محبة الله الفائقة.

† تقيم من المؤمن ابناً خاصاً لله (فى سرّ المعمودية).

† وهيكلاً لروحه القدوس قائد حياته واهب النصرة (فى سرّ الميرون).

† وتهبه مائدة سماوية لينمو (فى سرّ الإفخارستيا).

† وتغسله من كل دنس لينمو فى القامة، ويصير أيقونة المسيح (فى سرّ التوبة والاعتراف).

† ويتمتع بمشاركة المسيح عمله الكهنوتى (فى سرّ الكهنوت).

† وتقيم من بيته وكالة السماء (فى سرّ الزواج).

† وأخيراً إن تألم يجد السيد المسيح ينحنى بالحب ليحتضنه، كل الأعضاء تتألم معه وتصلى لأجله (فى سرّ مسحة المرضى)!

هذا هو سرّ الحب الإلهى، أو سرّ العرس السماوى.

زر الذهاب إلى الأعلى