تفسير سفر الحكمة – المقدمة للقمص تادرس يعقوب

لأقتنيك يا أيها البهاء الأزلي!

إلهنا! بلاد الحكمة أين موقعها؟! أين آثار طريقها؟!

من يعبر البحر ويشتريها بذهبٍ نقيٍ؟!

من يصعد فوق السحاب وينزلها؟!

الإنسان الفاني لا يعرف طريقها، إنها منسية من كل البشر!

إنها مختفية عن الملائكة!

الذين يحصلون عليها ينالون نعمة، والذين يبغضونها يحبون الموت!

إنها أبهى من الشمس وكل الكواكب!

إنها نور الآب، كائنة معه منذ الأزل!…

تتمشى الحكمة في طريق العدل، وتتحرك في سبيل الحق، لتهب الذين يعرفونها غنى، وتملأ خزائنهم فرحًا.

وهبها الله لأبينا يعقوب، ثم ظهرت علي الأرض ومشت كإنسانٍ.

هوذا قد بنت الحكمة لها بيتًا، وأسست أعمدتها السبعة، ذبحت ذبائحها،

سكبت خمرها، وأعدت مائدتها!…

بيتها هو الكنيسة الجامعة الرسولية، وأعمدتها السبعة هي أسرار الله المحيية…

الحكمة هي مخلصنا يسوع المسيح، الذي فدانا بذبيحة جسده، واشترانا بسفك دمه، واختارنا لملكوته الأبدي!

قسمة الحكمة

للقديس أبيفانيوس أسقف سيلاميس

 

منذ سنوات تمتعت بقراءة “قسمة الحكمة” للقديس أبيفانيوس أسقف سيلاميس، إذ سحبَت كل كياني. شعرت كمن وجد صلاة ثمينة تفوق كل اللآلئ، حيث يصرخ قلبي مشتهيًا اقتناء الحكمة المتجسد، ربنا يسوع المسيح، فبه تستنير عيناي لتتعرف على خطة الله نحو البشرية كلها، وبه اغتني جدًا، فلا أكون معوزًا إلى شيءٍ، وبه تستقر نفسي في الأحضان الإلهية.

والعجيب أنني كلما صليت بهذه القسمة أجد كثيرين يطلبون نسخة منها لتكون سندًا لهم في صلواتهم الخاصة.

والآن من بين الأسفار الإلهية أرجو أن أتمتع ويتمتع معي كثيرون بالحكمة لاقتنائها، والحياة بها على مستوى أبدي!

هذا السفر ومعه سفر “يشوع بن سيراخ” يشبهان سفر “الجامعة”، يقدمان نظرات عميقة داخلية نحو الحياة العملية اليومية في الرب.

لأقتنِ حكمة الله المحب واهب الخلود!

مع كل سفرٍ من أسفار الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد، تنسحب قلوبنا بالأكثر نحو رب المجد يسوع لنتعرف عليه بالأكثر، فتلتهب نيران محبتنا نحوه في داخلنا، ونترقب بشوقٍ شديدٍ مجيئه ليحملنا معه إلى أحضان الآب، ونتمتع بسرّ الله الفائق!

يؤكد السفر انشغال الله الخالق بشئون البشر. ففي إتمامه بنا يهبنا الحكمة الإلهية لحفظنا في هذا العالم، ولكي نحمل فكرًا خلاّقًا، وبها يهبنا الخلود.

يقدم لنا سفر الحكمة شخص ربّنا يسوع المسيح، حكمة الله، محي جميع البشر، القادر وحده أن يضمنا إليه، فننعم بالشركة معه، ونبقى معه أبديًا، لن يقدر الموت أن يقترب إلى نفوسنا، ولا الفساد أن يحل بأجسادنا القائمة معه من الأموات. إنه بحق سفر الخلود!

ننعم بالسيد المسيح – حكمة الله – محب كل البشريَّة، فيتسع قلبنا بالحب نحو كل إنسانٍ، مشتهين أن يشاركنا الكل عذوبة الحياة الخالدة المجيدة.

إنه سفر التمتع بأيقونة السيد المسيح، فنحيا به ومعه إلى الأبد، نحمل شركة الطبيعة الإلهية.

القمص تادرس يعقوب ملطي

مقدمة

في

حكمة سليمان

عنوان السفر[1]

ورد في كتابات القديس إكليمنضس السكندري والعلامة ترتليان والقديس كبريانوس باسم “حكمة سليمان“، كما ورد في كتابات القديس كبريانوس تحت اسم “سليمان“، وورد في بعض النسخ اللاتينية تحت اسم “الحكمة“. دعاه القديسان أبيفانيوس أسقف سلاميس وأثناسيوس الرسولي “سفر الحكمة الفُضلى“.

الكاتب

يكشف عنوان السفر “حكمة سليمان” عن موضوع السفر، وهدفه، كما عن الكاتب.

يرى البعض أنه نُسب للملك سليمان (970-931ق.م)، لأن اليهود يتطلعون إليه مثالاً لكل الحكماء، وأن كثيرًا من الأمثال والكلمات الحكيمة ترجع إليه.

ويرى آخرون أن سليمان الحكيم كتب الأصحاحات الأولى، بينما قام يهودي حكيم آخر – غالبًا من الإسكندرية – بتكملة السفر. يعتمدون في ذلك على بلاغة الأسلوب في النص اليوناني، لكن بعض الدارسين يرون أن أصله عبري، تُرجم إلى اليونانية، وانتشر في القرن الثاني وبداية القرن الأول ق.م في مصر.

لقد أثبتت الدراسات الحديثة وِحدة السفر، وأن الذي كتبه شخص واحد[2]. أغلب النُقاد منذ كتب[3] Grimmمدافعًا عن وحدة المؤلف، رأوا أن العوامل المشار إليها للادعاء بأن أكثر من كاتب اشترك في هذا السفر تُعتبر ليست ذات قيمة بجانب الالتحام المشترك بين أقسام السفر[4]. يقول Robert C. Denton: [بالرغم من عدم إنكار وجود اختلافات بين الأقسام التي للسفر. فإن التشابه في الأسلوب والمفردات والأفكار لا تزال تبدو لأغلب للدارسين أنها أقوى بكثير من الاختلافات. ففي غياب وجود برهان أكيد على عكس هذا يظهر أنه يجب التعامل مع هذا العمل كنتاج كاتبٍ واحدٍ[5].]

سجَّل الأصحاح التاسع حديث الكاتب معلنًا أن الله اختاره ملكًا على شعبه، وقاضيًا، وأن الله أمره ببناء هيكل في جبل قدسه ومذبح في المدينة، وهذه كلها لا تنطبق إلاَّ على شخصية سليمان.

هذا بجانب أن السفر مكمّل لبقية أسفار سليمان:

v     سفر الأمثال: يقدم لنا كيف يسلك المؤمن في حياته.

v     سفر الجامعة: من يسلك في شركة مع الله يدرك بطلان الحياة الزمنية.

v     سفر النشيد: إذ يدرك المؤمن حقيقة تغرُّبه في هذا العالم، يشتاق إلى الاستقرار في أحضان عريسه السماوي، مترنمًا بتسابيح العرس.

v     سفر حكمة سليمان: إذ تستقر النفس في حضن عريسها، تقتنيه بكونه حكمة الله واهب الخلود.

مكان كتاباته

 يرى البعض أنه كُتب في مصر، إذ كثيرًا ما يهتم الكاتب بالشئون المصرية. بينما يرى آخرون أنه ليس من المقبول أن يُكتب السفر في مصر وهو يهجوها. أما عن هجومه على الوثنية كدليلٍ على كتابته في مصر التي أذلت شعب الله، فقد كانت الوثنية موضوع قلق اليهود عبر العصور المختلفة. لكنه تُرجم إلى اليونانية في الإسكندرية ليسند اليهود ضد الأفكار اليونانية الوثنية السائدة هناك.

غايته

  1. يوجه الملك سليمان أو الكاتب حديثه هنا إلى الملوك “الذين يحكمون الأرض” (1:1)، مشتهيُا أن يتمتع كل أصدقائه الملوك بما تمتع به، ألا وهي “الحكمة”! والمؤمن الحقيقي، إذ يتمتع بالملوكية (رو 6:1)، يود أن يرى كل البشر كأنهم ملوك أصحاب سلطان، حكماء في تصرفاتهم. في حديث الكاتب مع الله يؤكد أن الله خلق الإنسان ليكون ملكًا، إذ يقول: “يا إله الآباء، ويا رب الرحمة، يا صانع كل شيء بكلمتك، ومكوِّن الإنسان بحكمتك، لكي يسود الخلائق التي صنَعتَها. ويسوسَ العالم بالقداسة والبرّ، ويجري الحكم باستقامة النفْس”. (9: 1-3) هكذا يدعونا الكاتب لطلب الحكمة السماوية كعطية إلهية، وعدم الاتكال على الفلسفات البشرية، خاصة في إدراك سرّ خطة الله من نحو الإنسان، وتدبيره الخفي من أجل محبته لكل البشرية.
  2. ربما كان هدفه دعوة اليهود الذين ارتدوا عن الإيمان المُسلم لهم وانحرفوا إلى الوثنية، أن يرجعوا إلى الله.
  3. واضح من السفر نفسه أن الدافع عليه هو مساندة اليهود الذين انهاروا أمام الضيقات التي تحل بالأبرار دون تدخل الله السريع لمجازاة الأشرار الظالمين. أو الذين أغوتهم الحياة الرغدة التي كان يعيشها الأشرار. لهذا جاء هذا السفر يؤكد الخلود، والمكافأة الأبدية ومجازاة الأشرار المصرِّين على شرهم أبديًا. وهو في هذا يعالج مشكلة “العدالة الإلهية” التي تسمح أحيانًا بنجاح الأشرار، وطول العمر، وكثرة الأبناء، والحياة المترفة، والتي يبدو فيها أنهم ناجحون، وكأن الله لا يبالي بحياة البشرية.
  4. أوضح الكاتب أن خلود الإنسان لا يقوم على طبيعته، بل على علاقته بالله، مصورًا مكافأة الأبرار في عبارات توضح مشاركته في الحياة الملائكية (5:5)[6].
  5. يدعو الكاتب المؤمنين ألاَّ يحسدوا الوثنيين على فلسفاتهم، فإنهم يتمتعون بالفلسفة الحقيقية[7]. فالفلسفة ليست مجرد سمات معينة يتمتع بها الإنسان، يتعلمها خلال الالتقاء بالفلاسفة، أو دراسة فلسفاتهم، أو خلال خبرة الحياة، لكنها أولاً وقبل كل شيءٍ هي عطية إلهية، حيث يتمتع المؤمن بشخص “حكمة الله” الخالق، الذي يسكب بهاءه عليه فيستنير. يربط الكاتب بين أقنوم الحكمة وروح الله محب جميع الناس.
  6. يقدم الكاتب نظرة جديدة، وفهمًا عميقًا للأحداث الواردة في أسفار موسى الخمسة، متطلعًا إليها من خلال نظرته لله المحب لجميع الناس، حتى الأشرار ليجتذبهم للتوبة ويهبهم الخلود.
  7. يدعو السفر الوثنيين التخلي عن العبادة الوثنية ورجاساتها، التي تحمل في طياتها الجهل والحماقة والشر.
  8. الكشف عن أصل العبادة الوثنية ونتائجها.
  9. إبراز أن ما يحل بالأشرار ليس عن نقمة الله عليهم، ولا عن كراهية، إنما تحمل الخطية في داخلها ميكروب الموت والفساد والعذاب.
  10. الربط بين الإلهيات والسلوك الإنساني والإمكانيات البشرية العقلية، فهو يوَّحد بين العمل الإلهي والعقل المقدس في الرب والسلوك الروحي في تناغم رائع بالإتحاد مع الحكمة الإلهي[8].

سماته

  1. لعل من أبرز العقائد التي اهتم بها هذا السفر “عقيدة الخلود“، فكثيرًا ما يكرر السفر أن مصير الأبرار هو الخلود، حتى إن ماتوا فقراء أو مظلومين. غاية التصاقنا بالحكمة الإلهية أننا ننعم بالخلود أو عدم الموت وعدم الفساد.

“اعتبرت في قلبي أن في قربى الحكمة خلودًا” (8: 17).

“أما الأبرار فسيحيون للأبد” (5: 15).

“أما سرّ خلودهم فهو تمتعهم بالبرّ الأبدي، “لأن البرّ خالد” (1: 15).

  1. الكاتب كارز أكثر منه لاهوتي. يكرز بالله الحال في كل مكان، يعمل دومًا، يعرف كل شيءٍ، ويحب كل الخليقة. هو يكافئ كما يعاقب، غير أن مكافأته ليست بالخيرات الزمنية. كما أن مصدر الشر في العالم هو حسد إبليس.
  2. يربط السفر بين الحكمة والبرّ، وبين الشر والوثنية.

v     عمل الحكمة هو البرّ، لأنها تحول عطيتها من المعاندين وغير المؤمنين إلى المؤمنين شعب الله المطيع. على أي الأحوال من المفيد هنا أن نراعي باهتمام هذه الملاحظة: “تُعرف الحكمة بأعمالها” (راجع مت 11: 19)[9].

القديس هيلاري أتسقف بواتييه

v     ما هو نفع الحكمة، إن كانت تفشل في أن تجعل الذين يسمعونها حكماء؟[10]

القديس إكليمنضس السكندري

v     إن كان لدى شخص ما معرفة وينقصه الحب، فإنه ليس فقط لا يقتني شيئًا آخر، بل وأيضًا سيسقط مما هو عليه[11].

v     ليس من هو أكثر حكمة من الشخص الذي يحيا حياة فاضلة. يقول أحدهم، لاحظوا كيف أنه حكيم. إنه يعطي ما له، إنه رحوم، محب للجميع. إنه يفهم تمامًا أنه يشارك الطبيعة البشرية العامة مع الآخرين. إنه يفكر كيف يستخدم ثروته بحكمةٍ. إنه يُدرك موقفه من الثروة التي لا تجعله في مركزٍ فريدٍ. إنه يعرف أن أجسام أقربائه أثمن من ثروته. من يستخف بالمجد (الزمني) هو حكيم بكماله، إذ يفهم الشئون البشرية. هذه هي الفلسفة الأصلية، معرفة الأمور الإلهية والبشرية. فهو يفهم ما هو إلهي، وما هو بشري[12].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v  قال: “والحكمة تبررت من جميع بنيها” (لو 7: 35). إن سألت من هم هؤلاء البنين، نقرأ المكتوب: “أبناء الحكمة هم كنيسة الأبرار” (سي 3: 1)[13].

القديس أغسطينوس

  1. يتسم السفر بغنى مفرداته واتساعها، فالكاتب كما هو واضح أنه ذو مركز عالٍ، يتسم بثقافةٍ عاليةٍ سواء على المستوى اليهودي أو ثقافات الأمم وفلسفاتهم؛ حكيم؛ متدين جدًا؛ ولكن غير حرفي في مفاهيمه.
  2. يحمل السفر أفكارًا يهودية تقوية، مثل التطلع إلى “القلب” بكونه عرش التفكير. لم يستخدم الكاتب التعبير اليوناني “العقل”.
  3. يتسم السفر بالتنسيق، منظم في تفكيره، ينهي كل موضوع بملخص له.
  4. يحمل السفر وحدة واحدة كما يرى الدارسون المحدثون، فلا يوجد أي أثرٍ لخلاف بين أقسامه سواء لاهوتيًا أو فلسفيًا أو من جهة اللغة والمفردات[14].

الحكمة والحكيم

يرى بعض العلماء أن أغلب الحيوانات والطيور لا تحتاج إلى التعلم كثيرًا من الوالدين، فبعد ولادة الحيوان ربما بدقائق يصير قادرًا على المشي، أو بعد ساعات أو أيام يكون الطائر الصغير قادرًا على الطيران، أما الإنسان فيبقى إلى شهور، وأحيانًا تمتد إلى سنوات ليتعلم المشي. هذا لأن الإنسان في حاجة إلى التعلم، خاصة من والديه، فيعيش في بدء حياته عاجزًا عن الاعتماد على نفسه، لكي فيما هو يتعلم المشي والكلام والأكل حتى طريقة الشرب، تكون له فرصة أكبر ليتمتع بالاحتكاك بأسرته، فيتعلم الحياة ذاتها والسلوك والحكمة والفهم.

هذا وقد انتشرت الأمثال منذ بدء التاريخ البشري، لكي يتعلم الإنسان الحكمة بكلمات قليلة.

وقد عرف الإنسان حتى في ظل نظام القبائل البدائية وجود حكيم للأسرة أو القبيلة أو القرية يلجأ إليه الكل، يطلبون المشورة، ويتلمسون حكمته في كل أمور حياتهم.

ووُجد حكماء في كل العصور على كل المستويات، خاصة لدى الملوك والأباطرة يدربون أبناء الأسرة الملكية ليسلكوا بفكرٍ معينٍ ونظامٍ معينٍ يليق بالأسرة الملكية… وإلى وقت قريب كنا نسمع هذه العبارات: “هذا ابن عزّ”، “هذا تربية ملوك”.

عندما التقى فرعون بيوسف قال لعبيده: “هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله”، ثم قال ليوسف: “بعدما أعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك” (تك 41: 38-39). وقيل عن يهوناثان عم داود النبي: “كان مشيرًا ورجلاً مختبرًا وفقيهًا” (1أي 27: 32). وقيل عن دانيال في السبي إن حكمته تساوي “عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين في كل مملكته” (دا 1: 20).

الحكيم والأبوة

لا نعجب إن كان روح الله قد خصص أسفارًا كاملة لتقديم حِكم وأمثال مثل أسفار الأمثال والحكمة وابن سيراخ… حتى يقدم للمؤمنين الحكمة حسب الفكر الإلهي، وليس حسب الخبرات البشرية المجردة، دون لمسات إلهية مقدسة.

في الأسفار الحكمية غالبًا ما يتحدث الكاتب مع المؤمنين، لا كمن هو على كرسي التعليم في كبرياء وتشامخ، وإنما كأبٍ محبٍ لأبنائه، فكثيرًا ما يردد: “يا ابني” (أم 23: 19، 26؛ 24: 13، 21؛ سي 2: 1؛ 3:1، 12، 17؛ 4: 1).

فالحكيم يتحدث مع المؤمنين، ويسلك كأب يحمل ظل أبوة الله لهم. فالحكمة في جوهرها التقاء مع الله في داخل دائرة حبه، واستقرار في الأحضان الإلهية للتعرف على أسرار الله وخطته من نحوه، وحبه وحنوّه عليه، فيسلك كابنٍ لله وسفيرٍ له!

الحكيم الناجح هو القادر أن يدخل بالنفس البشرية إلى أحضان الله لتنهل من حكمته. وكما يقول يعقوب الرسول: “إن كان أحدكم تعوزه حكمة، فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاءٍ ولا يعيِّر، فسيُعطى له” (يع 1: 5). فالحكمة هي عطية تُمنح بواسطة الروح القدس (1كو 12: 8).

عمل الحكيم هو مساندة المؤمن ليتكشف حب الله وأبوته ويتعرف عليه، ويتمثل به كابنٍ له. فتصير الحكمة بالنسبة له ليس مشورة لتحقيق مكاسبٍ أيا كانت سوى اقتناء الله نفسه.

الحكمة والمعرفة

الحكمة هي إعلان الله عن ذاته لنا، نقتنيه، فنحمل الحكمة الإلهية والمعرفة السماوية. يرى القديس أغسطينوسأن الحكمة هي القدرة على تذوق الحقائق الروحية، والتمتع بالحق يؤدي إلى مجد الله والتعبد له بمخافة البنين. ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الحكمة هي الإنجيل، أي التمتع بخطة الله الخلاصية المفرحة. أما العلم فهو الحيدان عن الشر (أي 28: 28)، وتقديم كلمة الخلاص للبشر.

يرى القديس إكليمنضس السكندري أن هدف الإنسان الروحي (الغنوسي) أن يتعرف على الله (الحق) ويراه[15] وجهًا لوجه، أي يعبر إلى كمال المعرفة بالإلهيات من خلال الإيمان، وذلك خلال خبرة الحياة النقيّة والتأمّل الدائم. فإن كنّا قد عبرنا من الوثنيّة إلى الإيمان، فيليق بنا أن نعبر من الإيمان إلى المعرفة[16]، لنرى الله ونعرفه. هذه المعرفة هي هبة إلهيّة نتقبّلها خلال الابن، وذلك بقبولنا إيّاه وتشبّهنا به؛ أي خلال نقاوة القلب، نعاين الله وندرك ما يبدو للآخرين غير مدرك[17].

v     الغنوسية التي هي المعرفة وإدراك الأمور الحاضرة والمستقبلية والماضية، كأمور أكيدة وموثوق فيها، يمنحها ابن الله الذي هو “الحكمة” ويعلنها[18].

القديس إكليمنضس السكندري

يرى القديس إكليمنضس السكندري أنه بالحكمة نتمتع بالمعرفة التي تشمل معرفة كل الأشياء، أما القديس أغسطينوس فيميز بين الحكمة والمعرفة. فيقول: “تشير الحكمة إلى معرفة الإلهيات، والمعرفة إلى العلوم البشرية[19].

الحكمة والبصيرة

v     يقول الرواقيون أنه يوجد اختلاف بين الحكمة والبصيرة. يقولون: “الحكمة هي معرفة الأمور الإلهية والبشرية، وأما البصيرة فهي معرفة ما هو مائت وحده”.

بحسب هذا التمييز ينطبق تعبير بولس “الحكمة” على ما هو غير منظور وما هو منظور، والبصيرة على ما هو منظور وحده[20].

القديس جيروم

“المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم” (كو 2: 3)

كشف العهد الجديد عن الحكمة التي صارت لنا في المسيح يسوع، إذ هو نفسه حكمة الله، يهبنا ذاته.

v     هو نفسه يعطي الحكمة والمعرفة. الآن بقوله “كنوز” (كو 2: 3) يظهر عظمتها، بقوله “كل” يظهر أنه لا يجهل شيئًا، وبقوله “المخفية” يظهر أنه وحده يعرفها[21].

v     عجبًا! أية صداقة هذه؟! إذ يخبرنا بخفاياه، إذ يقول “بسرّ مشيئته“، لأن أحدًا يقول بأنه عرّفنا بالأشياء التي في قلبه. هنا حقًا السرّ المملوء حكمة وفطنة. فأية حكمة مثل هذه؟ الذين كانوا لا يساوون شيئًا رفعهم في لحظة إلي الغنى والفيض. أي تدبير حكيم هكذا؟! الذي كان عدوًا ومُبغضًا في لحظة ارتفع إلي العلا… هذا تم في الوقت المعين؛ إنه عمل الحكمة، تحقق بواسطة الصليب.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     إنه لا يخفي كنوز الحكمة والمعرفة لكي يحرمنا منها، وإنما لكي يثير اشتياقنا إلى ما هو مخفي[22].

v     نحترس، بوجه خاص، لئلا ونحن نجاهد في طلب للحكمة، التي هي كائنة في المسيح وحده المذخر فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة – أقول نحترس لئلا باسم المسيح ذاته، يخدعنا الهراطقة أو أية أحزاب فاسدة الذهن ومُحبة لهذا العالم[23].

القديس أغسطينوس

v     يجب أن يختفي الرب في أعماق نفوسنا لنقبل حقيقة الحكمة السماويَّة في داخلنا[24].

القديس أمبروسيوس

v     صارت الأذهان الجديدة حكيمة بحكمة جديدة، جاءت هذه الأذهان إلى الوجود خلال العهد الجديد حيث نزعت الغباوة القديمة[25].

القدِّيس إكليمنضس السكندري

v     يا ربنا يسوع المسيح، حكّم عبيدك في تجارب الشياطين المردة. هب لهم معرفة حكمة ربوبيتك، ولتلبسهم قوتك المقدسة، بها يذلون ذخر الشياطين، ويقهرونهم بقوتك المقدسة في كل قتالهم معهم. آمين[26].

الشيخ الروحَاني (يوحنا الدّلياتي)

v    طوبى لهم حقًا، الذين في احتياجهم لابن الله، قد تجاوزوا الحاجة إليه كطبيب لشفاء أمراضهم، أو كراعٍ، أو كفادٍ، وصار احتياجهم إليه كحكمة ولوغوس، أو كأحد الألقاب الأخرى التي يقدمها لأولئك الذين لهم الفصح الروحي الذي يهيئهم لأسمى النعم.

v     “يشبِه ملكوت السماوات كنزًا مُخفى في حقل” (مت 13: 44)… الحقل كما يبدو لي حسب ما جاء هنا هو الكتاب المقدَّس الذي فيه زُرع ما هو ظاهر من كلمات من التاريخ والناموس والأنبياء وبقيَّة الأفكار؛ فإنها عظيمة ومتنوعة هي نباتات الكلمات التي في كل الكتاب! أمّا الكنز المُخفى في الحقل فهو الأفكار المختومة والمخفية وراء الأمور المنظورة، الحكمة المَخفية في سِرّ، المسيح “المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم” (1كو 2: 3).

يقول آخر أن الحقل هو مسيح الله الذي بالحقيقة مملوء… أمّا الكنز المُخفى فيه فهو ما قال عنه بولس إنها مخفية في المسيح: “المذخَّر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم”، الأمور السماويّة[27].

العلامة أوريجينوس

v     لقد نزل كلمة الله من السماء، لكي يصير عريسًا للطبيعة الإنسانية، فأخذها مسكنًا له، لكي يخطبها ويقودها إليه فتلد ثمار الحكمة الروحية.

القديس كيرلس الكبير

v     من يؤمن حقًا يتحد تمامًا بذاك الذي فيه الحق واللاهوت والجوهر والحياة والحكمة، ويرى فيه كل هذه والتي ليست فيمن لا يؤمن. فإنه بدون ابن الله لا يكون لك وجود ولا اسم، ويصير القوي بلا قوة، والحكيم بلا حكمة. لأن المسيح هو “قوة الله وحكمة الله” (1كو24:1)، فإن من يظن أنه يرى الله الواحد بلا قوة ولا حق ولا حكمة ولا حياة ولا نور حقيقي إما أنه لا يرى شيئًا بالمرة أو بالتأكيد يرى ما هو شر[28].

v     عندما خلق الله كل الأشياء… لم يكن محتاجًا إلى أية مادة لكي يعمل، ولا إلى أدوات في إقامة الخليقة، لأن قوة الله وحكمته لا تحتاج إلى عونٍ خارجي. بل المسيح قوة الله وحكمة الله به كل الأشياء خُلقت، وبغيره لم يكن شيء مما كان كما يشهد يوحنا (يو 3:1)[29].

القديس غريغوريوس أسقف نيصص

أقنوم الحكمة

إن كان غاية اقتناء الحكمة بنيان النفس روحيًا، وتحصينها بالحكمة الإلهية عن الارتداد وإغراءات العالم، حيث يمارس الإنسان بنوته لله، فإن هذا لن يتحقق إلاَّ بتمتعه بأقنوم الحكمة، الذي هو بعينه قوة الله، وهو ابن الله الأزلي بالطبيعة. لذا أبرز هذا السفر الحكمة كأقنومٍ إلهي، يليق بالمؤمن أن يقتنيه.

  1. يعرف الحكمة بكونها الكلمة الخالق تبنى النفس بطريقة ديناميكية مستمرة: “مكوِّن الإنسان بحكمتك” (9: 2). كان مع الآب في أثناء الخلق:إن معك الحكمة العليمة بأعمالك، والتي كانت حاضرة حين صنعت العالم” (9: 9)
  2. يعّرف الحكمة بكونها بهاء الله: “لأنها انعكاس للنور الأزلي” (7: 26).
  3. أحد أقانيم الثالوث القدوس: الحكمة هو أقنوم إلهي، يُحقق الإرادة الإلهية في العالم.

الأسفار الحكمية مثل الأمثال والجامعة حتى أيوب تقدم الحكمة بصفة ذاتية، كأقنوم إلهي. أما في هذا السفر فيحتل هذا الأمر مكانًا أكبر، لهذا يراه بعض الدارسين أنه قريب نسبيًا من الفكر الوارد في إنجيل يوحنا عن الكلمة الإلهي. وقد اقتبست الكنائس الرسولية الكثير من هذا السفر في القراءات الليتورجية والمناسبات الكنسية. “ومن الذي علِم بمشيئتكَ، لو لم تؤت الحكمة، وترسل من العُلى رُوحك القُدوس؟” (9: 17)

v     يسوع هو الحكمة ذاتها، ليس من أجل أعماله، وإنما من أجل طبيعته ذاتها (1 كو 1: 24؛ أم 8)[30].

القديس هيلاري أسقف بواتييه

v  لم يبذل الابن ذاته بدون إرادة الآب، ولا بذل الآب ابنه بدون إرادة الابن… قدم الابن ذاته بكونه البرّ لكي ينزع عما الإثم الذي فينا. أعطى الحكمة ذاته لكي يطرد الجهل[31].

القديس جيروم

v     كل حكمة وتعقل تكون فارغة بلا قيمة وهزيلة بدون المسيح[32].

الأب ماريوس فيكتورينوس

v  يلاحظ سليمان في سفر الجامعة “الحكيم عيناه في رأسه” (جا 2: 14). أدرك بولس أهمية الرئاسة. لقد عرف أن العينين في الرأس. فإن كان المسيح هو رأس المؤمن، فبالتبعية تكون كل حواسنا وعقلنا وفكرنا وكلماتنا ومشورتنا في المسيح (إن كنا حكماء)[33].

القديس جيروم

  1. الديان: “هب لي الحكمة، الجالسة معك إلى عرشك”. (9: 4)
  2. المخلص: “هكذا قُومت سُبل الذين على الأرض، وتعلَّم الناس ما يُرضيك، وبالحكمة نالوا الخلاص”. (9: 18)

v     فن الطب – حسب ديموقريطوس Democritus – يشفي أمراض الجسد، والحكمة تحرر النفس من هواجسها. أما المعلم الصالح – الحكمة – الذي هو كلمة الآب الذي أخذ جسدًا بشريًا، فيهتم بكل طبيعة خليقته.

إنه طبيب البشرية الذي فيه كل الكفاية. المخلص، الذي يشفي الجسد والنفس معًا[34].

القديس إكليمنضس السكندري

v     قضيت زمانًا طويلاً في الباطل، وأضعت تقريبًا كل شبابي أبحث عن نوعٍ من الحكمة هي جهالة عند الله. فجأة مثل إنسانٍ قام من نومٍ عميقٍ فتحت عيني على نور حق الإنجيل العجيب، فأدركت عدم نفع حكمة رؤساء هذا العالم التي تزول (1 كو 2: 6). سكبت دموعًا كثيرة على حياتي البائسة وطلبت أن أنال هداية كي ألتصق بتعليم الدين الحقيقي.

القديس باسيليوس الكبير

  1. سماوي، نطلب التمتع به: “هب لي الحكمة” (9: 4) “فأرسلها من السماوات المقدسة” (9: 10).

v     يحدث أن الذين كانوا قبلاً يجهلون السماويات، إذ يتقبلون تعليم الحكمة يتحدثون في الحال عن الحق الإلهي[35].

الأب لاكتانتيوس

  1. يدعوها الكاتب “محب البشر“:

“إن الحكمة روح يحب الإنسان” (1: 6).

“حرً، مُحسنًا، محبًا للبشر” (7: 22).

“إنها تمتد بقوةٍ، من أقصى العالم إلى أقصاه، وتدبر كل شيءٍ للفائدة” (8: 1).

  1. يصفها الكاتب بسمات هي ذات سمات الله، وذلك لكي يُهيئ الكاتب لرجال العهد الجديد أن يُدركوا أن السيد المسيح هو حكمة الله، الذي يوهب لنا. وكما يقول الرسول بولس: “ومنه أنتم بالمسيح يسوع، الذي صار لنا حكمة من الله وبرًّا وقداسة وفداءً” (1 كو 1: 29-30).

v     الله لم يجعلنا مجرد حكماء وأبرارًا وقديسين في المسيح. أنه أعطانا المسيح لأجل خلاصنا[36].

القديس يوحنا الذهبي الفم

الحكمة والإنسان

طلب الحكمة هو قمة ما يبلغه الإنسان، إذ بنواله إياها يقترب منها، أي من الله.

مما يجدر ملاحظته أن الكاتب يدعو الحكمة الإلهية “العناية الإلهية” (14: 3)، أو الحب الإلهي، أعمالها ليست عقيمة (14: 5). فمن يقتني حكمة الله يقتني الحب العملي نحو الله والناس! لكن الإنسان شوَّه حتى اسم “الحكمة”، فكثيرًا ما تُستخدم الكلمة للتعبير عن المكر والخداع، أو المداهنة والمحاباة. فالإنسان بفساد قلبه أفسد حتى لنظرة إلى المقدسات الإلهية.

بين سفريّ الحكمة والجامعة

يرى بعض الدارسين أن هذا السفر جاء في مقابل سفر الجامعة، لكنه في الحقيقة هو مكمل له، فإن كان سفر الجامعة يؤكد بطلان العالم، وليس من جديد تحت الشمس، إذا بهذا السفر يوضح إمكانية استخدام العالم للبنيان خلال التمتع بحكمة الله.

  1. “الموضوع الرئيسي لسفر الجامعة هو تثقيف الشاب، وإعداده ليحيا إنسانًا تقيًا غير مُستعبد لملذات العالم وشهوات الجسد وإغراءات المادة. أما بالنسبة لسفر الحكمة فهو مقدم للحكام أو للبالغين، كي يعيشوا بروح الحكمة السماوية، أتقياء ومقدسين للرب.
  2. سفر الجامعة يركز بالأكثر على الجانب الأخلاقي السلوكي، أما سفر الحكمة فيركز الأنظار على الله، حكمة الله، للشركة معه.

سفر الحكمة والعهد القديم

مع أنه يتحدث عن إسرائيل كمركز خطة الله، إلا أنه لا يشير إلى الذبائح والطقوس اليهودية. هذا ويؤكد السفر مرارًا أن الله يرحم الجميع، وفي عدله لا يحابي أمة على أمة، ولا جنسًا على جنسٍ آخر.

سفر الحكمة والعهد الجديد

  1. قدم لنا الدكتور مراد كامل في مقدمته للأسفار القانونية الثانية ونيافة الأنبا مكاريوس في كتابه “تفسير حكمة سليمان” أمثلة لمقتطفات من سفر الحكمة وردت في أسفار العهد الجديد. لكن لم يقتبس أي سفر في العهد الجديد من سفر الحكمة نصوصًا كما هي، وإنما جاء صداه قويُا في أسفار العهد الجديد، خاصة في إنجيل يوحنا ورسائل القديس بولس الرسول[37]. واضح أن القديس بولس كان على دراية بالسفر، وإن كان لم يقتبس منه مباشرة (راجع رو 1: 19-32 مع حك 13، 14؛ عب 1: 3 مع حك 7: 26؛ أف 6: 13-17 مع حك 5: 17-19).
  2. قدم لنا السفر رموزًا للسيد المسيح، منها اضطهاد الأشرار للبار، كرمز لاضطهاد اليهود للسيد المسيح البار (حك 2: 12-20). وأيضًا الصديق الذي يعتبر الأشرار موته هوانًا سيدينهم في نهاية الأيام (حك 4: 1-5، 18: 24)، رُمز للسيد المسيح الذي يدين جميع الأشرار ببرّه في يوم الدينونة الأخير.
  3. هيأ هذا السفر لتمجيد الحياة البتولية المكرسة لله، الأمر الذي كان يصعب على اليهودي قبوله. يذكر السفر أن العاقر والخِصيْ الطاهرين وإن لم ينجبا على الأرض إلاَّ أن مكافأتهما عظيمة في السماوات (حك 3: 13-15).
  4. من يتلامس مع هذا السفر يستطيع – إن صح لنا القول – أن يضمِّه إلى أسفار العهد الجديد، إذ يحمل الكثير من روحه ومن أفكاره، فقد حمل السفر اتجاهًا إنجيليًا. أهم الأفكار المشتركة مع أسفار العهد الجديد هي:

أ. الإشارة إلى الثالوث القدوس، وشخصية الحكمة كأقنومٍ إلهيٍ.

ب. التركيز على الخلود والنفس البشرية.

ج. الموت وبقية الشرور هي من عمل الشيطان، لكنه لا يلزم الإنسان إنما يحاول إغوائه.

د. تتناغم لهجته مع العهد الجديد في النظرة نحو العناية الإلهية عبر التاريخ.

فقد كشف عن محبة الله نحو كل البشريَّة، الأمم مع اليهود، أذكر على سبيل المثال:

“لأن كل العالم أمامك” (11: 22).

“لكنك ترحم جميع الناس” (11: 23).

“إنك أشفقت على أولئك أيضًا لأنهم بشر” (12: 8).

“إذ ليس سواك إله يعتني بجميع الناس” (12: 13).

فإنك تسوُس جميع الناس” (12: 15).

  1. كما أن الله محب لكل البشريَّة هكذا يليق بالأبرار، كأبناء لله، أن يكونوا كاملين مثل أبيهم السماوي، يحملون الحب لكل البشريَّة. “وبأعمالك هذه علَّمت شعبك أن البار يجب عليه أن يكون محبًا للناس” (12: 19).
  2. يكشف لنا هذا السفر عن الله بكونه محب البشريَّة، فإنه حتى في تأديبه للأشرار يؤدب تدريجيًا لكي يعطيهم فرصًا للتوبة. فلو أنه يريد هلاك الأشرار لسمح بالعقوبات السريعة المفاجئة.

“لذلك فإنك تُوبخ شيئًا فشيئًا الذين يزلون وتنذرهم مذكرًا إياهم بما يخطئون فيه، لكي يُقلعوا عن الشر، ويؤمنوا بك أيها الرب” (12: 2).

“ومع ذلك فإنك أشفقت على أولئك أيضًا لأنهم بشر، فبعثت بالزنابير تتقدم جيشك لكي تبيدهم شيئًا فشيئًابإجـراء حـكمك شيئًا فشيئًا منحتهم مهلة للتوبة” (12: 8، 10)

  1. إذ أشرق نور العهد الجديد على قلب الحكيم رأى شعب الله في مركز عجيب، فدعاهم بألقاب تحمل بركات العهد الجديد نذكر منها.

ا. قديسون يتمتعون بنور عظيم (18: 1، 5)، إذ يتقدسون بالله.

ب. أبناء الله، الذين يود الأشرار أن يحبسوهم (18: 4).

ج. الأبرار (18: 20)، أو الصديقون الذين آمنوا بالله ليتمتعوا ببرِّه عاملاً فيهم.

سفر الحكمة والليتورجيات[38]

اتسمت الليتورجيات الكنسية القبطية بالفكر الإنقضائي أو الأخروي (الإسخاتولوجي)، حيث ما يشغل فكرها هو انطلاق الكل معًا كعروسٍ سماويةٍ تتمتع بشركة أمجاد عريسها السماوي. وإذ اهتم هذا السفر بالفكر الأخروي والخلود، فلا نعجب إن اقتبست الليتورجيات الكثير من هذا السفر، نذكر على سبيل المثال:

  1. في قسمة القديس أبيفانيوس عن الحكمة، والتي تستخدمها الكنيسة خاصة في فترة صوم الميلاد، جاءت القسمة تلخص كل السفر في صرخات قلب عميقة للتمتع بالسيد المسيح الحكمة، الذي لا يحتاج إلى أحد يصعد إليه ليُنزله إلينا أو ينزل إلى الأعماق ليأتي إلينا به.
  2. اقتبست صلاة الصلح في القداس الباسيلي من السفر ما ورد في الأصحاح 2 (23-24).
  3. نقلاً عن سفر الحكمة (9: 1-4) جاء في صلاة الحجاب الثانية في القداس الباسيلي: “اعطني في هذه الساعة قلبًا حكيمًا فهيمًا… لكي استحق أن اقترب إلى مذبحك المقدس، وأقدم لك هذه القرابين التي نقدمها لك بالروح الصالح الكامل الذي لنعمتك”.
  4. اقتبست صلاة الحجاب للقداس الكيرُلُّسي ما ورد في حك 11: 27 “أعطني روحك القدوس الناري.”
  5. اقتبست قطع صلاة باكر من حك 16: 28: “سبقت عيناي وقت السحر لأتلو في جميع أقوالك”.
  6. في سرّ حلول الروح القدس في القداس الكيرُلُّسي ورد: “وأرسل إلى أسفل من عُلوّك المقدس، ومن مسكنك المُستعد، ومن حضنك غير المحصور، ومن كرسي مملكة مجدك (حك 9: 10)… البارقليط روحك القدوس.
  7. في تسبحة نصف الليل في لبش الهوس الأول اقتبست الكنيسة من سفر الحكمة (19: 7-8). (طريق ممهد في البحر الأحمر)
  8. أيضًا في قراءات البصخة المقدسة تقرا فصول من سفر الحكمة.

v     الساعة السادسة من اثنين البصخة (حك 1: 1-9).

v     الساعة الحادية عشر من ليلة الأربعاء (حك 8: 24 الخ).

v     باكر الجمعة العظيمة (حك 2: 12-22).

الطبيعة الخادمة لخطة الله

لعل من أروع ما سجله لنا هذا السفر تفسيره للأحداث خاصة الخروج، كيف يستخدم الله الطبيعة لتخدم خطته، لأجل حث الأشرار على التوبة، وتقديم مساندة لكنيسته المقدسة وسط الضيق. إنه إله المستحيلات، الذي خلق الطبيعة بكل قوانينها ونواميسها كعملٍ عجيبٍ، وهو بنفسه عند الضرورة يكسر هذه القوانين، ويحركها لخدمة خطته الإلهية.

نذكر هنا أمثلة لما ورد في هذا السفر:

  1. لم تعد أرض مصر المعروفة بخصوبتها تثمر لهم نباتات وترعى فيها الحيوانات، فصار المصريون الوثنيون في مجاعة وضيق شديد، بينما تقدم البرية الجافة القفر منًا وسلوى لشعبه (16: 1-4). لم يستطع الأولون على ضفاف النيل أن يأكلوا أو يشربوا، بينما وجد كل مؤمنٍ من الشعب وسط البرية منًا نازلاً من السماء، يشبع تذوقه الخاص به، والصخرة تقدم له ماءً نقيًا.
  2. 2. لم يكن لدى اليهود في البرية نباتات ومراهم تُستخدم كأدوية، لكن بكلمة الله شفاهم، إذ وهبهم أن يُشفوا من لدغات الحيات القاتلة بمجرد التطلع إلى الحية النحاسية بإيمانٍ. سرّ الشفاء ليس في الحية ذاتها، إنما في الوعد الإلهي (16: 5-8). هكذا خلق الله لنا النباتات التي تُستخرج منها مواد لشفاء الجسد، ووهبنا العقل البشري للأبحاث الكيمائية والطبية، لكن يبقى هو طبيب النفوس والأجساد، واهب الشفاء (16: 12-15).
  3. في تأديبه للأشرار يسمح بضربة تكسر قوانين الطبيعة، حيث تشتعل النار بقوة وسط البرد وسيول الأمطار الغزيرة على خلاف الطبيعة (حك 16:16). فمتى نزل البَرْد لا تكون سيول أمطار، وحيث تنزل سيول الأمطار تطفئ النيران. وكأن قوى الطبيعة تلاحمت معًا حتى بكسر قوانينها لأجل تأديب الأشرار وحماية الأبرار.
  4. مرة أخرى لاحظ الحكيم أن الله وهبهم منًا من السماء له سمات غريبة، متى أشرقت الشمس عليه يذوب المن في الصباح المبكر، وتتشربه رمال البرية كأنه ماء يرويها، بينما إذا ما وُضع على النار لا ينحل، بل يحتفظ بشكله وطعمه، حيث يجد كل شخص المذاق الذي يستعذبه.
  5. فقد المصريون القساة نور الشمس وتحولت بيوتهم إلى حبسٍ أو سجنٍ، وصاروا كأنهم مربوطون بسلاسل يخشون الحركة داخل البيت أو خارجه لئلا يسقطوا (حك 17: 15). كانوا كأسرى يعانون من العزلة والوحدة مع الخوف الشديد. بينما كان القديسون في البرية حيث العزلة الخارجية يرافقهم الله كعمود نورٍ. صاروا في ضيافته حتى وسط الليل، يشرق عليهم بنور الفرح الإلهي السماوي (18: 13-14). شتان ما بين السكنى في المدن مع الحرمان والعزلة، والتحرك في البرية لكن في ضيافة الله نفسه القائد لهم في رحلتهم، والمشرق بنوره عليهم طوال أربعين عامًا.
  6. الوسيلة التي اُستخدمت لتأديب الأشرار هي بعينها اُستخدمت لمكافأة أبناء الله. لقد أراد الأشرار إهلاك أطفال القديسين، وإذ وضع في النهر صارت المياه لا لهلاكه بل لانتشاله وإعداده لخلاص الشعب من العبودية. المياه التي أنقذت موسى وشعبه، أغرقت فرعون وجنوده (حك 18: 5).
  7. صدر الأمر من فرعون بذبح أطفال القديسين خفية، وإذا بأبكار المصريين يقتلون علانية (18: 6، 10).
  8. عُرف وادي النيل بخضرته وخصوبة تربته، حوَّلها الجراد إلى قفرٍ مهلك، وعلى خلاف الطبيعة صار قاع البحر الأحمر بالنسبة للمؤمنين طريقًا ليس فقط للعبور خلاله، وإنما حوله الله كما إلى جنة أو مرج أخضر. صار قاع البحر حديقة مبهجة يتمتع بها المؤمنين أثناء عبورهم فيه (19: 7)، وعلى خلاف قوانين الجاذبية الأرضية وقوانين السوائل وقف الماء على الجانبين كسورٍ يحمي المؤمنين العابرين فيه.
  9. بينما ذاق المصريون الوثنيون المرارة من الظلام والخيالات والرعب داخل بيوتهم، أثناء ضربة الظلام وضربة قتل الأبكار، إذا بالمؤمنين يتمتعون بفرحٍ شديدٍ في البرية (19:19)، فكانوا يسبحون الله على أعماله المجيدة معهم (خر 15). بعد خروجهم من البحر الذي أغرق فرعون جنوده، شعروا بالحرية الموهوبة لهم، حتى وإن كانت في البرية. صاروا كخيل يرعى في مرعى خصيب، أو كحملان تقفز وتلعب بسرورٍ.
  10. 10. ضُرب المصريون بالذباب (جاء النص العبري يعني حشرات صغيرة تطير، لذا يرى البعض أنها بعوض) يضايقهم كما يضايق حيواناتهم. هذا ما أنتجته لهم الأرض الزراعية. عوض أن تكون مرعى للحيوانات النافعة التي تقدم لبنًا وصوفًا ولحمًا (19: 10).
  11. إن كانت الأرض قدمت بعوضًا مؤذيًا عوض الحيوانات النافعة، فإن النهر فاض عليهم بالضفادع لتملأ بيوتهم وتتحول إلى أكوام نتنة في كل أرض مصر، يصعب التخلُص منها، وذلك بدلاً من الأسماك الشهية الطعم (19: 10).
  12. إن كان الله قد سمح للأشرار بهجومٍ برِّي من البعوض وبحري من جيوش الضفادع، فقد أظهر عنايته بالمؤمنين، حيث انطلقت أسراب ضخمة من السلوى (السمان) مهاجرة؛ وكانت في نهاية رحلتها تطير بالقرب من البحر فرأوها كأنها خارجة من البحر، حيث تطير على مستوى منخفض. كانت هذه الطيور مُجهدة تطير ببطءٍ، فأمسكوا بها، وقد أشبعت كل الشعب البالغ حوالي المليونين.
  13. يقدم الحكيم مقارنة غريبة بين عمل الله مع غير المؤمنين وعمله مع المؤمنين. فمع غير المؤمنين حول الحيوانات شبه المائية (الضفادع) كما إلى حيوانات برية إذ تركت الضفادع المياه وانطلقت إلى بيوت المصريين ودخلت مخادعهم. وعلى العكس فإنه بالنسبة للمؤمنين حول لهم الحيوانات التي معهم كما إلى أسماك مائية تسير في قاع البحر تعبر من الشاطئ الشرقي إلى الغربي في أمان (19: 18-20). هذا العمل الإلهي الفائق يُظهر عظمة الله الذي يحرك خليقته ويغير قوانينها لصالح أولاده كمن يعزف على قيثارته أنشودة الحب الفائق (19: 17).
  14. يرى الحكيم أن عمود النور الذي كان يحمي شعبه صار عازلاً شعبه عن المصريين غير المؤمنين. كان النور يسير وسط المياه والمؤمنون ومواشيهم في أمان بينما صارت خيول المصريين في انزعاج شديد، وكانت قوة النار تحرقهم. وكأن النار وهي وسط المياه من الجانبين صارت أشد حرارة مما هو خارج الماء. هذا والنار التي أزعجت الخيول لم تضر الأسماك والحيوانات البحرية التي كانت تسبح في المياه التي على الجانبين (حك 19:19-20).

أقسام السفر

يمكننا تقسيم هذا السفر إلى ثلاثة أقسام رئيسية مترابطة معًا:

  1. الحث على طلب الحكمة والبٌر 1-6.
  2. يا لعظمة الحكمة! 7-9.
  3. شهادة التاريخ لحكمة الله محب جميع الناس 10-19.
  4. الحث عن طلب الحكمة والبرّ (1-6)

يبدأ السفر بالكشف عن مركز حياة الإنسان، فلا يقدمها بكونها مجرد القدرة على تفهم الأمور وأخذ القرار السليم، لكنها هي حياة شركة مع الله البار القدوس، فتهب البرّ والقداسة، بهذا يتمتع المؤمن بالخلود، فإن لم يحمل سمة البرّ يموت. بمعنى آخر يربط الكاتب بين الحكمة والبرّ أو الحياة المقدسة؛ وبين الجهالة والشر. فإن كانت الحكمة لا تنفصل عن الإيمان والبرّ، فإن المؤمن إذ يطلب الحكمة الإلهية يتمتع بالبرّ الإلهي. بالحكمة الإلهية يكتشف المؤمن خطة الله الخفية بالنسبة للمتألمين والعواقر والذين يُصابون بالموت المبكر، موضحًا أن المكافأة هي الخلود، وليس الترف الزمني.

أما الأشرار ففي غباوتهم يقتنون الموت ويدخلون معه في عهدٍ، ويصيرون حلفاء له!

  1. يا لعظمة الحكمة (7-9)

بعد أن تحدث عن الحكمة كحياة مُعاشة، وخبرة عملية خلال الشركة مع القدوس والتمتع بالبرّ الإلهي يوضح لنا سليمان الحكيم أن الحكمة التي تمتع بها ليست مُقدمة لأناس معينين، كأن الحكماء من طبيعة أخرى غير عامة البشر. فسواء كان الكاتب سليمان نفسه أو آخر، جاء هذا القسم يكشف عن تمتع سليمان الحكيم بالحكمةكمثالٍ لكل إنسانٍ دون محاباةٍ. فهي عطية إلهية، مُقدمة لجميع البشر، لكنها لا تُعطى قسرًا، بل لمن يحبها ويشتهيها ويطلبها في جدية، معبِّرًا عن طلبته بكل وسيلة ممكنة، وليس بمجرد صلاة اللسان وحده.

أ. سليمان ليس من طبيعة خاصة، إنما هو إنسان كسائر البشر، ما تمتع به يمكن أن يتمتع به كل إنسانٍ جادٍ في طلب الحكمة (7: 1-6).

ب. سرّ قوة سليمان هو تركيز أنظاره على الحكمة العلوية. صلى فنال الحكمة والغنى (7: 8-12).

ج. سليمان يصلي لكي يهبه الله إمكانية الحديث عن الحكمة (7: 13-22).

د. طبيعة الحكمة وعظمتها!

هـ. طلب سليمان الحكمة مصدر المعرفة الحقيقية (8: 1-8).

د. طلب الحكمة كمشيرٍ له، يهبه الراحة (8: 9-16).

و. تحقق سليمان أن الحكمة هبة إلهية (8: 17-21).

ز. صلاة سليمان من أجل الحكمة (9).

  1. شهادة التاريخ لحكمة الله محب جميع الناس (10-19)

يقدم الكاتب أمثلة عملية على المستوى الشخصي والجماعي، موضحًا من خلال التاريخ الطويل إمكانية الفرد (كما الجماعة) أن يتمتع بحكمة الله وينتفع بعمله بكونه محب جميع البشر.

يهتم الله بالأبرار كما بالأشرار، ويطلب خلاص الكل. حتى في تأديبه للأشرار يحذر وينذر ويؤدب تدريجيًا، وفي هذا كله يترقب توبتهم ورجوعهم إليه. تخَّلص الحكمة مالكها (10).

يقدم الكاتب عدة مقابلات لتوضيح اهتمام حكمة الله بالأبرار كما بالأشرار:

أ.الماء من الصخرة مقابل الدم في نهر النيل (11: 6-14).

ب.السلوى مقابل وباء الحيوانات الصغيرة (11: 15-16: 15).

ج.المن النازل من السماء مقابل الجراد والمجاعة في مصر.

د.عمود النار مقابل ضربة الظلمة (17: 1-18: 4).


 

من وحي الحكمة

هب لي الحكمة الجالسة معك إلى عرشك

 

v     أقمتني ملكًا وكاهنًا،

لكي أسوس العالم بقداستك و برّك.

لم تبخل عليَّ بشيءٍ،

ووهبتني ذاتك يا حكمة الله السماوي.

انشقت السماوات، ونزلت إليّ!

ماذا بعد أطلب منك؟

 

v     قدِّس عقلي وفكري وقلبي  كليتي ولساني،

فأصير بكليتي لك.

لن أسلك إلا بك، يا أيها الحكمة السرمدي!

 

v     أقتنيك، فأقتني الخلود!

أتمتع بك، فأصير أيقونة لك.

أحملك في داخلي، فتحملني إلي سماواتك.

 

v     بك أسلك في طريق البرّ،

ينفتح لي حضن أبيك فأستقر فيه.

بك أتعرف علي أسرار الحب الإلهي،

فأسبح في لجة رعايتك الفائقة.

بك ينفتح قلبي فأحب كل البشرية،

علي مثالك يا أيها العجيب في حبه!

 

v     اقتناك سليمان، فاستخف بالعرش والصوالجة،

وصار الذهب والفضة والحجارة الكريمة كلا شيء في عينيه.

ورأى السماوات ليست ببعيدة عنه.

 

v     لأقتنيك، فيُسر الآب بي فيك،

وتتهلل الطغمات السماوية لعمل نعمتك فيَّ.

ويسقط إبليس من السماء كالبرق،

ولا يكون للموت موضع فيَّ!

 

v     أقتنيك، فأشتهي أن يكون كل البشر حكماء،

يتمتعون بك، فتتحول الأرض إلي سماءٍ!

و تشتهي الطغمات السمائية أن تخدمهم،

تترقب يوم نزولك علي السحاب لتحمل الكل،

ويصير كل المؤمنين في عرسٍ مفرحٍ لا ينقطع!

 

ملاحظة

اعتمدت في النص على:

  1. الترجمة اليسوعية.
  2. Samuel Bagster and Sons Ltd: The Septuagint Version… London.

3.Bruce Metzger: The Oxford Annotated Apocrypha, Oxford University, 1965.

  1. The Catholic Bible, Good Counsel Publishers, Chicago. Illinois, 1970.
  2. The Holy Bible, Douay Version, Catholic Truth Society, London.
  3. القمص قزمان البراموسي: ترجمة حديثة لأسفار عزرا الأول…، 1978.



اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى