كيف أكتشف طاقاتي وأوظفها؟ 

 

الشباب ينبوع طاقات، إذ تتوفر لديه عوامل عديدة تجعله القوة المحركة للنشاط الإنساني ، حيث يذخر بالحيوية والحماس ، والتطلع إلى المستقبل ، والتخطيط للنجاح والتقدم في كافة المجالات : الروحية والذهنية والوجدانية والبدنية والإجتماعية . إنها مرحلة تكوين الذات ( في سنوات التعليم الثانوى ) ، ثم الصداقة الوثيقة ( في المرحلة الجامعية ) ، ثم الخصوبة ( في مرحلة ما بعد التخرج ) .

حيث يثمر الإنسان أنواعا متعددة من الثمار ، كالزواج وانجاب الأطفال ، أو النمو الدراسي ونوال شهادات تخصص ، أو التقدم الروحى في تعميق العشرة مع الله ، والإرتباط الأوثق بالكنيسة ، والخدمات المتنوعة فيها ، وربما التكريس الكامل في الكهنوت والرهبنة والشماسية .. والسؤال الذي يواجهنا الآن هو كيف أكتشف طاقاتی؟، وعندما أكتشفها كيف أوظفها بأسلوب سليم؟

أولا : كيف أكتشف طاقاتی؟

إن لكل إنسان مواهب وطاقات ، فإلهنا المحب العادل ، لم يحرم أحداً من البشر، من عطايا تميزه عن غيره ، وتجعله عضواً نافعاً في الجسد . حتی من نتصور أنهم معوقون ذهنيا، يكفي أن وجودهم يجعلنا نتعاطف معهم إنسانيا في روح المحبة ، وتسدد لهم كل إحتياجاتهم ، فتستفيد أننا أصبحنا إخوة للرب مثلهم ، لأن ما يفعله أحد بهؤلاء الأصاغر ، فقد فعله مع رب المجد نفسه!!

وإن كانت الطاقات الإنسانية متنوعة مثل :

1- الطاقات الروحية : الصلاة – التأمل – السهر الروحي – التسبيح – خدمة الكلمة . الإرشاد والخدمة الفردية والأسرية ..
2- الطاقات العقلية : كروح البحث والدراسة والقراءة والتحليل والإستنتاج ..
3- الطاقات الوجدانية : كالمشاركة في الأفراح والآلام – وتكوين علاقات محبة وخدمة الإفتقاد ..
4- الطاقات البدنية : كالمساعدة في خدمة القرى والنجوع البعيدة ، وأنواع النشاط الحرکی المتعددة ..
5- الطاقات الإجتماعية : كإنشاء علاقات محبة مع المواطنين في خارج المجتمع الكنسي ، وعلاقات مع المسئولين والشخصيات العامة … فإن هذه الطاقات كلها موزعة بين بني البشر ، والمهم هو أن يكتشف كل إنسان طاقاته ، ثم يستثمرها لبنيان نفسه ، وأسرته ، وكنيسته ، ومجتمعه ، لمجد الله المحب ، الذي أعطاها له .

ويمكن أن يكتشف الإنسان طاقاته من خلال قنوات متنوعة ، نذكر منها :
1- الصلاة : فحينما نصلى ونطلب من الله أن يعرفنا ما استودعه فينا من طاقات وعطايا ، يكشفها لنا روح الله الساكن فينا ، ويرشدنا وينبهنا إليها ، فتبدأ بأن نستثمرها . ولكن هذه الوسيلة وحدها ، وبدون إرشاد روحی ، قد تجعل الإنسان يسقط في خداع : إذ يتصور أن عنده ما ليس فيه ، أو ذاتية : إذ ينحصر في ذاته كأن فيه كل العطايا والمواهب ، أو كبرياء : حينما يحس أنه قادر على عمل ما ، وبصورة متقنة ، أو إدانة : حينما يقارن نفسه بآخرين ، يتصور بأنهم أقل منه كفاءة ، أو صغر نفس : حينما لا يرى ما أعطاه الله له ، أو اكتفائية : حينما يتصور أن عنده ما لا أحد يملكه ، وأنه متميز عن الجميع ، وأفضل منهم .. لذلك تأتي الوسيلة الثانية كضمان هام ، وهي :
2- الإرشاد الروحي : فلاشك أن أب الإعتراف ، أو خادم الإجتماع ، لديهما إمكانية أفضل في التعرف على ما لديك من طاقات وقدرات إبداعية ، ويمكن أن يلفتوا نظرك إليها ، وكيف أنها عطايا من الله ، وليس منك ، حتى تستثمرها لمجد الله ، وخلاص نفسك ، وفائدة الأخرين . لهذا نصحنا الآباء منذ القديم قائلين : ” إن الذين بلا مرشد ، هم كأوراق الخريف ، يسقطون سريعاً .. وقال لنا سليمان الحكيم : “الخلاص بكثرة المشيرين ” ( أم 6:24 ) . ذلك لأنه “توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت ” ( أم 12:14 ) ، ولكن “وتكون هناك سكة وطريق يقال لها الطريق المقدسة . لا يعبر فيها نجس ، بل هي لهم . من سلك في الطريق حتى الجهال ، لا يضل ” ( إش 8:35 ) .

3- الحوار : وهو أسلوب غاية في الأهمية في إكتشاف طاقات الناس ، فمن خلال الحوار سيظهر أن هذا الإنسان عنده موهبة موسيقية ، والآخر موهبة بحث ، والثالث موهبة إفتقاد ، والرابع موهبة قيادية ، والخامس موهبة إبداع ، والسادس موهبة مسامرة ، والسابع موهبة إدارة وتنظيم … إلخ .
لهذا ينبغي على قائد المجموعة أو الإجتماع أن يتحاور مع الأعضاء بإستمرار ، في كل فكرة أو اقتراح أو نشاط أو مسئولية أو عمل ، لأن هذا الحوار سيكشف عما لدى الأعضاء من طاقات وقدرات ومواهب.

وقديما قال سقراط لواحد من تلاميذه الصامتين : “تكلم يا ابني حتى أراك ” !! لهذا فالقائد الذي يتكلم ولا يعطي فرصة للسامعين أن يتكلموا … لن يتعرف لا على احتياجاتهم ، ولا على تساؤلاتهم ، ولا على الطاقات المختزنة في كل منهم . الحوار هو لغة التواصل الإنساني الذي ينمى الجميع : القائد والمخدومين والعمل نفسه .

4- المشاركة : بمعنى أن لا يقوم القائد بالعمل بمفرده ، بل عليه أن يشرك الآخرين معه ، في عمل جماعي منظم . فهذا العمل الجماعي ، أو روح الفريق Team work ، قادر على أن يكشف مواهب وطاقات الأفراد ، كل في تخصصه . والمشاركة في العمل لها بركات كثيرة جدا منها :
أ- ظهور الطاقات الكامنة لدى الأفراد … وما أكثرها !!
ب- إحساس كل عضو بأنه جزء من العمل ، فالمشاركة بالإنجليزية معناها Participation من كلمة part أي جزء . وهناك فرق شاسع بين عضو سلبي لا يحس بأنه جزء من العمل ، وآخر إيجابي يحس بدوره واسهامه في الخدمة .
ج- نمو العمل وإنتشاره … ففرق بين أن يعمل القائد بطاقته الواحدة ، مهما تعاظمت ، وبين أن يعمل بطاقات عديدة مع أعضاء المجموعة .
د- تجديد العمل … من خلال إبداعات أعضاء المجموعة .. سواء في شكل العمل أو مضمونه .
هـ- استقرار الخدمة … فلن تهتز لغياب القائد أو مرضه ، بل ستستمر من خلال الصفوف التالية : الصف الثاني ، والصف الثالث ، لملء الفراغ المؤقت . و استمرار الخدمة … فلن تعتمد الخدمة فيما بعد على القائد ، فهو جزء من منظومة وعضو في فريق ، إذا غاب لسبب ما ، استطاع الفريق سد العجز ، واستكمال العمل على نفس المستوى ، لملء الفراغ الدائم . وهذا ما مارسه رب المجد مع تلاميذه – رغم استغنائه بلاهوته عن كل مساعدة بشرية فإختار الإثني عشر ، ثم السبعين ، حتى صاروا مائة وعشرين ، حل الروح القدس عليهم في العلية يوم الخمسين ، وتوزعوا في كل أنحاء الأرض ، ونشروا اسم المسيح في كل مكان ؟

5- التدريب : فلاشك أن أي طاقة أو موهبة تكون مثل المادة الخام ، التي تحتاج إلى صقل وتدريب وتهذيب ومتابعة وإنماء … وهذا دور القائد ، ليس لوحده ، بل من خلال من هم أكثر منه خبرة ، إذ يستعين بهم – كل في تخصصه – لتدريب الطاقات الخادمة معه ، سواء في مجال الروح : الصلاة والتسبيح ، أو مجال العقل : الدراسة والبحث ، أو مجال الوجدان : الإفتقاد والعمل الفردي ، أو مجال البدن : الرياضة والكشافة ، أو المجال الإجتماعي : العلاقات العامة والنشاطات المجتمعية … إن لكل من هذه الأمور متخصصون دارسون ، قادرون على تدريب الآخرين ، حتى يتم صقل المواهب وإنماؤها ، لمنفعة الفرد والجماعة .

6- التعبير : فلو تركنا لكل الأعضاء فرصة التعبير عن أنفسهم بالكلمة والرأي والرسم والأشغال الفنية والآداب والأنشطة المتنوعة ، كالتمثيل والكورال والأوبريت ، وغير ذلك … فلاشك أنه ستظهر مواهب عديدة . هذه بعض الوسائل التي من خلالها نكتشف الطاقات فيمن حولنا .. وهنا يأتي السؤال :

ثانيا : كيف نوظف طاقاتنا بأسلوب سليم

الطاقة مثل موتور السيارة ، فهي قوة محركة … ولكن إذا تحركت السيارة فلابد من دركسيون ” يوجهها !! وكلمة ” موتور ” من الكلمة الإنجليزية Motion أي “حركة ” … وكلمة دركسيون ” من الكلمة Direction أي إتجاه ” … فالحركة بدون تحكم في الإتجاه ، تقود إلى كارثة … كما أن الدركسيون في حاجة إلى قوة دفع ” الموتور ” ليثمر شيئا !! من هنا كان لأبد – بعد إكتشاف المواهب – من توظيفها لكي تكون مثمرة ، وكذلك الأبد من قيادتها وضبطها لتكون النتائج سليمة !!

وهذا يحتاج أن نقوم – بعد إكتشاف الطاقات – بما يلى :

1- تشغيل الطاقات .

2- تنسيق الطاقات .

3- متابعة الطاقات .

4- إنماء الطاقات .

1- تشغيل الطاقات :

يخطئ القائد ، سواء في مجموعة صغيرة من المخدومين ، أو في عمل أو مصلحة حكومية ، أو حتى في مجال الأسرة الخاصة ، إذا ما أكتشف الطاقات ولم يوظفها ويجعلها طاقات فاعلة ومثمرة . لهذا تختلف أنواع القيادات عن بعضها البعض ، كما تختلف ثمارها ونتائج عملها . ويقول علماء الإدارة أن هناك عدة أنواع من القيادات :

1- القائد الدكتاتور : وهو الذي يفكر ويقرر كل شئ ، دون التشاور مع أحد من أعضاء المجموعة ، ويأتي ليعلن قراره ، ويطلب من الجميع الإلتزام به . وهذا النوع من القادة يعطينا ردود أفعال في أعضاء المجموعة مثل :
أ- السلبيون : الذين يتركون القائد يتصرف ، دون أن يتحاوروا معه ، أو يقدموا له آراءهم فيما يراه هو من قرارات أو أنشطة …
ب- الساخطين : الذين يتضايقون من أسلوب القائد ، ولكنهم يكتمون آراءهم ورؤاهم ، ولا يعبرون عما في صدورهم من ضيق أو رأی مخالف …
ج- المتمردين : الذين يرفضون الأسلوب الدكتاتوري للقائد ، ويحتجون عليه علنا ، وربما بأسلوب عنيف …
د- المتفاعلين : الذين يتفاعلون مع القائد بمحبة وهدوء ، شارحين له وجهة نظرهم ، ومقدمين له اقتراحات أخرى إيجابية . وهذا الأسلوب هام للغاية ، فغالبا يستجيب القائد لأفكارهم ، وربما يغير قراره وفكره ، بسبب أسلوبهم السليم في النقد ، وموضوعيتهم ، وروحهم الودودة المتواضعة .

2- القائد … بائع الفكرة : وهو نوع آخر من القادة ، يفكر ويقرر بمفرده ، ولكنه حينما يعلن قراره ، يعلنه في جلسة محبة ، يحاول فيها إقناع المجموعة برأيه وقراره ، ويدافع عنه بكل قوة ، ولا يقبل أي أفكار أو اقتراحات أو آراء أخرى ، ولكن بأسلوب هادئ … إنه دكتاتور مقنع !! أي أنه يخفي ديكتاتوريته تحت قناع الحوار الذي لن يفضي إلى أية نتيجة ، غير ما يری هو !! وهذا النوع من القادة ، لن يوظف طاقات أعضاء المجموعة ، ولن تتجاوز ثماره جهده الشخصي ، وفكره الوحيد . لهذا فهو قائد قمعي ، ولكن بهدوء !! ولاشك في أنه خطر على الطاقات الكامنة في أعضاء المجموعة ، حيث أنه يحبطها ولا يطلقها أو ينميها !!

3- القائد الكاريزمي : وهو القائد الموهوب والمتميز ، والقادر على كسب الكثيرين کمریدین له ، ولكنه يطفی بکارزمینه ( أي موهبته وجاذبيته) على كل من حوله ، ولا ينمي أعضاء مجموعته ، بطاقاتهم المتنوعة ، ليسهموا في العمل . وهو بذلك يكون قائدا عقيماً ، لا يفرخ صفوفا وراءه ، لتتحمل المسئولية ، وتتمنى العمل !! وعلى هذا القائد الموهوب أن يلاحظ هذه النقطة في حياته وعمله ، ويعطى أعضاء المجموعة فرصة التفكير والتعبير ، والمشاركة في صنع القرار ، والمساهمة في تنفيذه وتطويره ، فهو بهذا يعطى مجالا لظهور طاقات جديدة ، تجدد العمل ، وتدعمه ، وتنميه ، وتستمر به ، حتى بعد سفر القائد أو غيابه لأي سبب !! وهكذا كان الرب يسوع ، الذي رغم المسحة الإلهية الجذابة ، والشعبية الهائلة التي تمتع بها ، إلا أنه كان يرعى البراعم الصغيرة ، ويسند القصبة المرضوضة ، ولا يطفئ الفتيلة المدخنة . لهذا استطاع أن يخلق من تلاميذه ورسله خداما أمناء ، فتنوا المسكونة ، ونشروا الإنجيل ، ونادوا باسم المسيح في كل العالم المعروف وقتئذ ، مع أن وسائلهم كانت بدائية وشاقة !!

4- القائد الجماعي : وهو القائد الذي لا يقرر شيئا بمفرده ، بل يطرح ما يراه على المجموعة ، ويحاورهم بأسلوب منظم وهادئ ، ويترك لهم كل الحرية في الوصول معهم إلى القرار المناسب ، والإختيار السليم . لقد جاء إلى الإجتماع بفكرة في ذهنه ، ولكنه يخرج من الإجتماع بالفكرة التي أجمعت عليها أغلبية الحاضرين ، سواء كانت فكرته أو فكرة أخرى . وهذا النوع من القادة هو القادر أن يفجر الطاقات الكامنة فيمن حوله ، واثقا أن لدى كل إنسان مواهب وقدرات متنوعة ، وأن كل عضو في الجماعة محتاج إلى الأعضاء الأخرى ، تماما كأعضاء الجسد الواحد ، لا يستغني أحدها عن الأخر بل يتضافر الكل لبنيان الجسد ، وسلامته ، واثماره . وهذا النوع من القادة هو القادر على تشغيل الطاقات ، وإقناع أعضاء المجموعة بما يسمى العمل الجماعي ” ، أو ” عمل الفريق ” ( Team Work ) . ويقول بعض أساتذة الإدارة : أن كلمة Team يمكن أن تكون الحروف الأولى من جملة : Together Each Achieve More ، أي أننا حين نعمل معا ، فكل فرد منا سيحقق ثمارة أكثر مما لو عمل بمفرده ” …

زر الذهاب إلى الأعلى