تفسير سفر اشعياء ٥٨ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الثامن والخمسون
الإصحاحات من (60 – 66) تكلمنا عن بناء مدينة الله الجديدة. وهذا الإصحاح وما بعده مدخل لها، موضوعه الابتعاد عن الشكليات في العبادة. وهنا في ص (58) يكلمهم عن الصوم، وأن المطلوب ليس المظاهر إنما فعل الرحمة والحق، وإذا عملوا هذا وحفظوا السبت تأتيهم البركات. حقاً هم بعد السبي تركوا عبادة الأوثان ولكنهم اتجهوا للمظهرية في العبادة مثل أصوامهم. يصومون دون تغيير في القلب ولما لم يستجب الله تبجحوا قائلين(لماذا صمنا ولم تنظر) آية (3).
آيات 1-2
آية (1) ناد بصوت عال لا تمسك ارفع صوتك كبوق و اخبر شعبي بتعديهم و بيت يعقوب بخطاياهم.
على رجل الله أن ينبه شعبه بما يقوله الله. ولا يُمسِك = أي يقول ما يعجبه ويمنع مالا يستحسنه. و بصوت عال = فيسمع الجميع حتى الغير المنتبهين وكبوق = والبوق يستعمل للإنذار والتحذير في الحروب ونحن في حرب دائمة مع عدو الخير. وفى العهد الجديد أرسل الله الروح القدس ليبكت على الخطية، فلا يموت الإنسان بسبب خطاياه دون أن يدرى . فالروح القدس يعمل على أن نعيش أنقياء والله يطلب تنقية القلب للكمال قبل الصوم المظهري.
آية (2) و إياي يطلبون يوما فيوما و يسرون بمعرفة طرقي كأمة عملت برا و لم تترك قضاء إلهها يسألونني عن أحكام البر يسرون بالتقرب إلى الله.
هم لهم مظاهر التقوى، يسألون عن طرق الرب وأحكام البر ولكنهم ينكرون قوتها، يعيشون في مظاهر فقط. هنا نرى الابتهاج بالمعرفة الروحية العقلانية دون اختبار.
آيات 3-6
آيات (3، 4) يقولون لماذا صمنا و لم تنظر ذللنا أنفسنا و لم تلاحظ ها أنكم في يوم صومكم توجدون مسرة و بكل أشغالكم تسخرون. ها أنكم للخصومة و النزاع تصومون و لتضربوا بلكمة الشر لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء.
من يصوم للمظاهر فقط لا يسمع له الرب. و هؤلاء صاموا للمسرة أي عاشوا في خطاياهم يتلذذون بها ويصنعون ما يسرهم لا ما يسر الله. امتنعوا عن العمل وسخروا لهم عبيداً ليعملوا العمل ولم يعطوهم راحة هم في إحتياج إليها بل كانوا في خصومة ونزاع. ويضربوا إخوتهم بلكمة الشر وبالتالي لم يكن لهم صومهم لتسميع صوتهم في العلاء = عمل الصوم أن يساعد على توصيل صوت صلواتنا للعلاء، ولكن إذا كانت قلوبنا مملوءة شراً فالله قطعاً لن يستجيب. والعكس لو صمنا وتذللنا وامتنعنا عن الشر واللذات يسمع الله صوتنا في العلاء ويستجيب.
آيات (5، 6) امثل هذا يكون صوم اختاره يوما يذلل الإنسان فيه نفسه يحني كالاسلة رأسه و يفرش تحته مسحا و رمادا هل تسمي هذا صوما و يوما مقبولا للرب. أليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر فك عقد النير و إطلاق المسحوقين أحرارا و قطع كل نير.
الله لا يطلب من أحد أن يتظاهر بهذا فهو يعرف القلوب والنيات. وما يطلبه الله فعلا حل قيود الشر = أي القيود التي قيد بها الشرير نفسه للخطايا أي المطلوب إذاً تقديم توبة. و فك عقد النير = أي ترك مطالبة الدين ورد الرهن أي الرحمة بالآخرين. الأسلة = نبات مائي يميل مع الهواء والتيار.
آيات 7-12
آية (7) أليس أن تكسر للجائع خبزك و أن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك إذا رأيت عريانا أن تكسوه و أن لا تتغاضى عن لحمك.
الصدقة مقترنة بالصوم. أن لا تتغاضى عن لحمك = أقربائك وكلنا جسد المسيح.
آية (8) حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك و تنبت صحتك سريعا و يسير برك أمامك و مجد الرب يجمع ساقتك.
النور كنآية عن الفرح والنجاح والمجد والبركة وهذا سيعلنه الرب أمام من يرحم ويصوم بنقاوة قلب. ويكون الرب وراء شعبه بقوته = يجمع ساقتك هنا نرى الله قائداً للمسيرة يسير أمامها ويحمى مؤخرتها أي الضعفاء والعاجزين الذين فيهم. مع الله نشعر بالأمان. وإتحادنا بالله إذا صمنا صوماً مقبولاً هو إظهار لنور الله الذي فينا.
آيات (9، 10) حينئذ تدعو فيجيب الرب تستغيث فيقول هاأنذا إن نزعت من وسطك النير و الإيماء بالأصبع و كلام الإثم.و أنفقت نفسك للجائع و أشبعت النفس الذليلة يشرق في الظلمة نورك و يكون ظلامك الدامس مثل الظهر.
الإيماء بالأصبع = إشارة معناها الاحتقار، فلو نزع المؤمن كبرياؤه ونزع كلام الإثم أي المؤامرات الشريرة. وأنفق ماله بل نفسه، أي يتعب من اجل الجائع حينئذ يشرق نور هذا الإنسان ويكون الرب نوراً له وهو نور للآخرين أي يحدث له تغييراً كلياً.
آيات (11، 12) و يقودك الرب على الدوام و يشبع في الجدوب نفسك و ينشط عظامك فتصير كجنة ريا و كنبع مياه لا تنقطع مياهه. و منك تبنى الخرب القديمة تقيم أساسات دور فدور فيسمونك مرمم الثغرة مرجع المسالك للسكنى.
يقودك الرب = هذه أعظم البركات فمن يقوده الرب لا يعثر. في الجدوب = أي القفار إشارة إلى أوقات اليأس والضيق. وهذا الإنسان المملوء من الروح القدس (نبع المياه) سيفيض على الآخرين، ومن هو خرب سيبنيه، أي يكون شريكاً لله في بناء حياة الآخرين المنهدمة = منك تبنى الخرب = كما تم بناء الهيكل والسور بعد السبي وكذلك تم بناء أورشليم. ينشط عظامك = يملأك فرحاً قادراً أن يقيمك كما لو كانت عظامك قوية تحملك بقوة ونشاط. مرمم الثغرة = الثغرة هي التي يخرج منها الفضيلة فيدخل منها قضاء الله، مثال الشهوات.
آيات 13، 14
إن رددت عن السبت رجلك عن عمل مسرتك يوم قدسي و دعوت السبت لذة و مقدس الرب مكرما و أكرمته عن عمل طرقك و عن إيجاد مسرتك و التكلم بكلامك. فانك حينئذ تتلذذ بالرب و أركبك على مرتفعات الأرض و أطعمك ميراث يعقوب أبيك لان فم الرب تكلم.
في هذه الآيات يكلمنا عن حفظ السبت بالمفهوم الروحي بعد أن كلمنا عن الصوم بالمفهوم الروحي. إن رددت عن السبت رجلك = أي لا تدوسه برجلك وتعمل فيه ما يلذ لك. والمعنى أن السبت هو نصيب الرب فلا يجب أن نعطيه لأخر “أعط ما لله لله” وأكرمته عن عمل طرقك = ليس فقط أن نمتنع في السبت عن اللذات بل عن أي عمل نجد فيه مكسب مادي لنا. ومن ينفذ هذا سيجد في النهآية لذة = ويركبه الله على مرتفعات الأرض = يركبه كملك ظافر على ما كان يشتهيه من قبل ويعتبره من مرتفعات الأرض، فحين نعرف الرب نعتبر العالم بكل ما فيه كأنه نفآية (في 3 :8) ومن وصل لهذا سيرث السماء أيضاً وهى ميراث يعقوب. أطعمك ميراث يعقوب = أعطيك كل بركات العهد مع يعقوب وخيرات كنعان.