تفسير يشوع بن سيراخ ١٧ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح السابع عشر

(1-12): “1 خلق الرب الإنسان من الأرض. 2 واليها أعاده. 3 جعل لهم وقتا وأياما معدودة واتاهم سلطانا على كل ما فيها وألبسهم قوة بحسب طبيعتهم وصنعهم على صورته. 4 ألقى رعبه على كل ذي جسد وسلطه على الوحش والطير. 5 خلق منه عونا بازائه وأعطاهم اختيارا ولسانا وعينين وأذنين وقلبا يتفكر. 6 وملاهم من معرفة الحكمة واراهم الخير والشر. 7 وجعل عينه على قلوبهم ليظهر لهم عظائم أعماله. 8 ليحمدوا اسمه القدوس ويخبروا بعظائم أعماله. 9وزادهم العلم وأورثهم شريعة الحياة. 10 وعاهدهم عهد الدهر واراهم أحكامه. 11 فرأت عيونهم عظائم المجد وسمعت أذاهم مجد صوته وقال لهم احترزوا من كل ظلم. 12 وأوصاهم كل واحد في حق القريب.”

إنتهى الإصحاح السابق بأن الإنسان سيعود للتراب بعد أن عاش حياة على الأرض تمتع فيها بكل خيرات الله التي خلقها له. وهنا يُسهب في شرح هذه الحقيقة بأن الإنسان خلق ليعيش على الأرض أياماً معدودة ثم يعود إليها. ولكن حين خلق الله الإنسان أعطاه قوة وسلطان على الخليقة بل صنع الإنسان على صورته. وخلق له حواء معينة له وأخذها من ضلع منه= خلق منه عوناً بإزائه وأعطاه حكمة ووصية حتى يختار بحريته طريقه، ولكن أراهم الخير والشر= الموت والحياة، ثم لما سقط أعطاهم وصايا أيضاً ليحيوا في راحة عالمين أنهم سيعيشوا أياماً معدودة وبعدها هناك حساب على ما قد إختاروه بحريتهم. وقطعاً إذا كان لإنسان حكمة ويعرف أنه سيترك هذا العالم فعليه أن لا يختار الإنغماس في الشر أو أن يكون هذا العالم هو الإله الذي يسعى وراء لذاته. والإنسان سيحاسب فهو له عقل ميزه به الله عن باقي الخليقة، إذاً فهو مسئول عن قرارته= أعطاهم إختياراًً ولساناً .. وقلباً يتفكر. والقلب الذي يتفكر المقصود به كل عواطف الإنسان وقراراته وإنفعالاته.

وجعل عينه على قلوبهم= أعطى لهذه القلوب التي تفكر، أن يكون لها حكمة، يُدركوا بها أعمال الله= لُيظهر لهم عظائم أعماله والهدف ليحمدوا إسمه القدوس. ويخبروا بعظائم أعماله. هو سبق في (5) أن قال أنه أعطاهم لساناًُ. وهنا يقول عليهم أن يستخدموا هذا اللسان في الحمد والتسبيح. ولكن بولس يقول أن الأمم عملوا عكس هذا (رو18:1-23)

وزادهم العِلم فهو ظهر لهم في سيناء وأعطاهم وصايا= أورثهم شريعة الحياة. وطلب منهم الرحمة ببعضهم البعض وأن لا يظلموا أحد.

 

(13-20): “13 طرقهم أمامه في كل حين فهي لا تخفى عن عينيه. 14 لكل أمة أقام رئيسا. 15 أما إسرائيل فهو نصيب الرب. 16 جميع أعمالهم كالشمس أمامه وعيناه على الدوام تنظران إلى طرقهم. 17 لم تخف عنه آثامهم بل جميع خطاياهم أمام الرب. 18 صدقة الرجل كخاتم عنده فيحفظ إحسان الإنسان كحدقة عينه. 19 وبعد ذلك يقوم ويجازيهم يجازيهم جزاءهم على رؤوسهم ويهبطهم إلى بطون الأرض. 20 لكنه جعل للتائبين مرجعا وعزى ضعفاء الصبر ورسم لهم نصيب الحق.”

هنا نرى الله كقاضٍ عادل، يرى كل طرق الإنسان ويجازيه عليها، فالله يعتبر نفسه رئيس هذا الشعب اليهودي، بل أن هذا الشعب هو نصيب الرب. فإذا كان الله قد أقام لكل أمة رئيساً يشرع للأمة، فهو رئيس شعبه يشرع له. والله يرى بوضوح تصرفات شعبه ويجازي. ولكن جعل للتائبين مرجعاً،= “ارجعوا إليّ أرجع إليكم” (زك3:1). والله يذكر صدقة الرجل كخاتم عنده يراه دائماً، بل به يصرف ما يريد من خيرات الله. بل الله يحفظ عمل بر الإنسان كحدقة عينه= لابد وسيكافأه عليها. والعكس فهو يجازي من يخطئ. عزَّي ضعفاء الصبر= الله حين يكافئ قد ينتظر ليعطي في الوقت المناسب، لكن إذا كان الإنسان سيفقد صبره فهو يعطيه قوة وبركة ليتعزى فلا ييأس من ضيقات الحياة.

 

(21-31): “21 فتب إلى الرب واقلع عن الخطايا. 22 تضرع أمام وجهه وأقلل من العثرات. 23 ارجع إلى العلي واعرض عن الإثم وابغض الرجس اشد بغض فهل من حامد للعلي في الجحيم. 24 تعلم أوامر الله وأحكامه وكن ثابتا على حظ التقدمة والصلاة للعلي. 25 ادخل في ميراث الدهر المقدس مع الأحياء المعترفين للرب. 26 لا تلبث في ضلال المنافقين اعترف قبل الموت فان الاعتراف يعدم من الميت إذ يعود كلا شيء. 27 انك ما دمت حيا معافى تحمد الرب وتفتخر بمراحمه. 28 ما اعظم رحمة الرب وعفوه للذين يتوبون إليه. 29 لا يستطيع الناس أن يحوزوا كل شيء لان ابن الإنسان ليس بخالد. 30 أي شيء اضوا من الشمس وهذه أيضا تكسف والشرير يفكر في اللحم والدم. 31 الرب يستعرض جنود السماء العليا أما البشر فجميعهم تراب ورماد.”

فتب= طالما طريق التوبة مفتوح أمامك، وطالما أنك حي. وثق في مكافأة الأبدية= فهل من حامد للعلي في الجحيم. حافظ على أوامر الله والصلاة للعلي. وأدخل في ميراث الدهر مع الأحياء أما الخطاة فإسمهم الأموات “إبني هذا كان ميتاً فعاش”. ويسميهم هنا المنافقين.

هنا دعوة للتوبة قبل أن يأتي الموت الذي لابد وسيأتي. فحتى الشمس تنكسف بكل ضياءها. وليس هذا فقط فسيأتي على الشمس وقت تنطفئ تماماً فيه. والشرير يفكر في اللحم والدم= أي شهوات العالم وهذا سينتهي، فمن يربط مصيره باللحم والدم أو أي شئ مرئي سينتهي مثله. لذلك قال بولس الرسول “غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى..” (2كو18:4). وجاءت الآية في ترجمة أخرى “واللحم والدم يرغبان في الشر”. وللتدليل على حقارة ما يشتهيه الإنسان، وما هو مدعو إليه يقول الحكيم، أن الإنسان يشتهي ما يراه من لحم ودم، أما الله يدعوه لما هو عنده، فاللحم والدم جميعهم تراب ورماد. أما ما عند الله، فملائكة وسلاطين وقوات= الرب يستعرض جنود السماء العليا. الإنسان لا يرى سوى الأرض، والله يستعرض الشمس والنجوم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى