تفسير سفر اللاويين ١ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الأول
ذبيحة المحرقة
معنى كلمة محرقة :- أنها تحرق بالنار تماماً وهى بالإنجليزية holocaust وأصل الكلمة (حرق) causis (كلها) holou. والمسيح كان ذبيحة محرقة عندما تحمل نار الغضب الإلهى على الخطية وتحمل لعنة الناموس فأرضى قلب الله الغاضب وعقد صلحاً بين الله والناس بدمه.
المحرقة هى أول ذبيحة :- لماذا جائت المحرقة متقدمة على باقى الذبائح ؟
المحرقة ترمز للتسليم والطاعة الكاملة بل تشير إلى عمق الإنسحاق. وهذا ما ظهر فى تجسد وحياة المسيح حتى صلبه. “أطاع حتى الموت موت الصليب فى 2 : 5 – 8” فكان الله فى حبه للإنسان ينتظر منه فى مقابل هذا الحب الخضوع الكامل له ولكن تمرد الإنسان على الله وتحداه. فماذا صنع المسيح بتجسده ؟ المسيح جاء وأتحد بنا وصرنا نحن جسده وهو رأس هذا الجسد. وحين يقول بولس الرسول فى “1كو 15 : 28 فحينئذ الإبن نفسه أيضاً سيخضع ” كان مفهومها أن المسيح يقف فى هذا اليوم مع كنيسته قائلاً للآب “أيها الآب هذا ما أردته أولاً أن تعلن حبك للبشر وهم يقدمون لك الخضوع دليل ثقتهم فى حبك وها أنا والأولاد الذين أعطيتنى هم جسدى نقدم لك الخضوع وبهذا نعيد الصورة التى أردتها” وحتى يحقق المسيح هذا سبق فقدم هو الخضوع لمشيئة الآب فى تجسده حتى صلبه. وفى صلبه قال “لتكن لا إرادتى بل إرادتك” إذاً هذا الخضوع الكامل هو سبب مسرة الآب لذلك قال “هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت” ولذلك أيضاً قيل عن ذبيحة المحرقة “كان الله يتنسم رائحة الرضا” هنا رضا الله راجع للطاعة الكاملة التى للمسيح وهذه المحرقات هى رمز لها.
+ والمحرقة هى أول الذبائح لأن حق الله ينبغى أن يستوفى أولاً قبل الكلام عن خلاص الإنسان فإرضاء الله قبل التفكير فى سعادة الإنسان وأبديته.
+ وهكذا كان الوضع فى الوصايا فوصايا حقوق الله (اللوح الأول) جاءت أولاً قبل وصايا المعاملات مع الناس (اللوح الثانى) وهكذا طلبات الصلاة الربانية.
طاعة المسيح لم تظهر فقط فى الصليب :-
لقد ظهرت هذه الطاعة أيضاً فى تجسده حين أخلى ذاته آخذاً صورة عبد. وفى حياته حين كان يقول “طعامى أن أصنع مشيئة الذى أرسلنى” و”ينبغى أن أكون فيما لأبى” وإذا قارننا هذه المواقف للمسيح مع قوله من يحبنى يحفظ وصاياى نفهم أنه إذا كان المسيح يقول هذا ويصنع هذا فإنما بسبب الحب فهو قدم حياته كلها محرقة حب ملتهب لذلك إشتمه الآب رائحة سرور ورضى بإسم الكنيسة ولحسابها.
موقف المسيحى من ذبيحة المحرقة :-
كيف يكون المسيحى موضع سرور ورضى الله ؟ بأن يقدم طاعة وخضوع كامل لله وكيف أستطيع أن أقدم هذا الخضوع لله ؟ هذا لا يأتى سوى بأن نحب الله. وهناك من يلتهب بنار الحب الإلهى فيقدم نفسه محرقة لله، أى كل حياته الداخليه وتصرفاته الظاهرة كذبيحة حب ملتهبة لحساب الله ويصل هذا للإستشهاد. ولهذا يقول بولس الرسول “من يفصلنى عن محبة المسيح…..رو 8” ويقول “الذين صلبوا الأهواء مع الشهوات ” هذا ما له رائحة عذبة أمام الله. والذى يصنع هذا ويقدم نفسه ذبيحة فهو خلال الإتحاد بالمصلوب يرتفع فى إشتياق معه إلى الصليب كما على مذبح المحرقة ويتقبل أى نوع من الألام شاكراً وبسرور بل يسبح الرب على كل حال وهذا معنى “فنقدم عجول شفاهنا هو 14 : 2” أى نسبحك يا رب ونحن مقدمين أنفسنا ذبائح حيه (عجول محرقات) ولذلك يدعونا الرسول “قدموا أجسادكم ذبائح حيه”.
+ إذاً علينا أن نهتم بأن نبحث عن محبة الله وإرضاؤه قبل أن نفكر فى أبديتنا، ولذلك بكى داود على خطيته حتى بعد أن غفرها له الله. وإذا بحثنا كيف نرضى الله نكون قد إصطلحنا معه وصرنا مقبولين أمامه ورائحة سرور لديه.
+ فى ذبيحة المحرقة المسيح نفذ الوصية “حب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك تث 6 : 4. فالكل يحترق على النار. فالرأس يشير للفكر والأرجل تشير للسير والأحشاء للقلب والمشاعر والشحم يشير لطاقة الجسم. فالمسيح قدم كل شئ فكانت أول كلماته وهو بعد صغير “ينبغى أن أكون فيما لأبى” وآخر كلماته على الصليب “قد أكمل” أى أنه أكمل العمل الذى أعطاه له الآب. وهكذا على المسيحى أن يقدم كل ماله لله، الرأس أى أفكاره يحفظها طاهرة والأرجل وهذا يشير للسلوك الخارجى والأحشاء وهذه تشير لتطهير القلب. وهذا ما يعنيه تكريس الإنسان للمسيح.
كلمة محرقة تعنى أيضاً صعيدة :-
وكلمة محرقة بالعبرية هى “أعولة” ومعناها الشئ الذى يعلو ويصعد ويرتفع لأنها من ناحية ترفع كلها على المذبح لا يأكل منها أحد فكلها لله. والأهم أنها تصعد لله كرائحة بخور. ولذلك يستخدم الفعل أصعد مع هذه الذبيحة كثيراً مثلاً تك 8 : 20 + تث 12 : 14. ولاحظ فى الترجمة العربية قوله “ويوقد الكاهن لا 1 : 9، 13، 17 ” ولم يقل يحرق كما فى ذبيحة الخطية لا 4 : 12 وفى الأصل العبرى فكلمة يوقد هى المستخدمة لإيقاد البخور فهذه الذبيحة لها رائحة زكية أمام الله أما الكلمة المستخدمة مع ذبيحة الخطية فهى تعنى حرق بالمعنى العادى.
أنواع المحرقات :-
كانت المحرقات نوعان 1) عامة 2) خاصة
1) العامة :- مثل المحرقة الصباحية والمحرقة المسائية وهذه تقدم يومياً خر 29 : 38 – 42 وهناك محرقات تقدم فى السبوت والأهلة والأعياد عن الشعب كله عد 28 : 9
2) الخاصة :- كالتى قدمت فى مسح هرون وبنيه أو التى يقدمها كل شخص عن نفسه وهذه تنقسم لنوعان أ) إجبارية ب) إختيارية
أ) الإجبارية :– هذه يقدمها المريض (مثل الأبرص) حين يشفى
ب) الإختيارية :- كالنذور وفى الشكر وفى الفرح.
الحيوانات التى تقدم للمحرقات :- ثلاث أنواع البقر – الغنم – والطيور. وهذه هى الحيوانات الثمينة عند الشخص العادى فلا ينبغى أن نقدم لله إلا من أثمن ما عندنا ومن ناحية أخرى فهى متواجدة بإستمرار فلم يطلب الله منهم صيد وحوش مثلاً. المهم أن لا يظهروا فارغين أمام الله. بجانب أن هذه هى الحيوانات الطاهرة (لا 11).
ملحوظة :- فى المحرقات العامة (الصباحية والمسائية…… ) كان رئيس الكهنة يعترف بخطايا الشعب على رأس الذبيحة (لا 16 : 21) وهذا ما يفعله الكاهن الآن فى دورة البخور وفى تقديم الحمل.
+ كلمة للرضا عنه لم تأتى مع ذبائح الخطية والإثم ولا مع ذبيحة السلامة، إنما جاءت هنا فقط مع ذبيحة المحرقة وكذلك كلمة يكفر هنا تختلف عن كلمة يكفر فى ذبيحة الخطية فهى مع المحرقة تعنى الرضا أما مع ذبائح الخطية فهى للصفح. فى ذبيحة المحرقة الله يسر بكمال مقدم الذبيحة فهو بلا خطية. ولكن فى ذبيحة الخطية فمقدم الذبيحة يسترضى الله الذى كسر شريعته، هو يحاول أن يبقى وسط شعب الله لأن خطيته تجعله مطروداً خارجاً.
+ كانت حادثة العجل الذهبى وإرتدادهم عن الله فيها فمات منهم 3000 نفس كافية لإثبات ضرورة المصالحة مع الله حتى لا يظهر غضبه عليهم. (خروج 32)
آية 1 :- و دعا الرب موسى و كلمه من خيمة الاجتماع قائلا.
سبق الشعب ورفض أن يتكلم مع الله حين خافوا من البرق والرعد والدخان ثم سلم الله الوصايا لموسى بعد ذلك. وهنا الله يستدعى موسى إلى خيمة الإجتماع إلى تابوت العهد (كرسى الرحمة). والمعنى أن الله أعطانا الوصية لنقترب إليه من خلالها. لكننا فى ضعفنا حسبنا كاسرين للوصية وسقطنا بالأكثر تحت لعنة الناموس. وهنا يعطى الله شريعة الذبائح فلا مصالحة إلا خلال ذبيحة الدم التى بدونها لا يسكن الله وسط شعبه. والإعلان لموسى هنا من حيث يظهر مجد الله بين الكاروبين. والخيمة تشير لتجسد المسيح فهى حلول الله وسط شعبه. فالله لو حل فى وسطهم على أساس صفاته التى أظهرها فى جبل سيناء لكانوا قد هلكوا بسبب أنهم خطاة. وفى الخيمة إعلان لمجد الله المستور داخل حجاب رمزاً لتجسد المسيح. وقداسة الله فوق جبل سيناء لم تختلف عن قداسة الله فوق تابوت العهد حيث كلم الله موسى هنا، إلا أن قداسته فى الحالة الأولى إقترنت بنار آكلة وفى الحالة الثانية إمتزجت بالنعمة الكاملة وهذه الأخيرة ظهرت بملئها فى الفداء الذى بالمسيح وهذا هو الفداء الذى يشير له سفر اللاويين. ففى جبل سيناء كان هناك مجداً لله فى الأعالى لكن بدون سلام على الأرض ولا مسرة الناس. والأن من فوق كرسى الرحمة يوجد رجاء بسلام على الأرض ورضا الله بالناس
آية 2 :- كلم بني اسرائيل و قل لهم اذا قرب انسان منكم قربانا للرب من البهائم فمن البقر و الغنم تقربون قرابينكم.
كلم بنى إسرائيل = راجع عب 1 : 1. هذه تظهر الإحتياج لوسيط بين الله والناس. إنسان منكم =لأنها مقدمة عن الجنس البشرى كله. فالآب يود أن يشتم فى الكل رائحة سرور ورضا والمسيح الإبن يقدمها للآب كأن البشرية كلها كإنسان واحد هو جسده. قرباناً = هى كلمة عبرية تعنى عطية.
آية 3 :- ان كان قربانه محرقة من البقر فذكرا صحيحا يقربه الى باب خيمة الاجتماع يقدمه للرضا عنه امام الرب.
من البقر = هذه للقادرين ولغير القادرين يقدمون من الغنم وللمعدمين يقدمون من الطيور. فذكراً = لأن المسيح هو عريس الكنيسة والكنيسة هى عروس المسيح والمسيح هو رأس الكنيسة كما أن الرجل هو رأس المرأة. وعن هذا سبق أرمياء وتنبأ قائلاً “لأن الرب قد خلق شيئاً حديثاً فى الأرض. أنثى تحيط برجل”
( 31 : 22 ) ويقول أشعياء فى نبوة عن ولادة العذراء “قبل أن يأتى عليها المخاض ولدت ذكراً” 66 : 7 وفى سفر الرؤيا ولدت إبناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم رؤ 12 : 5. صحيحاً = أى بلا عيب (هو العجل المسمن الذى قدم عن الإبن الضال) وكان الكهنة يختمون الحيوانات بعد فحصها ومن يجدونه بلا عيب يضعوا عليه ختماً لتقدم الذبائح من هذه الحيوانات المختومة. وهذا تفسير يو 6 : 27 غالباً. وقارن مع ملا 1 : 6 – 8 فحين أهمل الكهنة إختيار الذبائح الصحيحة حزن الله. يقربه = هنا كان يسمح لمقدم الذبيحة غالباً أن يذبحها بنفسه أو يذبحها له اللاويين ولكنه كان هو يأتى بنفسه مع الذبيحة إلى باب خيمة الإجتماع وهذا إعلان منه أنه راضياً عن هذا ولم يجبره أحد على ذلك وهذا فيه إشارة للمسيح الذى قدم نفسه للموت بإرادته فصار آدم الأخير الذكر رأس الكنيسة الذى بلا عيب. إلى باب خيمة الإجتماع = وليس فى الداخل فالمسيح تألم خارج أورشليم. هو جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله. وهكذا صنعوا بإبن صاحب الكرم مت 21 : 38، 39 قارن مع عب 13 : 13. وهنا فإن مقدمى الذبائح يقفوا خارجاً كمن هم غير مستحقين للدخول فى شركة الجماعة. ولذلك أخذ واضعى طقوس العهد الجديد نفس الفكر فقبل تقديم الحمل فى القداس تكون كل الصلوات من على باب الهيكل ومن الخارج وهذا ينطبق على صلوات رفع بخور عشية ورفع بخور باكر وهذه الصلوات هى إشارة للمحرقة الصباحية والمسائية وكأن الصلوات التى تسبق تقديم الحمل تشير للعهد القديم ولذلك نصلى خارج الهيكل. للرضا عنه = المسيح مقبول ومرضى عنه لكماله أما نحن فنقبل فيه. ولاحظ أن باب خيمة الإجتماع أى قبل مذبح المحرقة النحاس
آية 4 :- و يضع يده على راس المحرقة فيرضى عليه للتكفير عنه.
يضع يده على رأس = كان الطقس المعروف أن مقدم الذبيحة يضغط بكل قوته على رأس الذبيحة ويقول “أتوسل إليك يا الله فإننى أخطأت وتمردت وعصيت مرتكباً…. كذا وكذا لكننى عدت تائباً وليكن هذا للتكفير عنى” وهذا فى ذبيحة الخطية ومعنى الضغط على رأس الحيوان يعن أن مقدم الذبيحة يلقى بكل أحماله ومتاعبه وخطاياه عليها ويعود لبيته فرحاً لأن خطاياه رفعت عنه. والضغط بقوة يحمل فكرة التخلى عن الخطية أى توبة قوية. وأما طقس شريعة المحرقة أو الكلمات التى كان يرددها مقدم هذه الذبيحة فغير معروفة والمهم أن وضع يد المقدم وضغطها على رأس الذبيحة تشير لمعنى الوحدة مع الذبيحة وكأن الذبيحة صارت ممثلة لشخص مقدمها وكما صارت هذه الذبيحة موضع سرور الرب هكذا يصير مقدمها. وفى هذه إشارة لوحدتنا مع الرب يسوع فقد صرنا من لحمه ومن عظامه
آية 5 :- و يذبح العجل امام الرب و يقرب بنو هرون الكهنة الدم و يرشون الدم مستديرا على المذبح الذي لدى باب خيمة الاجتماع.
ويذبح العجل = كان مقدم الذبيحة أو اللاويين هم الذين يقومون بالذبح. أمام الرب = حقاً فالعجل يذبح خارج الخيمة لكنه أمام الرب. والمسيح يظهر أمام وجه الله لأجلنا عب 9 : 24 + 7 : 25. ونحن فى المسيح ندخل إلى حضن الآب. ويقرب بنو هرون الكهنة الدم = الدم هو نفس الحيوان. “فنفس الحيوان أى حياته فى دمه” والمعنى أن الذبيحة قدمت دمها فداء عن حياة الإنسان. وكان الكهنة يستقبلون الدم فى طشوت معدة لذلك. وكان رش الدم للتكفير حقاً للكهنة فقط. ورش الدم مستديراً = والدائرة تشير للأبدية فهى لا بداية لها ولا نهاية وكأن هذا الدم يعمل فينا أبدياً وينطلق بنا إلى السماء عينها ليدخل بنا إلى حضن الآب فنحيا فوق حدود الزمن. وراجع (1يو 1 : 7 + عب 9 : 14، 22 + 1بط 1 : 18، 19 + رؤ 7 : 14 + 12 : 11) لترى قوة دم المسيح فى التطهير. وكون دم المسيح دم رش عب 12 : 24. هو رئيس كهنتنا الذى يرش دمه علينا فنتطهر وإستوحى واضع الطقس القبطى نفس الفكرة ولذلك نجد الكاهن عند قوله “وهكذا الكأس أيضاً بعد العشاء مزجها من خمر وماء” يدور بإصبعه راسماً دائرة على حافة الكأس والمعنى أن دم المسيح هو لكل أحد ولكل زمان وحتى الأبدية وفى كل مكان.
آية 6 :- و يسلخ المحرقة و يقطعها الى قطعها.
ويسلخ = السلخ يشير للإستسلام الكامل فالذبيحة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها الأن ومستسلمة تماماً. ولأن الغنم هذا هو طبعها فهى تشير للإستسلام الكامل فهى لا تسلخ وهكذا المسيح كان كخروف داجن وشاة سيقت للذبح. ويشير أيضاً السلخ للعرى فقد تعرت الذبيحة مما تلبسه والمسيح تعرى ليسترنا. هكذا لبس آدم أقمصة من جلد. ويشير السلخ أيضاً للطاعة الكاملة ظاهرية وباطنية. فالسلخ إعلان لطاعة المسيح الباطنية. فهى ليست طاعة ظاهرة فى التصرفات الخارجية فقط، بل بإقتناع داخلى، لأن السلخ هو نزع الغطاء الخارجى فيظهر الداخل. ويقطعها إلى قطعها = مرة أخرى نعود لواضع الطقس القبطى الذى إستوحى نفس الفكرة فنجد الكاهن يقسم القربانه لقطع ثم يعيد ترتيبها على شكلها الأصلى فى الصينية. وروجع آية (8) ويرتب بنو هرون القطع. وكانوا غالباً يعيدون ترتيبها على المذبح لتأخذ شكل الحيوان الأصلى رأسه وأكارعه وأعضاؤه. وهذا ما يفعله الكاهن القبطى اليوم والمعنى أن هذا الجسد المكسور مكسور لأجلنا.
آية 7 :- و يجعل بنو هرون الكاهن نارا على المذبح و يرتبون حطبا على النار.
ناراً = كانت النار لا تطفأ أبداً وهى التى أرسلها الله لتأكل الذبائح فى يوم تكريس هرون وبنيه وكان شحم الذبائح هو ما يساعد على إضرام النار. ويرتبون حطباً على النار = الحطب أى الخشب وهذا يرمز للصليب (خشبة الصليب)
آية 8 :- و يرتب بنو هرون الكهنة القطع مع الراس و الشحم فوق الحطب الذي على النار التي على المذبح.
ويرتب بنو هرون القطع = هذا يشير إلى أن الصليب حمل المسيح رأس الكنيسة وأيضاً حمل الأعضاء أى جسده الذى هو الكنيسة. فالكنيسة هى جسد المسيح التألم التى تشاركه طاعته للآب وحبه. وهنا الكل على النار، وهكذا المسيح قدم نفسه جسداً وروحاً ونفساً على مذبح الصليب. وهذا يشير للقلب الذى تشعله نار الله لتحرق الخطايا ثم يشتعل حباً ثم يشتعل غيرة على أولاد الله فيحترق حين يضعف أحدهم
آية 9 :- و اما احشاؤه و اكارعه فيغسلها بماء و يوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب.
فيغسلها بماء = الغسيل للأعضاء الخارجية والداخلية فالإنسان كله يحتاج لغسيل كامل بسبب طبيعته الساقطة. وهذا الغسيل للقطع يشير لطهارة المسيح الذبيح وأنه بلا عيب وبالنسبة للكنيسة فيشير لعمل المعمودية التى بها تغتسل طبيعتنا الداخلية بعمل دم الذبيحة، وتتجدد بصلب الإنسان العتيق والتمتع بالإنسان الجديد. وهنا يلتحم الدم مع الماء كما خرج دم وماء من جنب المسيح. ولاحظ الشكل الموجود على المذبح، الأعضاء المغسولة للحيوان المذبوح مرتبة على خشب والنار تأكل الجميع. ما هذا سوى الكنيسة المعتمدة المقدسة بالدم التى صلبت أهوائها مع شهواتها “مع المسيح صلبت” ونار الروح القدس تشعل محبتها لله فتصير رائحتها رائحة سرور أمام الرب. والروح القدس هو النار الذى يهبنا التبنى لله الآب فى إستحقاقات الصليب
الأيات 10 – 13 :- و ان كان قربانه من الغنم الضان او المعز محرقة فذكرا صحيحا يقربه. و يذبحه على جانب المذبح الى الشمال امام الرب و يرش بنو هرون الكهنة دمه على المذبح مستديرا. و يقطعه الى قطعه مع راسه و شحمه و يرتبهن الكاهن فوق الحطب الذي على النار التي على المذبح. و اما الاحشاء و الاكارع فيغسلها بماء و يقرب الكاهن الجميع و يوقد على المذبح انه محرقة وقود رائحة سرور للرب.
محرقة الأغنام يقدمها غير القادرين. وهى لها نفس الطقس السابق ما عدا أنها لا تسلخ. ونجد هنا إشارة لأنها تذبح على جانب المذبح إلى الشمال والشمال هو الناحية البحرية مكان هبوب الريح اللطيفة. ففى هذه الذبائح إرضاء الله. وقد يكون هذا المكان هو المناسب للذبح فهو المكان الخالى كما هو واضح بالرسم. وهناك سبب آخر أن المسيح قد صلب فى موضع الجمجمة لو 23 : 33 وهذا المكان على الجانب الشمالى من أورشليم. ومن هذا الجانب الشمالى رمز الريح اللطيفة نجد إشارة للصليب الذى بسببه رضى الله على الإنسان فكانت نعمته التى تشبه الريح اللطيفة بعد سنين من عذاب الهواء اللافح الساخن من غضبه على البشرية. ولكن لماذا أشير للجانب الشمالى فى ذبائح الغنم بالذات ولماذا سمى المسيح حمل الله ولم يسمى بأى إسم آخر من الحيوانات التى تقدم ذبائح؟ السبب أن الغنم رمز للطاعة الكاملة وأيضاً فالمحرقة الدائمة (الصباحية والمسائية) من الغنم إشارة للمسيح الذى يشفع فينا دائماً أمام الآب بدمه فيرضى الآب
الأيات 14 – 17 :- و ان كان قربانه للرب من الطير محرقة يقرب قربانه من اليمام او من افراخ الحمام. يقدمه الكاهن الى المذبح و يحز راسه و يوقد على المذبح و يعصر دمه على حائط المذبح. و ينزع حوصلته بفرثها و يطرحها الى جانب المذبح شرقا الى مكان الرماد. و يشقه بين جناحيه لا يفصله و يوقده الكاهن على المذبح فوق الحطب الذي على النار انه محرقة وقود رائحة سرور للرب
هى المحرقة التى يقدمها المعدمين. الطيور (يمام وحمام) والكلمة العبرية تشير أنه لابد أن يكون الطير ذكراً. وربما إستخدمه لليمام والحمام ضماناً لوجودهما على مدار العام. وهنا تنزع الحوصلة والريش ترمى فكل ما هو غير نقى يرمى خارجاً. ولم يكن فى حالة الطير أن مقدم الذبيحة يضع يده على رأس الطير فهى صغيرة جداً ويكفى مقدمها أنه يقدمها بيديه. ونلاحظ هنا أن الكاهن هنا هو الذى يقوم بكل العمل (الذبح أيضاً وليس اللاويين هم الذين يذبحون الطير) وفى هذا رفع لشأن الفقراء والمسيح إمتدح فلسى الأرملة. وكان الكاهن يعصر دم الطير مباشرة على المذبح لقلة مقدار الدم. وراجع لو 2 : 24 فأبوى المسيح قدموا محرقة من الطيور فالمسيح أتى فقيراً. الله لا يطلب القيمة المادية بل القلب. ولهذا نجد هنا فقط وكان الكاهن يعصر دم الطير مباشرة على المذبح لقلة مقدار الدم. وراجع لو 2 : 24 فأبوى المسيح قدموا محرقة من الطيور فالمسيح أتى فقيراً. الله لا يطلب القيمة المادية بل القلب. ولهذا نجد هنا فقط وإن كان قربانه للرب فقوله للرب لم يذكر مع النوعين الآخرين والحمام واليمام سبق الإشارة لهما ويشيران للوداعة والبساطة وبعض اليمام لا يقبل الذكر منه سوى أنثى واحدة لا يقترب إلى غيرها حتى إن ماتت فهو رمز للطهارة. ويحز رأسه = فالطريقة التى كانت ذبيحة الحمام واليمام تقدم بها طريقة عنيفة لطائر نقى وديع بل ووحشية مع طائر مسالم !! أو ليس هذا ما حدث مع المسيح الذى سالم جميع الناس ولم يكن فى فمه غش ولاحظ مشهد الصليب. ويشقه بين جناحيه لا يفصله = هذا مثل ما حدث مع خروف الفصح الذى لا تكسر عظامه وعدم كسر العظام قد يشير أنه هو نفسه كامل بلا عيب وهو مصلوب ومذبوح لأجلنا. ولاحظ أن الكنيسة تسمى اليمامة كمسيحها
+ ياليتنا نقدم أنفسنا ذبيحة محرقة فالعجل هو الجموح الجسدى وشهواته فلنصلبها ونقدم طاعة وتسليم لإرادة الله فنصير حملان وهنا ننطلق للسماويات كالحمام ونمتلئ من الروح القدس (الحمام) وتهب علينا ريح الشمال الباردة أى تعزيات الله السماوية.
وهناك ملحوظة أخرى فالعجول مرتبطة بالقادرين الأغنياء ثم الحملان مرتبطة بالأقل قدرة والطيور السماوية مرتبطة بمن لا قدرة لهم وحقاً قوته فى الضعف تكمل وعلى من يحس بقدراته وجموحة أن يقاومها ويبدأ فى طاعة الله فيحلق بعد ذلك فى السماويات.
ملاحظات على ذبيحة المحرقة
1- من الواضح أن للمحرقة مكاناً خاصاً بين الذبائح كلها. فهى ذكرت أولاً فى هذا السفر فى الترتيب، بل تعتبر من بعض الوجوه أساس كل التقدمات. فكثيراً ما نقرأ عن تقدمة الدقيق كملحق للمحرقة “محرقة للرب مع تقدمتها وسكيبها (لا 23 : 18) وكانت ذبيحة السلامة تحرق على المحرقة “3 : 5. بل كان مذبح النحاس الذى فى الدار الخارجية للخيمة يسمى مذبح المحرقة. وكانت تتقد عليه المحرقة الدائمة ليلاً ونهاراً، لأن الله قصد أن يبقى أمامه دائماً ما هو ثمين فى عينيه.
2- يتردد فى ذبيحة الخطية القول “يكفر عنه فيصفح عنه” أما فى المحرقة فالتكفير ليس للصفح عن الخطية، بل لقبول الشخص نفسه أى للرضا عنه أمام الرب ووضع مقدم الذبيحة يده على رأس الذبيحة كأنه يتحد بها فى كل قيمتها وكمال قبولها أمام الله فإن كان الله يقبلها فهو يقبل مقدمها
3- فى قول معلمنا بولس الرسول “وأسلكوا فى المحبه كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة. أف 5 : 2. نرى هنا مقطعين للآية: الأول أنه أسلم نفسه لأجلنا هذا هو الوجه الأول للصليب من ناحيتى كإنسان. فالمسيح قدم نفسه ذبيحة خطية لأجلى أما المقطع الثانى أنه كان قرباناً وذبيحة لله، هذه هى ذبيحة المحرقة
4- ملحوظة أخرى على سلخ المحرقة، فهو قبل أن يتعرى ليكسينا بعد أن تعرينا فالسلخ يشير لخلع الغطاء الخارجى أى للعرى الذى قبله المسيح على الصليب لأجلنا.
مقدمة | تفسير سفر اللاويين | تفسير العهد القديم |
تفسير لاويين 2 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر اللاويين | تفاسير العهد القديم |