تفسير إنجيل القديس لوقا 23 للقمص أنطونيوس فكري
(لو1:23-6)
آية (2): “وابتدأوا يشتكون عليه قائلين أننا وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطى جزية لقيصر قائلًا أنه هو مسيح ملك.”
يفسد الأمة = كانت هذه هي الجريمة التي بسببها أبادهم الرومان بعد ذلك. حقًا قال النبي “كما فعلت يفعل بك (عوبديا 15). يمنع أن تعطى جزية لقيصر= مع أنه قال إعط ما لقيصر لقيصر. وحينما أرادوا أن يجعلوا منه ملكًا اختفى من بينهم. أمام السنهدريم اتهموه بتهمة دينية أنه يدعى الألوهية وأمام بيلاطس نجد تهمة جديدة أنه يدعى أنه ملك ليثيروا بيلاطس، فالتهمة الآن صارت مدنية.
آية (3): “فسأله بيلاطس قائلًا أنت ملك اليهود فأجابه وقال أنت تقول.”
أنت تقول= تحمل معنى هل لك إثبات على ما تقول، ولكن الحقيقة هي كما تقول ولكن بحسب ما قال يوحنا أن المسيح بعد ذلك أثبت له أن مملكته روحية ليس من العالم.
آية (5): “فكانوا يشددون قائلين أنه يهيج الشعب وهو يعلم في كل اليهودية مبتدئًا من الجليل إلى هنا.”
ذكروا الجليل لإثارة شكوك بيلاطس وذلك لأنه يكره الجليليين بسبب تمردهم وعصيانهم وثوراتهم. ونذكر كيف أنه في فصح سابق أرسل جنوده بين جماعات الثائرين من الجليل وأعملوا فيهم سيوفهم وخلطوا دمائهم بذبائحهم.
الآيات (7-12):
“وحين علم أنه من سلطنة هيرودس أرسله إلى هيرودس إذ كان هو أيضًا تلك الأيام في أورشليم .وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جدًا لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة وترجى أن يرى آية تصنع منه. وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء. ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد. فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به وألبسه لباسًا لامعًا ورده ألى بيلاطس. فصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما.”
محاكمته أمام بيلاطس وهيرودس فيها تحقيق للمزمور قام ملوك الأرض على الرب وعلى مسيحه(مز2:2). والمسيح صمت تمامًا أمام هيرودس فاحتقره هيرودس وظنه جاهلًا. غالبًا فإن هيرودس تأكد من براءته فلم يشأ أن يحكم عليه، لكن إذ لم يجب يسوع على أسئلة هيرودس فإن هيرودس إغتاظ منه وسمح لعساكره بإهانته ثم أرسله لبيلاطس. ولكن العجيب أنه بسبب المسيح تصالح هيرودس وبيلاطس والصدوقيين مع الفريسيين .. ألم يأتي للمصالحة. فكان يصالح الجميع بموته.
وألبسه لباسًا لامعًا = قيل في (مت28:27) أنهم ألبسوه رداء قرمزيًا. وفي (مر17:15) ألبسوه أرجوانًا وهنا هيرودس يلبسه لباسًا لامعًا وفي (يو2:19) البسه العسكر ثوب أرجوان. وليس في هذا تعارض. فالملوك اليهود يلبسون ثيابًا قرمزية والملوك الرومان يلبسون أرجوان. ومتى لأنه يكتب لليهود وصف الثياب بأنها قرمزية ليفهم اليهود أنهم ألبسوه ثيابًا تشبه ثياب الملوك للسخرية منه ومرقس كان يكتب للرومان وهكذا يوحنا فقالوا أنها ثياب أرجوان ولوقا حلّ الموضوع تمامًا بقوله أنها ثياب لامعة تشبه ثياب الملوك.
الآيات (22-23):
آية (22): “فقال لهم ثالثة فأي شر عمل هذا أنى لم أجد فيه علة للموت فأنا أؤدبه وأطلقه.”
بيلاطس يشهد ببراءة يسوع 3مرات وبطرس ينكره 3مرات.
آية (23): “فكانوا يلجون بأصوات عظيمة طالبين أن يصلب فقويت أصواتهم وأصوات رؤساء الكهنة.”
يلجون = يطلبون بلجاجة وبإلحاح.
(لو26:23-49)
آية(26): “ولما مضوا به امسكوا سمعان رجلًا قيروانيًا كان آتيًا من الحقل ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع.”
سمعان= يسمع. قيروان= ميراث. وهو من مدينة وثنية في ليبيا فهو يشير لكنيسة الأمم الوثنية التي إستمعت للمسيح وحملت صليبه لتصير وارثة للملكوت.
الآيات (27-31): “وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كن يلطمن أيضًا وينحن عليه. فالتفت إليهن يسوع وقال يا بنات أورشليم لا تبكين علي بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن. لأنه هوذا أيام تأتى يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم ترضع. حينئذ يبتدئون يقولون للجبال اسقطي علينا وللآكام غطينا. لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس.”
أولًا المسيح يوجه كلامه للنساء الباكيات ليظهر أنهن كن أمينات للحق بينما الرجال ثاروا ضد الحق. وهذا فيه إكرام لدور المرأة، ولنلاحظ أن لوقا يكتب للأمم الذين لا يحترموا النساء. ولكن السيد المسيح يوجه نظر هؤلاء النسوة لأن يوجهن دموعهن من الشفقة البشرية عليه، إلى التوبة الصادقة وطلب خلاص نفوسهن ونفوس أولادهن. والحقيقة أن المسيح يتوجه بكلامه لكل اليهود فقوله يا بنات أورشليم يشير لكل الأمة اليهودية ليعلن لهم أنهم عليهم أن ينوحوا بالحرى على ما سيحل بأورشليم من خراب على يد الرومان. فإن كان قد صدر الحكم على العود الرطب، أي المثمر الحي والمقصود المسيح، والحكم كان الجلد والصلب، فكم وكم سيكون الحكم الذي يصدر على اليابس أي اليهود الذين هم كشجرة التين غير المثمرة، ولنذكر ما صنعه الرومان بأورشليم سنة 70م. ولاحظ أنه من الطبيعي أن يستخدم الأعواد الجافة لإشعال النار وليس الأعواد الرطبة.
وإذا كانوا قد فعلوا هذا بالعود الرطب أي المسيح الذي لم يسئ إلى الرومان بل أن بيلاطس شهد ببراءته فكم وكم سيفعلون باليهود الذين سيثورون ضد قيصر. وإن كان الله قد سمح بكل هذه الآلام عليَّ وأنا لم أخطئ بل كنت ذبيحة خطية فكم وكم سيصنع بالأشرار الخطاة. إن التأمل في آلام المسيح تدفعنا أن نقف في خوف من عقاب الله للأشرار. المسيح هنا وهو في منتهى ضعفه احتفظ بجلاله الملوكي إذ ليس هو الذي يُبكىَ عليه
طوبى للعواقر والبطون.. حتى لا يرون أبناءهن في هذا العذاب.
يقولون للجبال إسقطي علينا..= هذه نفس الكلمات التي يرددها الأشرار في الأيام الأخيرة (رؤ16:6). وبذلك نفهم أن سقوط الجبال على الأشرار لهو أخف من رؤيتهم للعذاب الأخير والآلام التي يسمح بها الرب لتقع على الأشرار.
آية(34): “فقال يسوع يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون وإذ اقتسموا ثيابه اقترعوا عليها.”
إغفر لهم لأنهم لا يعلمون= هم حين صلبوا المسيح تصوروا أنهم يقتلونه حسب الناموس لأنه في نظرهم أهان الناموس. ولكنهم لم يعلموا أنهم بهذا يكملون الناموس. وهم ظنوا أن المسيح هو إنسان عادي ولم يفهموا أنه ابن الله، فهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد (1كو8:2). وهكذا الجنود الرومان أيضًا لا يعلمون شيئًا بل هم ينفذون أوامر الوالي الروماني. المسيح هنا وهو مغطى بالدم بدأ شفاعته الكفارية. فكفارة = cover فهوغطانا بدمه. إذًا طلب الغفران هنا هو شفاعة كفارية. والمعنى لقد تممت إرادتك إيها الآب بالتكفير عن خطايا البشر فإغفر لهم. جسده تغطي بدمه بدأً بعرقه المختلط بدمه الذي سال من كل جسده، وكنيسته هي جسده غطاها بدمه= كفارة. ولما حدثت الكفارة طلب الغفران.
آية(38): “وكان عنوان مكتوب فوقه بأحرف يونانية ورومانية وعبرانية هذا هو ملك اليهود.”
الأربعة أناجيل مختلفين في ما كتب على الصليب لأنهم اهتموا بالمعنى لا بالحرف. ولو جمعنا المكتوب سنجد أن ما كتب فعلًا “هذا هو يسوع الناصري ملك اليهود” هذه الجملة كتبت بكل اللغات المعروفة للعالم آنذاك فالفلسفة جعلت اليونانية مشهورة والقوانين والسلطة والإدارة الرومانية جعلت اللاتينية لغة مشهورة والكتاب المقدس العهد القديم مكتوب بالعبرانية وهذا جعل العبرانية معروفة. وبذلك كان في اللغات الثلاث التي كتبت بها هذه العبارة كرازة لكل العالم المعروف، وفيها إعلان أن المسيح ملك على العالم كله.
الآيات (39-43): “وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلًا إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا. فأجاب الآخر وانتهره قائلًا أو لا أنت تخاف الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه. أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا وأما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محله. ثم قال ليسوع اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس.”
بدأ اللصين بالتجديف على السيد (مت44:27). وكانا كلاهما يعيرانه ثم بدأ لص منهم يراجع نفسه ويذكر خطاياه هو، فصار كشعلة منتشله من النار (زك2:3) أما الآخر فكان مصرًا على تجديفه، وبالرغم من كل آلامه لم يمنع لسانه. وكما يقول الحكيم “إن دققت الأحمق في هاون فلن تفارقه حماقته” والكنيسة تعودت أن تطلق على اللص التائب، اللص اليمين فهو بتوبته وبإيمانه بالسيد المسيح صار عن اليمين مثل الخراف وترك المكان الأيسر الذي للجداء للص الآخر (مت33:25). والمسيح جذب هذا اللص اليمين من الصليب للفردوس ليظهر أن التوبة لا تتأخر في عملها. وبتوبته واعترافه تجرأ أن يطلب الملكوت مع أنه لص. والسيد أعطى الفردوس للص اليمين وترك اللص اليسار فكان ديانًا وهو على الصليب. وتاب اللص إذ شعر بخطاياه. وقارن بين المسيح البار المصلوب (وهو بالتأكيد قد سمع عنه) وبين حاله ووجد أنه يستحق كلص عقوبته. فكان أن اعترف بأنه خاطئ ويستحق العقوبة. وقاده اعترافه إلى الإيمان، وانفتحت عيناه وإستنارت فعرف أن المسيح هو ملك. والله هو الذي يكشف عن عيوننا فنعلم، وهذا لمن يريد الابن أن يكشف لهُ (لو22:10+مز18:119). لقد أضاء النور الإلهي عيني ذلك اللص، وكان هناك إلهام إلهي لهُ، كما سبق المسيح وقال لبطرس إن لحمًا ودمًا لم يعلنا لك بل أبى الذي في السموات. وقد يكون اللص سمع من قبل أن المسيح هو ملك اليهود أويكون قد سمع الحوار مع بيلاطس حين قال لهُ المسيح مملكتي ليست من هذا العالم. لكن إيمان هذا اللص فاق كل هذا إذ هو عَرِفَ أن المسيح هو الملك السمائي الذي ملكه سمائي وليس أرضيًا وهذه النقطة كان أن حتى التلاميذ لم يفهموها تمامًا في هذا الوقت. وأن المسيح هو الذي سيأتي للدينونة، بل صار لهذا اللص رجاء في البعث من الأموات وصار لهُ رؤية واضحة لأن المسيح المعلق على الصليب سيكون لهُ سلطان أن يعطى لمن يريده أن يوجد في ملكوته. فهو آمن أنه الديان، فكان لهُ الفردوس ولنري الخطوات للفردوس:-
1- لص مصلوب + توبة = إيمان…..التوبة تنقى القلب.
2- إيمان + نور إلهي = رؤية إلهية واستنارة…ان بدأنا خطوة في اتجاه الله يقترب هو عشر، ليساعدنا.
3- رؤية + مسيح مصلوب = اليوم تكون معي في الفردوس…. هذه كانت بركات الصليب.
ومازال درس اللص اليمين هو درس لنا جميعًا. فكل الناس ينقسمون لأحد فريقين:
الفريق الأول= حين تقع عليهم ضيقة يظنون أن الله لا بُد وأن يثبت قوته وعظمته وإحسانه بأن يخرجهم فورًا من هذه الضيقة “إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا. وهؤلاء غالبًا ينسون خطاياهم السابقة. ويرون دائمًا أنهم مستحقون لكل خير. ولا داعي لهذه الضيقة فهم لم يخطئوا. هؤلاء كاللص الذي على اليسار.
الفريق الثاني= حين تقع عليهم ضيقة يذكرون خطاياهم ويندمون عليها ويقرون بأنهم أخطأوا، وأنهم يستحقون هذا الألم وهذه الضيقة، ولا يطلبون سوى أن الله يسامحهم. بل هم لايعاتبون الله على الضيقة التي هم فيها. بل أن هؤلاء إذا أعطاهم الله من بركاته يقولون مع بطرس “أخرج يا رب من سفينتي فأنا رجل خاطئ” أي أنا لا أستحق يا رب كل هذه الخيرات بسبب خطيتي. مثل هؤلاء يكونون كاللص اليمين ويكون لهم الفردوس. وتتحول آلامهم إلى مجد. وتكون لهم تعزيات أثناء ضيقتهم بسبب الاستنارة التي ستعطى لهم ورؤية المسيح معهم حاملًا لآلامهم فيقولون مع بولس “إن كنا نتألم معهُ لكي نتمجد أيضًا معهُ” (رو17:8).
ولاحظ أن اللص اليمين لم يطلب مكانًا عن اليمين أو اليسار كما طلب التلاميذ من قبل بل هو ترك المسيح يختار.. هذا اللص عزى قلب المسيح وهو على الصليب.
ولنلاحظ أن الفريق الأول هو عكس الفريق الثاني. فبينما يتمتع الفريق الثاني بانفتاح العين والبصيرة ولهم رؤية واستنارة. فالفريق الأول لا يوجد في قلبه سوى التذمر والمرارة وعدم الاقتناع بشيء سوى أنهم مظلومين وكانوا يستحقون أكثر من هذا، من النصيب المادي على الأرض، وأن الله لم يعطهم كل ما يستحقون.. مثل هؤلاء يفقدون الرؤية الروحية. والخطوات التي حدثت مع اللص اليمين كانت خطوات سريعة جدًا من توبة واعتراف بالخطية ثم إيمان ثم رؤية واستنارة. وسبب هذه السرعة ضيق الوقت. ولكن هذه الخطوات عادة تحدث مع كل تائب وتستغرق فترة زمنية.
وتوبة اللص تمثل توبة أصحاب الساعة الحادية عشرة وهذه تعطى رجاءً لكل تائب إلاّ أننا لا يصح أن نعلق توبتنا إلي الساعة الحادية عشرة فنحن لا نعلم متى تأتى هذه اللحظة علينا. وأصحاب التوبة في الساعة الحادية عشرة مقبولين ولكن ما أندر توبة هؤلاء الغارقين في خطاياهم.
وردت سبع كلمات للمسيح على الصليب [راجع كتاب قداسة البابا شنوده عنهم] ووردوا في الأناجيل الأربعة (مت/مر/لو/يو) ومن هنا نفهم معنى التكامل بين الأناجيل
1-يا أبتاه إغفر لهم(لو34:23) نرى فيها كلمة شفاعية إذ هو بدأ كفارته.
2-اليوم تكون معي في الفردوس(لو43:23) هو مات ليفتح لنا باب الفردوس.
3-يا امرأة هوذا إبنك(يو26:19،27) هو يعتني بالجميع.
4-إلهي إلهي لماذا تركتني (مت46:27+مر34:15) آلامه سبب خلاصي.
5-أنا عطشان (يو38:19) هو مشتاق لكل نفس تؤمن.
6-يا أبتاه في يديك استودع روحي (لو46:23) كمال الفداء.
7-قد أكمل (يو30:19) نصرة الخلاص.
آية(45): “وأظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه.”
من (أع7:6) نرى أن بعض كهنة اليهود آمنوا بالمسيح وربما كان سبب هذا أنهم رأوا الحجاب الذي انشق وقت الصلب. ولنلاحظ أن الشمس أظلمت
آية(46): “ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك استودع روحي ولما قال هذا أسلم الروح.”
يا أبتاه في يديك أستودع روحي= كانت نفس المسيح أول نفس يستلمها الآب لا الشيطان الذي هزمه يسوع وقيده منذ هذه اللحظة.
آية(47): “فلما رأى قائد المئة ما كان مجد الله قائلًا بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا.”
لقد شاهد قائد المئة كثير من المصلوبين يموتون. لكن موت هذا المصلوب كان فريدًا، هز أعماق قلبه ليسحبه للإيمان به، خاصة وأنه أبصر بعينيه شهادة الطبيعة لهُ. لقد تحقق قول الرب “وأنا إن ارتفعت أجذب إليَّ الجميع (يو32:12) فبعد أن ارتفع على الصليب اجتذب اللص اليمين وقائد المئة هذا، وأعلن يوسف الرامي ونيقوديموس إيمانهما وكفناه، وغيرهم من المؤكد كثيرين.
المسيح صُلِبَ بينَ لصَين لأن (1) اليهود أرادوا الاستهزاء به (2) أو هو بحسب أمر بيلاطس حل محل باراباس. وبهذا والمسيح مات عن الخطية الأصلية (يمثلها جمجمة آدم) وعن خطايانا الحالية (يمثلها اللصين).
على الصليب
والصلب كان يقوم به الرومان فكان المصلوب يخلع ملابسه بالقرب من الصليب تمامًا كنوع من الإحتقار. ولكن في اليهودية كانت تراعى الأداب اليهودية في الحشمة ويغطون جسد المصلوب وهذا ما إتبع مع الرب يسوع. ومع اليهود بدافع الرحمة كانوا يعطون المصلوب خلا مخلوطا بالمر (الخل هو نبيذ مختمر) وهذا يعتبر كمخدر، لذلك رفض مخلصنا الشرب منه كما رفض تعاطف بنات أورشليم اللواتي كن يبكين عليه. أراد أن يحمل ألامنا وحده حتى أقصاها فرفض تخدير الألم ليتحمل كل الآلام الجسدية، ورفض حتى المساندة والمشاركة النفسية من بنات أورشليم. وكان ثمن الخل والمر يتكفل به جمعية من سيدات أورشليم. وكان القانون يفرض وضع لافتة تعلق على صليب المحكوم عليه تعلن سبب صلبه.
سخرية اليهود من الرب يسوع كانت سببا في سخرية الجند منه كملك لليهود فهم يكرهون اليهود ويحتقرونهم وكانت سخريتهم من الرب يسوع هي سخرية ممن إعتبروه ملكا لليهود الذين يكرهونهم. وبهذا كانت تصرفات رؤساء اليهود والسنهدريم من شخص الرب يسوع في الواقع هي نوع من الإنتحار الأدبي بالنسبة لرجاء إسرائيل في وجودها وكيانها. فهم شاركوا الجند الرومان في السخرية من الرمز. وكان الرومان يسمعون سخرية اليهود من المسيح ويكررونها ولكن كنوع من السخرية من اليهود في شخص ملكهم. ويأخذ اليهود سخرية الرومان من شخص الرب كملك لليهود ويكررونها هم ضد الرب. ولاحظ أن موضوع السخرية هو أمل اليهود في إستعادة حريتهم تحت ملك منهم. وكانت التهمة المعلقة على الصليب أن المسيح هو ملك اليهود، إذاً نفهم أنهم صلبوا رمز الأمل والرجاء في حريتهم من الرومان وأن تكون لهم مملكتهم. وهكذا كما باع يهوذا معلمه ثم إنتحر، باع اليهود رمز وطنهم الذي يحلمون به فإنتحروا ولنراجع ما عمله تيطس سنة 70م.
بعد أن تمم الرب كل عمله لفدائنا قال “قد أكمل” ونادى يسوع بصوت عظيم وقال “يا أبتاه في يديك أستودع روحي”.
عجيب أن الرب يسوع في هذه اللحظة وهو في منتهى الضعف الجسدي وفي لحظة موت *يصرخ بصوت عظيم. فالإنسان العادي في لحظة موته لا تكون له قدرة على الصراخ بصوت عظيم. بل كان صراخه في لحظة موته سببا في أن قائد المئة الموجود بجانب الصليب يقول “حقا كان هذا الإنسان ابن الله” (مر15 : 39) وهذا يدل على قوة جبارة ناشئة عن إتحاد ناسوته الضعيف بلاهوته. وعجيب أيضًا أن نسمع *”ونكَّس رأسه وأسلم الروح. فالطبيعي أن يُسلِّم الإنسان الروح أولًا ثم ينكس رأسه وليس العكس، وذلك لإنه يحاول أن تظل رأسه مرفوعة بقدر الإمكان ليتنفس، ولكنه بعد أن يموت تسقط رأسه. وهاتين الملحوظتين يشيران أن موت المسيح لم يكن كموت أي إنسان عادي، بل هو بسلطانه سلَّم حياته أي مات بإرادته حينما أراد أي حينما تمم عمله. وبهذا نفهم أن الموت لم يبتلع المسيح بل أن المسيح هو الذي إبتلع الموت كغالب وليس كمغلوب. الموت لم يغلب الرب بل هو الذي غلب الموت، ونزل إلى الجحيم بروحه المتحدة بلاهوته ليفتح الأبواب لمن ماتوا على الرجاء ويأخذهم إلى الفردوس.
اللاهوت لم يساند الناسوت في أي لحظة ليحمل ألامه، بل أراد المسيح أن يحمل الآلام بالكامل ليشابهنا في كل شيء. وهذا معنى قول بولس الرسول “أنه يُكَمِّلْ رئيس خلاصهم بالآلام” (عب2 : 10). فالمسيح لم يكن من المفروض أن يتألم، فالألم نتج عن الخطية وهو بلا خطية. ولكنه بإرادته أراد أن يتذوق الموت والألم ليصير كواحد منا. ولكن في لحظات الموت ظهر عمل اللاهوت لا ليحمل عنه ألامه فهو قال “أنا عطشان” وقال “إلهى إلهى لماذا تركتنى” وهذا دليل على أن ألامه كانت حقيقية. ولكن معنى ظهور عمل اللاهوت هنا هو أن الموت لا يمكنه أن يهاجم المسيح ويغلبه، بل هاجم المسيح الموت حينما أسلم روحه بإرادته. ونظرا لإتحاد روحه باللاهوت الحي إبتلعت الحياة التي في اللاهوت المتحد بالناسوت الموت، ولم يبتلع الموت الحياة التي في المسيح فهي حياة أبدية لا تموت. وهذا معنى العبارة التي نرددها – بالموت غلب الموت].
[“فلكى يتم الكتاب قال أنا عطشان” = المسيح لم يشرب لأنه عطشان فقط، إذ هو عطشان لخلاصنا. ولم يشرب الخل (وهو نوع من النبيذ الذي يستعمله الجنود) فقط ليتمم النبوات. بل أنه كان يتمم طقس الفصح الجديد. ففي طقس الفصح اليهودي يشرب المجتمعين حول المائدة أربعة كئوس. والكأس الأخير أي الرابع يعلن إنتهاء طقس الفصح. فالمسيح شرب هذا الكأس الرابع على الصليب فربط الصليب بسر الإفخارستيا. فالإفخارستيا هي نفسها ذبيحة الصليب، والصليب شرح كيف أن المسيح قد أعطى تلاميذه على مائدة الفصح جسده ودمه مأكلًا ومشربًا حقيقيين. ويُرجى الرجوع لكتاب الجذور اليهودية والموجود في مقدمة سر الإفخارستيا في كتاب الأسرار الكنسية.
(لو50:23-56):
“وإذا رجل اسمه يوسف كان مشيرًا ورجلًا صالحًا بارًا. هذا لم يكن موافقا لرأيهم وعملهم وهو من الرامة مدينة لليهود وكان هو أيضًا ينتظر ملكوت الله. هذا تقدم إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع. وأنزله و لفه بكتان ووضعه في قبر منحوت حيث لم يكن أحد وضع قط. وكان يوم الاستعداد والسبت يلوح. وتبعته نساء كن قد آتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده. فرجعن واعددن حنوطًا وأطيابًا وفي السبت استرحن حسب الوصية.”
- هنا نفهم أن يوسف لم يكن موافقًا رؤساء اليهود على صلب المسيح ولا على مؤامراتهم ضده.