تفسير المزمور ٢ للقمص أنطونيوس فكري

المزمور الثاني

مزمور عجيب يتنبأ فيه داود بدقة عن عمل المسيح. وكما بدأ المزمور الأول بالتطويب ينتهي هذا المزمور الثاني بالتطويب. فالطبيعة المطوبة التي يترجاها المرتل في المزمور الأول لا يمكن تحقيقها إلا خلال المسيح الملك الذي يتكلم عنه في المزمور الثاني. وكان اليهود يفهمون هذا المزمور على أنه يتكلم عن المسيا وبسبب أن المسيحيين فسروه عن المسيح بدأ اليهود من القرن العاشر تفسير المزمور أنه يتكلم عن داود. ولكن المزمور بصورة عامة يظهر أن الأرض وملوكها في حالة تكتل وهياج ضد الله وشعبه وبالتالي مسيحه ووصاياه ونيره. ورمزياً كان هناك هياج ومؤامرات على داود فلقد قام ضده الفلسطينيون والموآبيون وبني عمون والأدوميون والأراميون فهو رمز للمسيح. والله له وقت يتدخل فيه ويوقف مؤامرات هؤلاء الأشرار ويثبت ملكه وتسود مملكة المسيح أخيراً. وهنا كلمات لا يمكن أن تنطبق على داود مثل هل كانت الأمم ميراثاً لداود ؟ هذا لم يتم سوى للمسيح (أع27:4 + 33:13 + عب5:1).

 

آية (1): “لماذا ارتجّت الأمم وتفكّر الشعوب في الباطل.”

الهياج على داود كمسيح للرب أو الهياج على الكنيسة هو هياج على الله نفسه. وهذا ما يستغرب منه داود هنا. وهذا ما حدث فقد تآمر الجميع على المسيح. الأمم والشعوب هو الدولة الرومانية واليهود الذين فكروا في الباطل= فكل تدبيراتهم ضد المسيح هي باطلة فهل ينجح أي تدبير ضد مشورة الله.

 

آية (2): “قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه قائلين.”

قام ملوك.. تآمر الرؤساء= الملوك هم بيلاطس وهيرودس، بل هم طاردوه منذ ولادته. والرؤساء هم رؤساء الكهنة، بل حتى الرعاع أيضاً صرخوا أصلبه أصلبه. وسؤال داود يعني أنه يستغرب ما حدث فهو بلا سبب (يو24:15،25) “فهم أبغضوني بلا سبب” على الرب وعلى مسيحه=”أبغضوني أنا وأبي” (يو24:15،25). فالأشرار لم يقبلوا نير المسيح وأغلاله أي وصاياه ومبادئه الكاملة بينما هي هينة (مت29:11،30).

 

 

آية (3): “لنقطع قيودهما ولنطرح عنا ربطهما.”

لنقطع قيودهما= كما قال اليهود “لا نريد أن هذا يملك علينا (لو14:19). فهم هاجوا على الرب وعلى مسيحه (الآب والابن). مسيحه= سمى مسيحاً لأنه مسيح الرب، الذي حل عليه الروح القدس في شكل حمامة عند عماده، ليس لأجل التطهير بل لأجل الإعلان، هو مُسِحَ لينوب عني في المعركة ضد إبليس واهباً إياي نصرته. (مز7:45) مسحه بزيت الابتهاج.

 

آية (4): “الساكن في السموات يضحك. الرب يستهزئ بهم.”

الساكن في السموات يضحك=الهياج على الأرض يقابله سلام فائق في السماء، الله يضحك فهل يطوله هؤلاء “صعب عليك أن ترفس مناخس” فمن يرفس المناخس يصيبه هو الضرر وأما المناخس فلا يصيبها شئ. الرب يستهزئ بهم= بينما يظن العالم في ثورته أنه قد انتصر على الرب وعلى مسيحه، إذ بهم يجدوا أنفسهم أنهم قد حققوا غرض الله، فالله لم يتركهم ينفذون ما أرادوا إلا لأنه يريد ذلك فالله ضابط الكل فهم قاموا على المسيح وصلبوه ولكن لم يكن هذا انتصاراً لهم بل انتصاراً للمسيح. فهو قد أتم رسالة الفداء وظهرت هذه القوة بوضوح بعد القيامة فالصيادين الضعفاء نشروا المسيحية في العالم وتشتت اليهود المتكبرين.

 

آية (5): “حينئذ يتكلم عليهم بغضبه ويرجفهم بغيظه.”

بغضبه= الله منزه عن الانفعالات، وهذه تعنى سقوطهم تحت دينونة وعدل الله وهذا ما حدث لليهود فعلاً فقد تشتتوا في العالم كله. وهذا نصيب كل من يبتعد عن الله.

 

آية (6): “أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي.”

مسحت ملكي على صهيون= المسيح في ميلاده قيل “أين ملك اليهود” وفي دخوله إلى أورشليم قالوا “مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل” وبموته ملك على قلوب كل المؤمنين به “وأنا إن ارتفعت أجذب إلىّ الجميع” وأحبه الجميع لأنه أحبنا أولاً وكل من أحبه ملكه على قلبه وأطاع وصاياه، والشهداء ماتوا على اسمه وعصوا أوامر القياصرة والملوك الوثنيين. هو الآن يملك في مجده ويملك على صهيون كنيسته جبل قدسي= هي جبل ثابت سماوي بعد أن قدسها بدمه.

 

آية (7): “أني اخبر من جهة قضاء الرب. قال لي أنت ابني. أنا اليوم ولدتك.”

 أني اخبر من جهة قضاء الرب= وفي السبعينية (الأجبية) لأكرز بأمر الرب. فالمسيح جاء إلينا ليعلن إرادة الرب فينا ويخبرنا بما عند الرب، يعلم محبة الآب لنا. قال لي أنت ابني. أنا اليوم ولدتك= هذه الآية حيرت اليهود في تفسيرها، فقد أعلنت لنا ميلاد الرب الجسدي. فهناك ميلاد أزلي للرب يسوع من الآب بلاهوته وميلاد زمني أي جسدي. فقوله أنت ابني هذه إشارة لبنوته الأزلية من الآب بلاهوته وقوله أنا اليوم ولدتك يتكلم عن الميلاد الزمني. ولذلك استخدم بولس الرسول هذه الآية (عب4:1،5) ليثبت أن للمسيح اسماً أعظم من الملائكة بكونه ابن الله الوحيد لا بالتبني بل له نفس طبيعة الآب. وبتجسده حصلنا نحن على النبوة.

 

آية (8): “اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض ملكاً لك.”

أقاصي الأرض والأمم صارت ملكاً للرب يسوع بصليبه (قارن مع في6:2-11).

 

آية (9): “تحطمهم بقضيب من حديد. مثل إناء خزاف تكسرهم.”

تحطمهم بقضيب من حديد= وفي السبعينية ترعاهم بقضيب من حديد. وكلاً المعنيين يشيران لسلطان الرب عندما يملك. وهو يؤدب ويرعى بالتجارب والآلام ومن يقبل ويخضع تكون له بركة، ومن يتمرد سيتحطم وينكسر مثل إناء خزفي.

 

آية (10): “فالآن يا أيها الملوك تعقلوا. تأدبوا يا قضاة الأرض.”

أيها الملوك تعقلوا. تأدبوا= على كل متكبر أن يخضع لتأديب الله، وليفهم كل متكبر أن الله لا يشمخ عليه. داود ينهي مزموره بنصيحة للفهم والطاعة.

 

آية (11): “اعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعدة.”

بخوف= في عبادتنا لله يجب أن تمتلئ قلوبنا بمخافة إلهية مقدسة، والله حين يريد يعطي الفرح في قلوبنا.

 

آية (12): “قبلوا الابن لئلا بغضب فتبيدوا من الطريق لأنه عن قليل يتقد غضبه. طوبى لجميع المتكلين عليه.”

قبلوا الابن= تقبيل قدمي الملوك عادة شرقية علامة الطاعة والولاء.

 

ونصلي هذا المزمور في باكر، فنذكر أن المسيح يملك علينا، وحتى إن قام علينا العالم كله فالله يضحك بهم. والمسيح ملك بصليبه وقيامته فنذكر قوة قيامته وانتصاره على الموت، بل نذكر أنه بولادته وفدائه صرنا أبناء نتمتع بقوته.

فاصل

فاصل

 تفسير المزمور 1 تفسير سفر المزامير
القمص أنطونيوس فكري
 تفسير المزمور 3
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى