تفسير سفر العدد ٢ للقمص تادرس يعقوب


الأصحاح الثاني

ترتيب المَحَلَّة

إذ تم الإحصاء كطلب الله نفسه قدَّم الله ترتيبًا خاصًا بالمَحَلَّة في غاية الدقة، يلتزمون به أثناء نصب خيامهم كما عند ارتحالهم أثناء سيرهم في البريّة.

  1. الترتيب والرايات                              1-2.
  2. مقدمة الموكب “الشرق”                         3-9.
  3. الجناح الأيمن “الجنوب”                        10-16.
  4. مركز الموكب                                  17.
  5. مؤخرة الموكب “الغرب”                        18-24.
  6. الجناح الأيسر “الشمال”                         25-31.
  7. ختام الترتيب                                   32-34.
  8. الترتيب والرايات:

قسم الأسباط، فيما عدا سبط لاوي إلى أربعة أقسام، كل قسم يسمى مَحَلَّة، ويتكون من ثلاثة أسباط تحت قيادة سبط معين تُدعى المَحَلَّة باسمه. هذا مع مراعاة أن سبط يوسف انقسم إلى سبطين: سبط أفرايم وسبط مَنَسَّى ليكمل العدد 12 بعد استبعاد سبط لاوي.

القسم الأول يُدعى مَحَلَّة يهوذا، موقعه في الشرق في مقدمة الموكب. يتبعه في التحرك القسم الجنوبي أو الجناح الأيمن الذي هو مَحَلَّة رأوبين. يتحرك بعدهما المركز نفسه وهو سبط اللاويين، خدام الخيمة وحاملوها الذين ينصبون خيامهم حول الخيمة من كل جانب. ثم يتحرك مؤخرة الموكب أوالمَحَلَّة الغربية أو مَحَلَّة أفرايم، وأخيرًا الجناح الأيسر أو الشمالي الذي هو مَحَلَّة دان.

يُعلِّق العلامة أوريجينوس على ترتيب المَحَلَّة هذا، قائلاً” [إنني أجد موضوعًا عظيمًا للتأمل في سفر العدد هو توزيع الأسباط وتمييز الرتب وتجمع الأسباط وترتيب كل المَحَلَّة، فإنها بالنسبة لي تشكل أسرارًا عظيمة بفضل الرسول بولس الذي ألقى فينا بذار المعنى الروحي[7]].

ويلاحظ في هذا الترتيب الآتي:

أولاً: إن منظر المَحَلَّة في مجموعها تمثل صليبًا متحركًا نحو أرض الموعد. ففي الوسط توجد خيمة الاجتماع يحيط بها الكهنة واللاويون على شكل صليب محيط بها، أما بقية الأسباط فتمثل صليبًا كبيرًا يضم حوالي 2 مليون نسمة من رجال ونساء وأطفال وشيوخ، في الشرق مَحَلَّة يهوذا، وفي الغرب مَحَلَّة أفرايم، وفي الجنوب مَحَلَّة رأوبين، وفي الشمال مَحَلَّة دان. هذا الصليب المتحرك إنما يمثل الكنيسة المقدَّسة جسد المسيح المصلوب تتحرك دومًا منطلقة من أرض العبوديّة متجهة نحو أورشليم العُليا، وفي نفس الوقت تحمل داخلها صليب السيد نفسه الذي يهبها قوة القيامة.

والعجيب أن العلامة أوريجينوس إذ تطلَّع إلى هذا المنظر لم يتحدث عن الصليب، بل رأى في وجود ترتيب عظيم كهذا رمزًا للترتيب الفائق للكنيسة في يوم الرب العظيم. إنه يقول: [لنتطلع إلى معنى الأسرار الموضوعة في حساب الأعداد والأماكن المختلفة التي أشير إليها. لننظر إلى قيامة الأموات بثبات، ففي لحظة مجيء المسيح لا يسبق الأحياء الباقون على الأرض الذين رقدوا (1 تس 4: 14)، بل يتحد الكل معًا ويُخطفون في السحب لملاقاة الرب. بهذا ندرك فساد هذا الموضوع الأرضي الذي هو مسكن الموتى، ونوجد جميعنا في الهواء كقول الرسول… فنُنقَل إلى مواضع مختارة، إذ قيل “في بيت أبي منازل كثيرة” (يو 14: 2). هذه المواضع أو هذا المجد يُعطى حسب استحقاقات أعمال الإنسان كما يؤكد الرسول بولس قائلاً عن القيامة “كل واحد في رتبته” (1 كو 15: 23). يُسجَّل اسم كل واحد حسب قياسه الروحي، فيُسجل واحد في سبط رأوبين لأنه ممتثل برأوبين في العادات والطباع والأعمال وطريقة الحياة، وآخر يُسجل في سبط شِمْعون بسبب طاعته[8]، وثالث في سبط لاوي لأنه أكمل وظائفه الكهنوتيّة حسنًا أو حصل فيها على درجة الكمال، وآخر يُسجل اسمه في سبط يهوذا من أجل عواطفه الملوكيّة إذ قاد كل إنسان إلى السبط الذي يميزه خلال أعماله وطبعه. إذن توجد في القيامة رتب كما نفهم من كلمات الرسول، تظهر صورتها واضحة في سفر العدد هذا. الواقع إن موقع الخيمة بين الأسباط وسط الجماعة، إنما هو صورة لما يكون عليه الحال في القيامة[9]].

ثانيًا: يرى العلامة أوريجينوس في منظر المَحَلَّة بهذا التدبير الإلهي صورة حيّة لكنيسة العهد الجديد التي تلتزم أيضًا أن تسلك بروح النظام والترتيب ليس فقط في عبادتها بل وفي سلوكها، تحمل النفس في أعماقها ترتيبًا لائقًا بها كعضو في الكنيسة المقدَّسة. ويمتد النظام أيضًا إلى حياة الكهنة وسلوكهم فيعيشون كخدام الله الملتهبين نارًا.

وكأن النظام ليس عملاً رتيبًا نلتزم به، إنما هو حياة له فاعليته في الداخل كما في التصرفات الخارجيّة، في حياة الجماعة كما في حياة كل عضو فيها، كاهنًا أو من الشعب!

يقول العلامة أوريجينوس: [“كلَّم الرب موسى وهرون قائلاً: ينزل بنو إسرائيل كلٌ عند رايته بأعلام (إشارات) لبيوت آبائهم، قبالة خيمة الاجتماع حولها ينزلون” [1-2]. طلب موسى أن يتقدم كل رجل في المَحَلَّة حسب رتبته، حسب رايته (إشارته) لبيت أبيه. ويقول الرسول بولس “ليكن كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب” (1 كو 14: 40). ألا يُظهر ذلك أن الروح الذي تكلَّم به موسى هو بعينه الذي تكلم به الرسول بولس؟! فقد أمر موسى أن يسيروا في المَحَلَّة بترتيب، وقدَّم الرسول التعليم أن يكون كل شيء “بحسب ترتيب” في الكنيسة. موسى الذي كان يخدم الناموس أمر بحفظ الترتيب في المَحَلَّة، وبولس الرسول خادم الإنجيل يريد أن يلتزم المسيحي بالترتيب لا في سلوكه فقط وإنما حتى في ملبسه، إذ يقول “كذلك النساء يُزيِّن ذواتهن بلباس الحشمة” (1 تي 2: 9).

إنهما (موسى وبولس) لا يريدان الالتزام بالترتيب فقط في تنفيذ الواجبات والملبس فحسب وإنما يعنيان “ترتيب النفس“…

كثيرًا ما يحدث أن إنسانًا له أفكار وضيعة دنيئة يتلذذ بالماديات الأرضيّة، وبمكر ينال رتبة كهنوتيّة عالية ويعتلي منبر المعلمين، بينما آخر روحاني متحرر من الانشغال بالأمور الزمنيّة وقادر على فحص كل شيء ولا يُحكم عليه من أحد (1 كو 2: 15) يشغل أول رتبة في الكهنوت أو يُحسب من الشعب. مثل هذا الأمر فيه ازدراء بتعاليم الناموس والإنجيل ولا يكون فيه ترتيب!

نحن أيضًا إذ نكون قلقين ومرتبكين بالأكل والشرب، ولا ننشغل إلا بالأمور الزمنيّة، لا نقدم لله إلاَّ ساعة أو ساعتين في اليوم للذهاب إلى الكنيسة للصلاة والاستماع لكلمة الله، نعمل على إشباع احتياجاتنا الزمنيّة وإرضاء المعدة، بهذا نكون غير مهتمين بالتعليم القائل “ينزل كلٌ عند رايته (حسب رتبته)”، أو القائل “ليكن كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب”، لأن الترتيب الذي وضعه السيد المسيح هو أن نطلب أولاً ملكوت الله وبره (مت 6: 33) مؤمنين أن هذه كلها تزاد لنا. بهذا ينزل كلٌ (عند رايته) حسب رتبته.

هل تعتقد أن الذين يُلقبون قسوسًا ويفتخرون بانتسابهم للكهنوت يسيرون حسب رتبهم كما يليق بهم؟ هكذا أيضًا هل يسير الشمامسة حسب رتبهم؟ إذن لماذا نسمع أحيانًا أناسًا يجدفون قائلين: “انظر هذا الأسقف أو هذا القس أو هذا الشماس؟ إلاَّ لأنهم يشاهدون الكاهن أو خادم الله مقصرًا في واجبات رتبته، سالكًا بما يخالف الرتبة الكهنوتيّة ورتبة اللاويين! ماذا أقول أيضًا عن العذارى والنُسَّاك الذين يوكل إليهم القيام بخدمات دينية؟ فإن قَصَّر هؤلاء في التزامهم بالاحتشام والوقار أما يتهمهم موسى قائلاً: ليَسِر كل إنسان حسب رتبته (عند رايته)، فإن من يعرف رتبته، ويفهم ما يليق بها يزن أعماله وينظم كلماته وتصرفاته حتى ملابسه بما يليق ومقتضيات الرتبة التي ينتسب إليها، فلا نسمع قول الله “بسببكم يُجَدَّف على اسمي من الأمم[10]”].

هكذا يرى العلامة أوريجينوس أن الترتيب هو حياة تمس حياتنا كأولاد لله، وتمس حياة الكنيسة لتعيش بفكر المسيح يسوع!

ثالثًا: يقول الرب لموسى وهرون: “ينزل… كلٌ عند رايته بأعلام لبيوت آبائهم” [2]. ما هذه الأعلام أو العلامة التي يلتزم كل مؤمن أن ينزل عندها إلاَّ صليب ربنا يسوع المسيح، حيث نجلس عند قدمي المصلوب فلا ننحرف في جهادنا الروحي عن هدفنا الروحي الحقيقي ألا وهو الالتقاء برب المجد نفسه والوجود معه وفيه.

عند العلامة- صليب السيد- يلتقي الإخوة معًا في حياة الشركة والحب، حيث يشعر كلٌ بعضويته لأخيه في الرأس الواحد ربنا يسوع المسيح.

من الجانب التاريخي يرى البعض أن لكل سبط راية خاصة به، وكأن للمَحَلَّة ثلاثة رايات إذ تضم ثلاثة أسباط. كل سبط يجتمع عند رايته ليعرف كل إنسان موضعه في الموكب ويحتفظ به. يُقال أن كل راية تحمل حجرًا كريمًا خاصًا بالسبط، بهذا تصير الجماعة كلها أشبه بصدرية رئيس الكهنة التي يُثبت فيها اثنا عشر حجرًا كريمًا، في أربعة صفوف، كل صف يحوي ثلاثة حجارة (خر 39: 10-14) ينقش عليها أسماء الأسباط. فتظهر أسماؤهم على الحجارة في حضرة الرب في قدس الأقداس على صدر رئيس الكهنة. كأن الجماعة كلها في العهد القديم تمثل الكنيسة المقدَّسة التي صارت حجارة كريمة على صدر رب المجد يسوع، رئيس الكهنة الأعظم وأسقف نفوسنا، يدخل بنا إلى حضن أبيه، فنوجد هناك معه وبه وفيه إلى الأبد[11].

ويرى البعض أن لكل مَحَلَّة من المحلات الأربعة راية واحدة، مَحَلَّة يهوذا تحمل رايتها علامة الأسد، ورأوبين علامة الأسد، ورأوبين علامة الإنسان، وأفرايم علامة العجل، ودان علامة النسر. وكأننا بهذا نرى –خلال الرمز- ما رآه حزقيال النبي، مركبة الله الناريّة، أو الكاروبيم الملتهبون نارًا الحاملين للعرش الإلهي. وكأن الجماعة قد صارت مركبة الله المقدَّسة، يتشبهون بالكاروبيم[12].

يفهم مما جاء في سفر يشوع (3: 4) أن أقرب مسافة بين الخيمة والمساكن 2000 ذراعًا أي 1000 ياردة، أكثر قليلاً من ميل.

رابعًا: يرى العلامة أوريجينوس في الراية التي يلتزم كل رجل أن يقف عندها رمزًا للعلامة التي تُميِّز نفس مؤمن عن آخر، فكما أن لكل وجه جسدي ملامح خاصة به وأيضًا للصوت هكذا للنفس أيضًا. إنه يقول: [من جهة أخرى انظروا ما يعنيه القول “كلٌ عند إشارته (رايته)”، ففي رأيي أن الإشارات هي العلامات التي تُميِّز الإنسان عن غيره. فالرجال جميعًا متشابهون، لكنه توجد علامات خاصة تُميِّز كل واحد عن الآخر من ملامح الوجه والقوام والهيئة والملبس هذه العلامات تُميِّز بولس عن بطرس. أحيانًا لا يحتاج الأمر أن يظهر لكي نرى العلامة التي تميزه، إنما يعرف خلال علامة غير الرؤى الجسديّة مثل الصوت ونبرات الحنجرة. هكذا أعتقد أن للنفوس علامات مميزة، فبعضها لها حركات عذبة ولذيذة جدًا وساكنة هادئة وعادلة، والأخرى تتميز بعلامات الانزعاج والافتخار والخشونة بعنف والغضب الشديد. تجد نفسًا يقظة وحكيمة ومتبصرة في وعي ونشاط، وأخرى خاملة مسترخية ومهملة متغافلة… يمكنني أن أوكد وجود اختلافات بين النفوس البشريّة كما توجد اختلافات في ملامح الوجه…

ولكي نوضح اختلافات علامات (النفوس) نقدم هذه المقارنة: الذين تعلموا القراءة والكتابة يعرفون جيدًا 24 حرفًا في اليونانيّة… فيستخدمون ما لديهم من حروف، لكن حرف ألفا (a) كما يكتبه بطرس يختلف عما يكتبه بولس. لكل إنسان علامة خاصة تميزه في كتابة الحروف… هذا المثال الواضح ينطبق على حركات العقل والنفس التي تمثل وسائط للعمل، فإذا نظرنا إلى الرقوق نجد مثلاً روح بولس تميل إلى الطهارة، وكذلك روح بطرس، لكن طهارة بولس لها علاماتها الخاصة بها وكذلك طهارة بطرس، وإن كانت الطهارة واحدة. الواحد طهارته تتطلب قمع الجسد واستعباده في خوف (1 كو 9: 17)، والآخر طهارته لا تحمل خوفًا وهكذا العدل له سماته لدى بولس وسماته لدى بطرس، وأيضًا الحكمة وكل الفضائل. إذن فالفضائل واحدة ننعم بها من قِبَل روح الله لكن توجد اختلافات شخصيّة…

هذا ويمكن للإنسان أن يعبر في الأعمال الصالحة من علامة أقل إلى علامة أسمى فأكثر سموًا. فإن فهمنا أن كل ما تحويه الشريعة هو “ظل الخيرات العتيدة” (عب 10: 1)… فإنه في لحظة القيامة يوجد اختلاف بين استحقاقات الناس، إذ يفضل نجم عن نجم في المجد (1 كو 15: 41). يمكننا أن نعبر من علامة سفلية إلى علامة سامية فعلامة أكثر سموًا حتى نتساوى مع النجوم الأكثر بهاءً، إذ يمكن للطبيعة البشريّة أن تنمو في هذه الحياة لا لتبلغ إلى مجد النجوم بل وأيضًا إلى بهاء الشمس، إذ كُتب “حينئذٍ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم[13]” (مت 13: 43)].

خامسًا: يقول الله لموسى: “كلٌ عند رايته بأعلام لبيوت آبائهم” [2]. هكذا التزم كل مؤمن أن يلتقي بإخوته عند رايته لدى بيت أبيه الأرضي، أي السبط الذي ينتسب إليه، أما نحن فقد صار لنا في المعموديّة المقدَّسة أبًا جديدًا، هو الآب السماوي. فإن كنا نجلس عند قدمي المصلوب. إنما يدخل بنا إلى حضن أبيه الذي صار أبانا.

  1. مقدمة الموكب “الشرق”:

قلنا أن الموكب قد أخذ شكل الصليب، في الوسط وُجدت الخيمة وحولها اللاويون والكهنة على شكل صليب صغير، ثم الأربعة محلات من كل اتجاه مَحَلَّة، ترتيبها حسب تقدم السير هو:

اسم السبط                التعداد                     الرئيس                 الأم

أ. مَحَلَّة يهوذا (الشرق):

يهوذا                      74.600                  نحشون                 ليئة

يَسَّاكَر                     54.400                  نثنائيل                  ليئة

زبولون                    57.400                  أليآب                   ليئة

ب. مَحَلَّة رأوبين (الجنوب):

رأوبين                    46.500                  أليصور                ليئة

شِمْعون                    59.300                  شلوميئيل               ليئة

جاد                        45.650                  الياساف           زلفة جارية ليئة

  • اللاويون (وسط المحلات):

لاوي                      22.000 لا يُحسبون معهم ليئة

ج. مَحَلَّة أفرايم:

أفرايم                      40.500                  أليشمع                  راحيل

مَنَسَّى                      32.200                  جمليئيل                 راحيل

بنيامين                    35.400                  أبيدن                   راحيل

د. مَحَلَّة دان:

دان                        62.700                  أخيعَزَر            بلهة جارية راحيل

أشير                      41.500                  فجعيئيل            زلفة جارية ليئة

نفتالي                     53.400                  أخيرَع             بلهة جارية راحيل

ويلاحظ في هذا الترتيب:

أولاً: أن القيادات المحليّة هي في المقدمة: نحشون قائد مَحَلَّة يهوذا، وأليصور قائد مَحَلَّة رأوبين، وأليشع قائد مَحَلَّة أفرايم، وأخيعَزَر قائد مَحَلَّة دان، ولم يكن هذا محض صدفة لكنه حمل سرّ قوة المَحَلَّة التي أخذت شكل الصليب.

ففي الرأس تسلم يهوذا القيادة، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [أما كون سبط يهوذا- السبط الملكي- قد أُقيم في الشرق، ذلك لأن سيدنا أشرق[14] (عب 7: 14)]. ففي الشرق يظهر السيد المسيح الخارج من سبط يهوذا يقودنا نحو مملكة النور. أما رئيس المَحَلَّة نحشون الذي يعني “الحيّة”، فلأن سرّ الصليب إنما هو سرّ تحطيم الحيّة القديمة كوعد الله لحواء أن نسل المرأة يسحق رأس الحيّة.

أما ذراع الصليب الأيمن فيمثله مَحَلَّة رأوبين تحت قيادة أليصور الذي يعني “إلهي صخرة، أو إلهي سور”، فإن كان بالصليب تسحق رأس الحيّة إنما لكي يدخل المؤمنون إلى الله كصخرة أو سور لحمايتهم. أما الذراع الأيسر فيمثله مَحَلَّة دان تحت قيادة أخيعَزَر الذي يعني “أخي معين” وكأنه على الصليب يبسط الرب يديه، باليمنى يعلن أن فيه خلاصنا كصخرة لنا وباليسرى يهبنا روح الشركة مع بعضنا البعض فيه. الذراع الأيمن يعلن علاقتنا بالله والذراع الأيسر يعلن علاقتنا ببعضنا البعض أي بالبشريّة. أما قاعدة الصليب فتمثلها مَحَلَّة أفرايم تحت قيادة أليشمع أي “الله يسمع”، وكأن أساس الصليب هو أن يسمع الآب إلينا في ابنه، فيقبل حبنا وطاعتنا وتقدماتنا في المسيح يسوع المحبوب.

باختصار، الكنيسة وقد صارت مَحَلَّة الرب أو جسد المسيح المصلوب، تجد في رأسها المسيح الملك غالب الحيّة، الذراع الأيمن الصخرة التي نحتمي فيها، والأيسر الحب الأخوي، وعند قدميه تجلس لتسمع الآب وهو يسمع صوتها ويقبلها.

ثانيًا: حملت المَحَلَّة صورة رمزيّة لأورشليم العُليا كما رآها القديس يوحنا (رؤ 21) إذ لها ثلاثة أبواب من كل اتجاه، وكأنه لا دخول إليها إلاَّ من خلال الإيمان بالثالوث القدوس. هكذا أينما اتجهت في المَحَلَّة تجد ثلاثة أسباط معًا في مَحَلَّة واحدة مع أن لكل سبط مميزاته الخاصة به، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [نجد في الأربعة أقسام رقم 3، لأنه باسم الآب والابن والروح القدس دون غيره يُحصى سكان أركان المسكونة الأربعة الذين يدعون اسم الله “ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات” (مت 8: 11) هذه وقائع لا يمكن تجاهلها[15]].  

  1. الجناح الأيمن “الجنوب”:

في ترتيب المَحَلَّة رُوعي قدر الإمكان التقارب بين الأسباط، ففي المقدمة وُجد يهوذا ويَسَّاكَر وزبولون أبناء ليئة، وفي الجناح الأيمن رأوبين وشِمْعون وجاد، الأولان أبناء ليئة والثالث من زلفة جارية ليئة، وفي الغرب أفرايم ومَنَسَّى ابنا يوسف وبنيامين من راحيل، وفي الشمال دان ونفتالي وأشير أبناء الجاريتين.

  1. مركز الموكب “اللاويّون”:

إن كان هذا الشعب قد صار أمة مقدَّسة إذ قبل الإيمان بالله الحيّ، فإن سبط لاوي الذي تفرغ للعمل الروحي تمامًا هو السبط المقدَّس، الذي يتفرغ لخدمة الخيمة وحملها، يحيط بها من كل جانب في وسط الجماعة. كأنه رمز للسيد المسيح الابن الوحيد الذي حلّ وسط البشريّة لكي يدخل بها إلى مقدساته الإلهيّة يتمتعون بحضن أبيه، يشفع فيهم بدمه الكريم خلال ذبيحة صليبه.

في هذا يقول العلامة أوريجينوس: [استقر اللاويّون في وسطهم حول خيمة الله لأنهم أكثر قربًا لله… يبدو أن أبناء اللاويين قد تأهبوا في الدائرة من جميع نواحيها في وسط أبناء إسرائيل مختلطين مع الآخرين ومتداخلين معهم… لتبحث عن خيمة الله حيث دخل يسوع لكي يعد لنا الطريق (عب 6: 20، 9: 24، 7: 25)، يظهر أمام وجه الله يتشفع فينا[16]].

  1. مؤخرة الموكب “الغرب”:

وهي مَحَلَّة أفرايم، تأتي في تحركها بعد اللاويّين مباشرة.

  1. الجناح الأيسر “الشمالي”:

وهي مَحَلَّة دان، آخر من يتحرك…

  1. ختام الترتيب:

ختم الحديث بتأكيد أن ما أمر الله به موسى وهرون قد تحقق فعلاً.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى