طقوس ومراسيم العماد المقدس

19 – ما هى طقوس ومراسيم العماد المقدس؟

العماد فى الكنيسة الأولى غنى بطقسه، عميق بمفاهيمه اللاهوتية، قوى بصلواته وفاعليته، لهذا أردت أن أجمع بعض التفاصيل الخاصة به فى الكنيسة الأولى سواء فى الشرق أو الغرب مع الإشارة إلى الطقس القبطى الحالى الذى يحمل روح طقس الكنيسة الأولى وعمقه الروحى واللاهوتى. حقاً توجد بعض الاختلافات الطفيفة فى ترتيب الطقس من كنيسة إلى أخرى، لهذا وضعت الهيكل العام مع الإشارة إلى الاختلافات، كما حاولت بمشيئة الله تقديم المفهوم اللاهوتى والروحى لكل طقس بفكر إنجيلى آبائى.

أ. استعداد خادم السر. ب. فرز طالبى العماد.

ت. تقبل علامة الصليب. ث. التلاوات الخاصة بطرد الأرواح الشريرة.

ج. خلع الثياب ح. الدهن بالزيت.

خ. جحد الشيطان. د. سرّ الانفتاح.

ذ. الاعتراف بالإيمان ر. تقديس المياه.

ز. سكب الميرون فى المياه س. الثلاث تغطيسات.

ش. غسل القدمين ص. الدهن بالميرون المقدس.

ض. لبس الثياب البيضاء ط. لبس الأكاليل والزنار.

ظ. وصية الإشبين ع. حمل الشموع.

غ. أكل اللبن مخلوطاً بالعسل. ف. صلاة حل الزنار.

20 – ما هى استعدادات خادم السر للقيام بالتعميد؟

يليق بخادم السرّ. أسقفاً كان أو كاهناً، أن يشترك مع طالب العماد فى هذا الاستعداد، فيقدم الصلوات مع الأصوام. وعندما يبدأ فى إتمام السرّ يلزم أن يكون صائماً، فى الطقس القبطى الحالى على الأقل 9 ساعات، كما يصلى بثياب الخدمة الكهنوتية، هذا وإن كان حالياً قد أهمل البعض هذا الأمر الأخير. يحدث الأب ثيؤدور طالب العماد، قائلاً: [يقترب منك الكاهن ليس مرتدياً ثيابه العادية… بل يلتحف بثوب من الكتان النقى البهى، فمظهره المفرح يشير إلى فرح العالم الذى تتحرك أنت نحوه فى المستقبل، واللون المضئ يشير إلى البهاء الذى يكون لك فى الحياة العتيدة ([436])].

21 – من يقوم بفرز طالبى العماد؟

يقوم الأسقف بنفسه باختبارهم قبل العماد مباشرة جاء فى التقليد الكنسى للقديس هيبوليتس: [عندما يُختارون يفرزون حتى يتقبلوا المعمودية. تُمتحن حياتهم لمعرفة إن كانوا قد عاشوا بتقوى وهم موعوظون، وإن كانوا قد أكرموا الأرامل وافتقدوا المرضى وتمموا كل عمل صالح ([437])]. ولا يقف الاختبار عند الجانب السلوكى، إنما يلزم التأكد من صدق إيمانه. وقد وصف العلامة أوريجينوس دقة الفحص الذى يليق بالكنيسة أن تقوم به من جهة الموعوظين سواء كانوا قد قبلوا الإيمان بطريقة أو بأخرى، حتى لا ينال أحد العماد دون التأكد من صدق نيته ([438]). وقد شبه القديس كيرلس الأورشليمى طالبى العماد وهم يُفرزون بالمنضمين إلى صفوف الجندية ([439])، يحاربون الشيطان.

22 – ماذا غاية تقبل علامة الصليب؟

استخدم السيد المسيح يديه ليبارك الأطفال (مت19: 13، 15). وعند صعوده اخرج السيد تلاميذه إلى بيت عنيا “ورفع يديه وباركهم” (لو24: 50)، وحين فتح عينى الأعمى “وضع يديه على عينيه” (مر8: 25) لتستنيرا. وفى شفائه المرضى وإخراج الشياطين كان يضع يديه “على كل واحد منهم” (لو4: 40)… ولعله إذ كان يستخدم يديه الاثنين بالنسبة لكل واحد إنما لكى يباركه ويشفيه أو يحرره من الأرواح النجسة وهو يضع يديه عليه على شكل صليب، وإلا فلماذا يستخدم يديه بالنسبة لكل واحدٍ؟! على أى الأحوال يضع الكاهن يديه على طالب العماد لكى يهبه بركته السماوية واستنارة لعينيه الداخليتين وشفاءً من الخطية وتحرراً من الشيطان وكل جنوده… هذا هو عمل الله فى المعمودية المقدسة. أما رشم علامة الصليب على جبهة طالب العماد فقد أشار إليها القديس أغسطينوس فى كتاب “الاعترافات” عندما قُبل فى الكنيسة ([440]). ويعتبر القديس أغسطينوس هذا العمل “رشم علامة الصليب” أشبه بالحبل بهم فى أحشاء الكنيسة: [إنكم لم تولدوا بعد فى المعمودية المقدسة، لكنكم بعلامة الصليب يُحمل بكم فى أحشاء الكنيسة أمكم ([441])]. كما يقول عنهم إنهم يتباركون بعلامة الصليب والصلوات ووضع الأيدى، وأنهم وإن كانوا لم يتمتعوا بعد بجسد السيد المسيح لكنهم ينالون شيئاً مقدساً. ولعله قصد بالشئ المقدس الخبز الذى يأكلونه، وان كان بنجهام Bingham يرى أنه ملح مقدس يتذوقه طالبو العماد كرمز إلى أن المؤمنين هم ملح الأرض.

23 – ما هو هدف التلاوات لطرد الأرواح الشريرة؟

فى الليتورجيات القديمة جميعها يوجد خطان واضحان هما: طرد الأرواح الشريرة من طالب العماد والدخول به إلى مملكة المسيح. هذا ما نلمسه فى ليتورجيات العماد القبطية والأرمينية والبيزنطية ولإثيوبية وغيرها. تروى لنا إثيريا الراهبة الأسبانية ([442]) أن طالب العماد كان يخضع لطقس طرد الأرواح الشريرة طوال الصوم الكبير، كما يقول القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس: [لا تحتقروا دواء طرد الشياطين، ولا تتعبوا من طول الصلوات، لأن هذه كلها امتحان لصدق النفوس وإخلاصها فى طلب المعمودية باشتياق ([443])]. وقد وصف القديس يوحنا الذهبى الفم والأب ثيؤدور كيف يقف طالب العماد فى خشبة، أما منتصباً باسطاً يديه أو راكعاً، وهو حافى القدمين، يقف على مسوح خشنة من الصوف كمن يصلى طالباً من الله أن يرق لحالة العبودية التى سقط فيها تحت أسر إبليس وجنوده. يقول الأب ثيؤدور: [حينما تتلى الكلمات الخاصة بطرد الأرواح الشريرة قفوا بهدوء كامل كما لو كنتم بلا صوت كمن هم فى خوف ورعدة من الطاغى… حتى تثيروا شفقة القاضى عليكم. اخلعوا ثوبكم الخارجى ونعالكم لكى تُظهروا فى أنفسكم حالة العبودية القاسية التى خدمتم بها إبليس زماناً طويلاً… أما بالنسبة للكلمات الخاصة بطرد الأرواح الشريرة فإن لها سلطان أن تستميلكم بعد أن تقدم نفعاً عظيماً لذهنكم فلا يبقى خاملاً وبلا عمل]. فى الطقس القبطى يصلى الكاهن على الزيت ليدهن طالب العماد، قائلاً: [لكى تنظر إلى جبلتك، هذا الزيت، وتجعله ان يحل أعمال الشياطين وسحرهم ورقاهم…] وعندما يدهن قلبه ويديه وظهره يقول: [هذا الزيت يبطل كل مقاومه المضاد، آمين].

24 – لماذا تُخلع الثياب؟

يرى جان دانيلو أن طقس العماد حتى هذه اللحظة غالباً ما كان يتم خارج حجرة المعمودية إذ يُعاملوا طالبوا العماد كغرباء عن الكنيسة، إنما يبدأون دخولهم المعمودية بخلعهم الثياب ودهنهم بالزيت كطقسين يهيئان طالبى العماد للدخول فى مياه المعمودية، فيدخل فى العضوية الكنسية ويلبس الثياب البيضاء كمن دخل الفردوس وصار ابناً للملكوت ([444])]. مادام طالب العماد لا يزال فى صفوف الموعوظين يُحسب غريباً عن جسد المسيح، لم يتذوق بعد الحياة الفردوسية. أما وقد دخل بين صفوف طالبى العماد فى طريقه نحو الجرن المقدس، فقد انفتح أمامه الفردوس الإلهى، ورأى قبر المخلص المحيى، فيشتهى الدفن معه، ليقوم ابناً لله حياً ومقدساً بالروح القدس. يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [ها أنتم الآن فى بهو القصر، ستقادون حالاً للملك ([445])]. [حالاً سيفتح الفردوس لكل واحد منكم ([446])].

25 – لماذا يُدهن طالبى العماد بالزيت؟

ذكرت قوانين القديس هيبوليتس أن أحد الكهنة يقوم بمسح طالبى العماد بعد جحدهم الشيطان وقبل تغطيسهم وإعلان الإيمان، يدهنونهم بزيت لإخراج الشياطين ([447])، ولتطعيمهم فى الكنيسة شجرة الزيتون الدسمة عوض الزيتونة البرية. هذا ما أكده الآباء القديسون وأيضاً الطقس ذاته. جاء فى خولاجى القديس سرابيون: [ندهن بهذا الزيت الذين يقتربون إلى الميلاد الجديد، سائلين الرب يسوع المسيح أن يهبهم سلطان للشفاء وإعطاء قوة لجسد الذين يعتمدون ونفوسهم وأرواحهم، لتتحرر أرواحهم من كل أثر للخطيئة والشر، وتكون لهم قوة الغلبة على الأرواح المضادة].

26 – ما هو سرّ اهتمام الكثير من الآباء وليتورجيات العماد بجحد الشيطان؟

إذ يخلع طالب العماد ثوبه يتجه نحو الغرب، أو تقف الأم أو الأب أو الإشبين حاملاً على ذراعه الأيسر الطفل، ويبسط طالب العماد أو إشبينه يده اليمنى كأنما يحدث الشيطان معلناً جحده له ورفضه مملكة الظلمة بجسارة وعلانية. هذا الرفض كما يقول العلامة ترتليان يتم داخل جرن المعمودية ([448])، أما حسب التقليد الرسولى للقديس هيبوليتس فيتم قبل دخول المياه ([449]). أما مصدر هذا الطقس فكما يقول القديس باسيليوس الكبير هو التقليد، إذ يقول:

[إننا نبارك مياه المعمودية وزيت المسحة، كما نبارك المُعمد نفسه أيضاً.

أية وصايا مكتوبة علمتنا أن نفعل هذا؟! ألم نتعلم هذا من التقليد السرى المقدس؟!

وأيضاً الدهن بالزيت، أية كلمة فى الإنجيل علمت به؟! أين ورد تغطيس الإنسان ثلاث مرات؟

أى كتاب جاء بكل الأمور اللازمة للعماد وجحد الشيطان وملائكته؟ ألم يأت إلينا من التعليم السرّى الذى حافظ عليه آباؤنا فى صمت دون أن (يكتب) كتعليم عام؟… إذن لا تبحثوا الأمر بتطفل… لأنه كيف يحق تعميم تعليم الأسرار كتابة، هذه التى لا يُسمح لغير المعمدين حتى يتطلعوا عليها؟ ([450])].

يُعتبر هذا الأمر جزءاً أساسياً فى طقس العماد، أشارت إليه كثير من كتابات الكنيسة الأولى وكشفت أيضاً عن مفهومه اللاهوتى الروحى. يقول العلامة ترتليان: [فى الكنيسة تحت يد الأسقف نشهد أننا نجحد الشيطان وكل موكبه Pomp وكل ملائكته ([451])]. وجاء فى التقليد الرسولى للقديس هيبوليتس: [عندما يمسك الكاهن بمن يتقدم للعماد يأمره ان يجحد قائلاً: أجحدك أيها الشيطان وكل خدمتك وكل أعمالك ([452])]. ويرى جنجمان J. Jungmann أن كلمة “Pomp” تشير إلى الموكب الخاص بأعياد الآلهة فى القرون الأولى حيث كانت الأصنام تُحمل فى موكب نصرة، فيظهر إبليس كغالب للعالم، وكأن الذين يعيشون فى الخطيئة يسيرون فى هذا الموكب كجنود له، وكأن طالب العماد يعلن تركه هذا المعسكر الشيطانى مجنداً لخدمة ملكوت الله ([453]).

ويترجم البعض كلمة “Pomp” “بالمناظر الفخمة والمجد الزمنى”، أو “وقد شرح القديس يوحنا الذهبى الفم هذه الكلمة بقوله: [إذا قلت من كل قلبك أجحدك أيها الشيطان وكل مجدك الباطل، فإنك سوف تعطى حساباً عن ذلك فى يوم الدينونة… والأمجاد الباطلة الخاصة بالشيطان التى هى المسارح والملذات الشريرة، والتفاؤل بالأيام وبالفرص، وبالكلمات العفوية التى تقال للغير، وهى فى الأصل لا تخصنا، وأيضاً التشاؤم من النذير. واننى أسألكم ماذا يُعد فى العالم فالاً (تفاؤلاً) أحياناً عندما يترك إنسان منزله يرى رجلاً بعين واحدة أو أعرج يتشاءم. هذه هى أمجاد الشيطان الباطل لأنها ألاعيبه، فإن لقاء البشر لا يجعل يومنا سيئاً، وإنما ارتكاب الخطيئة يجعله هكذا ([454])].

لقد امتنع المسيحيون عن كل أنواع اللهو، إذ قدمت فى ذلك العصر تكريماً للآلهة الوثنية، حتى الألعاب الرياضية كان أبطالها يتوجون باسم الآلهة.

أما كلمة “ملائكته”، فتعنى رفضنا للشيطان وكل أتباعه: “هؤلاء الملائكة ليسوا شياطين بل أناس يخضعون للشيطان الذى يستخدمه آلات له، إذ يجعلهم يُسقطون الآخرين ([455])”.

يشرح القديس كيرلس الأورشليمى هذا الطقس للمعمدين حديثاً، قائلاً: [ومع ذلك تؤمرون بالقول وذراعكم ممدود نحوه كأنه حاضر، قائلين: نجحدك أيها الشيطان. أريد أن أقول لكم إنكم تقفون ووجوهكم نحو الغرب فهذا أمر ضرورى، مادام الغرب منطقة الظلام المحسوس، ومادام هو فى الظلمة فتكون سيطرته على الظلمة… لقد وقف كل واحد منكم وقال: “أجحدك أيها الشيطان”، أيها الظالم القاسى الشرير. بمعنى إنى لا أخاف قوتك بعد الآن، فقد قهرك المسيح، إذ شاركنى فى اللحم والدم. بالموت داس الموت، حتى لا أكون تحت العبودية إلى الأبد. أجحدك أيتها الحية الخبيثة الماكرة. أجحدك بمؤامراتك التى تختفى تحت قناع الصداقة، إذ اخترعت كل مخالفة وكل عمل مارق لأبوينا الأولين. أجحدك أيها الشيطان الصانع لكل شر والمحرض عليه. وفى عبارة ثانية تقول: “وكل أعمالك”، لأن كل أعمال الشيطان هى خطيئة، يلزمنا أن ننبذها كمن يهرب من الظالم وأسلحته… ثم نقول: “وكل قوتك”، والآن فكل قوة الشيطان هى جنون المسارح وسباق الخيل والصيد وكل أمثال هذه الأمور الباطلة… بعد هذا نقول: “وكل خدماتك”، فخدمات الشيطان هى الصلاة فى هياكل الأصنام وما يقدم من كرامات للأوثان التى بلا حياة… ([456])].

ويرى الأب ثيؤدور المصيصى أن طالب العماد إذ يقف هكذا ليجحد الشيطان فى حضرة الأسقف يكون كالمتهم الذى يعلن براءته أمام القاضى. فالشيطان يحاول أن يقيم الدليل ضدنا مدعياً أنه ليس من حقنا أن نهرب من مملكته، مدعياً أننا ملك له، ننتمى إليه لأننا نسل آدم الذى سقط تحت سلطانه. [لهذا يليق بنا أن نسرع ونقف أمام القاضى ونقيم دعوانا أنه من حقنا ألا ننتمى للشيطان بل لله الذى خلقنا منذ البداية على صورته ([457])].

لعله الهذا السبب وضعت الكنيسة إنجيل الأحد الثانى من الصوم الكبير عن “تجربة السيد المسيح” (مت4: 1 – 11)، يحضره طالبو العماد فى الصوم الكبير فى قداس الموعوظين. إنه أول درس لهم عن المعمودية كغلبة على إبليس وتحرر من سلطانه. ولهذا السبب أيضاً كان طالبو العماد يُمسحون بالزيت بعد جحدهم الشيطان وقبل دخولهم مياه المعمودية، كعلامة على أنهم قد مُسحوا جنوداً ومحاربين ضد عدو الخير إبليس. إن كان الاعتراف بالإيمان هو دخول مع الله فى ميثاق أو عهد جديد، فإنه يلزم أولاً جحد الشيطان، أى تمزيق العهد الذى أقمناه مع إبليس خلال الخطيئة.

ومما يجدر ملاحظته أن حربنا مع الشيطان لا تقف بجحدنا إياه وكل موكبه وجنوده وأعماله، وإنما نُمسح بالزيت المقدس لننال قوة ضده، وبعد المعمودية مباشرة نتمتع بمسحة الميرون لكى نحمل فى داخلنا الروح القدس روح المسيح الغالب، يسندنا فى جهادنا كل أيام غربتنا ضد الشيطان.

27 – ما هو سرّ الانفتاح؟

روى لنا القديس أمبروسيوس طقساً يسميه “الانفتاح” يتممه الكاهن قبيل دخول طالب العماد الجرن، فيه يلمس الكاهن أذنى طالب العماد وأنفه، وقد شرح لنا بنفسه ما يعنيه هذا الطقس:

[تحقق سرّ الانفتاح عندما لمس الكاهن آذانكم وأنوفكم؟ إنه بهذا يُشار إلى ما فعله ربنا يسوع المسيح فى الإنجيل حين قدم إليه إنسان أصم وأخرس (مر7: 32)، فقد لمس أذنيه وفمه. لمس أذنيه لأنه أصم، والفم لأنه أخرس، وقال: إفثا التى تعنى بالعبرية “انفتح”… لهذا يلمس الكاهن آذانكم حتى تنفتح لسماع ما قاله الكاهن وحديثه ([458])]. [تقول: ولماذا يلمس الأنف؟… لكى تتقبلوا رائحة الصلاح الأبدى الذكية، فتقولون ما قاله الرسول: “إننا رائحة المسيح الذكية لله” (2كو2: 15). بهذا يكون فيكم كمال رائحة الإيمان والتكريس الذكية ([459])].

28 – كيف يعلن طالب العماد اعترافه بالإيمان؟

يحول طالب العماد وجهه من الغرب إلى الشرق، معلناً قبوله الانتساب لمملكة النور بعد جحده مملكة الظلمة، أى قبوله السيد المسيح بعد رفضه إبليس. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [إنكم تتجهون نحو الشرق، فإن من يجحد الشيطان يتجه نحو المسيح ويراه وجهاً لوجه ([460])]. لقد نسب للشيطان الغرب، إذ يملك فى الظلمة. وكما يقول السيد المسيح نفسه: “هذه ساعتكم وسلطان الظلمة” (لو22: 53) ويقول الرسول بولس: “فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشرّ الروحية فى السماويات” (أف6: 12)، ودُعيت جهنم الموضع الذى يستقر فيه إبليس وجنوده بالظلمة الخارجية. وعلى العكس نُسب للسيد المسيح الشرق إذ هو شمس البرّ الذى ينير على الجالسين فى الظلمة (ملا4: 1، 1: 16)، وقد دُعى الرب باللابس النور كثوب (مز104: 2)، وهو سرّ أستنارتنا (مز27: 1؛ 43: 3)، ودُعى أولاده “أبناء النور” (لو16: 8)، كما دُعيت وسائط الخلاص بأسلحة النور (رو13: 12).

طالب العماد إذ ينظر إلى الشرق إنما ينظر إلى السيد المسيح نفسه الذى دُعى بالشرق (زك6: 12) وشمس البر والعدل (ملا4: 2). وبالنظر إلى الشرق نتطلع إلى الفردوس القديم الذى غرسه الله لنا فى عدن نحو الشرق ([461])، كما يلهب قلبنا بالشوق نحو مجئ السيد المسيح الذى صعد فى المشارق ويأتى هكذا (مت24: 27؛ أع1: 11)، قائلين مع الأب ميثودسيوس من أولمبياس: [هلم نسرع جميعاً نحو الشرق، لنلتحف بالثياب البيضاء، ولنحمل مصابيحنا فى أيدينا ([462])].

ويلاحظ أن هذا الطقس بشقيه: التطلع إلى الغرب لجحد الشيطان ثم التطلع نحو الشرق لقبول السيد المسيح، الخط الرئيسى الواضح فى كل ليتورجيات العماد فى الكنيسة الأولى.

والاعتراف بالإيمان له مفاهيمه اللاهوتية الأساسية فى التمتع بالعماد المقدس.

أولاً: دُعيت المعمودية المسيحية بالمعمودية باسم الرب يسوع (أع8: 16؛ 19: 5)، حيث يلتزم المعمد أو إشبينه إن كان طفلاً بإعلان إيمانه بربنا يسوع المخلص، لكى يقدر أن يقترب من سرّ الصليب ويدخل إلى شركة دفنه والتمتع بقوة قيامته. لهذا جاء الاعتراف بالمسيح يسوع ربنا المصلوب والقائم من بين الأموات كعنصر أساسى فى كل قوانين الإيمان للمعمودية منذ نشأة الكنيسة. وكما يقول الرسول: “إن اعترفت بفمك بالربّ يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت” (رو10: 9). واعتبر الرسول هذا الأمر هو حجر الزاوية فى الإيمان المُسلم له: “فإننى سلَمت إليكم فى الأول ما قبلته أنا أيضاً: أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفن وأنه قام فى اليوم الثالث حسب الكتب” (1كو15: 3 – 4). وقد عرف الوثنيون ذلك، لهذا كان كل همهم أن يُلزموا المؤمنين أن يجحدوا مسيحهم.

ثانياً: لما كانت المعمودية هى الباب المفتوح للدخول إلى العضوية فى الجماعة المقدسة، لهذا يلزم الاعتراف بالإيمان الذى هو حجر الزاوية فى بناء الجماعة المقدسة وسرّ وجودها.

ثالثاً: الاعتراف بالإيمان هو دخول فى ميثاق إلهى أو توقيع عقد مع الله، يُسجل فى سفر السماء. وفى هذا يقول الأب ثيؤدور المصيصى: [أن نقيم العقود والمواثيق مع الله ربنا بالاعتراف بالإيمان، خلال وساطة الكاهن نصير مؤهلين للدخول فى بيته والتمتع برؤيته ومعرفته وسكناه وأن نُسجل فى المدينة ونُحسب مواطنين فيها ونصير أصحاب ثقة عظيمة ([463])]، كما يقول: [بالاعتراف بالإيمان تربط نفسك بالله بواسطة الأسقف، وتقيم ميثاقاً تتعهد فيه أن تثابر فى محبة الطبيعة الإلهية ([464])].

فى الطقس القبطى الحالى يردد المعمد أو إشبينه بنود الإيمان علناً وراء خادم السرّ وذلك قبيل تغطيسه، أما فى الكنيسة الأولى فكان المُعمد، كما ورد فى قوانين القديس هيبوليتس ([465]).

29 – ما هى بنود الاعتراف بالإيمان للمعمودية؟

ركزت الكنيسة الأولى على الإيمان بالآب والابن والروح القدس كما شمل غالباً الاعتراف بالكنيسة الجامعة ومغفرة الخطايا. جاء فى قوانين القديس هيبوليتس أن طالبى العماد يتوجهون نحو الشرق ويقولون: [أؤمن وانحنى أمامك وأمام عظمتك أيها الآب والابن والروح القدس]، ثم ينزلون فى المياه ويقفون فيها ووجوهم نحو الشرق. يضع كاهن آخر يده على رؤوسهم ثم يسألهم: “أتؤمنون بالله الآب ضابط الكل؟” يجيبون: “أؤمن”، ثم يغطسون للمرة الأولى.

وبعد الغطسة الأولى يُسألون: أتؤمن بيسوع المسيح ابن الله الذى وُلد من العذراء مريم بالروح القدس، والذى صُلب فى عهد بيلاطس، والذى مات وقام فى اليوم الثالث من بين الأموات، وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب، ويأتى ليدين الأحياء والأموات؟ “ويعد أن يجيبوا” أؤمن “يغطسون للمرة الثانية.

عندئذ يُسألون: أتؤمنون بالروح القدس؟ يجيبون: “أؤمن”، ويغطسون للمرة الثالثة والأخيرة.

وفى كل غطسة يقول الكاهن: أعمدك باسم الآب والابن والروح القدس، وبعد ذلك يُدهنون بالمسحة المقدسة التى تعرف بالميرون Chrism، ويلبسون ثيابهم ويدخلون الكنيسة، ويتقبلون وضع الأيدى من الأسقف وقبلة السلام، وعندئذ يبدأ تقديم الإفخارستيا.

ويرى العلامة أوريجينوس فى شرحه إنجيل يوحنا أن غياب أى بند من بنود الإيمان الأساسية هو فقدان للإيمان كله ([466]).

وفى الطقس القبطى الحالى، يردد طالب العماد أو أشبينه عبارات جحد الشيطان وراء الكاهن، قائلاً: [أجحدك أيها الشيطان، وكل أعمالك النجسة وكل جنودك الشريرة، وكل شياطينك الرديئة، وكل قوتك، وكل عبادتك المرذولة، وكل حيلك الرديئة والمضلة، وكل جيشك، وكل سلطانك، وكل بقية نفاقك. أجحدك. أجحدك. أجحدك].

ثم ينفخ الكاهن فى وجه طالب العماد وهو يقول ثلاث مرات: [أخرج أيها الروح النجس].

بعد هذا إذ يحول وجهه نحو الشرق ويده مرفوعة إلى فوق يردد أيضاً مع الكاهن، قائلاً: [اعترف لك أيها المسيح إلهى، وبكل نواميسك المخلصة، وكل خدمتك المحيية، وكل أعمالك المعطية الحياة].

ثم يلقنه الإيمان هكذا: [أؤمن بإله واحد، الله الآب ضابط الكل، وابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا، والروح القدس المحيى، وقيامة الجسد، والكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية. آمين].

ثم يردد ثلاث مرات: “آمنت”. يتم هذا قبل دخوله المياه.

30 – كيف يتم تقديس الماء؟

إذ تعمد السيد المسيح فى نهر الأردن صار الرسل أيضاً يعمدون فى الأنهار أو فى مياه جارية فيذكر العلامة ترتليان أن بطرس الرسول عمَد الذين قبلوا الإيمان فى نهر التيبر بروما [لأن الروح الواحد يقدس المياه فى كل مكان، ويهب الروح قوة التقديس للمياه بالاستدعاء والصلاة]. إلا أن التعميد فى الأماكن العامة كان يعرض المؤمنين والكهنة للكثير من المشاكل كما يعرض المقدسات لحملات التشهير من الوثنيين، لهذا اقتصر الأمر على التعميد فى معموديات داخل الكنائس.

جاء فى الديداكية التى ترجع بعض نصوصها إلى القرن الأول الميلادى: [أما عن العماد، فعمدوا هكذا: بعدما تعملون كل ما تقدم، عمدوا باسم الآب والابن والروح القدس بماء جار (حىّ). فإذا لم يكن هناك ماء جارى فعمد بماء آخر. إذا لم تستطع ان تعمد بماء بارد فعمد بماء دافئ. إذا كنت لا تملك كليهما فاسكب الماء فوق الرأس ثلاثاً. باسم الآب والابن والروح القدس ([467])].

ويقول القديس باسيليوس: [الأمور التى سلمت إلينا من تقليد الرسل… أن نبارك مياه المعمودية ([468])]. وقد تحدث الآباء كثيراً عن تقديس مياه المعمودية باستدعاء روح الله القدوس والصلوات ورشم علامة الصليب، كما أفاضوا فى الكشف عن فاعلية هذا العمل فى حياة المعمدين، نقتطف هنا بعض العبارات: يقول العلامة ترتليان: [يحصل الماء على سر التقديس بالابتهال لله، إذ ينزل الروح فى الحال من السماء، ويستقر على المياه، ويقدسها بنفسه وإذ تتقدس المياه تتشرب قوة التقديس ([469])].

يقول القديس كبريانوس: [يلزم أولاً أن تتطهر المياه وتتقدس بواسطة الكاهن لتحل فيها قوة المعمودية لغسل خطايا الإنسان الذى ينال المعمودية، إذ يقول الرب لحزقيال النبى: “وأرش عليكم ماء طاهراً فتُطهرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم. وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديداً فى داخلكم” (حز36: 25 – 26) ([470])]. ويقول القديس كيرلس الأورشليمى: [عندما تنزلون فى الماء لا تفكروا فى المادة المجردة بل تطلعوا إلى الخلاص بقوة الروح القدس. فإنه بدونهما – كلاهما – لا يمكن أن تصيروا كاملين. ما أقوله هذا ليس من عندياتى، إنما هو كلام الرب يسوع صاحب السلطان فى هذا الشأن. إنه يقول: “إن كان أحد لا يُولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو3: 5). فمن يعتمد بالماء ولا يكون متأهلاً للروح (بسبب سوء نيته) لا يتقبل نعمة الكمال. وأيضاً إن كان فاضلاً فى أعماله ولم يتقبل الختم بالماء فلا يدخل ملكوت السماوات. هذا القول فيه جسارة لكنه ليس منى بل أعلنه يسوع ([471])]. ويقول القديس أغسطينوس: [نزع الكلمات (الخاصة بالتقديس) فتكون المياه مجرد مياه. أضف الكلمات إلى العنصر فيكون لك سر Sacramentum ([472])].

جاء فى خولاجى القديس صرابيون: [يا ملك كل الأشياء وربها، يا خالق الكون، لقد خلصت كل طبيعة بإرسال ابنك الوحيد، يسوع المسيح، وأعتقت خليقتك بمجئ كلمتك الفائق الوصف. تطلع الآن من السماء وانظر إلى هذه المياه، واملأها من الروح القدس. ليعمل فيها كلمتك الفائق الوصف، ويحوّل قوتها، وليملأ هذه الأشياء المخلوقة من نعمتك، حتى لا يكون السرّ الذى يتم الآن عديم الفاعلية فى الذين سيولدون من جديد، بل ليملأ بنعمتك الإلهية جميع الذين سينزلون ويتعمدون ([473])].

هكذا يظهر دور الثالوث القدوس فى تقديس المياه. وإننا لا ننسى أيضاً دور رشم علامة الصليب فى ذلك الأمر، فقد أوضح القديس أغسطينوس أن علامة الصليب تُرسم على مياه المعمودية، كما على زيت المسحة وعلى الإفخارستيا ([474]).

31 – ما هى الصلوات التى تُقال عند سكب الميرون فى المياه؟

فى نهاية الصلوات الخاصة بتقديس المياه يسكب الكاهن الميرون ثلاث مرات على مثال الصليب ليقدس الماء وهو يقول: “باسم الآب والابن والروح القدس. مبارك الله الآب ضابط الكل. آمين”. “مبارك ابنه الوحيد يسوع المسيح. آمين”. “مبارك الروح القدس الباراقليط. آمين”.

ثم يحرك المياه وهو يقول بعض فقرات من المزامير: “صوت الرب على المياه. إله المجد أرعد. الرب على المياه الكثيرة. الليلويا. صوت الرب بالقوة. صوت الرب بعظيم الجلال. الليلويا”. (مز29: 3 – 4)، “تعالوا إليه لتستنيروا ولا تخزى وجوهكم. تعالوا يا أبنائى واسمعونى لأعلمكم مخافة الرب. الليلويا”. (راجع مز34: 11) “جزنا فى النار والماء ثم أخرجتنا إلى الراحة. الليلويا”. (مز66: 12) “انضح علىّ بزوفاك فأطهر وأغسلنى أكثر من الثلج. اصرف وجهك عن خطاياى وامح كل آثامى الليلويا. قلباً نقياً اخلق فىّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدده فى أحشائى. الليلويا” (مز50: 7، 9، 10) “الرب اختار صهيون ورضيها مسكناً له. الليلويا” (مز132: 13).

إنه اختيار دقيق وعجيب يحمل فى قوة سرّ عمل الروح القدس فى حياة المعتمد فى هذه المياه التى تتقدس بالروح. لقد حملت المياه صوت الرب الذى يرعد فى حياة الإنسان، محطماً الشر ليقيم مملكته فيه من جديد. وفى المياه ينال المؤمن سر الاستنارة فلا يخزى وجهه بعد، ويصير ابناً لله يسمع لوصاياه ويحمل مخافته لأبيه السماوى. يدخل المؤمن المياه فيجتاز نار الروح والمياه المقدسة ليعبر إلى راحة الفردوس الجديد. فى هذه المياه يغتسل داخلياً فيصير نقياً ويحمل القلب الجديد والروح الجديد. وفى هذه المياه يعلن الله اختياره للكنيسة “صهيون” ويقبل المؤمن عضواً حياً فيها.

حقاً إنه نص فريد يدخل بنا إلى كل أسرار المعمودية خلال المزامير بقوة وبساطة!

أما عادة سكب الميرون فى مياه المعمودية بجوار مسح المُعمد به فهى عادة قديمة. يقول Stone أنها وجدت فى مصر قبل نهاية القرن الخامس على الأكثر، كما وجدت فى الغرب فى القرن السادس ([475]). وجاء فى القديس ديونسيوس الأريوباغى: [يأتى (الأسقف) إلى أم التبنى (الجرن) ويقدس المياه فيها بابتهالات مقدسة، ويكمل ذلك بسكب الميرون كلّى القدس فيها ثلاث مرات ([476])].

32 – متى بدأ العماد بالتغطيس؟

بدأت عادة التغطيس بالسيد المسيح نفسه الذى نزل نهر الأردن وصعد منه كقول الكتاب: “فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء” (مت3: 16)، وقد مارست الكنيسة فى الشرق والغرب العماد بالتغطيس، وقد بقيت الكنيسة الشرقية هكذا، أما الغربية فحتى أيام الأب توما الأكوينى كانت تمارسه بالتغطيس. لقد دُعيت المعمودية “صبغة” لأن الكلمة اليونانية “Baptizen” تعنى صبغة، والصبغ يتم بتغطيس الشئ تماماً فى مادة الصبغ. هذا والمعمودية فى الحقيقة هى “تجديد”، يتم بالتعرى الكامل عن الإنسان القديم وأعماله، لهذا تمارس المعمودية بالتغطيس حيث يتعرى الإنسان لكى يلبس الإنسان الجديد: [تصبحون عراة مثل آدم فى الفردوس، مع الفرق أن آدم أخطأ، أما المعمودية فيتعرى الإنسان لكى يتحرر من الخطيئة. آدم فقد مجده، أما من يأتى إلى المعمودية فيخلع الإنسان العتيق بسهولة كما يخلع ملابسه ([477])]. بالتغطيس يُغمر الإنسان بالمياه من كل جانب، هكذا يحيط الروح بنفسه من كل جانب بطريقة فائقة!

والتغطيس أيضاً ضرورى، لأن المعمودية هى دفن مع السيد المسيح (رو6: 4؛ كو2: 12).

ولا تزال المعموديات القديمة فى الشرق والغرب تشهد عن العماد بالتغطيس، إذ كانت متسعة بعضها توجد به سلالم ناحية الشرق والغرب حيث ينزل طالب العماد على إحداها ومتمم السر على الأخرى ليضع يده على رأسه أثناء العماد بالتغطيس. والتغطيس ثلاث مرات إنما إعلان عن العماد باسم الثالوث القدوس، كما تشير إلى الدفن مع السيد المسيح ثلاثة أيام ليحمل المعمد قوة القيامة مع السيد المسيح (كو2: 12).

يقول القديس جيروم: [إننا نغطس ثلاث مرات، لكن سرّ الثالوث واحد، لأننا لا نعتمد بأسماء ثلاثة آلهة بل باسم الإله الواحد، ورغم أننا نغطس ثلاث مرات تحت الماء إلا أننا نؤمن بمعمودية واحدة ([478])].

33 – هل نمارس عادة غسل القدمين أثناء العماد؟

يروى لنا القديس أمبروسيوس عن عادة كانت متبعة فى ميلانو دون غيرها، وهى أن الأسقف أو الكاهن الذى يقوم بالعماد يتمنطق بعد أن يتمم العماد ويغسل قدمى المعمد ([479]). وهى عادة غريبة لأن المعمد قد خرج من الجرن طاهراً ولا حاجة له إلى غسل قدميه فى ذلك الوقت. ربما يريد الكاهن أن يُعلن للمعمد أن الكنيسة تبقى تغسل قدميه خلال وجوده فى العالم حتى بعد نواله المعمودية المقدسة.

34 – هل يُدهن المُعمد حديثاً بزيت الميرون المقدس؟

ذكر القديس كيرلس الأورشليمى مقالاً كاملاً بخصوص “المسحة ([480])” بزيت الميرون، يتم بعد العماد مباشرة كعمل سرى مقدس. إننا نُدعى مسيحيين لأننا ندهن بمسحة الله ([481]). يقول الشهيد كبريانوس: [ينبغى على من اعتمد أن يُمسح لكى يصير بواسطة المسحة ممسوحاً لله ويأخذ نعمة المسيح ([482])].

يدهن الكاهن كل أعضاء الجسم إعلاناً عن تقديس كل الجسد والنفس بسكنى الروح القدس داخلنا، وذلك بعد أن يصلى قائلاً: [ “أيها القادر وحده، صانع جميع العجائب، الذى لا يعسر عليك شئ، لكن إرادتك وقوتك فاعلة فى كل شئ. أنعم بالروح القدس عند نضح الميرون المقدس. ليكن خاتماً محيياً، وثباتاً لعبيدك، بابنك الوحيد يسوع المسيح ربنا، هذا الذى من قبله يليق بك المجد”… وبعد أن يرشم 36 رشماً من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين، يضع الكاهن يده عليه ويقول: “تكون مباركاً ببركة السمائيين، وبركة الملائكة. يباركك الرب يسوع المسيح، وباسمه”. ثم ينفخ فى وجه وهو يقول: “اقبل الروح القدس، وكن إناء طاهراً من قبل ربنا يسوع المسيح ربنا، هذا الذى له المجد مع أبيه الصالح والروح القدس”. هنا نلاحظ فى الطقس القبطى تستخدم المسحة بالميرون المقدس مع وضع اليد للبركة والنفخة فى وجه المُعمد.

35 – لماذا يرتدى المُعمدون حديثاً الثياب البيضاء؟

دعا القديس كيرلس الأورشليمى جرن المعمودية “حجال العريس الداخلى”، فى داخلها يناجى السيد المسيح النفس البشرية. لقد خطبها لنفسه عروساً بعد أن غسلها وألبسها وزينها بجماله فتصير ملكة تحمل بهاء الملك فى داخلها. لهذا إذ تخرج من المياه تلبس الثياب البيضاء البهية، التى هى الحلة الأولى التى قدمها الأب لابنه الراجع إليه (لو15: 22)، لا بمعنى أنه توجد حلة ثانية وثالثة، لكنها دُعيت بالحلة الأولى من أجل بهائها وجمالها ومقامها وقيمتها، إذ هى لباس العُرس الأبدى، بدونها يُطرد المدعوون فلا يتمتعون بشركة عرس ابن الملك (مت22: 13).

يشير الثوب الأبيض إلى انعكاسات إشراقات المجد الإلهى على الإنسان، إذ فى تجلى الرب “صارت ثيابه بيضاء كالنور”، وفى السماء يلبس الأربعة وعشرون قسيساً غير المتجسدين ثياباً بيضاء (رؤ4: 4)، وهكذا جموع الغالبين متسربلون بالثياب البيض (رؤ7: 13)، كما أعطى للشهداء ثياباً بيضاء (رؤ6: 11)، وقد أشار الرب إلى ملاك كنيسة اللاودكيين أى أسقفها أن يتوب ويشترى لنفسه ثياباً بيضاء (رؤ3: 18). اللون الأبيض هو لون الحق الطبيعى كما يقول القديس إكليمنضس ([483])، يشير إلى الحق كما إلى الطهارة والنقاوة والغلبة والنصر ([484]). يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [ترقص الملائكة حولكم، قائلة: من هذه الطالعة (بيضاء) مستندة على حبيبها؟! (نش8: 5) ([485])]. فى الطقس القبطى يبدأ الكاهن يُلبس المُعمد ثوبه ويقول: “لباس الحياة الأبدية غير الفاسد. آمين”.

36 – ما هو طقس لبس الأكاليل والزنار؟

أُهمل هذا الطقس حالياً، لكنه لازال مطبوعاً فى الكتب الحديثة الخاصة بطقس العماد. ولم يبق سوى شد وسط المُعمد بزنار. يقوم الكاهن بالصلاة على الأكاليل قبل أن يتوج بها رأس المُعمد، قائلاً:

“أيها الرب ضابط الكل أبو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذى كلل رسله القديسين الأطهار وأنبياءه وشهداءه الذين أرضوه بأكاليل غير مضمحلة، أنت الآن أيضاً بارك هذه الأكاليل التى هيأناها لنلبسها لعبيدك الذين اتحدوا بالعماد المقدس، لكى تكون لهم أكاليل مجد وكرامة. آمين. أكاليل بركة ومجد. آمين. آكاليل فضيلة وبرّ. آمين. أكاليل حكمة وفهم. آمين. قوهم لكى يكملوا وصاياك وأوامرك ويفوزوا بخيرات ملكوت السماوات بالمسيح يسوع ربنا، هذا الذى من قبله المجد…”.

وإذ يضع الكاهن الأكاليل على رأس المُعمد بعد أن يشد وسطه بالزنار يقول: ضع أيها السيد الرب الإله على عبيدك أكاليل من السماء. آمين. أكاليل مجد. آمين. أكاليل إيمان غير مغلوب ولا مقاوم. آمين. أكاليل ثبات. آمين. أكاليل عدل. آمين. امنح عبيدك ليكونوا مملوئين من نعمة روحك القدوس، بالرأفات ومحبة البشر اللواتى لابنك الوحيد يسوع المسيح… “.

هنا نتوقف قليلاً لنرى الطقس يقترب تماماً من طقس سرّ الزواج، كما يشد وسط العريس بزنار هكذا أيضاً من نال المعمودية، وكما يكلل العروسان يكلل الذين ينالون هذا السرّ وبصلوات على الأكاليل تكاد تكون واحدة. وكأن الكنيسة ترى فى سرّى العماد والميرون دخول إلى العرس السماوى، فيُشد وسط العريس بالزنار علامة اتحاده الخفى بالعريس وبالكنيسة كعضو حىّ فيها، ويُتوج بالإكاليل مع عروسه لأنهما قد صارا عروس الملك الحقيقى!

إن الإكليل الذى يقدمه لنا الله هو روحه القدوس النارى الذى يهبنا الشركة مع عريسنا، ويقدم لنا سرّ الغلبة والنصرة ضد الخطية، أى يقدم لنا إكليل الحياة الزوجية وإكليل النصرة. يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [لقد اشترك (التلاميذ) لا فى النار للاحتراق، بل النار المخلصة، النار التى تحرق الخطيئة وتهب النفس أماناً. هذه تحل عليكم الان وتنزع عنكم خطاياكم، وتحرقها كالشوك فتضئ نفوسكم الثمينة وتنالون نعمة… لقد استقرت على الرسل مثل ألسنة نارية لتتوجهم بأكاليل روحية جديدة فوق رؤوسهم (أع2: 3) ([486])].

37 – ما هى وصية الإشبين؟

إذ تمتع المُعمد بالعضوية فى جسد السيد المسيح الأقدس صار ابناً لله والكنيسة، هيكلاً مقدساً للروح القدس، له حق الشركة فى العبادة الكنسية. لهذا تسلمه الكنيسة، إن كان طفلاً فى يدى الإشبين أو الإشبينة ليلتزم أو تلتزم بتقديم اللبن الإيمانى غير الغاش، وتوصيه الكنيسة بذلك.

38 – ماذا يعنى إقامة موكب يزف المعمدين حديثاً وهم يحملون شموعاً منيرة؟

يشير هذا الموكب إلى الفرح الروحى بالنصرة على إبليس وقواته، مع الاحتفال بالاستنارة الروحية. كان هذا الموكب له بهجته فى القرون الأولى حيث ينال القادمين إلى الإيمان ويعتمدون فى ليلة عيد القيامة. يا لها من فرحة الشعب كله! يرون بأعينهم كنيسة المسيح التى لا تشيخ، بل ككرمة مخصبة دائمة الأثمار. يرون الثياب البيضاء، فيذكر كل منهم ثوبه المقدس الذى تسلمه يوم عماده، عربوناً للثوب السماوى. وإذ يتطلعون إلى الشموع أو المشاعل ترتفع أنظارهم إلى النور الحقيقى، متذكرين أنهم أبناء نور لا تليق بهم أعمال الظلمة.

لقد وصف لنا الآباء كيف كان الليل يختفى بظلامه أمام كثرة المشاعل والشموع حتى متى أشرقت شمس النهار لا يميز من بداخل الكنيسة الليل من النهار، إذ تكون الكنيسة أشبه بسماء منيرة.

يقول القديس كيرلس الأورشليمى ([487]) إن السماء ذاتها تتهلل، ويردد الملائكة القول: “طوبى للذى غُفر إثمه وسترت خطيته” (مز32: 1). وفى طقس الكنيسة ينشد الشعب: “مستحق (أكسيوس)، مستحق، مستحق” ثم يدخل الكل إلى صفوف المؤمنين، فتمتلئ الكنيسة بهم، ويشترك الكل فى فرحتهم بقيامة السيد المسيح التى وهبت البشرية قوة القيامة.

30 – ماذا عن عادة أكل المعمدين حديثاً خليطاً من اللبن والعسل؟

بعد الخروج من الماء لم يذكر القديس كيرلس الأورشليمى شيئاً عما ذكره بنجهام ([488]) عن ممارسة المعمدين الجدد قبله السلام وأكلهم خليطاً من اللبن والعسل. لقد ذكر ترتليان ([489]) عادة أكل اللبن المخلوط بالعسل. ولعل أكلهم اللبن يحمل رمزاً للبن التعليم النقى غير الفاسد الذى تقدمه الكنيسة لأولادها خلال إيمانها وطقوسها وعباداتها لنفوسهم. والعسل يشير إلى وصايا المسيح العذبة فى فم أولاده، فهى أحلى من العسل وقطر الشهد.

40 – ما هى صلاة حل الزنار؟

فى الطقس القبطى غالباً ما يقوم الكاهن بنفسه بمساعدة المُعمد فى ارتداء الثوب الأبيض، كما يربط زناراً حول صدرهن ويضع على رأسه إكليلاً ([490]). الثوب الأبيض يشير إلى الطبيعة الجديدة التى وهبت له تحمل نقاوة ملائكية، والزنار يشير إلى ارتباط المعمد بالكنيسة كعضو حىّ فيها، والإكليل علامة الغلبة والنصرة على الشيطان والتمتع بالأمجاد الإلهية.

وفى طقس الكنيسة الأولى، إذ يتناول المعمدون حديثاً، غالباً فى عيد الفصح المجيد، يبقون إلى اليوم الثامن فى محيط الكنيسة بملابسهم البيضاء، وكأنه أسبوع الفرح بميلادهم الروحى الجديد، يسمى “أسبوع الثياب البيضاء”.

هذا الطقس لم يتوقف فى الكنيسة القبطية فى بعض بلاد الصعيد، وإن كان قد أهمل تماماً فى البلاد الكبرى خاصة فى الوجه البحرى. وقد احتفظت المخطوطات القديمة وكتب الطقس الحديثة بطقس يمارس فى اليوم الثامن من العماد المقدس، حيث تصلى ليتورجية تسمى “حل الزنار”. فى هذه الليتورجية تقدم الكنيسة ذبيحة شكر لله الذى وهب المُعمد هذه النعمة العظيمة، وتطلب له ثباتاً ونمواً فى النعم الإلهية. بعد الصلوات والتسابيح يستحم المعمد فى المياه المُصلى عليها، وفيها يُغسل ثوبه الأبيض والزنار الذى كان مربوطاً به، ثم تلقى المياه فى بحر أو نهر أو حقل طاهر.

اجتذبنى هذا الطقس الجميل والبسيط فى نفس الوقت، ورأيت أن اقدم مقارنة بينه وبين “طقس الحميم” فى اليوم الثامن من ميلاد الطفل جسدياً، الذى وإن كنا نمارسه أحياناً، لكن القراءات الواردة فى الكتب الطقسية الحديثة تختلف عما وردت ببعض المخطوطات. وفى مقارنتى سأعتمد على مخطوط بدير القدريس أنبا أنطونيوس (طقس7)، نُسخ فى 13 توت عام 1372ش (1655م) نقلاً عن مخطوط بمكتبة كنيسة العذراء حارة زويلة تاريخه سنة 1096ش (1379م).

أ. فى اليوم الثامن من ميلاد الطفل جسدياً تقدم الكنيسة ليتورجية “حميم الطفل”، فيه تشكر الله من أجل المولود الجديد ويشترك الكاهن مع الوالدين فى تسمية الطفل. وكأن الكنيسة تمارس أمومتها فى حياة الإنسان منذ نعومة أظفاره حتى قبل نواله سرّ المعمودية، تشكر الله من أجل خلقته وتهتم حتى باختيار الاسم اللائق به. وفى اليوم الثامن من عماده تقدم ذبيحة شكر لله من أجل ميلاده الروحى، ومن أجل دخوله فى العضوية الكنسية بكونه قد صار ابناً لله وعضواً فى جسد السيد المسيح السرى.

ب. فى الطقس الأول يُقرأ البولس بعد صلاة الشكر دون الصلاة بمزمور التوبة (مز50 “51”)، أما فى الطقس الثانى فيصلى هذا المزمور. ففى صلاة الحميم تقدم الكنيسة الليتورجية كذبيحة تسبيح وفرح بميلاده تنتظر دخوله إلى مياه المعمودية، أما فى ليتورجية حل الزنار، فانه إذ دخل مياه المعمودية ونال الثوب الأبيض الداخلى يلتزم أن يحافظ على هذه النقاوة خلال أعمال التوبة غير المنقطعة.

ج. فى ليتورجية الحميم تقرأ كلمات الرسول بولس عن ختان الجسد (فى3: 1 – 9) الذى كان يتم فى اليوم الثامن فى العهد القديم، موضحاً إنه يليق بنا ألا نتكل على الجسد وبرّ الناموس بل على الإيمان بالمسيح يسوع برّنا الحقيقى. فإن كنا قد ولدنا حسب الجسد لكننا فى حاجة إلى ولادة روحية جديدة لكى “نعبد الله بالروح ونفتخر فى المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد” (فى3: 3). أما فى الطقس الثانى فٌتقرأ كلمات الرسول عن تمتع الشعب بعبور البحر الأحمر تحت السحابة وتناولهم طعاماً واحداً روحياً وشراباً من الصخرة التى هى المسيح (1كو10: 1 – 4). وكأن الكنيسة تعلن للمعمد أنه قد نال ما كان رجال العهد القديم يتمتعون بظلاله خلال الرموز. إنه لم يدخل البحر الأحمر، وإنما دخل المياه المقدسة الشافية، ولم يتحرر من عبودية فرعون، بل من سلطان إبليس، ولم يدخل تحت سحابة بل سكن الروح القدس فيه، ولم يأكل منا، بل تمتع بالمسيح يسوع نفسه المن السماوى!

د. فى الطقس الأول تطلب الكنيسة من الوالدين أن يسبحا الله على عطيته لهما ويقدما النذور الروحية والمحرقات والصلوات التى تسند طفلهما حتى ينمو فى النعمة والقامة: “اذبح لله ذبيحة التسبيح، وأوفي للعلى نذورك. ادخل إلى بيتك بالمحرقات، وأقدم لك الصلوات التى نطقت بها شفتاى” وفى الطقس الثانى يطوب المزمور المُعمد من أجل عطية المغفرة التى نالها فيحافظ عليها: “طوباهم الذين غفرت لهم آثامهم، والذين سُترت خطاياهم. طوبى للرجل الذى لم يحسب له الرب خطيئة ولا وجد فى فمه غش”.

ﮪ. فى طقس الحميم يُقرأ فصل الإنجيل الخاص بختان السيد المسيح ودخوله الهيكل محمولاً على يدى سمعان الشيخ، إذ انفتحت عيناه وأدرك الخلاص الذى قدمه الله لجميع الأمم (لو2: 21 – 35). وكأن الكنيسة تؤكد للوالدين ضرورة ختان طفلهما روحياً فى المسيح يسوع، لكى يصير محمولاً على الأذرع الإلهية يتمتع بالسكنى فى هيكل الرب، ويكون سرّ بركة للكثيرين. أما فى طقس حل الزنار فيقرأ الإنجيل الخاص بمعمودية يوحنا (مت3: 1 – 6) الذى هيأ الطريق بالتوبة للرب، لكى يبقى المُعمد فى حالة توبة مستمرة لكيلا يفقد ثمرة المعمودية.

و. فى صلاة الحميم يطلب الكاهن من الله أن يبارك الطفل، وأن يهيئه للعماد المقدس:

[نسأل ونتضرع إلى صلاحك عن عبدك (فلان بن فلان). باركه بكل البركات السمائية، وبارك أيضاً ميلاده، وليطل عمره كنعمتك، حتى ينمو ويكثر ثلاثين وستين ومائة، وليفرح به أبواه ويسرا بميلاده مثل زكريا واليصابات اللذين وهبت لهما يوحنا النبى. وفى الزمن المحدد فليستحق حميم الميلاد الجديد لغفران خطاياه. أعده هيكلاً لروحك القدوس…].

أما فى صلاة حّل الزنار فيشكر الله من أجل سرّ الاستنارة الذى ناله المُعمد، طالباً أن يحفظه إلى الانقضاء فى الإيمان المستقيم، ويؤهله للحياة الأبدية وملكوت السماوات بالمسيح يسوع ربنا.

[أيها السيد الرب إلهنا، مانح السلام والبركة… الذى باركنا وقدسنا وأضاء علينا بنور لاهوته، الذى جعل عبيده مستحقين أن ينالوا النور الذى من فوق، غير الموصوف، الذى لمسيحك يسوع مخلصنا. أنر عليهم بنور البركة، طهرهم، باركهم. جدّدهم بنعمتك من جهة المعمودية التى نالوها بقوة روحك القدوس المحيى… باركهم ببركتك، ثبتهم فى إيمانك الأرثوذكسى إلى الانقضاء. أئت بهم إلى حد القامة والبلوغ. وليكونوا محروسين بين ملائكة صالحين إلى الانقضاء. املأهم من المعرفة ومن كل فهم… اجعلهم مستحقين الحياة الأبدية وملكوت السماوات بالمسيح يسوع ربنا… “.

ز. فى طقس الحميم يُرنم المزموران 148 – 149، ويشترك الطقسان فى الصلاة الربانية وقراءة التحليل ورشم المياه ثم الترنم بالمزمور 150 والختام بالبركة بعد حميم الطفل أو المعمد.

41 – لماذا لا تُعاد المعمودية؟

لأن المعمودية هى ميلاد جديد روحانى، فكما يُولد المرء جسدياً مرة واحدة، هكذا يكون ميلاده الروحى، وإن سقط فى خطايا يمارس التوبة التى تُدعى ميلاداً جديداً.

42 – ما هو موقف الإنسان الذى يسقط فى الخطايا باستهتار بعد عماده؟

يقول الرسول: “لأنه إذا كانوا بعد ما هربوا من نجاسات العالم بمعرفة الرب والمخلص يسوع المسيح يرتكبون أيضاً فيها فينغلبون، فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل” (2بط2: 20). هذا لا يعنى أنه لا خلاص لهم. لأن التوبة هى الطريق لإصلاح ما حلّ بنا ولو فى النسمات الأخيرة.

43 – ماهى معمودية الدم؟

يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [من لا ينال المعمودية لا يتمتع بالخلاص، اللهم إلا الشهداء الذين يتقبلون الملكوت حتى بدون ماء. لأنه عندما طُعن المخلص فى جنبه لخلاص العالم بصليبه أفاض دماً وماء، لكى يتعمد من هم فى زمن السلم بالماء، ومن هم فى وقت الاستشهاد بدمهم.

اعتاد الرب أن يدعو الاستشهاد عماداً قائلاً: “أتستطيعان أن تشربا الكأس التى أشربها أنا، وأن تعتمدان (تصطبغان) بالمعمودية (الصبغة) التى اعتمد (أصطبغ) بها أنا؟! (مر10: 38) ([491])].

فاصل

من كتاب: كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.

زر الذهاب إلى الأعلى