سمات الخادم الأرثوذكسي
من هو المعلم الأرثوذكسي ، ما هي سماته ، ما هي مصادره ، وما الفرق بين التعليم الأرثوذكسى وأي تعليم آخر ؟ ملامح المغم الأرثوذكسی ، له خمس أبعاد :
1- إنسان شبعان بالمسيح .
2- انسان شبعان بالكتاب المقدس
3- إنسان شبعان بالكنيسة .
4- إنسان شبعان بالآباء .
5- إنسان شبعان بفكرة التكامل الإنسانی
۔ لذلك فحينما يتكلم ودون أن يخطط أو ينمق تجد كلامه مشبع بهذه الأبعاد : المسيح ، الكتاب ، الكنيسة ، الآباء ، والتكامل .
أولا : خادم شبعان بالمسيح
لأنه لا يوجد لنا خلاص سوى بالمسيح ، أي تعليم إن لم يكن فيه أي شركة مع المسيح وعلاقة خاصة مع المسيح تتحول هذه النفوس إلى مخازن للمعلومات ، الشخص بدون المسيح يكون مثل أسلاك الكهرباء التي ينقصها التيار ، المسيح هو التيار ، هو الحياة ، “الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة ” ( يو 63:6) حتى في الكلام عن القديسين لابد من الكلام عن المسيح ، لأن هؤلاء القديسين أحبوا المسيح وجاهدوا من أجله ، السيد المسيح هو صانع القديسين ، ومن أحب القديسين أحب المسيح .
والمسيح هو الكلمة وبالنسبة لنا الكلمة هي كلمة الله ، إن كان أحد يتكلم فكأقوال الله ، نتكلم أمام الله في المسيح ، أي نتكلم والله أمام أعيننا . “ولو وقفوا في مجلسي لأخبروا شعبي بكلامي وردوهم عن طريقهم الرديء وعن شر أعمالهم ” ( إر 22:23 ) .
الصلاة ليست مطلوبة من خادم الكلمة فقط ، بل من السامعين وشركاء الخدمة ، الصلاة هي استحضار روح الله ليحيى الكلمة المقولة.
الكلمة سر يحمل الحضرة الإلهية والروح القدس يحمل الكلمة ويحييها في فم المتكلم من خلال الصلاة . الكلمة يمكن أن تكون مسموعة أو منطوقة أو مشاهدة بأي وسيلة من الوسائل ، ولكن ما لم يعمدها الروح ويصاحبها الروح ، لا تكون فعالة في السامعين .
كذلك خادم الكلمة يكون في حالة اتصال دائم مع الله أثناء الكلمة – الله يعطى الخادم كلمة حية في فمه ، الله يفكر بما يبني السامعين ويعطى للخادم الكلمة المناسبة للمخدومين بحيث تناسب كل شخص من السامعين ، ومع أن هذه الحقيقة معروفة لدينا كخدام ، ولكن درجة معايشتنا لها ليست قوية ، ليتك تكون في حالة صلاة و اتصال مع الله في خدمتك .
الصلاة هي قناة يستمد منها الخادم الكلمة وفعلها وتأثيرها : ” هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي . لا ترجع إلى فارعة بل تعمل ما سررت به وتنجح في ما أرسلتها له ” ( اش 55: 11) ۔
الكلمة قد تذيب الثلوج ، وقد تحطم الصخور . وقد تشفي الجروح ، وقد تريح النفوس ، وقد تضيء الطريق . سلك كهربائي بدون تیار لا يصلح لشئ ، هكذا أيضا خادم كلمة بدون صلاة ، حيث لا قيمة إطلاقا لكلمة غير ممزوجة بالصلاة .
فمثلا إذا كان الموضوع عن الأجبية ، من يربطنا بالأجبية سوى شخص المسيح ، في باكر القيامة ، في الساعة الثالثة الروح القدس ، وفي السادسة الصلب . وفي التاسعة الموت وفي الحادية عشر إنزاله عن الصليب ، وفي الثانية عشر دفنه وانتظاره في المجيء الثاني في صلاة نصف الليل ، الأجبية تربطني بشخص المسيح طول اليوم .
من أحب المسيح قدر الكنسية القبطية التي خصصت له الإبصاليات . ثم نادته باسم الخلاص مثلما نصلي في التسيحة : ( إن كنا فقراء في هذا العالم فلنا الوعود الثمينة التي هي اسم الخلاص الذي هو ربنا يسوع ) ، والصلاة التي تعلمنا الكنيسة إياها : ” يارب يسوع المسيح ارحمني ” ، ” يارب يسوع المسيح أعني ” ، ” إني أسبحك يارب يسوع المسيح (الصلاه السهمية أو صلاة يسوع ) ۔
خادم الكلمة لابد أن يكون مختبرا للرب يسوع في عشرته ، في صلاته ، في مواقف حياته ، وفي حل مشاكله فالخدمة ليست مجرد معلومات كتابية ولكن خبرات حياتية ، خادم تذوق واختبر حلاوة المسيح وحياته ، فمن السهل أن يفيض بسهولة على المخدومين , وينقل لهم ما اختبره وذاقه “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب ؟ ” ( مز 8:34 )
الرسول بولس يقول : ” اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم ، والمذلين كأنكم أنتم أيضا في الجسد ( عب 3:13 ) ، لذلك يتوحد الخادم بالمخدومين ويشعر بألام الشاب المستعبد للخطية ، الشاب المرتبط بعلاقة مأسور بها . هذا الخادم يئن مع أولاده ويقدم مشاعر حقيقية ، هذا الخادم ليس خادم المعلومة ولكنه خادم الخبرة .
والكنيسة توصي كل أولادها بأن يكونوا في تركيز طول اليوم مع السيد المسيح رب المجد ( اختبار مسیح الحياة اليومية) الخطر أن نترك السيد المسيح للأخرين ، هذا الخطأ لأن هناك من فصلوا الرأس عن الجسد ونحن نخشى أن نفصل الجسد عن الرأس .
هم تحدثوا كثيرا عن المسيح وألغوا الكنيسة تقريبا ، ونحن لا نريد أن نتحدث عن الكنيسة بعيدا عن المسيح ، لأن الكنيسة في جسد المسيح ، هل يمكن أن نتحدث عن عروس بدون عريس !! الخادم الأرثوذكسي لابد أن يكون شبعاناً بالمسيح ، يعرفه ، يدرس ويفهم لاهوت السيد المسيح وماذا يعني أنه أحد الثالوث القدوس ، يفهمه من حيث الشروحات الإيمانية والعقائدية واللاهوتية , وأيضا شبعان بالمسيح وجدانيا يكلمة قلب لقلب ، شخص لشخص ، فالخادم لا يكف عن مناجاة الرب يسوع دائما وباستمرار .
شبعان به لدرجة اتحادية بمعنی : “من يأكل جسدى ويشرب دمي ، يثبت فيَّ وأنا فيه ( يو 56 : 6 ) وفي التناول يلتقي بالمسيح نفسه يدخله إلى حياته وقلبه وعقله ، ولذا نريد من خدام الكلمة أن يكون المسيح هو تيار الحياة في كلامهم . إن شرحوا عقيدة أو تحدثوا عن طقس ، إن درسوا تاريخاً، إن قدموا فضائل ، هل يمكن أن نتحدث عن المحبة بدون ينبوع المحبة ، هل نتحدث عن الطهارة بدون أن تتحدث عن نبع القداسة ، رب المجد قدوس القديسين ؛ لذلك فالمسيح هو موضوع کرازتنا ، وكما قال أحد الآباء : ” الكتاب الأول الذي يجب أن تدرسه هو رب المجد يسوع “
ثانيا : شبعان بالكتاب المقدس
في عصر المعرفة والمعلومات كل يوم يوجد الجديد ، والشاب الأن منفتح على عالم المعرفة والمعلومات والقضايا المطروحة على الساحة ، لذا لابد من المعرفة بالنسبة للخادم کی يعرف من أي اتجاه تأتي الرياح الفكرية والرياح الفلسفية التي تأتي على أولادنا ، والرياح اللادينية واللا أخلاقية التي تهدد أولادنا .
الشباب يتوقع أنك تعرف ، ومادمت تخدم خدمة الكلمة فلابد أن تكون واسع الإطلاع في میادین متنوعة : روحيات – طقس – عقيدة – كتاب مقدس – ثقافة عامة – علوم إنسانية . لذلك تحتاج خدمة الكلمة في عصرنا الآن إلى خادم قاريء . فعندما يتكلم لأنه شبعان بالكتاب يخرج من فمه آيات كتابية ، شخصيات كتابية ، أحداث كتابية . لابد على خادم الكلمة أن يكون إنجيليا ، يشبع بالكتاب ويدرسه دراسة جيدة . شبابنا يتعامل مع الكتاب على أنه مجموعة من الطلاسم يحتاج إلى تفسير وتحليل ودراسة لكل نقطة وحرف في الكتاب وبالتالي نحتاج أن ندرس الكتاب ، دراسة جيدة لأن هذا سيجعلنا نتعرف على مصدر التعليم الأساسي في الكنيسة وهو الكتاب المقدس ، عندما ندرس الكتاب ندرسه مرة بطريقة شخصية أي رسالة الله لي شخصيا ، ومرة بطريقة تأملية أصلى بكلمات الكتاب ، ومرة أدرسه بطريقة تحليلية مع كتاب تفسير ، وعندما نتكلم نجده يفيض تلقائيا ، ولأننا خدام كلمة نتكلم كأقوال الله ، نتكلم بروح الله ، فروح الله يساعدنا ويسعفنا بالإنجيل بأية جميلة تدعم الموضوع لأن روح الله هو المتكلم .
ثالثا : خادم شبعان بالكنيسة
بطريقة روحية هادئة تلقائية ليس فيها افتعال ولا تشنج ولا إساءة لأحد ، لكنه يشرح عمق الأرثوذكسية ، فالأرثوذكسية هي منهج حياة ، إن الأرثوذكسية تعني الطريق المستقيم في تمجيد الله ، والمقصود بها إننا عندما نعيش الحياة الأرثوذكسية نعيش الحياة الكنسية ، لأن الكنيسة في جماعة المؤمنين المجتمعة في بيت الله المدشن . بقيادة الإكليروس ، وحضور الملائكة والقديسين , حول جسد الرب ودمه . هنا نجد جماعة المؤمنين ( العقيدة ) ، بيت الله المدشن ( الطقس ) ، الإكليروس ( الكهنوت ) ، حضور الملائكة والقديسين ( التاريخ والقدوة ) لأن هؤلاء هم “أهل بيت الله ” ( اف 19:2 ) ، وهم قدوة نقتدي بهم ، وأيضا حياة الشركة حضور فعلی وليس ذهنی ، حول شخص المسيح الفادي والمخلص ( سر الإفخارستيا ) ۔
فنحن في كل قداس أمام جوقة من الكنسيات ، أمام عقيدة وأمام طقس وأمام تاریخ و أمام المسيح نفسه ، ونجد أن أي طقس يصلي يحتوي كل هذه العقائد , لأن الطقس هو وعاء العقيدة ، هو الذي ينقل لنا العقيدة ، فنحن نهتم بالكنسيات للحياة وليس الكنسيات للكنسيات ، وهنا نجد في خادم الكلمة ، أن الكنسيات تنساب طبيعيا وسط كلامه ، البعد الكنسي مطلوب في تعليمنا .
رابعا : خادم شبعان بالآباء
نحن ككنيسة استلمنا من الأباء ما تسلموا ، تسلیم یعنی تقلید ، ماذا سلمنا الآباء ؟
هناك ثلاث أمور لابد أن نعرفها في البعد الآبائی :
1- تعرف سيرهم .
2- نقتدي بهم
3- تأخذ مقتطفات من أقوالهم .
الآباء هم الذين سلمونا الكتاب كما يقول القديس أغسطينوس : ” أنا أقبل الكتاب المقدس مسلماً من الكنيسة , مشروحاً بالآباء معاشا في القديسين ” .
وكان القديس الأنبا أنطونيوس يقول : ” ليكن لك شاهد من الكتب على كل عمل تعمله” وقال أيضا “كتبی شكل الذين كانوا قبلى وإن أردت أن أقرأ ففي كلام الله اقرأ “، هنا نجد أن دراسة كتب الآباء وسيرهم هامة جدا لخادم الكلمة , بل الاستعانة بأقوالهم في الكلمة والعظة . فالكنيسة التي بلا جذور ( تراث ) ليست فيها حياة .
خامسا : شبعان بالتكامل
أي على دراية بما يجري في المجتمع من قضايا ، مثل الانقسام الطائفي في المجتمع والاختلافات الحادثة في البيئة الأساسية في المجتمع والتعديلات الدستورية ، وقضايا الدولة المدنية … إلخ .
كذلك على الصعيد الإقليمي والعالمي على دراية بالقضايا المعاصرة ، مثل الحرب ضد الإرهاب وصراع الحضارات مثلا ..
لابد من خادم على دراية بما يحدث في المجتمع من قضايا ومشاكل ، و أيضا ملما بالأحداث الإقليمية والعالمية . بمعنى ألا يكون شخصية نتوئية فيها أجزاء بارزة وأجزاء أخرى منحدرة ، ولكن شخصية متكاملة فيها : الروح تشبع بالله والعقل يستنير بالكلمة والوجدان يمتلئ بالحب ( نحو الله ونحو الناس ) والجسد صحيح وسليم ، والعلاقات الاجتماعية تكون ناجحة .
الشخصية المتكاملة تهتم بكل هذه الأبعاد الخمسة ، لا نهتم بجانب على حساب جانب آخر .
كذلك .. ففي التعليم الأرثوذكسي هناك تكامل بين الكتاب والعقيدة والطقس والآباء والروحيات من أجل غنى وثراء الخادم والمخدومين . وشبعهم بوجبة متكاملة لبنيان جسد المسيح ( الكنيسة ) .
الحوار هو الذي يجعل الشباب حياً. الحوار يجعل الخادم يعرف مشاكل واحتياجات الشباب ومدى درجة اقتناعه بالفكرة وبالحوار ، ويكون هناك نوع من التفاعل بين الخادم والشباب .