الخادم نور وملح

 

الخادم مدعو للتفاعل مع المجتمع ، وليس الانسحاب منه . فمع إنه مختلف – نوعياً – عن الآخرين ، بإيمانه ، ومبادئه ، وسلوكياته ، ومنهجه في الحياة ، إلا أنه يحب الجميع من كل قلبه، ويحترمهم ، ويخدمهم ، ناشرا السلام والخير على الدوام .

أولا : الخادم .. وعلاقته بالمجمع

وتتحدد علاقة الخادم بالمجتمع من خلال ثلاثة أبعاد :

1- مبدأ الاختلاف : فالمسيحى يختلف عن غيره ، لهذا قال عنه السيد المسيح ، وعن تلاميذه عموماً: “ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم ” (يو16:17).
والمقصود بالاختلاف هنا ، ليس التعالى – فهو مرفوض تماماً في المسيحية – ولكن التمايز .. أي أن الخادم المسيحي له :
? إيمان خاص
۔ ? منهج حياة خاص .
? رؤية مستقبلية.

وهو بهذا لا يضمر للآخرين المختلفين عنه إلا كل محبة واحترام ، ويتعامل معهم بحسب وصايا السيد المسيح التي تدعونا لنشر الخير والسلام في كل مكان .. إنه يطيع وصايا الرب حين يقول :
? “طوبى لصانعي السلام ، لأنهم أبناء الله يدعون ” (مت9:5). 
? “طوبى للودعاء ، لأنهم يرثون الأرض ” ( مت 5 : 5 ) . 
? “طوبي للرحماء ، لأنهم يرحمون ” ( مت 7:5 ) . ي
? “طوبى للأنقياء القلب ، لأنهم يعاينون الله” ( مت 8:5 ) 
? “أنت ملح الأرض ، أنتم نور العالم ” ( مت 13:5 ،14). 
? فليضئ نوركم هكذا قدام الناس ، لكي يروا أعمالكم الحسنة ، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات ” ( مت 16:5 )
? “كل من يغضب على أخيه باطلاً ، يكون مستوجب الحكم ” (مت22:5) .
? “حبوا أعداءكم ، باركوا لأعنيكم ، أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم ، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات ” ( مت 44:5-45 ) .
? وبالإجمال : ” كونوا أنتم كاملين ، كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل ” ( مت 48:5)

هذا كله جاء في أصحاح واحد من الموعظة على الجبل، وهو يتطلب من الإنسان المسيحي أن يكون نموذجاً جيداً للمواطن الصالح ، الفاعل في المجتمع إيجابياً.

2- مبدأ التفاعل : قال الرب يسوع عن تلاميذه في الخطاب الوداعی :
? “لست أسأل أن تأخذهم من العالم ، بل أن تحفظهم من الشرير ” ( يو 15:17 ) .
وهذا معناه أن المسيحية ترفض سياسة الانسحاب من العالم مهما كانت أخطاؤه أو شروره، بل بالعكس تنادينا المسيحية بأن تستمر وتمكث في هذا العالم ، متفاعلين مع كل من فيه ، بمحبة وخيرية وإيجابية ، وهناك تشبيهات كثيرة لدور المسيحي في المجتمع منها :

1- النور ” : أنتم نور العالم ” (مت14:5) .. ويقصد بها الانتشار المفرح ، وهزيمته تيارات الظلمة والخطية
2- الملح ” : أنتم ملح الأرض ” ( مت 13:5 ) .. ويقصد بها :
– الذوبان بدون ضياع .
– إعطاء نكهه للطعام وللعالم .
– إعطاء حياة للعالم بالمسيح الساكن فينا , فالملح من أسرار الحياة .
– النقاء والطهارة فالملح لونه أبيض .
3- الخميرة: “خميرة صغيرة تخمر العجين كله” ( غل 9:5 ) والخميرة فيها حياة تتكاثر فتحول العجين الميت إلى خميرة حية .. والحياة فينا هي المسيح الساكن في قلوبنا تقدم للناس حباً وخيراً وسلاماً.
4- ” السفير ” : نسعی کسفراء عن المسيح ، كأن الله يعظ بنا ” ( 2 كو 20:5 ) .. فالمسيحي صورة المسيح في فكره وقلبه وسلوكياته , ولهذا فهو ينشر في الجميع رسالة مصالحة مع الله.
5- الرسالة ” : أنتم رسالتنا ، مكتوبه في قلوبنا ، معروفه ومقروءة من جميع الناس ” ( 2 كو 2:3 ) .. فكل من يتعامل معنا يقرأ سطورا من الكتاب المقدس , محصورة في قلوبنا , وظاهرة في سلوكنا , ومقروءة ممن هم حولنا.
6- الرائحة الذكية ” : “لأننا رائحة المسيح الذكية” ( 2 كو 15:2 ) . فالمسيحي الحقيقي رائحة عطرة تنتشر وسط الناس , يحسون بعبيرها وشذاها , من خلال ملامحها وسلوكياتها ..

3- مبدأ الإرسالية : قال السيد المسيح عن تلاميذه : “كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم ” ( يو 18:17 ) . فالمسيحية تعلمنا الإيجابية ، فإن كان كونفوشيوس قال : ” كل ما لا تريدون أن يفعل الناس بكم ، لا تفعلوا أنتم أيضاً بهم ” ، فالسيد المسيح قال بإيجابية : “فكل ما تريدون أن يفعل الناس بگم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم” ( مت 12:7 ).
المسيحية لا تدعونا إلى الإنسحاب ، بل بالحرى إلى الانتماء ، فالانتماء :
أ- احتياج إنساني : فالإنسان شخص (له علاقة بالآخر ) ، وهو عضو في مجتمع ، ووطن ، وعالم من البشر .
ب- احتیاج نفسي : ضمن الاحتياجات النفسية التي ولدنا بها : كالحاجة إلى الحب والتقدير والنجاح ، والخصوصية ، والمرجعية .. الحاجة إلى الانتماء .
ج- احتياج روحی : فكيف أمارس وصايا المسيح بالمحبة وفعل الخير دون آخرين أحبهم ، وأقدم لهم هذا الخير .
هـ- والانتماء داوئر تتسع شيئا فشيئا من الأسرة ، إلى الكنيسة المحلية ، إلى الطائفة ، إلى الدين ، إلى الوطن ، إلى البشرية . والانتماء يحتاج منا إلى
1- الحب الإلهي : الذي يرفعنا فوق الذاتية والطائفية والتعصب ، فنحب الآخرين من قلب طاهر ، وبشدة .
2- الوعی : فالإنسان المنتمي يكون واعياً بما حوله ، ومن حوله ، من بشر وتيارات وتفاعلات وثقافات .. إلخ .
3- المرونة القوية : فهو يسير في الاتجاه الصحيح دائماً، سواء مع أو ضد التيار … ذلك لأنه كالسمكة الحية التي تختار وجهتها ، وليس كالحوت الميت الذي تقذفه الأمواج إلى الشاطئ .
4- الإسهام الإيجابي : فهو يشعر بدور لابد أن يؤديه في خدمة المجتمع والوطن ، سواء في المدرسة أو الجامعة أو الحي أو العمل أو الحزب أو النقابة أو الإتحاد الطلابي .. إلخ .

وهكذا نكون رسلاً للسيد المسيح في العالم ، نحمل صورته في أعماقنا ، وفي ملامحنا ، حباً وسلاماً وخيراً نقدمه للجميع، غير ناظرين إلى فروق إجتماعية أو تعليمية أو سياسية أو دينية ، فالإنسان هو الإنسان ، مخلوق على صورة الله ، وأرى فيه وجه المسيح ، مهما تبدلت الملامح الخارجية . لأنه أصلا مخلوق على صورة الله .

ثانيا : الشهادة في المجتمع

هكذا نشهد لمسيحنا في المجتمع المحيط بنا ، لهذا أوصانا الرسول في رومية 12 : “لا تجازوا أحدا عن شر بشر” ( رو 17 : 12 ) “مغتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس ” ( رو 17:12 ) . “فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس ” ( رو 18 : 12 ) . “لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل أعطوا مكاناً للغضب ” ( رو 19:12) . “فإن جاع عدوك فأطعمة . وإن عطش فاسقه ، لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه” ( رو 20:12 ) . “ولا يغلبنك الشر ، بل اغلب الشر بالخير” ( رو 21:12 ) .
? الإنتصار – إذن – هو للخير !!
? ضبط النفس عند الغضب
? وعدم مجازاة الشر بشر
? بل غلبة الشر بالخير
? هذا هو الانتصار الحقيقي !!

كيف نقوم بدورنا في المجتمع ؟ ونقصد به التفاعل الاجتماعي ، والنشاط الإيجابي ، وعدم الانسحاب من الأنشطة العامة في المجتمع مثل :
1- أداء الواجب الإنتخابي .. بدافع وطني يهدف إلى بناء الوطن ، واختيار المرشح الصالح ، بغض النظر عن الدين أو الحزب .
2- الاشتراك الفعال في الأحزاب السياسية .. فمع أن الكنيسة لا تشتغل بالسياسة إلا أنها تشجع أولادها على أداء دورهم الوطني في المجتمع .
3- الاشتراك في النقابات المهنية بايجابية .. وتقديم نموذج طيب للنقابي الإيجابي والموضوعي ، الذي يخدم مهنته ومواطنيه . 
4- الاشتراك في اتحادات الطلاب .. وعدم الإنسحاب منها ، لكي تكون فاعلة ومفيدة للمجتمع الطلابي ، إذ تقدم خدمتها للجميع ، بمحبة إيجابية .
5- العمل في الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني .. وها هو يتنامي في مصر ، بطريقة طبية.

إجمالا .. أن يكون المسيحي مواطناً صالحاً يسلك بالانتماء للوطن لا للطائفة .. فالانتماء الطائفي يفرق ، وأحيانا يمزق الوطن .. أما الانتماء الوطني فيجمع ويوحد الكل في محبة ووحدة وتألف.

زر الذهاب إلى الأعلى