تفسير سفر ملاخي 2 للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح الثالث
الكهنة بين اللعنة والبركة
بعد أن وجه الحديث للشعب ككل في الأصحاح الأول مبرزًا إنهم قابلوا محبة الله الفائقة لهم باستخفاف، وأنهم اتكلوا على وجود الكهنة بينهم وتقديم التقدمات والذبائح الحيوانية، أبرز هنا أخطاء الكهنة الجسيمة على وجه الخصوص.
1. لعنة عوض البركات:
وَالآنَ إِلَيْكُمْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الْكَهَنَةُ: [1]
ربما يبرر الكهنة أخطاءهم المذكورة في الأصحاح السابق بأن ما يقدمونه على المذبح من تقدمات وذبائح نجسة ومعيبة ليس خطأهم، بل هو خطأ الشعب الذي يرفض تقديم أفضل ما لديهم لله. فجاء هذا الأصحاح ليكشف عما في قلب الكهنة أنفسهم. الوصية الموجهة هنا للكهنة لا تخص التقدمات والذبائح بل قلوب الكهنة ونياتهم وحياتهم وسلوكهم. فإن كان عمل الكاهن هو الشفاعة عن الشعب بتقديم الذبائح بكونها رمزًا لذبيحة السيد المسيح، فإنه يليق بالكاهن أن يتقدس. فإن كان الكاهن غير طاهر كيف يصرخ قلبه من أجل طهارة قلوب الآخرين وتقديسها.
إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَجْعَلُونَ فِي الْقَلْبِ لِتُعْطُوا مَجْدًا لاِسْمِي،
قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ
فَإِنِّي أُرْسِلُ عَلَيْكُمُ اللَّعْنَ.
وَأَلْعَنُ بَرَكَاتِكُمْ
بَلْ قَدْ لَعَنْتُهَا
لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ. [2]
الله الفاحص القلوب يدرك تمامًا أن ممارستهم للعمل الكهنوتي لم تكن بغية مجد الله، فالعيب في القلب ذاته، لهذا تحل عليهم اللعنة عوض البركات.
إذ لا يقدمون قلوبهم للرب من أجل المجد الزمني أو الطمع المادي، تحل اللعنة عليهم فيفقدون كرامتهم حتى الزمنية، والبركات حتى المادية. يخسرون ما هو سماوي، وأيضًا ما هو أرضي.
* إنه لعبء ثقيل يلتزم به الكهنة أن يدافعوا عن مجد الله ويعملوا لأجله، حتى لا نبدو أننا نهمل في شيءٍ من هذا القبيل، عندما يحثنا الله ويقول: “والآن إليكم هذه الوصية أيها الكهنة، إن كنتم لا تسمعون، ولا تجعلون في القلب تعطوا مجدًا لاسمي، قال الرب، فإني أرسل عليكم اللعن، وألعن بركتكم” (راجع مل 2: 1-4)[60].
القديس كبريانوس
* عندما يسير الراعي في الأماكن المنحدرة والوعرة، يتبعه القطيع فيسقط في وهدة الهلاك. ومن ثم يحزن الرب من معرفة الرعاة الرديئة، ويقول على لسان النبي: “أهو صغير عندكم أن ترعوا المرعى الجيد وبقية مراعيكم تدوسونها بأرجلكم، وأن تشربوا من المياه العميقة والبقية تكدرونها بأقدامكم. وغنمي ترعى من دوس أقدامكم، وتشرب من كدر أرجلكم.” (حز 34: 18-19).
ومن الواضح أنه عندما ينهل الرعاة من المياه الصافية والنقية، فإنهم يرتوون من سبيل الحق بفهمهم الصائب، ولكنهم يفسدون التأمل المقدس بحياتهم الشريرة عندما يُكدروا المياه بأقدامهم. ومن البديهي أن الرعية ستشرب من هذه المياه الملوثة التي تعكرت من هذه الأقدام، ثم تمتنع عن تنفيذ التعاليم التي سمعتها، لأنها تتمثل بالقدوة الشريرة التي تراها. إن الرعية تتوق إلى فعل الصالح الذي يقوله الرعاة، ولكنها تنحرف من جراء الشر الذي يفعلونه، فتمتص الوحل مع ما تتجرعه إذ أنها تنهل من ينبوع ملوث.
لهذا كتب النبي قائلًا إن الكهنة الأشرار قد صاروا فخا لهلاك الشعب: “اسمعوا هذا أيها الكهنة…! لأن عليكم القضاء، إذ صرتم فخا” (هو 5: 1)، “النبي فخ صياد” (هو 9: 8) وأيضا يقول الرب بالنبي بخصوص الرعاة: “وكانوا معثرة إثم لبيت إسرائيل.” (حز 44: 12)
ليس هناك من يلحق الأذى بالكنيسة أكثر من أولئك الذين لهم صورة القداسة ولقبها ولكنهم يتصرفون تصرفًا فاسدًا[61].
الأب غريغوريوس (الكبير)
* هذا هو واجبك أيها الأسقف، ألا تتجاهل أخطاء الشعب ولا أن تستخف بالتائبين، حتى لا تُهلك قطيع الرب في عدم مهارة، أو تهين اسمه الجديد المختوم على شعبه، فتُوبَّخ أنت نفسك مثلما وُبخ الرعاة القدامى، إذ تحدث الله عنهم بإرميا: “رعاة كثيرون أفسدوا كرمي، دنسوا ميراثي” (راجع إر 12: 10)[62].
دساتير الرسل
إذ يسقط الكهنة تحت اللعنة، فإنهم بدورهم يكونون علة لعنة لمن يسلكون معهم في ذات طريقهم من الشعب.
* لا يخدع الشعب نفسه، فيظنون أنهم في أمان من عدوى الخطية، حيث يلتصقون بكاهنٍ خاطيءٍ ويقدمون الطاعة لقائدهم الظالم غير الشرعي في أسقفيته. إذ يوجه اللوم إليهم من النبي هوشع: “ذبائحهم مثل خبز الحزن، كل من أكله يتنجس” (هو 9: 4). هذا التعليم يظهر بوضوح أن الكل يشتركون معًا في خطية فساد ذبيحة الكاهن المجدف الظالم[63].
الشهيد كبريانوس
هأَنَذَا أَنْتَهِرُ لَكُمُ الزَّرْع،َ
وَأَمُدُّ الْفَرْثَ عَلَى وُجُوهِكُمْ فَرْثَ أَعْيَادِكُمْ
فَتُنْزَعُونَ مَعَهُ. [3]
غاية العمل الكهنوتي خلق الجو السماوي المفرح وسط الشعب، لكن بسبب فساد قلوبهم ونياتهم تحولت حياتهم إلى علة مرارةٍ وقحطٍ وحزنٍ وسط الشعب.
عندما ينحرف القادة الروحيين عن القداسة، تهرب البركة وتحل اللعنة. فكما لُعنت الأرض بسبب خطية أبوينا آدم وحواء، فصارت تخرج شوكًا وحسكًا، يقول إشعياء النبي: “لأنكِ نسيتِ إله خلاصكِ، ولم تذكري صخرة حصنكِ، لذلك تغرسين أغراسًا نزهة… ولكن يهرب الحصيد في يوم الضربة المهلكة والكآبة العديمة الرجاء” (إش 17: 10-11). ويقول هوشع النبي: “إنهم يزرعون الريح، ويحصدون الزوبعة، زرع ليس له غلة، لا يصنع دقيقًا، وإن صنع فالغرباء تبتلعه” (هو 8: 7). وإرميا النبي “زرعوا حنطة، وحصدوا شوكًا” (إر 12: 13).
* لا تجني ثمرًا من خدمة الأصنام، فإن حزمهم مثل سنابل قمح بددها الريح، تظهر من الخارج كأنها مملوءة حبوبًا لكنها في الداخل ليس بها غلة[64].
* يقول: إذ تنسى صانع الخيرات معك، تزرع عدم أمانة وتحصد عقوقًا. حسنًا، ستحصد ثمار غروسك وبذارك[65].
ثيؤدورت أسقف قورش
جاء النص في الطبعة الكاثولكية: “هأنذا أقطع أذرعكم، وأذري الروث على وجوهكم، روث أعيادكم، ويذهب بكم معه“. فعوض الكرامة والمجد والبركة، التي يتمتع بها الكهنة كخدام الله العاملين لبنيان شعبه، يصيرون مبتوري الأذرع، يُلقى الروث على وجوههم، ويفقدون بهجة الأعياد.
لعله يقصد بالفرث أو الروث هنا هو ما في أحشاء الذبائح عند غسلها، فإنهم إذ يقدمون ذبائح معيبة وبقلوب فاسدة، بدلًا من نوالهم أجزاء من الذبيحة ليأكلوها ككهنة الله، يلقي الله بروثها على وجوههم علامة الخزي الذي يحل عليهم، وجعلهم محتقرين عند الشعب ودنيئين. هذا هو نصيب الخادم الذي لا يطلب مجد الله بل مجده الشخصي ونفعه المادي الخاص. إذ يصيرون أشبه بمزبلة لا يستحقون إلا إلقاء الروث عليهم.
فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ
لِكَوْنِ عَهْدِي مَعَ لاَوِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. [4]
يؤكد الله أن ما ينطق به ملاخي ليس من عنده، وإنما هو كلمة الله التي أرسلها إليهم لتوبتهم، بعثها إليهم من أجل عهده مع لاوي أن يتقدس لحساب الخدمة الإلهية.
في كل الأجيال يُريد الرب أن يقيم مع أولاده وشعبه عهدًا أبديًا لكي يتمتعوا بالميراث السماوي. وكما يقول المرتل: “ذكر إلى الدهر عهده، كلامًا أوصى به إلى ألف دورٍ” (مز 105: 8).
* بعد قوله: “ذكر إلى الدهر عهده”، التي يلزم أن نفهمها أنه عهد يبقى إلى الأبد، عهد التبرير والميراث الأبدي، الذي يُعد به الله بالإيمان، فقد أضاف: “والكلمة أوصى به إلى ألف دورٍ”. ماذا يعني بكلمة “أوصى”؟ الوصية هنا هي الإيمان حيث يحيا البار بالإيمان (رو 1: 17)، ويوضع الميراث الأبدي مقابل هذا الإيمان[66].
القديس أغسطينوس
* “لم يحفظوا عهد الله، وأبوا السلوك في شريعته، ونسوا أفعاله وعجائبه التي أراهم” (مز 78: 9-10). لقد ثاروا ضده، هذا الذي جددهم في المعمودية… لقد شق البحر وعبر بهم خلاله، وجعل المياه تقف كما في إناء. وقادهم بسحابة في النهار (مز 78: 12-14)[67].
* “إلى الدهر أحفظ له رحمتي، وعهدي يثبت له” (مز 89: 28). يحفظ رحمته على الدوام في الكنيسة التي يخلصها بعهد وصاياه[68].
* الناموس كان مجرد بداية للعهد، والإنجيل هو تكميل له[69].
القديس جيروم
2. عهد الله للحياة:
حين أقام الله عهده مع بني لاوي، خاصة مع هرون وبنيه، لم يضع عليهم نيرًا ثقيلًا. قدم عهدًا “للحياة والسلام“. أفرزهم الله لكي يكونوا علة حياة لشعبه، وسلام لهم، خلال خدمتهم المقدسة.
إن كان الله قد قطع عهدًا مع شعبه، فإنه قطعه على وجه الخصوص مع سبط لاوي. “إذ كلم الرب موسى، قائلًا: أما سبط لاوي فلا تحسبه، ولا تعده بين بني إسرائيل، بل وكل اللاويين على مسكن الشهادة… هم يحملون المسكن وكل أمتعته، وهم يخدمونه، وحول المسكن ينزلون” (عد 3: 12). كما قال له: “وقرِّب إليك هرون أخاك وبنيه معه من بين إسرائيل ليكهن ليّ” (خر 28: 1)، كما قيل: “هرون قدوس الرب” (مز 106: 16).
يفتح الله أبواب السماء ليفيض على النفس التي تتقي الرب وتحمل في داخلها مخافته. إنه يمنحنا الحياة الأبدية والسلام الداخلي إن كنا نتقيه.
كَانَ عَهْدِي مَعَهُ لِلْحَيَاةِ وَالسَّلاَمِ
وَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُمَا لِلتَّقْوَى.
فَاتَّقَانِي وَمِنِ اسْمِي ارْتَاعَ هُوَ. [5]
يؤتمن الكاهن على العهد الإلهي لكي يكون رسول رب الجنود، رسول عهد الحياة والسلام. عندما بارك موسى الأسباط قبل نياحته قال للاوي: “الذي قال عن أبيه وأمه لم أرهما، وبإخوته لم يعترف، وأولاده لم يعرف، بل حفظوا كلامك وصانوا عهدك” (تث 33: 9). هكذا كان يليق بلاوي كخادمٍ للقدوس أن يركز كل طاقاته على الوصية الإلهية والعهد الإلهي فوق كل علاقة، حتى يبدو كمن لا يرى أباه وأمه، ولا يعترف بإخوته، ولا يعرف وأولاده.
ماذا يقصد بقوله: “عهدي معه للحياة والسلام“؟
إن كان الإنسان قد حلّ به الموت الأبدي بسبب الخطية، وفقد سلامه الداخلي وسلامه مع الله ومع إخوته، لأنه أعطى القفا لله واهب السلام، فإن غاية العهد الإلهي هو إقامة الموتى روحيًا للتمتع بالمسيح “القيامة”، فيحيا الإنسان ولا يموت، وأن تتم المصالحة بينه وبين الله، فيمتلئ سلامًا في داخله مع نفسه كما مع إخوته. هذا هو عمل الكاهن الذي ينبغي إلا ينشغل إلا به، ولا ينحرف عنه.
* لقد خلص البشرية، عمل يديه، وليس من عمل آخر، بمعنى أن ما قد خلقه لنفسه خلصه لنفسه. لقد خلق الإنسان الذي هلك خلال شره. لقد مات (السيد المسيح) لكي يحفظ الإنسان له بيمينه[70].
* إنه الرب القائل: “قلبي مستعد يا الله، قلبي مستعد”. أنا مستعد هنا، وأنا مستعد في الحياة العتيدة. أنا مخلص على الأرض، أنا مخلص في السماء. أنا أهب الحياة الأبدية للملائكة والبشر معًا[71].
القديس جيروم
شَرِيعَةُ الْحَقِّ كَانَتْ فِي فَمِهِ وَإِثْمٌ لَمْ يُوجَدْ فِي شَفَتَيْهِ.
سَلَكَ مَعِي فِي السَّلاَمِ وَالاِسْتِقَأمَةِ
وَأَرْجَعَ كَثِيرِينَ عَنِ الإِثْمِ. [6]
يليق بالكاهن أن تكون له معرفة بالسماويات، يعيشها ويشهد لها أمام الشعب، فيُخرج من كنزه جددًا وعتقاء (مت 13: 52).
لأَنَّ شَفَتَيِ الْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً،
وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ الشَّرِيعَةَ،
لأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ. [7]
يرى سليمان الحكيم في الكاهن أنه يلزم أن يكون حكيمًا فتفيض شفتاه بكلمات المعرفة والحكمة، يجتذب بها الكثيرين إلى طريق الحق، إذ يقول: “في شفتي العاقل توجد حكمة… شفتا الصديق تهديان كثيرين” (أم 10: 13-21).
ليس ما يشغل قلب الكاهن سوى الشريعة، أو الوصية الإلهية، وشفتاه لا تنطقان إلا بما يتناغم مع الشريعة: “من فمه يطلبون الشريعة” كل ما ينطق به ينسب إلى موكله الذي أرسله، “لأنه رسول رب الجنود” [7].
يليق بالكاهن أن يدرك مركزه كرسول رب الجنود، له رؤية سماوية إلهية صادقة. وكما قال الرب لإشعياء النبي: “اذهب، أقم الحارس ليُخبر بما يرى” (إش 21: 6). يليق بالكاهن أن يصرخ إلى الله قائلًا: “أيها السيد أنا قائم على المرصد دائمًا في النهار، وأنا واقف على المحرس كل الليالي” (إش 21: 8). هكذا يقف الكاهن ليلًا ونهارًا، لا يعرف الراحة لجسده، يتطلع دومًا على شعبه كما بعيني الرب في وسط أفراحهم كما بالنهار وكل الليالي وسط ضيقاتهم. يهتم بهم، وشمس البٌر مُشرق عليهم، كما يهتم بخلاصهم حين تحل بهم ظلمة الليل بسبب انحرافهم عن شمس البّر.
هذا ويليق بالمؤمن من جانبه وهو يطلب مشورة رب الجنود أن يلجأ إلى الصلاة والطلبة، مع سؤال “رسول رب الجنود“، ولا يكف عن طلب المعرفة والمشيئة الإلهية.
* عمل الرسول هو هذا، أن يبلغ من واحدٍ إلى آخر ما قد أًخبر به. لهذا السبب أيضًا يُدعى الكاهن رسولًا (مل 2: 7)، لأنه لا يتكلم بكلماته، بل بكلمات ذاك الذي يرسله[72].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* يلزمنا أن نخاف لئلا يُوجه إلينا توبيخ النبي العنيف: “كلاب بُكمْ لا تقدر أن تنبح” (إش 56: 10). بواسطة نباح الكلاب وعصا الراعي تُقاوم ضراوة الذئاب. الآن بالتأكيد لا يُسام الكهنة ليكونوا وكلاء حقول أو زارعين للأراضي، وإنما أن يكونوا فلاحي نفوس، الأمر الذي يتحدث عنه الرسول بكل تأكيد عندما قال: “أنا غرست وأبلوس سقى”. وأيضا قال: “نحن عاملان مع الله، وأنتم فلاحة الله” (1 كو 3: 9). يلزم أخذ هذه الحقائق بخوفٍ عظيمٍ بواسطة جميع الكهنة الذين لا يستطيعون أن يجهلوا الناموس الإلهي والنظم القانونية، وذلك كقول الرسول: “إن كان أحد ينتمي للرب فليعلم ما أقول، ولكن إن يجهل أحد فليجهل” (راجع 1 كو 14: 37-38). لهذا السبب لتخشَ تمامًا ما قاله الرب بالنبي: “سُبي شعبي لعدم المعرفة” (إش 5: 13). علاوة على هذا: “من يحوِّل أذنيه عن سماع شريعة الرب فصلاته مكرهة” (أم 28: 9). “لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة” (مل 2: 7). مكتوب عن ثياب الكهنة أنهم عند دخولهم الهيكل يلزم أن توجد أجراس ذهبية على أطراف الثياب. ما هذه سوى أنه عند دخول كل كهنة الرب الكنيسة لا يتوقفوا عن الصراخ، أي عن الكرازة بالأمور الأخروية، أي نهاية العالم والدينونة العتيدة. فبإعلانهم المستمر عن مكافآت الأبرار وعقوبات الأشرار، يحثون الصالحين إلى ما هو أفضل، ويردون الأشرار عن تصرفاتهم الخاطئة خلال الخوف من الدينونة العتيدة[73].
قيصريوس أسقف آرل
* لم يكن شيء ما مقدس يُقدم أو يُمارس في الهيكل سابقًا بدون الكاهن. لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، “إنه رسول رب الجنود” كما يقول النبي (مل 2: 7)[74].
الدسقولية
* قيل للخطاة: “أنبياؤك رأوا لك كذبًا وباطلًا، ولم يعلنوا إثمك ليردوا سبيك” (مراثي إرميا 2: 14) ويلاحظ أن المعلمين كانوا يسمون أحيانًا “أنبياء” في الكتاب المقدس، لأنهم كانوا يظهرون طبيعة الحاضر ويعلنون عن المستقبل. وكأن الله يتهمهم بالكذب إذا امتدحوا فاعلي الشر وقاموا بتبرئتهم بدلًا من إدانة أخطائهم، وذلك خوفًا منهم.
إذا تجنب الرعاة استعمال كلمات التوبيخ يفشلون في الكشف عن أخطاء الأشرار. إذ كلمات التوبيخ لهي حقًا المفتاح الذي يظهر الخطية التي لا يحس بها فاعلها في كثير من الأحيان. لهذا يقول بولس الرسول: “ملازمًا للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم، لكي يكون قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين” (تي 1: 9) ويقول ملاخي أيضًا: “لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود.” (مل 2: 7) لهذا يحذر الرب على لسان إشعياء قائلًا: “ناد بصوتٍ عالٍ. لا تمسك. ارفع صوتك كبوق”. (إش 58: 1) فالذي يدخل الكهنوت يأخذ منصب رسول يصيح بصوت عال، ويسبق مجيء الديان العادل الذي يتبعه بمظهر رهيب[75].
الأب غريغوريوس (الكبير)
3. إفسادهم العهد مع الله:
وَأَعْثَرْتُمْ كَثِيرِينَ بِالشَّرِيعَةِ.
أَفْسَدْتُمْ عَهْدَ لاَوِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. [8]
“أعثرتم كثرين بالشريعة” [8]، إما بتفسيرهم الشريعة بطريقة حرفية قاتلة، فصارت ثقلًا على النفس، أو بتطبيقها حسبما يحلو لهم لحساب مصالحهم الشخصية، في مداهنة للأغنياء وقسوة على الفقراء والضعفاء. هؤلاء يحولون حتى إنجيل المسيح الذي هو رائحة حياة لحياة إلى “رائحة موتٍ لموتٍ” (2 كو 2: 16)، ويصير لهم السيد المسيح نفسه “صخرة عثرة” (رو 9: 33).
إنه لأمرٍ معثرٍ للشعب أن ينحرف الكاهن عن الطريق، وأن يخون العهد الذي أقامه الله مع لاوي. ما معنى الانحراف عن الطريق الإلهي سوى انشغال الكاهن بشيءٍ ما غير خلاص نفسه وخلاص أولاده أو الشعب. هذا هو طريق الرب الذي يريد أن الكل يخلصون وإلى معرفة الله يقبلون. بهذا يفسدون العهد مع الله محب البشر.
* إن الديان العادل ينكرهم ويتجاهلهم، لأن الذين يخفف عنهم التجارب والآلام في هذا العالم إنما هم في الحقيقة مرفوضون منه. لهذا يقول رب المجد لمثل هؤلاء حتى ولو قاموا بصنع المعجزات: “لا أعرفكم من أين أنتم، تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم.” (لو 13: 27؛ مت 7: 23). إن صوت الحق الإلهي يوبخ جهالة مثل هؤلاء الرعاة قائلًا: “وهم رعاة لا يعرفون الفهم.” (إش 56: 11) مرة أخرى يؤنبهم الرب قائلًا: “وأهل الشريعة لم يعرفوني“. (إر 2: 8) ولذلك يشكو الحق الإلهي من هؤلاء الرعاة لأنهم لم يعرفوه. لأنه لا أحد يفهم سمو خدمة القيادة إلا الذين عرفوه أما الذين يجهلون ما هو للرب يتجاهلهم الرب، كما يقول بولس الرسول: “ولكن إن يجهل أحد فليجهل.” (1 كو 14: 38).
* عدم استحقاق الراعي غالبًا ما يكون متلازمًا مع عدم استحقاق الرعية، فإذا كان الرعاة لا يملكون نور المعرفة نتيجة لخطيئتهم الشخصية فإنه تبعا لذلك تعثر الرعية بسبب جهلها حسب قصاص القضاء. من أجل ذلك قال رب المجد يسوع: “إن كان أعمى يقود أعمي يسقطان كلاهما في حفرة.” (مت 15: 14؛ لو 6: 39) وفي هذا قال صاحب المزامير متنبئًا: “لتظلم عيونهم عن البصر وقلقل متونهم دائمًا.” (مز 69: 23). إن القادة هم بالحقيقة عيون، إذ أنهم في واجهة أعلى الرتب وقد أخذوا على عاتقهم توضيح الطريق، أما الذين يتبعونهم فقد ارتبطوا بهم وعليه فهم يدعون “بالمتون”. وهكذا عندما تظلم العيون، تنحني المتون أيضًا، لأنه عندما يفقد القادة نور المعرفة، ينوء الذين يتبعونهم تحت نير خطاياهم[76].
الأب غريغوريوس (الكبير)
* هكذا الخدمة الكهنوتية تجارة. لذلك يقول النبي لبني إسرائيل: “أصحاب حاناتكم مزجوا ماء بخمرهم” (راجع إش 1: 22 LXX). لا يتحدث القديس إشعياء عن أصحاب الحانات الذين بدورهم في خدمتهم للحانات يغشون الخمر النقي بماء. من الصعوبة أن يكون هذا الطوباوي يتحدث عن هذا الأمر كما لو كان قاضيًا مدنيًا يهتم بأن أناسًا يخففون المسكر بالماء. بالحري يتحدث عن أصحاب الحانات الذين يقيمون لا في حانات بل في الكنائس. هؤلاء لا يقدمون للعطشى كأسًا للشهوات بل للفضيلة. إنهم لا يخدمون كأس المسكر بل كأس المخلص. إنه ينتهر هؤلاء أصحاب الحانات وينتقدهم، مشتكيًا إنهم يمزجون الخمر بالماء. هذا ما ينتقدهم فيه – فإنهم وقد أقيموا للأعمال الإلهية صاروا مشغولين بالأمور البشرية، كما يقول النبي نفسه: “كل واحدٍ مشغول ببيته”. فإن أهمل كاهن ما العمل الكهنوتي وانغمس في الملذات العالمية يمزج الخمر بالماء، أي يمزج الأمور الدافئة بالأمور التافهة الباردة[77].
الأب مكسيموس أسقف تورين
من الخطورة أن يفقد الراعي روح التمييز، فتتحول الكلمة التي للاستنارة إلى عثرة للشعب، وكما قال السيد المسيح: “هم عميان قادة عميان، وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة” (مت 15: 14). ويقول إشعياء النبي: “تتلمس الحائط كعمي، وكالذي بلا أعين تتجسس، قد عثرنا في الظهر كما في العتمة، في الضباب كموتى” (إش 59: 9-10).
* يقرأون الكتاب المقدس، ولا يرون الحق الذي فيه، ويشبهون العميان الذين يسيرون وهم يتلمسون الحائط دون أن يروا. ويسقطون في الظهيرة كما في نصف الليل. ها أنتم ترون أي بؤس للكل. فمع أن شمس البرّ يشرق على العالم كله، إذا بهم (اليهود) يتعثرون ويسقطون كما في موت الليل. يتنهدون كشخص ميت. يقضون الحياة في حزن عظيم حتى يبدو وجودهم مثل الموت[78].
ثيؤدورت أسقف قورش
* أنهم قادة عميان لشعب أعمى. من هم هؤلاء القادة العميان؟ الفريسيون الذين أعمى إله هذا الدهر أذهانهم، لأنهم غير مؤمنين، إذ لم يؤمنوا بيسوع المسيح. لقد أعماهم إله هذا الدهر حتى لا يشرق عليهم نور إنجيل مجد الله الذي في وجه المسيح (2 كو 4: 4). يلزمنا أن نتجنب قيادة هؤلاء الأشخاص العميان. يليق بنا ليس فقط أن نفعل هذا، بل وبالتأكيد أن نصغي بحرصٍ إلى الذين يعملون في القيادة في طريق التعليم الصادق، وأن نطبق حكمًا صائبًا ما يقولونه. لنفعل هذا حتى لا نظهر نحن أنفسنا عميانًا، لأننا لا نرى معنى الأسفار المقدسة[79].
العلامة أوريجينوس
فَأَنَا أَيْضًا صَيَّرْتُكُمْ مُحْتَقَرِينَ وَدَنِيئِينَ عِنْدَ كُلِّ الشَّعْبِ،
كَمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَحْفَظُوا طُرُقِي بَلْ حَابَيْتُمْ فِي الشَّرِيعَةِ. [9]
إذ يلمس الشعب في الكهنة أنهم عوض أن يكونوا مصدر بركة إلهية، صاروا يحملون اللعنة [2]، لذلك يقول الرب: “فأنا أيضًا صيرتكم محتقرين ودنيئين عند كل الشعب” [9].
بجانب الانحراف عن الطريق الإلهي وإفساد العهد يحابون في الشريعة. يختارون منها ما يحلو لهم، ويتجاهلون ما لا يتناغم مع إرادتهم الشريرة. يتممون المظاهر الخارجية، ولا يبالون بالنقاوة الداخلية. إنهم لا يحترمون كل وصاياه. يقول المرتل: “لا أخزى إذا نظرت إلى كل وصاياك” (مز 119: 6).
ولعله يقصد بالمحاباة في الشريعة، استخدامهم الوصية في محاباة للأشخاص، يلاطفون البعض، ويقسون على الغير، لا بحكمة لخلاصهم، وإنما لتحقيق مصالح شخصية، بينما “ليس عند الله محاباة” (رو 2: 11). وكما يقول أليهو: “الذي لا يحابي بوجوه الرؤساء، ولا يعتبر موسعًا (من هو في سعة العيش) دون فقير، لأنهم جميعًا عمل يديه” (أي 34: 19).
4. إفساد العهد مع القريب:
أَلَيْسَ أَبٌ وَاحِدٌ لِكُلِّنَا؟
أَلَيْسَ إِلَهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا؟
فَلِمَاذَا نَغْدُرُ الرَّجُلُ بِأَخِيهِ لِتَدْنِيسِ عَهْدِ آبَائِنَا؟ [10]
لقد تجاهلوا إخوتهم بكونهم أبناء لأب سماوي واحد، ومخلوقات من صنع إله واحد، فصار كل منهم يغدر بأخيه. إذ هم غير محبين لله لا يحبون إخوتهم، وأيضًا إذ يغدرون ببعضهم البعض يهينون أب الجميع وخالق الكل. يقول الرسول بولس: “إله وأب واحد للكل” (أف 4: 6)، ويقول إشعياء النبي: “والآن يا رب أنت أبونا. نحن الطين وأنت جابلنا، وكلنا عمل يديك” (إش 64: 8).
* هناك (في السماء) لا يوجد حب بتقديرٍ خاصٍ لقريبة، بل سيحب الجميع الواحد الآخر بفيضٍ على نمطٍ واحدٍ. هناك لا يتزوجون نساءً، ولا ينجبون أطفالًا، ولا تمييز بين ذكر وأنثى، بل يكون الكل أبناء أبيهم الذي في السماوات، كما قال النبي: “أليس أب واحد لكلنا؟ أليس إله واحد خلقنا؟” (مل 2: 10)[80].
* أما بخصوص ما قلته أنه سوف لا تكون زوجات، ولا تمييز بين ذكر وأنثى، فقد علمنا ربنا ورسله هذا. “الذين حُسبوا أهلًا للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يكون لهم نساء ولا يصير للنساء رجالًا، إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضًا، لأنهم مثل الملائكة في السماء، وهم أبناء الله” (راجع لو 20: 35-36). وقال الرسول: “ليس عبد ولا حر؛ ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع” (غل 3: 28)[81].
القديس أفراهاط
* أما تسمعون موسى عندما يقول: “تركتم الله الذي ولدكم” (تث 32: 15 LXX)؟ أما تسمعون ملاخي يوبخهم ويقول إن “إله واحد خلقكم” ويوجد “أب واحد للكل” (مل 2: 10 LXX)[82].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* هذا هو حنو الله نحو البشرية، إذ هو الخالق صار فيما بعد لهم حسب النعمة أبًا أيضًا. يصير هكذا عندما يتقبله الشعب، خليقته، في قلوبهم، كما يقول الرسول: “روح ابنه يصرخ: يا أبا، الآب”. هؤلاء هم أولئك الذين إذ يتقبلون الكلمة ينالون سلطانًا منه أن يصيروا أولاد الله، مع كونهم بالطبيعة هم خلائقه، وذلك بخلاف قبول روح الابن الطبيعي الحقيقي. لذلك، فقد “صار الكلمة جسدًا، حتى يجعل البشريين مؤهلين للاهوت. نفس المعني يًمكن اقتنائه من النبي ملاخي القائل: “أليس لنا إله واحد خلقنا؟ أليس لنا أب واحد” (مل 2: 10). فقد وضع أولًا “خلق” وبعد ذلك “أب”، لكي يظهر كالكتَّاب الآخرين أنه من البدء كنا خلائق بالطبيعة. الله هو خالقنا بالكلمة، لكن بعد ذلك الله الخالق صار أبانا أيضًا[83].
القديس أثناسيوس الرسولي
* يعلن الكتاب الحق، إذ يقول: “أولًا لتؤمن أنه يوجد إله واحد، خلق كل الأشياء وأكملها، وجاء بكل شيء من العدم إلى الوجود”، هذا الذي يحوي كل الأشياء، وهو نفسه لا يُحوى بواسطة أحدٍ. بحقٍ قال أيضًا ملاخي بين الأنبياء: “أليس إله واحد الذي خلقنا؟” أيضًا يقول الرسول في اتفاق مع هذا: “يوجد إله واحد، الآب فوق الكل، وفي الكل” (أف 4: 6). هكذا أيضًا يقول الرب: “قد دُفع كل شيءٍ إليَّ من أبي” (مت 11: 27). واضح بواسطة ذاك الذي خلق كل الأشياء، إذ لم يُدفع إليه أشياء لآخر، بل مما له هو[84].
القديس ايريناؤس
5. الزواج بالوثنيات:
أَمَّا أَنْتُمْ فَحِدْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ،
غَدَرَ يَهُوذَا وَعُمِلَ الرِّجْسُ فِي إِسْرَائِيلَ وَفِي أُورُشَلِيمَ.
لأَنَّ يَهُوذَا قَدْ نَجَّسَ قُدْسَ الرَّبِّ الَّذِي أَحَبَّهُ،
وَتَزَوَّجَ بِنْتَ إِلَهٍ غَرِيبٍ. [11]
يكرر النبي كلمة “غدر” ومشتقاتها خمس مرات في هذا المقطع [10-16]، وكأن الغدر قد صار سمة شائعة في حياتهم وسلوكهم. يقول المرتل: “ليخز الغادرون بلا سبب” (مز 25: 3). كما يقول: “كل غادرٍ أثيم، لا ترحم” (مز 59: 5)، “رأيت الغادرين ومقت، لأنهم لم يحفظوا كلمتك” (مز 119: 158). “أما الأشرار فينقرضون من الأرض، والغادرون يستأصلون منها” (أم 2: 22)، “اعوجاج الغادرين يخربهم” (أم 11: 3). هكذا نرى مدى خطورة الغدر وعدم الأمانة في العهد.
* هكذا ندب بولس اليهود (لغدرهم)، وحزن الرب على أورشليم، ورثى إرميا الإلهي الشعب لعدم وفائه بالناموس[85].
* لديّ أساس كاف S للرجاء في الذين يؤمنون بك ويتمتعون بعونك. فقد اعتدت أن تُظهر عنايتك بهم، بينما تدحض الذين يغدرون. من اللائق الآن الإشارة أنه ليس الخطاة بل الذين يكسرون الناموس بلا سبب (في غدرٍ) هؤلاء يُغطيهم الخزي. ليس كل من يخطئ بذات الطريقة، فإن البعض يحزنون بسبب ظروف معينة أو ضعف طبيعي، وآخرون يفتخرون بعصيانهم واستهانتهم[86].
ثيؤدورس أسقف قورش
الغدر هنا يعني الخيانة للعهد، فمن يكسر العهد مع الله يكون غادرًا وغير أمين في عهده. هذا الغدر ينعكس في معاملاته حتى مع من أقرب له وهو الزوج أو الزوجة التي تسلمها من الله كشريكة حياته ومعينة له في حياته بكل جوانبها.
علامة الغدر والرجس أنهم أهانوا إلههم بزواجهم نساء وثنيات [11]، وتطليقهم زوجاتهم المؤمنات. وقد حسب هاتين الجريمتين موجهتين ضده شخصيًا، وغدرًا به. الجريمة الأولى هي الشركة مع غير المؤمنين حيث يدفع غير المؤمن الطرف الآخر لإنكار الإيمان. والجريمة الثانية هي حل الرباط الزيجي المقدس الذي ربطه الله.
* إن أردتم أن تروا بأكثر وضوح كيف لا يجوز مطلقا لامرأة مسيحية أن تتزوج أمميًا فلتراعوا ما يقوله الرسول نفسه: “المرأة مرتبطة مادام رجلها حيًا. أما إذا مات الرجل فهي حرة تتزوج بمن تريد، فقط في الرب” (1 كو 7: 39)، أي يكون مسيحيًا. ذاك الذي يسمح بالزواج الثاني والثالث في الرب يمنع الزيجات الأولى مع أممي. لهذا فإن إبراهيم أيضًا جعل عبده يقسم على فخذه، أي على المسيح الذي أتي من نسله، ألا يأتي بأجنبية زوجه لابنه إسحق (تك 24: 1-9). وعزرا إذ اكتشف عصيانًا لله من هذا النوع جعل مواطنيه يطردون زوجاتهم (عز 10: 1-17). ويتحدث ملاخي النبي هكذا: “يعمل يهوذا بغدرٍ ويرتكب الدنس في إسرائيل وفي أورشليم، لأن يهوذا نجس قداسة الله الذي يحبه، وتزوج بابنة إله غريب. سيقطع الله هذا الإنسان الذي يفعل هكذا، الذي يعلم والذي يتعلم، من خيام يعقوب، والذي يقدم تقدمة لرب الجنود”[87].
القديس جيروم
يَقْطَعُ الرَّبُّ الرَّجُلَ الَّذِي يَفْعَلُ هَذَا،
السَّاهِرَ وَالْمُجِيبَ مِنْ خِيَأمِ يَعْقُوبَ،
وَمَنْ يُقَرِّبُ تَقْدِمَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ. [12]
بمثل هذه التصرفات التي بها يُنجس المؤمنون قدس الرب، يقطع المؤمنون أنفسهم ومن لهم من رعوية شعب الله (أف 2: 12). كما يقطع “الساهر والمجيب“، أي المعلمين والمتعلمين، القادة العميان الذين يسقطون هم وتابعوهم في حفرة الضلالة.
يُقطع المؤمن المتزوج بوثنية “من خيام يعقوب“، أي من شعب الله؛ ويسقط الكاهن الذي “يقدم تقدمة الرب” ويمارس ذات الخطأ تحت نفس العقوبة: القطع والحرمان من خدمة هيكل الرب، ومن كهنوته.
بسبب زنا الشعب مع بنات موآب، فدعوْنَ الشعب إلى العبادة الوثنية (عد 25: 1)، تعلق إسرائيل ببعل فغور وغضب الرب على إسرائيل. فقتل موسى جميع رؤوس الشعب الذين ارتكبوا هذا الإثم. كما غار فينحاس رئيس الكهنة غيرة الله وطعن الكاهن الذي في جسارة ارتبط بامرأة مديانية هو والمرأة برمحه. كذلك قام نحميا بطرد حفيد رئيس الكهنة لأنه تزوج بامرأة وثنية (نح 13: 8).
لقد صار فينحاس الكاهن في غيرته هذه رمزًا للسيد المسيح الذي سلم نفسه للموت بالصليب فرفع الغضب الإلهي عن المؤمنين به.
* إن كان فينحاس بغيرته في قتل فاعل الشر هدَأ غضب الله، أليس يسوع الذي لم يذبح آخر، بل “بذل نفسه فدية لأجل الجميع” (1 تي 2: 6) لا يرفع غضب الله ضد البشرية؟[88]
القديس كيرلس الأورشليمي
* إن كنا نتشكل حسب موته، بالتأكيد تصير الخطية فينا جثة هامدة وذلك برمح المعمودية، وذلك كذاك الزاني الذي انطرح خلال غيرة فينحاس[89].
القديس غريغوريوس النيسي
وَقَدْ فَعَلْتُمْ هَذَا ثَانِيَةً،
مُغَطِّينَ مَذْبَحَ الرَّبِّ بِالدُّمُوعِ بِالْبُكَاءِ وَالصُّرَاخِ،
فَلاَ تُرَاعَى التَّقْدِمَةُ بَعْدُ،
وَلاَ يُقْبَلُ الْمُرْضِي مِنْ يَدِكُمْ. [13]
لكي يتزوج المؤمنون وثنيات كانوا يطلقون زوجاتهم لإفساح المجال لتحقيق مآربهم، حتى الرجال الذي لم يطلقوا زوجاتهم المؤمنات كانوا يعاملوهن بمرارة بسبب ارتباطهم بالوثنيات. ولم يكن أمامهن غير الشكوى بدموع وصراخ قلبي مرّ، فكان المذبح مُغطى بهذه الدموع المرّة. تحولت العبادة في الهيكل، خاصة في أيام الأعياد إلى حزن ودموع عوض الفرح بالرب.
لم تعد التقدمات والذبائح موضع مسرة الرب، لأنها تصعد سابحة في دموع الزوجات المغلوبات على أمرهن، تخرج منها صرخاتهن، كما صرخ دم هابيل ضد قايين في صمت!
ولعل الزواج بالوثنيات أفسد مفاهيم العبادة فعوض ارتباط الذبيحة بالتسبيح والفرح الروحي ارتبط بالصراخ وتقطيع الإنسان جسمه بالسيوف والرماح حتى يسيل الدم على المذبح (1 مل 18: 28). وكما يقول حزقيال النبي: “هناك نسوة جالسات يبكين على تموز” (حز 8: 14).
عوض العبادة مع الزوجات المؤمنات بفرحٍ وتسابيحٍ فلا تعُاق صلواتهم وتقدماتهم المرفوعة بأيدٍ طاهرة، التجأ الرجال إلى زوجات وثنيات فيتعبدون معهن بروح الكآبة.
ولعل الدموع هنا والنحيب بسبب شعور هؤلاء الغادرين بالخطأ، فيقدمون الدموع دون التخلي عن الارتباط بالوثنيات، فيمارسون عبادة الله لإرضاء ضمائرهم، ويمارسون العبادة الوثنية من أجل تعلقهم بالوثنيات. يخلطون بين النور والظلمة. وكما قال إيليا النبي: “حتى متى تعرّجون بين الفرقتين، إن كان الرب هو الله فاتبعوه، وإن كان البعل فاتبعوه” (1 مل 18: 21). ويقول الرسول بولس: “لأنه أية خلطة للبرّ والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟” (2 كو 6: 14-15)
* “أية شركة للنور مع الظلمة؟ حيث يوجد تمايز وتضاد لا يمكن مصالحته بين النور والظلمة، فإن من يشترك في كليهما لا يكون له نصيب في أي منهما، وذلك للتضاد الموجود بين القسمين، كل ضد الآخر، وذلك في نفس الوقت في حياته التي بها مزيج من الاثنين. بإيمانه يستعين بالقسم المنير، لكنه بعاداته المظلمة يطفئ سراج العقل. وإذ يستحيل وجود النور والظلمة في شركة معًا، فإن الشخص الذي يحتضن الاثنين هو عدو لنفسه، حيث ينقسم على ذاته، ينقسم بين طريقي الفضيلة والشر. إنه يقيم في داخله معركة بين مضادين. وحيث أنه متى وجد عدوان لا يمكن أن يكون كلاهما منتصرين، فإن نصرة أحدهما تؤدي إلى موت الخصم، هكذا تُسبب هذه الحرب المدنية اضطرابًا في حياته. ولا يمكن للجانب القوي أن يغلب ما لم يتحطم الثاني تمامًا[90].
القديس غريغوريوس النيسي
6. إفساد العهد مع الزوجة:
فَقُلْتُمْ: لِمَاذَا؟
مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أمْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا،
وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَأمْرَأَةُ عَهْدِكَ. [14]
أيضًا سلك الرجال بروح الغدر والخيانة، حيث تزوجوا بوثنيات أو اتخذوهن سراري ليشاركن الزوجات في حقوقهن من نحو قلوب رجالهن، والتمتع أيضًا بحياة لائقة من جهة المعيشة. هذا السلوك الشائن لن يقدم سلامًا وفرحًا، بل كآبة داخلية وضيقًا.
يهتم الله بالأسرة، ففي عقد الزواج يحسب نفسه شاهدًا عليه، فمن يحل هذا الرباط يكون كمن نقض تعهدًا يشهد عليه الله نفسه. وكل غدر بهذا التعهد يكون الرب نفسه شاهدًا عليه. ومن يلتزم بالتعهد في أمانة قلبية وسلوك لائق يُحسب أمينًا فيما لله.
يدعوها “امرأة شبابك“، إذ أحبها في شبابه، فلماذا يتجاهل هذا الحب والتقدير لها عند شيخوخته؟
كما يدعوها “قرينتك“، أي مشاركة له في أفراح زوجها وأحزانه؛ يتشاركان في تدبير كل أمور الأسرة، تشعر بالمسئولية معه، وتسنده كمعينةٍ له.
“امرأة عهدك“، أي ارتبط بها الزوج برباط وثيق، ودخلت معه في عهدٍ ملزم في أدق الأمور، فيليق بالاثنين أن يتمما ما تعهدا به.
أَفَلَمْ يَفْعَلْ وَاحِدٌ وَلَهُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ؟
وَلِمَاذَا الْوَاحِدُ؟ طَالِبًا زَرْعَ اللَّهِ.
فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ،
وَلاَ يَغْدُرْ أَحَدٌ بِأمْرَأَةِ شَبَابِهِ. [15]
يقدم لنا المبررات التي تُلزم الزوجين أن يعيشا معًا حتى النهاية في محبةٍ مقدسةٍ وتقديرٍ وسلامٍ. لقد خلق الله حواء واحدة لآدم واحد، حتى لا يفكر الإنسان في زوجة أخرى. وكما جاء في سفر اللاويين: “ولا تأخذ امرأة على أختها للضر لتكشف عورتها معها في حياتها” (لا 18: 18).
كان يمكن لله أن يخلق حواء أخرى، لكنه أراد من آدم أن ينشغل بأن يكون “طالبًا زرع الله“، أي يكون له أولاد مقدسون، لهم صورة الله. ما يشغله ليس شهوات الجسد ليشبعها بهذه وتلك، وإنما إقامة بيت مقدس فيه الاحترام المتبادل في الرب، والإخلاص في الحب دون أن يغدر الواحد بالآخر، فيعطي مشاعره لآخر. هذا هو الناموس الطبيعي والناموس الإلهي أن يكون “لكل واحد امرأته” (1 كو 7: 2)، يعيشان معًا في عفةٍ وطهارةٍ، في أسرة مقدسة، ينجبان ذرية تتعبد لله” (مز 22: 30). بهذا يكون المضجع غير نجسٍ” (عب 13: 4).
* في إنجيل متى يقول: “من يطلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني” (مت 5: 32). يُحسب أيضًا كمن ارتكب الزنا من يتزوج بمطلقة من رجلها. على أي الأحوال، لا يسمح الخالق بالتباعد بين من جمعهما إلا لعلة الزنا. موسى نفسه في عبارة أخرى يضع قانونًا أن من يتزوج فتاة بعد اغتصابه لها بالقوة ليس من حقه أن يطلق زوجته (تث 22: 28-29). الآن إن كان الزواج الإلزامي الذي يتم بعد استخدام العنف يبقى دائمًا، كم بالأكثر يكون الزواج الاختياري، الذي هو ثمرة الاتفاق! هذا هو قانون النبي: “لا تترك زوجة صباك”. هكذا ترى المسيح يتبع طبيعًيا مسلك الخالق في كل موضع، سواء في السماح بالطلاق أو منعه. تراه أيضًا يحمى الزواج، في أي طريق تهرب إليه. إنه يمنع الطلاق، إذ يُريد في الزواج ألا تُنتهك حرمته، ويسمح بالطلاق عندما يُلطخ الزواج بعدم الإخلاص. يليق بك أن تستحي عندما ترفض أن توَّحد أولئك الذين يوحدهم مسيحك[91].
* إني استرعي انتباهكم إلى قانون الزوجة الواحدة. يقرر هذا ذات أصل الجنس البشري في سفر التكوين (1: 27). واضح جدًا أن الله رسم هذا (الزوجة الواحدة) منذ البداية كنموذجٍ للأجيال التالية. فإنه بعدما خلق آدم ورأى ضرورة تقديم معينة له أخذ من ضلوعه ضلعًا واحدًا (تك 2: 21-22). رسم للرجل امرأة واحدة فقط[92].
* أين نجد لغة يمكنها أن تعَّبر بما يليق بالسعادة التي لذاك الزواج الذي تربطه الكنيسة، ويثبته القربان، وترسمه البركة وتختمه، ويحتفل به الملائكة، ويوافق عليه الآب؟ فإن الشباب في كل الأرض لا يحق لهم أن يتزوجوا بدون رضا والديهم. أي نوع من النير هذا الذي لاثنين مؤمنين يشتركان معًا في رجاءٍ واحدٍ، ورغبةٍ واحدةٍ، وتدبيرٍ واحدٍ، وخدمةٍ واحدةٍ؟ إنهما ينعمان بقرابة في الروح وفي الجسد. إنهما خادمان شريكان معًا دون تعارض في الاهتمامات. بحق هما اثنان في جسدٍ واحدٍ (تك 2: 24؛ مت 19: 5؛ أف 5: 31). حيث يكون الجسد واحدًا تكون الروح أيضًا واحدة. يصليان معًا، ويصومان معًا، ويعلمان في شركة معًا، يتضرعان معًا، ويرفعان أيديهما معًا. في كنيسة الله يحتلان موضعًا متساويًا (رو 12: 15؛ 15: 6؛ غل 3: 28؛ 1 كو 12: 12). يقفان بالتساوي في مائدة الله، وفي المتاعب، وفي مواجهة الاضطهادات، وفي انتعاشهما. لا يخفي احدهما شيئًا عن الآخر، ولا يتجاهل أحدهما الأخر، ولا يسبب أحدهما متاعب للآخر[93].
العلامة ترتليان
* لا تحسب هذا شرعيًا أن تتركها بعد الزواج هذه التي بلا عيب. إذ يقول: “احذروا لروحكم ولا يغدر أحد بامرأة شبابه، فإنها شريكة حياتك، وبقايا روحك. أنا وليس آخر قد خلقها” (راجع مل 2: 14-15). يقول الرب: “ما جمعه الله لا يفرقه إنسان” (مت 19: 6) [94].
الدسقولية
لأَنَّهُ يَكْرَهُ الطَّلاَقَ قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ،
وَأَنْ يُغَطِّيَ أَحَدٌ الظُّلْمَ بِثَوْبِهِ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.
فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ لِئَلاَّ تَغْدُرُوا. [16]
أما ما هو خطير بحقٍ فهو محاولة إخفاء تصرفاتهم الشريرة وما في قلوبهم من غدرٍ وخيانة بالتظاهر أمام الغير أنهم يحبون زوجاتهم ويعطفون عليهن، ويغطوهن بثيابهم. إنهم يخفون شرورهم وظلمهم كما بثوبٍ.
لقد سمح الله لليهود بالطلاق من أجل قسوة قلوبهم (مت 19: 8)، لكنه يكرهه، خاصة وأنهم كانوا يسمحون “للرجل أن يطلق امرأته لكل سببٍ” (مت 19: 3).
يؤكد النبي أن في تطليق الزوجة لأية علة، وفي الزواج بثانية في حياة الأولى غدر لا بالزوجة الأولى فحسب، وإنما هو جريمة غدر موجهة ضد الله واضع ناموس الزواج المقدس.
جاء السيّد المسيح ليرتفع بالمؤمنين إلى مستوى النضوج الروحي والمسئولية الجادة، فلا يطق الرجل امرأته إلا لعلّة الزنا.
ويُعلّق القديس أغسطينوس على كلمات السيّد بخصوص عدم التطليق قائلًا:
[لم تأمر الشريعة الموسويّة بالتطليق، إنّما أمرت من يقوم بتطليق امرأته أن يعطها كتاب طلاق، لأنه في إعطائها كتاب طلاق (تطليق) ما يهدئ من ثورة غضب الإنسان.
فالرب الذي أمر قساة القلوب بإعطاء كتاب تطليق أشار عن عدم رغبته في التطليق ما أمكن. لذلك عندما سُئل الرب نفسه عن هذا الأمر أجاب قائلًا: “إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم“ (مت 19: 8)، لأنه مهما بلغت قسوة قلب الراغب في تطليق زوجته إذ يعرف أنها بواسطة كتاب التطليق تستطيع أن تتزوج بآخر، يهدأ غضبه ولا يُطلقها.
ولكي يؤكّد رب المجد هذا المبدأ -وهو عدم تطليق الزوجة باستهتار- جعل الاستثناء الوحيد هو علّة الزنا. فقد أمر بضرورة احتمال جميع المتاعب الأخرى بثبات من أجل المحبّة الزوجيّة ولأجل العفّة، وقد أكّد رب المجد نفس المبدأ بدعوته من يتزوج بمطلّقة “زانيًا”[95]].
7. الاستخفاف ببٌر الله:
لَقَدْ أَتْعَبْتُمُ الرَّبَّ بِكَلاَمِكُمْ.
وَقُلْتُمْ: بِمَ أَتْعَبْنَاهُ؟
بِقَوْلِكُمْ: كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الشَّرَّ فَهُوَ صَالِحٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ،
وَهُوَ يُسَرُّ بِهِمْ.
أَوْ: أَيْنَ إِلَهُ الْعَدْلِ؟ [17]
يقول: “لقد أتعبتم الرب بكلامكم“. فقد قدموا عللًا وتبريرات لتصرفاتهم الخاطئة، وكأنهم لا يدركون أخطاءهم الفادحة. الله القدوس الذي يود في شعبه أن يكون مقدسًا، كأبناء مقدسين، يحزن عليهم بسبب عدم تمييزهم، فيحسبون الشر عملًا صالحًا، وأنهم مهما فعلوا فهم موضع سرور الله. وإن غضب على تصرفاتهم التي في نظرهم صالحة ينسبون لله الظلم وعدم العدل.
يا للعجب يقف الإنسان في موقف الديان، لا ليدين أخاه فحسب، وإنما يدين حتى الله نفسه، قائلًا: “أين إله العدل؟”
من وحي ملاخي 2
أقم من المؤمن قائدًا مقدسًا!
* خلقت كل شيءٍ من أجل الإنسان،
وأقمت منه رأسًا وملكًا، صاحب سلطان.
تريد من كل إنسانٍ أن يكون قائدًا مقدسًا!
* من أجل الإنسان أقمت الكثير،
وبسقوطه لعنت الأرض،
فأخرجت شوكًا وحسكًا!
تُريد من كل مؤمن أن يكون سرّ بركة لكثيرين.
بسبب يوسف باركت بيت فوطيفار سيده.
ومن أجل داود عبدك باركت سليمان.
وبسبب يونان الهارب ثارت الطبيعة،
وفقد البحارة مؤنتهم وسلامهم،
وكادوا يفقدون حياتهم ذاتها.
قدسني واجذبني إليك أيها القدوس.
فاجتذب بروحك القدوس كثيرين إليك.
* هب ليّ ألا أغدر بعهدك،
بل يكون ليّ سّر حياة وسلام.
بعهدك الجديد تهبني القيامة من الموت،
وتنعم عليّ بالسلام على مستوى السماء!
* لتكن وصيتك هي دستور حياتي،
وكلمتك دومًا على شفتي،
فأنعم بمعرفتك،
واشهد لها بقوة الروح.
* هب ليّ ألا أغدر بإخوتي،
بل أكون أمينًا لك في علاقتي بإخوتي وأسرتي.
تحل في وسط كنيستك التي في قلبي،
وتتجلى في كنيسة بيتي!
* لتنزع عني كل غدر بالعهد،
ولتطهرني من كل رجاسة،
ولتقم ملكوتك في داخلي فأصير بكليتي لك،
وأحيا كما يليق بابن لك.
والتزم بالتجاوب مع روحك القدوس.
تفسير ملاخي 1 | ملاخي 2 | تفسير سفر ملاخي |
تفسير العهد القديم | تفسير ملاخي 3 |
القمص تادرس يعقوب ملطي | ||||
تفاسير ملاخي 2 | تفاسير سفر ملاخي | تفاسير العهد القديم |