تفسير سفر إشعياء ٤٣ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الثالث والأربعون
انتهينا في الإصحاح السابق لأن الشعب عاند الله، فقبل الله الأمم يعقوب الحقيقي، وإسرائيل الله (غل 6 : 16) ومن قبل الإيمان من اليهود كانوا هم البقية التي خلصت ولكن دخل للإيمان الأمم الذين فداهم المسيح.
آية (1) والآن هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب و جابلك يا إسرائيل لا تخف لأني فديتك دعوتك باسمك أنت لي.
فديتك = الله فدى الشعب اليهودي سابقاً بخروف الفصح (فداء الأبكار) وفدى الكنيسة بالمسيح فصحنا (1 كو 5 : 7). دعوتك باسمك = فهي دعوة خصوصية من المسيح لكنيسته، وما يعزى في هذه الآية أن المسيح يعرفني بإسمى ويدعوني للدخول معه في علاقة حب. أنت لي = الرب يحبنا ويعتني بنا للأبد وبصورة جزئيه فهذه الآية تعنى خلاص اليهود من سبى بابل.
آية (2) إذا اجتزت في المياه فانا معك و في الأنهار فلا تغمرك إذا مشيت في النار فلا تلذع و اللهيب لا يحرقك.
طريقة الرب لا أن يخرجنا من نار التجارب، أو من ماء الضيقات الذي يغرقنا بل يأتي ويكون معنا خلال هذه الضيقات فلا تستطيع أن تؤذينا. كما فعل مع الثلاثة فتية في أتون النار. وكتأمل روحي في هذه الآية فلا مياه محبة العالم ولا نار الشهوات قادرة أن تهلك أولاد الله.
آية (3) لأني أنا الرب إلهك قدوس إسرائيل مخلصك جعلت مصر فديتك كوش و سبا عوضك.
آية(4):- اذ صرت عزيزا في عيني مكرما و انا قد احببتك اعطي اناسا عوضك و شعوبا عوض نفسك.
أنا الرب مخلصك = تكررت هذه العبارة كثيراً في هذا الجزء من السفر وهذا الاسم مخلص هو أسم المسيح يسوع. جعلت مصر فديتك = هذا تفسيره بالنسبة للشعب اليهودي:
1- هذا ما حدث مع جيش فرعون وأبكار المصريين.
2-الله سيدفع مصر وكوش وسبا ليد كورش عوض إطلاقه لليهود من بابل. وإذا فهمناها عن الخلاص في العهد الجديد فإن مصر ترمز لفساد الشياطين فمصر من أيام موسى وعناد فرعون ترمز للعناد. وكوش ترمز لسواد الخطية (أر 13 :23) “هل يغير الكوشى جلده”. وسبا يظن أنها شمال بلاد الأحباش وهى مناطق غنية ترمز لغنى هذا العالم ومجد هذا العالم، ورئيس هذا العالم هو الشيطان. وبالتالي يكون مصر وكوش وسبا رمزاً لإبليس المعاند رئيس هذا العالم الغارق في شروره. وجعلتهم فديه وعوض. فديتك… عوضك = أي أن الإنسان كان نصيبه الهلاك بسبب خطيته والله فداه بأن أشتراه المسيح بدمه، وأهلك إبليس بدلاً منه. وفى تطبيق تاريخي هناك ممالك، كالدولة الرومانية مثلاً، ذهبت من أمام الكنيسة وبقيت الكنيسة. ولماذا يفعل الله هذا؟ لحبه للكنيسة (آية 4).
آيات (5، 6) لا تخف فاني معك من المشرق أتي بنسلك و من المغرب أجمعك. أقول للشمال أعط و للجنوب لا تمنع ايت ببني من بعيد و ببناتي من أقصى الأرض.
نبوة عن أنه بعد السبي يجمع الله إسرائيل مرة أخرى من الشتات وهى نبوة بدخول الأمم من كل مكان للإيمان.
آية (7) بكل من دعي باسمي و لمجدي خلقته و جبلته و صنعته.
الله أختار من شعوب العالم من يمجده، لكنه يختار من سبق فعرفهم أنهم سيتجاوبون مع عمل نعمته (رو 8 : 29، 30).
آية (8) اخرج الشعب الأعمى و له عيون و الأصم و له أذان.
الشعب الأعمى هم إما (1) إسرائيل لعنادهم ورفضهم للمسيح.
(2) الوثنيين وهم لعبادتهم للأوثان صاروا عمى مثل أوثانهم لا يسمعون ولا يرون مثلهم والعمى هنا عمى روحي لكلاهما. هؤلاء أولئك سيخرج منهم مؤمنين = أخرج.
آية (9) اجتمعوا يا كل الأمم معا و لتلتئم القبائل من منهم يخبر بهذا و يعلمنا بالأوليات ليقدموا شهودهم و يتبرروا أو ليسمعوا فيقولوا صدق.
تحدى للشعوب، إما يثبتوا أنهم قادرين أن يخبروا بالمستقبل أو تكون لهم نبوات قد تحققت = الأوليات أو يعلنوا إيمانهم بالله الذي يفعل ذلك.
آية (10) انتم شهودي يقول الرب و عبدي الذي اخترته لكي تعرفوا و تؤمنوا بي و تفهموا أني أنا هو قبلي لم يصور اله و بعدي لا يكون.
الشعب اليهودي هم شهود لله لأن عندهم نبوات الله التي تحققت والتي ستتحقق. ونحن الذين انفتحت أعيننا وعرفنا الله لابد أن نشهد له بحياتنا، ونشهد لصدق النبوات التي تحققت إعلاناً لصدقه وألوهيته.
آية (11) أنا أنا الرب و ليس غيري مخلص.
ليس الدليل الوحيد على الإلوهية هو التنبؤ بالمستقبل بل أيضاً بل أيضاً تنفيذ المقاصد. والرب يخبر شعبه بنبوة
مفرحة أنه سيخلصهم، هو سيكون المخلص وقد ظهر كمال هذا القول وهذه النبوة في شخص المسيح.
آيات (12، 13) أنا أخبرت و خلصت و أعلمت و ليس بينكم غريب و انتم شهودي يقول الرب و أنا الله.أيضا من اليوم أنا هو و لا منقذ من يدي افعل و من يرد.
وليس بينكم غريب = أي ليس بينكم إله غريب. ومعنى الآية أن الله هو الله وليس الأصنام وهو يقدم دليلين على ذلك:
1) معرفته التي لا تسقط أبداً فهو قد أخبر بخلاص لليهود من السبي، لا يعودون بعده لعبادة آلهة غريبة. وهذا حدث حرفياً فلم يعد اليهود للوثنية بعد السبي.
2) قوته التي لا يردها أحد، فهو يضرب ويؤدب ولا أحد يستطيع أن يرد قضائه من هذه الأوثان الهزيلة ولا الشياطين التي ورائها.
آية (14) هكذا يقول الرب فاديكم قدوس إسرائيل لأجلكم أرسلت إلى بابل و القيت المغاليق كلها و الكلدانيين في سفن ترنمهم.
يتكلم بفعل الماضي قبل الحادثة بعشرات السنين، لأن الأمر قد صدر من الله بأن يرسل كورش ليزيل مغاليق بابل الحصينة. سفن ترنمهم = يقال أنه كان للبابليين عادة الترنيم، وكان لهم ألاف السفن في أنهارهم يرنمون فيها والبابليين يرمزون للشياطين الذين كانوا في فرح وغناء بهلاك البشر.
آية (15) أنا الرب قدوسكم خالق إسرائيل ملككم.
تأكيداً لوعده يذكر صفاته كمعطى لهذه الوعود.
آيات (16، 17) هكذا يقول الرب الجاعل في البحر طريقا و في المياه القوية مسلكا. المخرج المركبة و الفرس الجيش و العز يضطجعون معا لا يقومون قد خمدوا كفتيلة انطفئوا.
الرب يذكرهم بما فعله معهم في البحر الأحمر الذي شقه ونهر الأردن الذي أوقفه أمام يشوع. وجعل لشعبه طريقاً في كليهما، وأهلك جيش مصر أمامهم. وها هو سينقذهم من يد ملك بابل بأن يجفف نهر الفرات أمام كورش. علامة على خلاص المسيح وخلاص كل خاطئ يريد.
آية (18)لا تذكروا الأوليات و القديمات لا تتأملوا بها.
يقول لهم الرب أنه من عظمة الخلاص الجديد بيد كورش لن يذكروا كل ما مر لعدم أهميته بالمقارنة بالخلاص الجديد. ولكن بكل المقاييس كان الخلاص على يد موسى ويشوع أروع بكثير مما حدث أيام كورش، لذلك يؤخذ هنا خلاص كورش على أنه رمز لخلاص المسيح.خلاص المسيح هو الخلاص الذي تتضاءل أمامه كل الأحداث السابقة.
آية (19) هاأنذا صانع أمرا جديدا الآن ينبت ألا تعرفونه اجعل في البرية طريقا في القفر انهارا.
من شق لهم طريقاً وسط البحر سيشق لهم طريقاً في البرية (سيناء) ومن شق طريق سيناء سيشق لهم طريقاً في خلال عودتهم من بابل إلى أورشليم. ومن صنع هذا كله سيشق للكنيسة طريق للخلاص (فهو الطريق وسط برية هذا العالم).
آية (20) يمجدني حيوان الصحراء الذئاب و بنات النعام لأني جعلت في البرية ماء انهارا في القفر لأسقي شعبي مختاري.
من روى شعبه بماء من الصخرة هكذا سيروى شعبه في العهد الجديد بماء الروح القدس فيتحول حيوان الصحراء لمؤمنين يمجدون إسمه. وقد قال بولس الرسول “حاربت وحوشاً في أفسس” هؤلاء الوحوش ذئاب وبنات النعام هم الوثنيين قبل الإيمان. فالذئاب متوحشة. والنعام معروف عنه الحماقة (أى 39 : 17) وذلك لعبادتهم للأوثان فتشبهوا بها، وهى حيوانات البرية، فالبرية هي قفر شديد وخراب وهذا هو وضع الوثنيين. وبالإيمان تمتع هؤلاء بماء الروح القدس فتغيرت طبيعتهم.
آية (21) هذا الشعب جبلته لنفسي يحدث بتسبيحي.
هذا الشعب اقتناه بدمه. لتسبيحي = هذا عمل المؤمنين.
آيات (22 – 28) و أنت لم تدعني يا يعقوب حتى تتعب من اجلي يا إسرائيل. لم تحضر لي شاة محرقتك و بذبائحك لم تكرمني لم استخدمك بتقدمة و لا أتعبتك بلبان. لم تشتر لي بفضة قصبا و بشحم ذبائحك لم تروني لكن استخدمتني بخطاياك و أتعبتني بآثامك. أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي و خطاياك لا اذكرها. ذكرني فنتحاكم معا حدث لكي تتبرر.أبوك الأول أخطا و وسطاؤك عصوا علي. فدنست رؤساء القدس و دفعت يعقوب إلى اللعن و إسرائيل إلى الشتائم.
الله يذكر اليهود بخطاياهم ليعرفوا سبب السبي الذي هم فيه ولتظهر مراحمه. ولكن هذه الآيات لنا أيضاً، فمن هو في ضيقة وتجارب شديدة عليه أن يسأل نفسه فبماذا أحزنتك يا رب وكنت مثل هؤلاء.
آية (22) و أنت لم تدعني يا يعقوب حتى تتعب من اجلي يا إسرائيل.
هذا الشعب لم يدع الله ولم يسبحه ورفض أن يتعب لأجله هنا الدعاء يشير للصلاة، والصلاة هي سر تمتعنا بعمل الله، واستخدام إسم يعقوب هنا ليذكرهم به كرجل صلاة، إذ هم كفوا عن الصلاة ومن يهمل الصلاة يتضايق من خدمة الله ويعتبرها واجبات = حتى تتعب من أجلى.
آيات (23، 24) لم تحضر لي شاة محرقتك و بذبائحك لم تكرمني لم استخدمك بتقدمة و لا أتعبتك بلبان. لم تشتر لي بفضة قصبا و بشحم ذبائحك لم تروني لكن استخدمتني بخطاياك و أتعبتني بآثامك.
هذا الشعب رفض الصلاة (كما في آية 22) فإنحطوا عن أبائهم درجات كثيرة. وقد بدأوا يضيقون بدينهم وطقوسهم، وهذا نتيجة طبيعية لترك العبادة ونتيجة ضيقهم كانوا يحسون بالتعب من ممارساتهم الدينية وهم استكثروا النفقات التي يدفعونها في شراء المحرقات واللبان… الخ. وكأنهم يودون لو اعتذروا عن شرائها. وهذه مازالت مشكلتنا فنحن نعطى نقودنا وأوقاتنا لكل شيء ما عدا الله، فنحن مازلنا نتعب الله.
وربما انتقوا الهزيل وغير الصالح للتقدمة وكأن الله يقول أنا لم أطلب منك كل هذا، أي لا أريد منك هذه المعاملة، لأن تقدماتك لا تكرمني بها فكأن تقدماتك التي تقدمها كأنك لم تقدم. لم تحضر لي شاة = الله لا يريد شاه بل يريد القلب. استخدمتني بخطاياك = هم بخطاياهم ذهبوا إلى بابل ثم وضعوا عليه حمل إنقاذهم من عبودية بابل ولكن هذه تفهم أننا بخطايانا استعبدنا ووضعنا على الله حمل إنقاذنا من هذه العبودية. لذلك تجيء الآية القادمة.
آية (25) أنا أنا هو الماحي ذنوبك لآجل نفسي و خطاياك لا اذكرها.
الله يمحى الذنوب لا عن استحقاق فيهم ولا فينا بل من أجل نفسه.
آية (26) ذكرني فنتحاكم معا حدث لكي تتبرر.
ذكرني = الله لا ينسى لنذكره، ولكنه يعاتبهم ويدعوهم ليذكروا هم إن كانوا قد قدموا لله أي أعمال صالحة وفى هذه رد على الفريسى الذي ظن أنه بأعماله يتبرر.
آيات (27، 28) أبوك الأول أخطا و وسطاؤك عصوا علي. فدنست رؤساء القدس و دفعت يعقوب إلى اللعن و إسرائيل إلى الشتائم.
أبوك الأول = هو أبونا أدم، وإبائهم الذين عصوا الله. ووسطاؤك = الكهنة الذين أخطاؤا (حر 8 : 8-12) والأنبياء الكذبة. فدنست رؤساء القدس = أي أسلمتهم للسبي.