تضلون إذ لا تعرفون الكتب

 

“تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله” (مت ۲۹:۲۲)

كلمة الله ليست ككلمة الناس ، لأن بمجرد أن ينطقها الله تصير ذات مفعول وتأخذ كيانها في الوجود إلى ما لانهاية. ولكن سلطانها الروحي الخلاق والمُنعم لا يسري إلا على الذين أخضعوا قلوبهم وعقولهم وآمالهم ومشيئتهم لتدبير الله الفائق لقبول حياة جديدة وشركة في عالم الروح. فكلمة الله الروحية المنطوقة للإنسان خاصة لا تدخل القلب عنوة ولا تتسلط على مشيئات الناس ، بل على العكس تحتاج لمن يغصب نفسه لها.

وكل من خضع لقوة سلطانها يدخل في تدبير إتقانها ، وتظل تعمل عملها فيه بهوادة وتؤدة وإنما بيقين إلى أن يبلغ إلى منتهى قصد الله.

كلمة الله كما خلقت الحياة على الأرض من العدم أي الموت ؛ هكذا إذا استقرت في قلب الإنسان وارتاحت فيه ؛ فإنها تحييه أي تقيمه من الموت ، وتُدخله دائرة الحياة الأبدية ، أي عدم الموت.

والمسيح لا يزال يؤكد أنه حتى ولو مات الإنسان وصار رمَّة وأنتن أو انمحت أعضاؤه ؛ فإنه إذا ما استقر عليه صوت ابن الله فإنه حالاً يقوم من الموت ويحيا.  فكلمة الله قوة محيية ، هذا رأيناه بصورة عملية جسدية في لعازر ، ورأيناه بصورة روحية سرية في جميع التلاميذ وبالأخص في شاول وفي جميع الذين تغيرت حياتهم مثله على مدى العصور، فعاشوا حياة البر والقداسة والتقوى ، شهادة للروح والحياة الجديدة التي صارت فيهم. 

قوة الحياة الكائنة في كلمة الله لم تضعف ، هي لا تزال تساوي خلق العالم كله من العدم مرة أخرى ، ولا تزال تساوي قيامة لعازر من الموت ، وهي هي القوة المذخرة التي ستقيم البشرية كلها في اليوم الأخير.

هذه القوة المحيية لا تزال تباشر عملها حتى الآن بكلمة المسيح . وطوبى لمن يسمع لها ويخضع لسلطانها ليتقبل فعلها ببساطة الإيمان ويقين الفهم : « تأتي ساعة وهي الآن فيها يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون » ( یو5 : 25) ، حيث الموت هو الموت الروحي ، وصوت ابن الله هو فاعلية الحياة التي في الكلمة.

واعلم أن ليس الطعام وحده هو الذي يقيم حياتنا ؛ ولكن حياتنا الجسدية مُخضعة لسلطان كلمة الله شئنا أو أبينا . فقانون الكلمة الحتمي الذي يضبط الخليقة كلها يسري على أجسادنا إلزاماً، فيعيش الإنسان ويموت تبعاً لتدبير القوانين التي تسري فيه وعليه ، ولكن إذا آمن الإنسان بكلمة الله الروحية وتقبلها في قلبه، يتحرر الإنسان من حتمية هذه القوانين ولا بيصير بعد تحت اضطرارها.

نحن نتقبل من الآن شيئا من هذه الحرية بواسطة الكلمة ، إذ يشعرك أولاد الله أنهم أصبحوا ليسوا بعد تحت اضطرار الجسد وإلحاحات غرائزه وحتمية مطالب الطبيعة وميولها.

الإنسان يستمد من قوة الله ومن استسلامه لسلطانها قدرة جديدة يتحرر بها من ميول كثيرة طبيعية غير نقية :  “أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به” أي أن الكلمة إذا استقرت في قلب أمين باشرت عملها ككلمة قداسة لحساب الحياة الأبدية. 

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى