تفسير يشوع بن سيراخ ١٣ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الثالث عشر
الآيات (1-4): “1 من لمس القير توسخ ومن قارن المتكبر أشبهه. 2 لا ترفع ثقلا يفوق طاقتك ولا تقارن من هو أقوى وأغنى منك. 3 كيف يقرن بين قدر الخزف والمرجل أنها إذا صدمت تنكسر. 4 الغني يظلم ويصخب والفقير يظلم ويتضرع.”
عن علاقات الفقير مع الأغنياء. من لمس القير (القطران) توسخ. ومن قارن المتكبر أشبهه= من يعيش وسط الخطاة سريعاً ما سيتشبه بهم، لذلك لم يكن داود يجلس في مجلس المستهزئين (مز1). وفي الآيات (2-4) نصيحة للفقير والضعيف أن لا يحاول أن يعيش وسط الأغنياء والأقوياء ظناً منه أن هذا سيرفع من شأنه، فسيظل إناء الخزف ضعيفاً هشاً إذا صدمت تنكسر وسيظل المرجل (غلاية حديد) قوياً لا ينكسر. ومع أي مشكلة فالغنى يَظْلِمْ الفقير ومع هذا يَصخَبْ ويشتكي. والفقير يُظْلَم ومع هذا يتضرع حتى يعفوا الناس عنه فهم قطعاً سيجاملون الغني القوي. لن ينتفع الفقير الذي يعيش وسط الأغنياء إلاّ أنه سيشابهم في كبريائهم وبلا مبرر وبهذا سيعيش مكروهاً يهزأ الناس به.
(5-11): “5 أن كنت نافعا استغلك وان كنت عقيما خذلك. 6 أن كان لك مال عاشرك واستنفد مالك وهولا يتعب. 7 أن كانت له بك حاجة غرك وتبسم إليك ووعدك وكلمك بالخير وقال ما حاجتك. 8 وقدم لك من الأطعمة ما يخجلك حتى يستنفد مالك في مرتين أو ثلاث وأخيرا يستهزئ بك ويراك بعد ذلك فيخذلك وينغض رأسه عليك. 9 اخشع لله وانتظر يده. 10 أحذر أن تغتر وتتذلل في جهالتك. 11 لا تكن ذليلا في حكمتك لئلا يستدرجك الذل إلى الجهالة.”
مازال الحكيم ينبه الفقير أن لا يتعايش مع الغنى، فالغنى لن يريد من الفقير شيئاً سوى أن يستغله= إن كنت نافعاً إستغلك والعكس فإن كان الفقير بلا منفعة فلا حاجة للغنى بهذا الفقير، فهو سيترفع عن معاشرته= وإن كنت عقيماً (بلا فائدة للغنى) خذلك أي رفض معاشرتك. وإذا عاشرت الغني أيها الفقير فستعيش على مستواه فينتهي مالك بسرعة= إستنفد مالك وهو لا يتعب= أي ثروته باقية كما هي. وهو لن يبتسم في وجهك إلاّ لو كان له حاجة عندك وحينما تنتهي هذه الحاجة لن يعود يرتاح لمعاشرتك= يستهزئ بك. وبدلاً من أن تتودد للأغنياء ليرفعوك، إذهب وإخشع لله، فهو الذي يباركك ويرفعك= وإنتظر يده (بركاته التي ترفعك) وإحذر أن تغتر= تعاشر الأغنياء في غرور ليرفعوك وتضطر أن تتذلل في جهالتك. هناك من يبدد أمواله على ولائم للأغنياء لعله يستفيد منهم، والحكيم يقول لن تستفيد فهم لا يريدونك، بل يريدون أي مصلحة يستفيدونها منك. لذلك فلتبدد أموالك على الفقراء كما عمل وكيل الظلم فيكون لك أصدقاء في السماء، والله يعوضك فترتفع. لا تكن ذليلاً في حكمتك= هناك من يتصور أنها حكمة أن يعيش ملتصقاً بالأغنياء أو الأقوياء حتى لو عاش ذليلاً وسطهم لكن الحكيم يقول أن هذا يستدرجك إلى الجهالة= أي تنفق أموالك بلا مبرر حتى تفتقر لتساير هؤلاء الأغنياء ثم يُلقون بك إذا لم يعد لك فائدة. أما الحكمة هي في أن تلتصق بالله وبالبسطاء الذين تخدم الرب إذ تخدمهم. هذه هي حكمة وكيل الظلم.
(12-18): “12 إذا دعاك مقتدر فتوار فبذلك يزيد في دعوته لك. 13 لا تقتحم لئلا تطرد ولا تقف بعيدا لئلا تنسى. 14 لا تقدم على محادثته ولا تثق بكلامه الكثير فانه بكثرة مخاطبته يختبرك وبتبسمه إليك يفحصك. 15 انه بلا رحمة لا ينجز ما وعد ولا يمسك عن الإساءة والقيود. 16 احترز وتنبه جدا فانك على شفى السقوط. 17 وان سمعت بهذه في منامك فتيقظ. 18 في حياتك كلها أحبب الرب وادعه لخلاصك.”
هنا صورة عكسية، فماذا يفعل الفقير البسيط حين يدعوه الغني القوي، هل يذهب أو يرفض الذهاب، ببساطة تعليم السيد المسيح لنا نحن البسطاء هو أن نذهب، لكن علينا أن نجلس في المتكآت الأخيرة، أن نسلك بتواضع وفهم أننا نحن لسنا على مستوى الأغنياء. لا تقدم على محادثته= في ترجمة أخرى “لا تقدم على محادثته كالند للند”. وهذا معنى قوله هنا إذا دعاك مقتدر فتوار= وهذا يجعل القوي يرتاح إليك= ويزيد في دعوته لك. ولكن هناك من يظن في هذا المكان أنه كالند للند مع القوى، ونصيحة الحكيم لهذا= لا تقتحم لئلا تُطرد. إذاً هل الأفضل أن لا أذهب؟ يقول لا، فإذا دعاك القوى فإذهب وإلاّ فأنت تحتقر دعوته فيتجاهلك بعد ذلك= لا تقف بعيداً (لا تمتنع عن الحضور) لئلا تنسى. هذه هي حكمة المتكآت الأخيرة. لا تثق بكلامه الكثير.. يختبرك.. يفحصك= لا تظن أيها الضعيف الفقير أنه حين يكلمك القوي أنك صرت على مستواه، بل هو يتعرف على بعض الأخبار يلتقطها منك. ليس معنى هذا الشعور بصغر النفس، بل السلوك بحكمة فلا يظن الفقير في محضر الأغنياء أنه مثلهم فهم سيطردونه ويهزأوا به. ويقول الحكيم لمن يتصرف هكذا= إنك على شفي (قريب جداً) السقوط. وإن سمعت بهذه في منامك فتيقظ= لا داعي لأحلام اليقظة بأنك وصلت لدرجة الأغنياء. لكن الغنى والقوي بلا حدود وهو الله لا يخجل منك ولا يحتقرك مهما كنت فقيراً. إذاً في حياتك كلها أحبب الرب وأدعه لخلاصك.
(19-24): “19 كل حيوان يحب نظيره وكل إنسان يحب قريبه. 20 كل ذي جسد يصاحب نوعه والرجل يلازم نظيره. 21 أيقارن الذئب الحمل كذلك شان الخاطئ مع التقي. 22 أي سلام بين الضبع والكلب وأي سلام بين الغني والفقير. 23 الفراء في البرية صيد الأسود وكذلك الفقراء هم مراعي الأغنياء. 24 التواضع رجس عند المتكبر وهكذا الفقير رجس عند الغني.”
هذا توجيه للفقير الضعيف أن لا يفرح ويتكبر ويغتر إذا وجد فرصة لمعاشرة الأغنياء والأقوياء، فهم لا يبالون بصداقته، لأنهم يفضلون معاشرة من هم مثلهم= كل حيوان يحب نظيره= أي كل الخليقة تميل أن تعاشر من هم مثلها. وبنفس المفهوم فالخطاة لا يحبون أن يعاشروا الأتقياء فهم لا يفضلون أحاديثهم. “الطيور على أشكالها تقع”. وبنفس المفهوم فعلى أولاد الله الأتقياء ألا يعاشروا الخطاة فينجذبوا لخطاياهم، والبداية ستكون أنهم يحاولون أن يتكلموا مثلهم ليكونوا مقبولين منهم. الفراء= الفرا أي حمار الوحش. وهذا يشير للإنسان الفقير الضعيف بجانب الأقوياء الأسود. التواضع رجس (فضيحة) عند المكتبر. فالمتكبر لا يفهم أن يتواضع إنسان، وهكذا الغني لا يفضل أن يتصادق مع فقير.
(25-29): “25 الغني إذا تزعزع يثبته أصدقاؤه والمتواضع إذا سقط فأصدقاؤه يطردونه.26 يزل الغني فيعينه كثيرون يتكلم بالمنكرات فيبرئونه. 27 يزل المتواضع فيوبخونه ينطق بعقل فلا يجعلون لكلامه موضعا. 28 يتكلم الغني فينصت الجميع ويرفعون مقالته إلى السحاب. 29 يتكلم الفقير فيقولون من هذا وان عثر يصرعونه.”
هنا نرى واقع نعيشه في عالم مملوء بالرياء. فالمجاملة للأغنياء والأقوياء مهما أخطأوا، والعكس فأي خطأ للفقير الضعيف يجعلهم يطردونه ويهزأون به، بل هذا حتى لو قال الصواب.
(30-32): “30 الغنى يحسن بمن لا خطيئة له والفقر مستقبح في فم المنافق. 31 قلب الإنسان يغير وجهه أما إلى الخير وأما إلى الشر. 32 طلاقة الوجه من طيب القلب والبحث عن الأمثال يجهد الأفكار.”
ليس معنى هذا أن الحكيم يكره الأغنياء، بل يا ليت التقوى تصاحب الغِنَي. أما الفقير ومعه الجهل فشئ قبيح. فالحكيم لا يقول أن الفقير مهما حدث فهو حكيم ورع، لا بل إن المنافق الفقير شئ مستقبح أيضاً. ما يهتم به الحكيم حقيقة هو قلب الإنسان فمن فضلة القلب يتكلم اللسان. فقلب الإنسان يقوده إمّا للخير أو للشر. يغير وجهه= إتجاهه. والقلب الطيب يظهر هذا في وجه صاحبه. فصاحب القلب البسيط الباحث عن الله يرى الله ويفرح. هذه تساوي “إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً” (مت22:6). أما الإنسان الذي مازال لم يستقر على حكمة العين البسيطة أي البحث عن مجد الله فقط، والبحث عن السماء والأبدية، ومازال يبحث عن الحكمة البشرية لتقوده ويسميها هنا الأمثال فهو في حيرة من أمره= يجهد الأفكار= لا يجد سلاماً ولا فرحاً يظهر على الوجه= طلاقة الوجه. مثل هذا الإنسان التائه يظن أن مصادقة الأغنياء والأقوياء أصحاب المراكز هي الحكمة، لذلك إذ لا يبحث عن الله بل عن الناس يكتئب.