ربنا يسوع المسيح مخلص العالم

1 – لماذا أصرَّت الكنيسة أن تعتبر كتاب العهد القديم جزءاً لا يتجزأ من الكتاب المقدس؟

رَبَطّت الكنيسة بينه وبين قراءة العهد الجديد فى كل الصلوات الكنسية الليتورجية. كما تصدَّت الكنيسة بكل شدَّةٍ لكل الهراطقة[384] الذين حاولوا رفض كتاب العهد القديم من أن يكون جزءاً أساسياً من الكتاب المقدس. “لأن غاية الناموس: هى المسيح للبرّ لكل من يؤمن، لأن موسى يكتب فى البرّ الذى بالناموس: إن الإنسان الذى يفعلها سيحيا بها” (رو10: 4 – 5). اقتبس الرسول بولس من موسى العبارة: “تحفظون فرائضى وأحكامى التى إذا فعلها إنسان يحيا بها” (لا18: 5). وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبى الفم[385] إن الإنسان لا يمكن ان يحيا ولا أن يتبرّر ما لم يتمّم كل الفرائض وأحكام الناموس، الأمر الذى يعتبر مستحيلاً. لهذا فإذ أراد اليهود أن يتبرّروا بالناموس، فالناموس عينه يُعلن عن العجز التام لكل إنسانٍ أن يحقّق البرّ والحياة… بهذا يدفعنا إلى الإيمان بربنا يسوع المسيح الذى وحده لم يكسر الناموس، بل وقادر على تبرير مؤمنيه. بهذا لم يترك الرسول بولس لليهود عذراً يلتمسونه، فإن الناموس نفسه يُعلن عن المسيح بكونه وحده يتركّز فيه البرّ، من ينعم بالبرّ الذى قصده الناموس، ومن يرفضه إنما يرفض البرّ حتى وإن ظنَ فى نفسه أنه بالناموس يتبرّر. يقول القدّيس إكليمنضس السكندرى: [المسيح هو غاية الناموس للبرّ، الذى أنبأنا عنه بالناموس لكل من يؤمن[386].].

فى القديم كان اليهود يعتزون بأنهم شعب الله الذى تسلم الشريعة الإلهية بواسطة موسى بيد ملائكة (عب2: 2)، أمّا الآن فقد جاءنا الكلمة نفسه متجسداً، يهبنا ذاته، ويجعلنا فيه أبناء الآب فى مياه المعموديّة بالروح القدس. يقول القدّيس أغسطينوس: [أرسل الناموس بواسطة خادم، أمّا النعمة فجاء بنفسه من أجلها[387].].

2 – كيف شهد الناموس للسيد المسيح؟

إن كان برّ الناموس صعباً بل ومستحيلاً، فقد جاء السيد المسيح لا ليقدّم وصايا سهلة، ولا ليتهاون مع مؤمنيه، وإنما قدّم ذاته قريباً من مؤمنيه، بل ساكناً فيهم، لا ليتمّموا أعمال الناموس إنما به يزيد برّهم عن الكتبة والفرّيسيّين، كقوله: “إن لم يزد برّكم على الكتبة والفرّيسيّين لن تدخلوا ملكوت السماوات” (مت5: 20).

3 – لماذا يعاتب القدّيس بولس الرسول شعبه اليهودي؟

لتجاهلهم الدور الرئيسى الذى كان يجب أن يقوموا به كشعب الله المختار، وهو الكرازة بالمسيّا الذى شهد له العهد القديم برموزه ونبواته. بمعنى آخر كان يليق بهم عوض الدخول فى مناقشات غبيّة بتشامخٍ وكبرياءٍ ضد الأمم أن يكونوا هم الكارزين لهم بالإيمان. هذا ما قصده الرسول بقوله: “فكيف يدعون بمن لا يؤمنوا به؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز؟ وكيف يكرزون أن لم يُرسلوا؟ كما هو مكتوب ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام، المبشرين بالخيرات…” (رو10: 14 – 15).

4 – ما هو الموضوع الرئيسى لأنبياء العهد القديم؟

يرى القدّيس يوحنا الذهبى الفم فى العبارة: “بسطت يديّ طول النهار إلى شعبٍ متمردٍ” (إش65: 2؛ رو10: 21) إشارة إلى العهد القديم بأكمله حيث بسط الرب يديه خلال نداء الأنبياء المستمر، وإعلانه عن حُبّه لهم رغم عنادهم ومقاومتهم. إنه أب يبسط يديه نحو شعبه، كما نحو طفله الصغير الذى يرفض أحضان أبيه المتّسعة له بالحب. ويرى القدّيس يوستين فى هذا القول النبوي (إش65: 2) إشارة إلى الصليب حيث بسط الرب يديه عند موته ليحتضن الكل[388].

جاء فى القداس الغريغورى: [أنت يا سيدى حوَّلتَ لى العقوبة خلاصاً. كراعٍ صالحٍ سعيتَ فى طلب الضال. كأبٍ حقيقيٍّ تعبتَ معى أنا الذى سقط. ربطتَنى بكل الأدوية المؤدِّية إلى الحياة. أنت الذى أرسلتَ لى الأنبياء من أجلى أنا المريض. أعطيتنى الناموس عوناً. أنت الذى خدمتَ لى الخلاص لَمَّا خالفتُ ناموسك. كنورٍ حقيقيٍّ أشرقتَ للضالين وغير العارفين.] فالناموس والنبوات من الوسائط التى أعطاها الله للإنسان كجزء من الإعداد للفداء فى انتظار المسيح الفادى والمخلِّص الذى سيَهِبُ البرّ، ويفتح الطريق إلى السماء.

ويقول القديس أغسطينوس عن النبوات كبرهان قاطع لصدق إيماننا بالمسيح: [ “لكنهم مخدوعون كثيراً، أولئك الذين يعتقدون بأننا نؤمن بالمسيح بدون أية أدلةٍ بخصوصه. فهل هناك برهان أوضح من هذا: أن الأمور التى قد أنبِيءَ عنها نراها الآن قد تحقَّقت؟] فكل أحداث حياة السيد المسيح لم تكن أموراً مفاجئةً، طالبنا السيد المسيح بعد ذلك أن نؤمن بها، بل إنه هو نفسه كان يؤكِّد باستمرار، حتى بعد قيامته، أن هذه كلها كانت مكتوبة عنه فى الكُتُب.

أولاً: نبوات عن حياة السيد المسيح

5 – ما هي أهم النبوات الخاصة بتجسد الكلمة من نسل الملك داود من سبط يهوذا؟

أولاً: فى حديث الله للحيَّة بعد سقوط آدم وحواء فى الخطية يعلن عن المخلص أنه من نسل المرأة، إذ يقول: “وأضعُ عداوة بينكِ وبين المرأة، وبين نسلكِ ونسلها. وهو يَسحَقُ رأسكِ، وأنتِ تَسحَقِين عَقِبَة”. (تك3: 15). وقد جاء المخلِّص من نسل المرأة، وسحق رأس الحيَّة. وإذا كان الشيطان قد تعقَّب المسيح الإله المتجسِّد حتى الصليب، إلاَّ أن السيد المسيح سَحَقَ رأسه بقيامته وإخراجه لأرواح الأبرار من الجحيم.

ثانياً: فى بَرَكَة يعقوب لبنيه الاثنَيْ عشر، قال ليهوذا السبط الذى جاء منه السيد المسيح: “لا يزول قضيبّ من يهوذا ومُشْتَرِعّ من بين رِجْلَيْه حتى يأتى شيلون وله يكون خضوع شعوبٍ” (تك49: 10) “قضيبّ” أى صولجان المُلْك، “مُشْتَرِعّ” أى المُشَرِّع الذى يَسِنُ القوانين ويَقضِي بها لأجل إقرار الحق. “شيلون” كلمة عبرية أقرب معانيها هو “الذى له القضيب” أو “الذى له المُلْك”، وهو المعنى الذى أَخَذَت به أيضّاً الترجمة السبعينية. هكذا تكون هذه الآية نبوةّ عن السيد المسيح، والذى أُشيرَ إليه بكلمة “شيلون”، إذ هو ملك الملوك ورب الأرباب (رؤ19: 16). وبالتالى يمكن أن نقرأ هذه الآية هكذا: لن يزول المُلْك من سبط يهوذا، ولن يبتعد القضاء عن نسله، إلى أن يأتى المسيح الملك والمدبّر والقاضى الحقيقى الأبدى الذى تخضع له كل الشعوب “. إذاً فهذه الآية نبوةّ عن مجيء المسيح من سبط يهوذا.

ثالثاً: “ويخرج قضيبّ من جذع يَسَّى، ويَنبُت غصنّ من أصوله، ويحلُّ عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب. ولذَّته تكون فى مخافة الرب، فلا يَقضِى بحسب نظر عينَيْه، ولا يحكم بحسب سَمْع أذنَيْه، بل يقضِى بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسى الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويُميت المنافق بنفخة شفتَيْه. ويكون البرّ منطقة مَتْنَيْة، والأمانة مِنطَقة حَقْوَيه” (إش11: 1 – 5). فالسيد المسيح المخلِّص، الذى له كل ما سبق من أوصاف، سيأتى من بيت يَسَّى والد داود.

رابعاً: “قطعتُ عهداً مع مختارى، حلفتُ لداود عبدى: إلى الدهرأُثَبِت نسلك، وأبني إلى دَوْرٍ فدَوْرٍ كرسيَّك”. (مز89: 3، 4).

“وأجعلَّ إلى الأبد نسله (نسل داود)، وكرسيَّه (كرسيُ داود) مثل أيام السماوات”. (مز89: 29).

“مرَّةً حلفتُ بقدسى، إنى لا أكذبُ لداود: نسله إلى الدهر يكون، وكرسيُّه كالشمس أمامى. مثل القمر يُثَبَّت إلى الدهر. والشاهد فى السماء أمينّ”. (مز89: 35 – 37).

هذه الكلمات عن دوام مُلْك داود “إلى الأبد”، “إلى الدهر”، “إلى دَوْرٍ فدَوْرٍ”؛ وعن ثبات كرسيِّه “مثل أيام السماوات”، “كالشمس أمامى”، “مثل القمر”، لا يمكن أن يتحقَّق إلاَّ فى شخص السيد المسيح الذى يأتى من نسل داود.

6 – ما هى أهم النبوات الخاصة بميلاد السيد المسيح؟

أولاً: ميلاده من عذراء ودعوته عمانوئيل. “ولكن يعطيكم السيد نفسه آيةً: ها العذراء تحبل وتَلِدُ ابناً وتدعو اسمه عِمَّانوئيل” (إش7: 14). فالله ليس فقط سيعطينا آية أو يقدِّم لنا معجزةّ، بل فى هذه المرَّة يصير هو نفسه الآية أو المعجزة من خلال ميلاده من عذراء بتول ليُدعَى “عِمَّانوئيل” الذى تفسيره “الله معنا”.

ثانياً: ميلاده فى بيت لحم. “أمَّا أنتِ يا بيت لحم أفراته، وأنتِ صغيرةّ أن تكونى بين ألوف يهوذا فمِنكِ يخرج لى الذى يكون مُتسلِّطّاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل”. (مى5: 2) صاحب السلطان هذا المتسلِّط على كل إسرائيل، هو أزليُّ. ومَنْ هو الأزلى الذى يولد فى زمنٍ إلاَّ مخلِّصنا يسوع المسيح الإله المتجسِّد وحده، وُلد فى المدينة الصغيرة بيت لحم.

ثالثاً: هروبه إلى مصر. “لَمَّا كان إسرائيل غلاماً أحببتُه، ومن مصر دعوتُ ابني” (هو11: 1) وحيّ من جهة مصر: هوذا الرب راكبّ على سحابةٍ سريعةٍ وقادمّ إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهة، ويذوب قلب مصر داخلها “. (إش19: 1).

رابعاً: مِسحة السيد المسيح بالروح القدس: “روح السيد الرب عليَّ، لأن الرب مَسَحَنى لأُبَشِّر المساكين، أرسَلَنى لأعْصِب مُنكَسِرى القلب، لأُنادى للمَسبيِّن بالعِتْق، وللمأسورين بالاطلاق. لأُنادى بسَنةٍ مقبولةٍ للرب، وبيوم انتقامٍ لإلهنا. لأُعَزِّي كل النائحين”. (إش61: 1، 2). قد مُسِحَ السيد المسيح بتجسُّده أو خُصِّصَ من قِبَل الله الآب من أجل عمل الخلاص، الذى من خلاله سيُعطَى الرجاء للمساكين والمُنكَسِري القلب والمَسبيِّين والمأسورين والنائحين بسبب الخطية والموت وسلطان إبليس.

7 – ما هى أهم النبوات الخاصة بالأسبوع الآخير للسيد المسيح على الأرض؟

أولاً: دخول السيد المسيح أورشليم: “ابتهجي جدّاً يا ابنة صِهْيَون، اهتفى يا بنت أورشليم. هوذا مَلِكُكِ يأتى إليكِ. هو عادلّ ومنصورّ وديعّ، وراكبّ على حمارِ وعلى جحشٍ ابن أتانٍ.” (زك9: 9).

فالسيد المسيح مَلِك إسرائيل دخل أورشليم متواضعاً راكباً على حمارٍ وعلى جحشٍ ابن أتانٍ، وليس على فرسٍ مثل ملوك هذا العالم، إذ أن مملكته ليست من هذا العالم.

ثانياً: المؤامرة على تسليمه لرؤساء اليهود: “فقلتُ لهم إن حَسُنَ فى أعينكم فأعطُونى أجرتى وإلاَّ فامتنِعوا. فوَزَنُوا أجرتى ثلاثين من الفضة. فقال لى الرب أَلْقِها إلى الفخَّاريّ، الثمن الكريم الذى ثمَّنونى به. فأَخَذتُ الثلاثين من الفضة وألقيتُها إلى الفخَّاريّ فى بيت الرب”. (زك11: 12، 13) وهى نبوةّ واضحة عن المؤامرة التى قام بها يهوذا من أجل تسليم السيد المسيح لرؤساء اليهود فى مقابل ثلاثين من الفضة، ثم بعد ذلك نَدَمِه ومحاولته لردِّ هذا الثمن البخس إلى رؤساء اليهود مرَّةً أخرى. وقد رَفَضَ اليهود استعادة المبلغ، فطرحه يهوذا فى الهيكل ومضى وخَنَقَ نفسه. فاشترى اليهود بهذا المبلغ حقل الفخَّاريّ مقبرةّ للغرباء، وسُمِّيَ ذلك الحقل “حقل الدم.” (مت27: 3 – 8).

ثالثاً: آلام السيد المسيح. “بذلتُ ظهري للضاربين، وخدَّيَّ للناتفين. وجهي لم أستُر عن العار والبصق” (إش50: 6) “أمَّا أنا فدودةً لا إنسانً. عارً عند البشر ومُحتقَرُ الشعب. كل الذين يرونني يستهزِئون بي. يَفغَرون الشفاه، ويُنْغِضون الرأس قائلين: أتَّكَلَّ على الرب فليُنَجِّه، ليُنقِذُهُ لأنه سُرَّ به”. (مز22: 6 – 8). “لأنه قد أحاطت بى كلابّ. جماعةّ من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يديَّ ورجليَّ. أُخصِي كل عظامى، وهم ينظرون ويتفرَّسون فيَّ. يَقْسِمون ثيابى بينهم، وعلى لُبَاسي يقتَرِعون” (مز22: 16 – 18). “ويجعلون فى طعامي عَلْقَمَّاً، وفى عطشى يَسقُونَني خلاً.” (مز69: 21).

نلاحظ ما احتوته هذه النبوات من وصفٍ دقيقٍ لتفاصيل آلام السيد المسيح. ونلاحظ أيضاً فى الآيات التى اقتبسناها من سفر المزامير لداود النبى أن المتكلِّم هو داود النبى نفسه، ولكن المقصود بالكلام بكل وضوح ودقة هو شخص السيد المسيح. فعلى سبيل المثال، لم تُثقَّب يدَيْ داود أو رِجلَيْه، ولم تُقسَم ثيابه أو اقتُرِعَ على لُبَاسه؛ لكن تمَّ هذا للمسيح وقت الآلام والصلب.

وننتقل إلى أقوى نبوات الكتاب المقدس عن آلام السيد المسيح، والتى جاءت على لسان إشَعْياء النبى الذى وَصَفَ آلام المسيح كما لوكان أحد شهود عيان صليب المسيح رغم أن نبوته سبقت المسيح بأكثر من سبع مئة سنةٍ، حتى أنه دُعِيَ “النبى الإنجيلى”. وقد جاءت هذه النبوة فى الأصحاح الثالث والخمسين من سفر إشَعْياء: “مَنْ صدْق خبرنا، ولِمَنْ استُعلِنَت ذراع الرب؟ نَبَتَ قُدَّامه كفَرْحٍ وكعِرْقٍ من أرضٍ يابسةٍ، لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه. مُحتقَّرً ومخذولً من الناس، رجل أوجاعٍ ومُختبِر الحزن، وكمُستَّر عنه وجوهنا، مُحتقَّرً فلم نَعْتَدْ به. لكن أحزاننا حَمَلَها، وأوجاعنا تِحمَّلَها، ونحن حَسِبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروحّ لأجل معاصينا، مسحوقً لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحُبُرِه (بجراحاته) شُفِينا. كُلُّنا كغنمٍ ضَلَلْنا. مِلْنا كل واحدٍ إلى طريقه، والرب وَضَعَ عليه إثم جميعنا. ظُلِمَ أمَّا هو فتذلَّل ولم يفتح فاه. كشاةٍ تُسَاق إلى الذبح، وكنعجةٍ صامتةٍ أمام جازِّيها فلم يفتح فاه. من الضُّغْطة ومن الدينونة أُخِذَ. وفى جيله مَنْ كان يظن أنه قُطِعَ من أرض الأحياء، أنه ضُرِبَ من أجل ذنب شعبى؟ وجُعِلَ مع الأشرار قبره، ومع غَنِيِّ عند موته. على أنه لم يَعمَل ظُلماً، ولم يكن فى فمه غشَّ. أمَّا الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن. إن جَعَلَ نفسه ذبيحة إثمٍ َيَرى نسلاً تطول أيامه، ومسرة الرب بيده تنجح. مِنْ تَعَبِ نفسه يَرَى ويَشْبَعُ، وعبدي البار بمعرفته يبرِّر كثيرين، وآثامهم هو يحملها. لذلك أَقْسِمُ له بين الأعزاء ومع العظماء يَقْسِمُ غنيمةً، من أجل أنه سَكَبَ للموت نفسه وأُحصِىيَ مع أَثَمةٍ، وهو حَمَلَ خطية كثيرين وشَفَعَ فى المذنبين”. (إش53: 1 – 12).

يَصِف إشَعْياء النبي فى الجزء الأول شكل الرب يسوع المسيح على الصليب “مُحتقَرّ ومخزولّ من الناس، رجل أوجاعٍ ومُختبِر الحزن، وكمُسَتَّر عنه وجوهنا، مُحتقَرّ فلم نَعْتَدَّ به”، ثم يوضِّح أن كل هذا كان من أجلنا نحن الخطاة “وهو مجروحّ لأجل معاصينا، مسحوقّ لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحُبُّرِه (بجراحاته) شُفِينا”. كما يشير النبى إلى صلب المسيح بين لصَيْن مستحقَّيْن للموت “وأُحصِيَ مع أَثَمَةٍ”، وموته على الصليب من أجل تبريرنا “مِنْ تَعَبِ نفسه يَرَى ويَشْبَعُ، وعبدي البار بمعرفته يبرِّر كثيرين، وآثامهم هو يحملها”، ودفنه فى قبرٍ جديدٍ لرجلٍ غنيٍّ هو يوسف الرامي “ومع غَنِيٍّ عند موته”. وهكذا أخبر إشَعْياء النبي عن آلام المسيح وتفاصيل الصليب كما لو كان يراها عياناً مع تقديمه لشرح عميق لِمَا فى الصليب من مفاهيمٍ خلاصية.

8 – ما هى أهم النبوات الخاصة بقيامة السيد المسيح؟

كاتب الإنجيل يقول إن هذا القبر الذى فى البستان كان جديداً. هذه الحقيقة تعلن لنا أن موت المسيح البشير والرائد لدخولنا الفردوس، فقد دخل كسابقٍ من أجلنا (عب6: 20). جدة القبر فى الواقع هى دخول طريق غريب لم يدخل فيه أحد قط، بهذا نعود نحن من الموت إلى الحياة، وهو تجديد لنفوسنا. أيضاً يعنى أن المسيح ابتكره لأجلنا، به أبطل الفساد. لهذا بموت المسيح تحول الموت بالنسبة لنا إلى نوعٍ من النوم، له قوات وأعمال مشابهة (للرقاد). فإننا نحن أحياء لله (رو6: 11)، ونعيش إلى الأبد حسب الكتاب. بجانب هذا فإن القديس بولس الطوباوى يصف فى مواضع كثيرة الموت كرقادٍ وذلك بالنسبة للذين يموتون فى المسيح. ففي الأزمنة القديمة جعل الموت الرهيب الطبيعة البشرية فى رعبٍ.

“لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تَدَعَ تَقِيَّك يرى فساداً” (مز16: 10) “هَلُمَّ نَرجِع إلى الرب لأنه هو افتَرَسَ فيَشفينا، ضَرَبَ فيَجْبِرنا. يُحيينا بعد يومَيْن. في اليوم الثالث يٌقيمُنا فنحيا أمامه”. (هو 6: 1، 2) الآيتان هما نبوةّ عن قيامة رب المجد يسوع، والثانية تضيف أن القيامة فى اليوم الثالث.

9 – ما هى أهم النبوات الخاصة بصعود السيد المسيح إلى السماء؟

“صَعِدتَ إلى العلاء. سَبَيتَ سبياً. قَبِلتَ عطايا بين الناس، وأيضاً المتمرِّدين للسَّكَن أيها الرب الإله.” (مز68: 18) هذه نبوةّ عن صعود المسيح بعد أن تمَّم عمل الخلاص، وانتصر على العدو الشيطان وسبى منه أرواح الأبرار الذين كانوا فى قبضة الشيطان فى الجحيم.

ثانياً: نبوات عن عمل السيد المسيح

10 – ما هي أهم النبوات الخاصة بعمل السيد المسيح كنبي؟

“يُقيم لكَ الرب إلهاك نبياً من وَسَطِكَ من إخوتكَ مثلي. له تسمعون”. (تث 18: 15) فالسيد المسيح جاء من نسل إبراهيم، مثل باقى إخوته بالجسد، ليقوم بعمل النبوة أى ليخبرنا عن الثالوث القدوس.

11 – ما هى أهم النبوات الخاصة بعمل السيد المسيح ككاهن؟

“قال الرب لربي اجلس عن يمينى حتى أضعَ أعداءك موطئاً لقدمَيْك. يرسلُ الرب قضيب عِزِّكَ من صِهيَون. تسلَّط في وسط أعدائك. شعبُك مُنتَدَبّ في يوم قوتك، في زينةٍ مقدسةٍ من رَحِم الفجر، لك طَلُّ حداثتك. أَقْسَمَ الرب ولن يندم: أنت كاهنّ إلى الأبد على رُتبة مَلْكِي صَادَق”. (مز110: 1 – 4) بموت السيد المسيح على الصليب وقيامته وصعوده إلى السماوات قدَّم ذاته ذبيحةً لله الآب، ليصير هو أيضاً الكاهن إلى الأبد الذي قدَّم لمؤمنيه خبزاً وخمراً هما جسده ودمه الأقدسَيْن مثلما قدَّم مَلْكِي صَادَق خبزاً وخمراً.

ثالثاً: نبوات عن ألوهية السيد المسيح

12 – ما هي أهم النبوات الخاصة بألوهية السيد المسيح؟

جاء فى سفر إشَعْياء النبى: “لأنه يُوَلد لنا ولدّ ونُعطَى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعَى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً ابديّاً، رئيس السلام. لنمو رياسته، وللسلام لا نهايةَ على كرسيِّ داود وعلى مملكته، ليُثَبِتها ويَعْضُدَها بالحق والبرَّ، من الآن إلى الأبد. غيرة رب الجنود تصنعُ هذا”. (إش9: 6، 7) نلاحظ ما قيل عن رياسته “وتكون الرياسة على كتفه”، فكلُّ ملوك هذا العالم يُتَوَّجون بتيجان المُلْك على رؤوسهم، أمَّا السيد المسيح فقد كان مُلْكه على خشبة الصليب التي حَمَلَها على كتفه.

والنبوة الثانية من سفر الأمثال لسليمان الحكيم: “مَنْ صَعِدَ إلى السماوات ونَزَلَ؟ مَنْ جَمَعَ الريح في حَفْنَتَيْه؟ مَنْ صَرَّ المياه في ثوبٍ؟ مَنْ ثَبَتَ جميع أطراف الأرض؟ ما اسمه؟ وما اسم ابنه إنْ عَرَفْتَ؟” (أم30: 4) والكلام هنا واضحّ وصريحّ عن الله الذى له السلطان على الريح والمياه والأرض، ثم يأتي السؤال “ما اسمه؟ وما اسم ابنه إنْ عَرَفْتَ؟” والسؤال هنا ليس مجرد سؤال عن اسم الله الآب أو عن اسم ابنه، بل يُقصَد به استحالة إدراك الإنسان لطبيعة الله وسموِّه وعدم محدوديته. وما يعنينا هنا هو الإعلان عن ابن الله الذي لابُدَّ وأن يكون إلهاً من نفس طبيعة الله الآب، وقد كان اليهود يقفون أمام هذا السؤال فى حيرةٍ عاجزين عن الإجابة أو الفهم أو الإدراك. ولكننا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور نعرف جيداً وندرك بالروح القدس “ما أسمه؟ وما اسم ابنه؟” فهو الله الآب، وابنه هو ربنا يسوع المسيح الإله المتجسِّد الذى جاء من أجل خلاصنا.

من هذا العرض المختصر عن الجوانب المتعَدِدة التى أشارت إليها نبوات العهد القديم من حياة السيد المسيح، نكتشف أهمية النبوات التى تكاد أن تكون قد رَسَمَت صورة كاملة عن شخص الرب يسوع المسيح الذى تجسَّد فى ملء الزمان قبل مجيئه بمئات السنين، حتى أن اليهود الذين رفضوه هم بلا عذرٍ. لذلك كان كتاب العهد لقديم، بما يحتويه من نبواتٍ، جزءاً أساسياً من كتابنا المقدس نرى فيه شخص السيد المسيح بكل وضوح على ضوء العهد الجديد الذى رأينا فيه تحقيقاً دقيقاً لهذه النبوات.

الاستنتاجات[389]

1 – أعطى الله الناموس لبني إسرائيل لأجل تحجيم الشر.

2 – كان الناموس يحتوى على وصايا مختلفة تختصُّ بالسلوك، وكان حُكْمُه على مَنْ يكسر أياًّ من هذه الوصايا هو الموت.

3 – الناموس مقدَّسّ لأنه كلام الله وأحكامه. ولكنه لا يبرِّر الخطاة بل يحكم عليهم (مع ملاحظة أن الجميع خطاةّ)، كما أنه لا يغفر الخطايا، ولا يعالج الضعف البشري.

4 – احتوت كُتُب العهد القديم على أسفار التوراة التي تُمثِّل الجانب التشريعي، كذلك احتوت على النبوات التى تُمثِّل إعلانات إلهية تشير بشكلٍ سريٍّ إلى المخلِّص كي تُعِدَّ البشرية لاستقباله.

5 – أشارت النبوات تقريباً إلى كل جوانب حياة رب المجد يسوع المسيح المخلِّص، لكيلا يكون ظهوره كمخلِّص ادعاءً؛ بل تحقيقاً للنبوات، التى أشارت إلى: نَسَبُه حسب الجسد، وميلاده من عذراءٍ، والموضع الذى وُلِدَ فيه، وهروبه إلى مصر، ومِسحتُه من الروح القدس، ودخوله أورشليم كملكٍ متواضعٍ، وبَيْعه بثلاثين من الفضة، وآلامه الكَفَّارية وصليبه، ودفنه، وقيامته من الأموات فى اليوم الثالث، وصعوده إلى السماوات، عمله كنبي وككاهن، وأخيراً أنه هو الرب والإله.

13 – ما هي العلامات التي تؤكد أن المولود من القديسة مريم هو المسياَّ المخلَص المُنتظر؟

أ. قول إشعياء النبي عنه أنه مولود من عذراء (إش7: 14).

ب. نبوة ميخا النبي أنه يولد فى بيت لحم، وقد فهم يهوذا ذلك (مت2: 4 – 6).

ج. تنبأ ملاخي عن يوحنا المعمدان الذي يأتي بروح إيليا، يعدّ الطريق للربّ (مل3: 1؛ 4: 5).

د. تنبأ زكريا النبي عن دخوله أورشليم كملك راكباً على أتان (زك9: 9).

ه. تحدث إشعياء النبي عن آلام المخلّص فى شيءٍ من التفصيل (إش53).

و. تحدث داود النبي عن ثقب يديه ورجليه.

ز. تنبأ دانيال النبي عن موعد مجيئه.

14 – هل عرف البعض أن المولود من العذراء هو المسيَّا المخلّص؟

أ. شهد له الملائكة الذين ظهروا للرعاة وحثوهم على السجود له.

ب. قاد كوكب عظيم المجوس (يقول القديس يوحنا الذهبى الفم أنه ملاك ظهر في شكل كوكب) فجاءوا إليه يبشرون فى الطريق انهم ذاهبون للسجود لملك اليهود، وقدموا له ذهباً كملكٍ، ولباناً كرئيس كهنة سماوي، ومراً كمصلوب يتألم من أجل خلاص البشرية.

ج. أعلن الروح القدس عن شخص الطفل يسوع لسمعان الشيخ وحنة النبية.

د. شهد له القديس يوحنا المعمدان، قائلاً: “هذا هو حمل الله الذى يحمل خطية العالم”.

ه. شهد له الآب وهو يعتمد فى نهر الأردن، إذ قال: “هذا هو ابني الحبيب الذى به سررت” (مت3: 17). كما شهد له أثناء تجليه أمام ثلاثة من تلاميذه (مر9).

15 – ما هى تعاليم المسيح الرئيسية؟

أ. أن ندرك حقيقة حياتنا فى المسيح، أننا أولاد الله الآب، وأعضاء فى جسد المسيح، وهيكل الله وروح الله يسكن فينا.

ب. أن ندرك غاية حياتنا وهى التمتع بعربون السماويات، وننطق بالنعمة الإلهية من مجدٍ إلى مجدٍ، منتظرين يوم مجيء الرب بفرحٍ.

ج. أن نجاهد بالنعمة الإلهية فنسلك فى الرب (كو2: 6)، ونصير أيقونة للسيد المسيح.

د. أن ندرك ضعفاتنا، فنحتمل ضعفات إخوتنا، ونطلب لهم ولنا التوبة، مردّدين: “واغفر لنا ذنوبنا كما تغفر نحن للمذنبين إلينا”.

ه. نسعى بالعمل لحساب ملكوت الله، لكى ينضم إلى الكنيسة الذين يطلبون خلاص نفوسهم.

و. نحمل صورة المسيح كقول بيلاطس بنطس أنه كان دائم الابتسامة ولم يُنظر قط ضاحكاً، وفى مواقف معينة كان يحزن، إذ بكى على أورشليم التى قتلت الأنبياء ورفضت المسيّا المخلص.

ز. إذ قبل أبوانا الأولان كلمات الكذب والخداع التى لإبليس، يليق بنا أن نقبل نحن كلمات رب المجد بكونه الحق والطريق والحياة. قبل أبوانا بذار الخطية التى جلبت عليهما الموت، ونحن نقبل بذار الحياة الأبدية التى يغرسها الرب فى قلوبنا، فننعم بالحياة المقدسة وفرح الروح والأبدية. وكما يقول الرسول بطرس: “مولودين ثانية لا من زرع يفنى، بل مما لا يفنى بكلمة الله الحيّة الباقية إلى الأبد” (1بط1: 23).

16 – ما هى الآيات التى صنعها يسوع المسيح؟

يقول الإنجيلي يوحنا: “وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كُتبت واحدة واحدة، فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة” (يو21: 25). هذا بخصوص الآيات الظاهرة أما غير المنظورة فلا يقدر أحد أن يحصيها.

أ. أخرج شياطين كانت تسكن فى بعض الناس، ليعلن أنه يحررنا من إبليس وكل قواته الشريرة.

ب. فى مواقع كثيرة كان يشفي كل المرضى الذين قُدموا إليه. كان يشفيهم بكلمة من فمه أو بلمس يديه عليهم (غالباً ما كان يضعها على شكل صليب). كما كان البعض يُشفى بلمس هدب ثوبه كما فعلت نازفة الدم (مر5: 25 – 34). بهذا أعلن أنه الطبيب شافي النفوس والأجساد.

ج. أشبع الجماهير تارة بسمكتين وخمس خبزات (مت14: 13 – 22) وأخرى بقليل من السمك الصغير (مت15: 34). بهذا أعلن أنه وحده قادر أن يشبع نفوسنا بحضوره فينا بنعمته.

د. سار على المياه، وبكلمة هدأت الأمواج والعواصف.

ه. أقام من الموت ابن أرملة نايين (لو7: 11 – 17)، وابنة يايرس (مت9: 18)، ولعازر المدفون فى القبر منذ أربعة أيام (يو11).

17 – كيف قدم السيد المسيح الخلاص؟

أ. فى محبته لنا تجسد وتأنس كى يحلّ فى وسطنا كواحدٍ منا، فيدخل معنا فى صداقة فريدة. يقول القديس كيرلس الكبير: [صارت طبيعتنا مقبولة فى المسيح، لأننا كنا مطرودين بسبب عصيان آدم، والآن يقدمنا المسيح للآب[390].] كما يقول: [إنه الحمل الذى قدم نفسه ذبيحة ليخلص الإنسان من الخطية ويجعلنا أطهاراً بلا خطية، فيقودنا إلى الآب[391].].

ب. إذ كسرنا الوصية الإلهية، قدم لنا وصايا ووهبنا إمكانيات فائقة لكى نحفظ وصاياه، لذلك دعا نفسه “الطريق” (يو14: 6). قدم لنا حياته نموذجاً نشتاق أن نتبعه (يو12: 26)، ووهبنا روحه القدوس يقودنا فى المسيح بكونه الطريق (يو14: 6). يقول القديس كيرلس الكبير [كان من الضروري لكلمة الآب أن يصير نموذجاً لنا وطريقاً لكل عملٍ صالحٍ[392].] كما قال: [عندما صام المسيح فى البرية لم يصم لأجل نفسه، لأنه لم يكن محتاجاً إلى ذلك، إنما مارسه ليقدم نفسه كنموذجٍ ومثلٍ للحياة الفاضلة[393].].

ج. تألم وصُلب ومات لكي نحسب ألامنا شركة معه فنردد: “مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ” (غل2: 20).

د. إذ قام وصعد إلى السماوات، نقول مع الرسول: “اقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات” (أف2: 6). بقيامته أعلن نصرته على إبليس والخطية والموت. يقول القديس كيرلس الكبير: [انتصرت الطبيعة البشرية فى يسوع المسيح، إذ بلغ النصرة. لقد اشترك فى ناسوتنا لكى يهبنا الكثير من غناه.] كما يقول: [اللوغوس الذى صار جسداً مجَّد طبيعة الإنسان، إذ لم يتردد من أن يأخذ لنفسه (طبيعتنا) المتواضعة ليهبنا من غناه[394].].

18 – كيف خلصنا موت السيد المسيح على الصليب من الخطية واللعنة والموت؟

يبرز الرسول بولس دور السيد المسيح فى خلاص البشرية خلال مقارنته بين آدم الذى يعتبر رأس كل بنى البشر حسب الجسد، ويسوع المسيح الذى جاء من نسل آدم بتجسده، لكنه هو رأس البشر بكونه القدير واهب النعمة الإلهية، يتحدون به كرأس لهم خلال الإيماان.

ففى آدم ورثنا خلال الخطية كما حلّت اللعنة وسقطنا تحت حكم الموت. أما السيد المسيح الذى بمحبته لنا قبل الآلام والموت على الصليب ودخل إلى دائرة اللعنة ليس عن خطية ارتكبها، إنما لكى نتحد به فيحطم الخطية ويهبنا برّه عاملاً فينا، كما يطلقنا من دائرة اللعنة ويهبنا الحياة المُقامة عوض الموت. بهذا تلاقت مراحم الله علينا خلال العدل الإلهي. به صارت لنا حياة النُصرة وتأهلنا للحياة الأبدية المطوَّبة.

يكشف لنا الكتاب المقدس عن هذا السرّ هكذا: السرّ المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال، لكنه الآن قد أُظهر لقديسيه، الذين أراد الله أن يعرِّفهم ما هو غنى مجد هذا السرّ في الأمم، الذى هو المسيح فيكم رجاء المجد. “(كو1: 26 – 27)” لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد، فبالأولى كثيراً الذين ينالون فيض النعمة وعطية البرّ سيملكون في الحياة الواحد يسوع المسيح “(رو5: 17)” إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. لأن ناموس روح الحياة فى المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت. لأنه ما كان الناموس عاجزاً عنه في ما كان ضعيفاً بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه فى شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية فى الجسد. لكى يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. “(رو8: 1 – 4).

19 – هل هذا الخلاص يتمتع به جميع الناس؟

قدّم السيد المسيح المخلص نفسه ذبيحة من أجل الجميع كما قدم لهم نعمته وخلاصه المجانى. هذا من جانبه، أما من جانبنا فوهبنا كمال الحرية أن نتبعه فى آلامه ونتشبه بموته. ونردد مع الرسول: “لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته” (في3: 10). يسندنا فى ذلك التناول من جسد الربّ ودمه المبذولين عنا. كما يقول الرسول: “فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الربّ إلى أن يجيء” (1كو11: 26). ويقول: “ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” (غل5: 24).

20 – لماذا دعا القديس مار يعقوب السروجي صليب السيد المسيح مركبة إلهية؟

بعد موته على الصليب دُفن جسد المسيح فى القبر، وانطلقت نفسه بالصليب كمركبة إلهية تبلغ به إلى الجحيم ليحطم متاريسه، وينطلق بالذين كانوا محبوسين فيه إلى الفردوس وهم يتهللون بالنُصرة على إبليس كما على الموت. أما لاهوت السيد فلم يفارق نفسه ولا جسده.

يقول القديس بطرس: “فإن المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة لكى يقربنا إلى الله مماتاً فى الجسد، ولكن محيي فى الروح. الذى فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التى فى السجن”. (1بط3: 18 – 19).

21 – كيف صُلب السيد المسيح مع أن حياته وتعاليمه ومعجزاته شهدت لقداسته؟

لقد أبغضه الشيوخ والكتبة والفريسيون، لأنه وبّخهم على تعاليمهم الخاطئة وحياتهم الشريرة. فمن جانبهم حسدوه إذ أحبّته الجماهير أكثر منهم التى التقت به وسمعته ورأت المعجزات التى صنعها فصاروا يتهمونه كذباً وحكموا عليه بالموت.

22 – لماذا يذكر قانون الإيمان أنه تألم وصلب ودفن؟

لتأكيد أنه أخذ جسداً حقيقياً، وليس كما اعتقد بض الهراطقة أنه لم يأخذ جسداً حقيقياً بل ظهر للناس هكذا.

23 – كيف يتألم ويُصلب ويدفن وهو الإله؟

لأن هذه مسرّته أن يفدى الإنسان. لم يتألم لاهوته، ولكنه سُرّ أن يتألم ناسوته، لقد قال: “لأنى أضع نفسى لأخذها أيضاً، وليس أحد يأخذها منى، بل أضعها أنا من ذاتى. لى سلطان أن أضعها ولى سلطان أن آخذها أيضاً”. (يو10: 17 – 18).

24 – ماذا يعنى أن يسوع المسيح صُلب لأجلنا؟

إنه بموته على الصليب خلصنا من الخطية ومن اللعنة ومن الموت. يقول الرسول: “الذى فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته التى أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة”. (أف1: 7 – 8) كما يقول عن اللعنة: “المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب ملعون كل من عُلق على خشبة”. (غل3: 13) أما بخصوص الموت فقيل: “فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما لكى يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت أى إبليس، ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعهم كل حياتهم تحت العبودية”. (عب2: 14 – 15).

25 – لماذا أعلن السيد المسيح عن قيامته لخاصته وحدهم؟

تم الصلب علانية أما القيادات اليهودية والشعب كما أمام الوالى والقادة العسكريين الرومان والعسكر، لكى يكشف عن حبه وبذل نفسه للجميع لليهود وللأمم، أما قيامته فتمتع بها من هم مستعدون للإيمان به حتى يتأهلوا لتتمتع بالحياة المُقامة، ويكرزوا بقيامته كعلامة لقبول الآب ذبيحته عن البشرية. يقول الرسول: “ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين”. (1كو15: 20) يقول القديس أغسطينوس: [لنرى بالحقيقة أن الابن لا الآب مُقام من الأموات، إلا أن قيامة الابن هى من عمل كل من الآب والابن. إنها من عمل الآب، إذ كُتب: “لذلك رفَّعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم” (فى2: 9). هكذا أقامه الآب إلى الحياة ثانية، رافعاً ومنقذاً إيّاه من الموت. هل أقام المسيح نفسه أيضاً؟ بالتأكيد فعل هذا، لأنه تحدث عن الهيكل كمثالٍ لجسده، قائلاً: “انقضوا هذا الهيكل، وفى ثلاثة أيام أقيمه”. (2: 19) فكما أن تركه للحياة يشير إلى آلامه، هكذا أخذه للحياة يشير إلى القيامة… من الواضح أن الآب أعاد له الحياة، إذ يقول المزمور: “أقمنى فأجازيهم”. (مز41: 10) لكن لماذا تنتظرون منّي برهاناً على أن الابن قد أعاد الحياة لنفسه؟ دعوه يتحدّث بنفسه، إنه يقول: “لى سلطان أن أضعها، ولى سلطان أن آخذها أيضاً”، “ليس أحد يأخذها منى، بل أضعها أنا من ذاتى”، “لآخذها أيضاً”. (يو10: 17 – 18) [395]].

26 – أين ورد الحديث عن قيامته فى اليوم الثالث؟

يقول الرسول: “فإننى سلمت إليكم فى الأول مما قبلته أنا أيضاً أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفن، وأنه قام فى اليوم الثالث حسب الكتب”. (1كو15: 3 – 4).

27 – لماذا أظهر السيد نفسه خلال أربعين يوماً من يوم قيامته؟

أولاً: كان فى هذه الفترة يعلمهم عن ملكوت الله، سواء خلال ظهوراته أو تعاليمه (أع1: 3).

ثانياً: لو أنه صعد إلى السماوات فى فترة ساعات أو أيام قليلة من بعد قيامته، لحوربوا بأن ما نظروه كان خيالاً.

ثالثاُ: فى هذه الفترة ظهر أيضاً لآخرين، وكما قال الرسول بولس أنه ظهر مرة لأكثر من خمسمائة مؤمن دفعة واحدة (1كو15: 6).

28 – هل شهد الكتاب المقدس عن صعوده؟

قدم لوقا البشير قصة الصعود فى شيءٍ من التفصيل (أع1: 9 – 12؛ أف4: 10؛ عب8: 1).

29 – كيف جلس يسوع المسيح عن يمين الآب؟

بالإيمان يُفهم ذلك روحياً، إنه واحد مع أبيه فى المجد والكرامة.

30 – ماذا يقول الكتاب المقدس عن مجيء المسيح الثاني؟

قال الملاك: “ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء. إن يسوع هذا الذى ارتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء”. (أع1: 11).

31 – ما معنى الرجاء؟

رجاؤنا هو راحة قلوبنا فى الربّ، واثقين أنه يهتم بخلاصنا ويرعانا فى كل كبيرة وصغيرة. يقول بولس الرسول إن ربنا يسوع المسيح هو رجاؤنا (1تى1: 1). ويقول بطرس الرسول: “القوا رجاءكم بالتمام على النعمة التى يؤتى بها إليكم عند استعلان يسوع المسيح”. (1بط1: 13).

32 – ماذا يقول القديس كيرلس الكبير عن شفيعنا ومخلصنا؟

إنه يقول: [الله يحب خليقته لكن له محبة خاصة نحو الإنسان، أكثر من خلائقه الأخرى. أظهر حبه الخاص نحو البشر بإرساله ابنه إلى الأرض لخلاص الإنسان[396].].

[المسيح الذى بلا خطية حمل فى نفسه Himself كل خطايا البشر ليحطم قوة الخطية[397].].

[إنه خلال عظمة محبة الله، جاء المسيح ليخلص الإنسان الخاطئ[398].].

[إن قلنا إن اللوغوس (الكلمة) لم يصر جسداً، أى لم يُولد فى الجسد، بهذا نحطم سرّ تدبير الله[399].].

[لم يقدم المسيح ذبيحته لأجل نفسه، إذ هو الله بدون خطية وغير محتاج إلى خلاصٍ[400].].

[حمل المسيح كل عقوبةٍ سقطت علينا، بهذا فقدت خطايانا قوتها[401].].

فاصل

من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ2 – العقائد المسيحية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.

زر الذهاب إلى الأعلى