تفسير سفر الملوك الأول 6 للقمص تادرس يعقوب ملطي
بناء الهيكل
يحدثنا هذا الأصحاح عن بناء هيكل سليمان أو بيت الرب الجديد. في بنائه نرى الآتي:
* مسيحنا يتحدث عن هيكل جسده واهب القيامة. “أجاب يسوع وقال لهم: انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه، فقال اليهود في ست وأربعين سنة بُني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه؟ وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده” (يو 2: 19-21). لقد أعد الآب له جسده “هيأت لي جسدًا” (عب 10: 5).
* أقام السيِّد المسيح كنيسته هيكلًا مقدَّسا له. “مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاويَّة، الذي فيه كل البناء مركبًا معا ينمو هيكلًا مقدَّسا في الرب، الذي فيه انتم أيضًا مبنيون معًا مسكنًا لله في الروح” (أف 2: 20-22).
* جعل من كل مؤمن هيكلًا يسكنه روح الله. “أما تعلمون إنَّكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم؟” (1 كو 3: 16). يرى المؤمن في جسده المتحد مع نفسه بروح الله هيكلًا مقدَّسا. “أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم؟” (1 كو 6: 19). يقوم على حجر الزاويَّة، رب المجد يسوع، ويتم بنيانه وكمال جماله في يوم الرب العظيم. وكما زيّن سليمان الهيكل بالذهب والحجارة الكريمة هكذا لا يكف روح الرب عن أن يزينّا بعطاياه الفائقة ونعمته الغنيَّة، فنحمل بهاء مجد الرب فينا ونتأهل لشركة المجد الأبدي.
* حياتنا السماويَّة أيضًا وسكنانا مع إلهنا إلى الأبد يدعى “الهيكل السماوي“. هناك نرى الله في مجده الفائق، حوله الطغمات السماويَّة يسبحونه بلا انقطاع. هذا الهيكل غير مصنوع بأيدٍ بشريَّة، ولا يسمع فيه صوت أداة حديديَّة، بل صوت تهليلات لا تتوقَّف.
بنى سليمان هيكل الرب الذي يصعب تقدير تكلفته، خاصة كميات الذهب التي لا تُقدر لصنع بعض أدوات الهيكل، وطبقات الذهب التي غطّت المبنى كله من الداخل، حتى الأرضيَّة. لم يكن هذا لأجل مجد سليمان، وإنما لمجد الله على خلاف بعض الفراعنة الذين بنوا الأهرامات. فكان بناء أحدهم يستلزم تشغيل على الأقل 360 ألف نسمة لمدة لا تقل عن عشرين عامًا، لأجل تخليد اسم الملك.
يرى العلامة أوريجينوس(49) أن بناء الهيكل يحمل رمزًا لقيام هيكل الله الذي فيه السيِّد المسيح هو حجر الزاويَّة، والمؤمنون من رجال العهد القديم والجديد هم الحجارة الحيَّة المقامة على شخصه. وفيما يلي نظرة سريعة لما رآه العلامة أوريجينوس في بناء الهيكل:
* لا يُسمع فيه صوت نحت، إذ يليق بالمؤمن لكي يكون حجرًا حيًا في بناء الرب ألا يحمل في داخله صوت اضطراب.
* استخدام الذهب في الهيكل إشارة إلى ذهن المؤمن الهادئ والكامل الذي يدرك الأمور بدقة وحكمة.
* وجود الحجاب حيث لا تُعلن الأشياء التي في أعماق الهيكل (قدس الأقداس) لغالبيَّة الكهنة واللاويين.
* بنى سليمان بن داود الهيكل كما صنع كل الأشياء النحاسيَّة حيرام من صور ابن الأرملة، من سبط نفتالي، بينما والده من صور عامل في النحاس كان مملوء حكمة وفهمًا. الأول يشير إلى عمل المسيح بكر كل الخليقة، والثاني إلى صاحب الحكمة والفن. فالهيكل هو ثمر عمل الله فينا ومعنا.
بناء الهيكل في أرض الموعد حيث يجتمع حوله كل الشعب في الأعياد الكبرى يُعتبر حدثًا تاريخيًّا هامًا في تاريخ شعب بني إسرائيل، ربَّما لا يقل أهميَّة عن حدث الخروج على يديّ موسى النبي. فإن كان الخروج هو تحرر الشعب من عبوديَّة فرعون كرمز للتحرر من عبوديَّة إبليس والتمتع بالميراث الأبدي، فإن إنشاء الهيكل الإلهي وسط الشعب يشير إلى سكنى الله وحلوله في وسطهم، أو نزول الله إليهم بالحب ليحتضنهم. وكأن الميراث الذي نالوه “أرض الموعد”، إنَّما هو في جوهره التقاء وسُكنى مع القدوس.
اتَّسم المبنى بالآتي:
* أبعاد المبنى وشكله تحمل رموزًا روحيَّة تمس حياة المؤمن وشركته مع الله.
* اختيار أخشاب معينة ثمينة.
* استخدام وفرة من الذهب الخالص والفضَّة.
* جاء الهيكل، خاصة قدس الأقداس، غنيًّا بالزينة.
1. بدء البناء |
[1]. |
|
2. أبعاده وملامحه |
[2 –10]. |
|
* أبعاده |
[2]. |
|
* الرواق |
[3]. |
|
* النوافذ |
[4]. |
|
* الغرفات |
[5 -10]. |
|
3. الوعد الإلهي |
[11 –14]. |
|
4. الحوائط والأرضيَّة |
[15 –18]. |
|
5. المحراب |
[19 –22]. |
|
6. الكاروبان |
[23 –30]. |
|
الكاروبيم (الشاروبيم) | ||
7. الأبواب |
[31 –35]. |
|
8. الدار الداخليَّة |
[36]. |
|
9. مدة البناء |
[37 –38]. |
|
من وحي 1 ملوك 6 |
1. بدء البناء:
“وكان في سنة الأربعمائة والثمانين لخروج بني إسرائيل من أرض مصر، في السنة الرابعة لملك سليمان على إسرائيل في شهر زيو، وهو الشهر الثاني، إنه بني البيت للرب” [1].
حدد بداية البناء بالسنة 480 من خروج الشعب من مصر، وهي تضم 40 سنة في البريَّة مع موسى، 17 سنة مع يشوع، 299 سنة أثناء القضاة، 40 سنة أيام عالي الكاهن، 40 سنة أيام صموئيل (الملك شاول)، 40 سنة أيام داود، 4 سنوات الأولى من حكم سليمان. الإجمالي هو 480 عامًا.
حدد التاريخ بخروج الشعب من مصر، لأن غاية الخروج هو الانطلاق من أرض العبوديَّة إلى أرض الموعد. الأمر الذي يتحقَّق بسكنى الله وسط شعبه، وقيادته لهم بنفسه. الآن ببناء البيت يعلن إمكانيَّة التمتع بالحريَّة الحقيقيَّة، بسكنى واهب الحريَّة في وسطهم.
بني الهيكل بعد 480 عامًا من خروجهم من أرض العبوديَّة للتمتع بالحياة المقدَّسة، ظل السماء. وبعد أقل من 430 عامًا أُحرق الهيكل بواسطة نبوخذنصَّر حينما عاد الشعب إلى العبوديَّة بالسبي البابلي. وكأن وجود البيت كان علامة على شوق الله نحو تحرير شعبه ومؤمنيه.
بدأ بناء الهيكل في الشهر الثاني، وكأنه يبدأ بروح الحب الكامل كأساس روحي للبيت. فإن رقم 2 يشير إلى كمال الحب حيث يصير الاثنان واحدًا، وقد جاءت الوصيَّة عن الحب في وصيتين متكاملتين: حب الله وحب القريب (مر 12: 30-31). وقدمت الأرملة حبها الكامل مع الفلسين (مر 12: 42). وقدم السامري الصالح حبه الكامل مع الدينارين (لو 10: 35)، ويُعلن الكتاب المقدَّس الحب جوهرًا له بكونه العهدين القديم والجديد.
أما تسميَّة الشهر “زيو” فيعني البهاء أو السمو، ربَّما لأنَّه في هذا الشهر الذي يقابل شهر مايو تظهر الزهور الجميلة فتسكب بهاءً على الأرض. أمَّا بعد السبي فصار اسمه آيار Jyar. شهر زيو يقابل جزءً من شهر إبريل وآخر من شهر مايو. وكان الشهر الثاني من السنة الدينيَّة لليهود، والشهر الثامن من السنة المدنيَّة. قبل عصر سليمان يبدو أن اليهود لم يكونوا يشيرون إلى شهورهم بالأسماء بل بالشهر الأول أو الثاني أو الثالث إلخ.
وضعت أساسات الهيكل عام 2992 من الخليقة أو 1008 ق.م.، وانتهى العمل عام 3000 من الخليقة ودُشِّن عام 3001، أو عام 999 ق.م.
ارتفع بناء الهيكل فوق جبل الموريا في القدس، عند بيدر أرونة اليبوسي حيث بنى داود النبي مذبحًا للرب (2 صم 24: 28-35)، بعد أن مُهِّدت الأرض وسُدَّت الثغرات التي فيها.
دُعي “بيت الرب“، لأن الله نفسه هو الذي اختاره وحدد القائم ببنائه، ووضع خطته (1 أي 28: 11-12). ومن جانب آخر فإن المبنى مخصص للعبادة لله. ولا يمكن استخدامه أو استخدام أدواته في عملٍ آخر.
دُعي “بيت الرب” لأنَّه كان ظلًا للأمور العتيدة (عب 9: 9). ما كان يشغل الله هو أن يكون بيته مقدَّسا بكونه موضع لقاء القدوس مع قدِّيسيه. كانت خيمة داود تُدعى مع بساطتها “بيت الرب” (2 صم 12: 20)، وذلك من أجل تكريسها للرب وقداسة قلب داود. أمَّا الهيكل فمع كل فخامته وعظمته فارقه مجد الرب حينما أصر الشعب مع الكهنة على الفساد (حز 10: 18).
بدأ سليمان البناء في الشهر الثاني من السنة الرابعة من حكمه. فقد قضى ثلاث سنوات يعمل على استقرار المملكة حتى متى بدأ البناء لا ينشغل بشيء آخر. هذه السنوات الثلاث تضاف إلى السنوات التي قضاها داود أبوه في التهيئة للبدء في البناء.
2. أبعاده وملامحه:
* أبعاده:
“والبيت الذي بناه الملك سليمان للرب طوله ستون ذراعًا وعرضه عشرون ذراعًا وسمكه ثلاثون ذراعًا” [2].
يرى البعض أن الأبعاد هنا حوالي ضعف أبعاد خيمة الاجتماع، إذ كان عدد الشعب يتزايد، لذا صارت هناك حاجة إلى توسيع مكان العبادة. “أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك. لا تُمسكي. أطيلي أطنابك وشددي أوتارك” (إش 54: 2).
يتوقَّف حجم هيكل سليمان على إدراكنا للذراع القديم، وهو أمر غير مستقر تمامًا. يرى البعض أنَّه أقل من القديم، ما بين 19، 20 بوصة. يدعى بالذراع المقدَّس (حز 40: 5؛ 43: 13)، وهو بطول ذراع بشر، أطول من الذراع المتعارف عليه حاليًا.
* الرواق:
“والرواق قدام هيكل البيت طوله عشرون ذراعًا حسب عرض البيت وعرضه عشر أذرع قدام البيت” [3].
الرواق أو القاعة الممتدة أمام مبنى الهيكل يبلغ ارتفاعه أربعة أضعاف الهيكل، وهو يمثِّل حِليَّة للمبنى الضخم. المنظر من أعلى القاعة غاية في الروعة. قيل أنَّه يمكن للإنسان أن يرى البحر الأبيض المتوسط من جانب والبحر الميت من الجانب الآخر، عبر نهر الأردن وما وراء العربيَّة.
كان بجانب مدخله رواق (بهو) وأعمدة، ثم اتسع الرواق في عهد خلفاء سليمان حتى شمل جميع الجهات.
* النوافذ:
“وعمل للبيت كوى مسقوفة مشبكة” [4].
كانت النوافذ متسعة من الداخل وضيقة من الخارج مثل المباني المصريَّة الفرعونيَّة والأديرة القديمة حيث كانت الحوائط ضخمة، وهي تناسب دخول الهواء والنور وأيضًا خروج الدخان من المبنى، أي الدخان الصاعد من السرج التي توقد بالزيت، وأيضًا دخان البخور.
تشير هذه النوافذ إلى البصيرة، فيليق بنا أن تكون لنا البصيرة الداخليَّة المتسعة أكثر من النظرة الخارجية. فنهتم بإدراك أعماقنا الداخليَّة أكثر من انشغالنا بالغير. ندين أنفسنا وننتقدها عِوض انتقادنا للآخرين.
خلال هذه النوافذ يستطيع من بالداخل أن يرى حسنًا، أمَّا الذين في الخارج فلا يرون ما بالداخل. جاء في الترجوم أن النوافذ كانت تُفتح في الداخل وتغلق في الخارج.
* الغرف:
“وبنى مع حائط البيت طباقا حواليه مع حيطان البيت حول الهيكل والمحراب،
وعمل غرفات في مستديرها” [5].
إقامة الغرف حول حوائط البيت يُشير إلى الاهتمام بالملحقات العمليَّة حيث توضع الأدوات الخاصة بالهيكل بطريقة لائقة. وفيها يرتدي الكهنة ملابسهم الكهنوتية ويخلعونها، ويحفظون ثيابهم فيها. فمع جمال المبنى يلزم الاهتمام بمراعاة إمكانيَّة الاستفادة منه عمليًا، حتى يحقق المبنى هدفه.
لم يذكر هنا عدد الحجرات، وقد جاء عن الهيكل الوارد في رؤيا حزقيال أن عدد الحجرات ثلاثون (حز 41: 6)، ويقول الكُتّاب اليهود أن هذا الرقم هو ذات رقم حجرات هيكل سليمان.
كانت الحجرات من الجوانب الثلاثة للهيكل.
“فالطبقة السفلى عرضها خمس أذرع،
والوسطى عرضها ست أذرع،
والثالثة عرضها سبع أذرع،
لأنَّه جعل للبيت حواليه من خارج أخصامًا لئلا تتمكن الجوائز في حيطان البيت.
والبيت في بنائه بُني بحجارة صحيحة مقتلعة،
ولم يسمع في البيت عند بنائه منحت hammer ولا معول (فأس) ولا أداة من حديد” [6-7].
شُيِّدت الحيطان من حجارة نُقلت من المحاجر المعروفة إلى اليوم بمقالع سليمان، قرب باب العمود.
يرى البعض أن الكلمة العبريَّة هنا تعني أن الحجارة قد تم تهيئتها تمامًا قبل البدء في البناء، لكن ما أن بدأ البناء لم تستخدم أية آلة حديديَّة لتهيئة الحجارة. عدم استخدام أداة من حديد مثل الفؤوس يُشير إلى الالتزام بتهيئة كل شيء قبل البدء في البناء. يكون كل شيء خاصة الحجارة والنحت على الخشب معدًا للتركيب.
هذا وبناء بيت الرب يتحقَّق في جو من الهدوء والسكون. فالضجيج يحرم الإنسان من اللقاء مع الله، والتمتع بسكنى الله في داخله.
استخدام الفؤوس يشير إلى خبطات الصراعات المُرة بين المؤمنين، الأمر الذي يحطم بنيان الكنيسة بيت الله.
بيت الرب أو الهيكل يرمز لملكوت الله أو السماء عينها. يليق بنا أن نتهيَّأ هنا بالكامل لنوجد حجارة حيَّة معدّة للبناء السماوي. فهناك لا نسمع صوت أداة حديديَّة، حيث لا توبة ولا صرخات ولا تجارب، بل الكل في فرحٍ شديدٍ وتهليل قلبٍ.
* هذه المطرقة التي للأرض كلها يريد الله أن تُفهم أنَّها الشيطان. بهذه المطرقة التي في يد الرب، أي التي في قوته تضرب الألوان أو النفوس المقدَّسة لكي تعطى صدى لمدائح الله.
يُضرب كل من الإنسان البار والخاطئ بهذه المطرقة. الأول كتجربة والثاني كعقاب، أو على الأقل لكي يزداد البار في الفضائل ويصلح الخاطي من رذائله.
يُضرب بهذه المطرقة التي في يد الرب ليس فقط المتواضعين، بل والمتكبرون؛ لكن المتواضعين يُضربون كالذهب والمتكبرون ينكسرون كالزجاج. ذات الضربة تجعل الصالح في مجدٍ، وتحول الشرير إلى قشٍ، فيتحقَّق فيهم المكتوب: “كالقش الذي تزريه الريح” (مز 1: 4)(50).
الأب قيصريوس أسقف آرل
* ليكن باب فمك وباب قلبك مغلقين بحرصٍ شديدٍ، حتى لا يستطيع العدو أن يدخل. أنَّه بسرعةٍ وبعنفٍ يفتح الباب إن وجد الإمكانيَّة لذلك، أمَّا المسيح فيقرع (نش 5: 3، لو 12: 36) ولا يحطم الباب، فإنَّه “قد يشدد عوارض أبوابك يا أورشليم” (مز 147: 13). يقرع المسيح بيده لكي تفتحوا له، أمَّا العدو فيكسر الباب بالفؤوس، لذلك كُتب لا تدخل مطرقة ولا فأس إلى بيت الرب (1 مل 6: 7). ليكن الكبرياء والخداع خارج الأبواب لا داخلها. ليكن الصراع في الخارج (2 كو 7: 5)، أمَّا في الداخل فيوجد السلام الذي يفوق كل فهم (في 4: 7). ليته لا تُقطع نفوسكم بحديد، لئلا تكون كنفس يوسف تعبر بالحديد (في الحديد دخلت نفسه مز 105: 18). لئلا ينهدم الجزء المتحكم (في نفسك) الذي هو خيمة الكلمة، في بداية الإيمان نفسه وفي مدخل التعلم الروحي(51).
القديس أمبروسيوس
في العظة التاسعة على سفر يشوع، يتحدث أوريجينوس عن هيكل الله، الذي فيه يستطيع يسوع المسيح أن يقدِّم ذبيحته للآب. أنَّه مبني من حجارة سليمة، غير مكسورة. “لم يُرفع عليها حديدً” (راجع تث 27: 5). تلك هي الأحجار الحيَّة النقيَّة، الرسل القدِّيسون، الذين يؤلفون هيكلًا واحدًا من خلال وحدة قلوبهم (أع 1: 24) وأنفسهم. كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة (أع 1: 14)، كما كان لهم الذهن الواحد. فالوحدة الحقيقيَّة، بمعنى آخر، مؤسسة على الحياة المقدَّسة، والمحبة (وحدة القلوب)، والعبادة المشتركة (صوت واحد)، والإيمان الواحد (ذهن واحد).
يعتبر أوريجينوس تقدِّيس كل عضوٍ هو الأساس في وحدة الكنيسة، إذ أن ما يقترفه العضو يؤثر على الآخرين. فيقول: “خاطئ واحد يلوث الشعب”(52). و”أن من يقترف الزنا أو أية جريمة أخرى يلوث الشعب بأكمله”(53).
“وكان باب الغرفة الوسطى في جانب البيت الأيمن،
وكانوا يصعدون بدرج معطف إلى الوسطى ومن الوسطى إلى الثالثة” [8].
كان يوجد مدخل رئيسي واحد للحجرات الجانبيَّة التي للكهنة.
“فبنى البيت وأكمله وسقف البيت بألواح وجوائز من الأرز” [9].
يختلف النظام الشرقي للمباني عن الغربي. ففي الغرب السقف من الفخار أو plaster وأما في الشرق فالسقف من الخشب. غير أن المباني الأوربيَّة القديمة اتبعت نفس النظام الشرقي، هذا ما تؤكده قاعة وستمنستر Westminster Hall.
“وبنى الغرفات على البيت كله سمكها خمس أذرع وتمكنت في البيت بخشب أرز” [10].
3. الوعد الإلهي:
بينما كان سليمان منهمكًا بكل قلبه وطاقاته لبناء هيكل الرب تكلم الرب معه ليُشجعه. يؤكِّد له أنَّه سيسكن في وسط شعبه ولا يتركهم، بشرط أن يكونوا أمناء في وصيته لهم.
لا نستطيع أن نقدم صورة كاملة لما كان يجري حول الملك سليمان وما في داخله. ما ندركه أنَّه كان متهللًا بالروح، وأن كثيرين كانوا يشاركونه تهليل روحه. لكن بلا شك أن العمل احتاج إلى وقت طويل يبذله سليمان ورجاله، ونفقات ليست بقليلة، وتعبٍ شديدٍ. لهذا جاءت كلمة الرب تسنده وسط أتعاب شعبه.
ومن جانب آخر أراد الله تأكيد بناء هيكل الرب الداخلي بالطاعة لوصيته بكونه أهم من المباني الحجريَّة.
جاءت كلمة الرب إلى سليمان قبل البدء في العمل لتشجعه، وأيضًا أثناء العمل، وبعد انتهائه. يريد الله أن يبدأ معنا، ويسير معنا في طريقه، ويبلغ بنا إلى نهاية الطريق. يشتهي أن يرافقنا من البداية حتى النهاية، فهو الأول والآخر، البداية والنهاية.
“وكان كلام الرب إلى سليمان قائلًا:
هذا البيت الذي أنت بانيه أن سلكت في فرائضي،
وعملت أحكامي وحفظت كل وصاياي للسلوك بها،
فإني أقيم معك كلامي الذي تكلمت به إلى داود أبيك” [11-12].
لا تستطيع شركة مقاولات أن تبدأ في بناء ناطحة سحاب ما لم تتسلم الخرائط الخاصة بالإنشاء من المهندس مصمم المبنى. الله هو المهندس الذي يصمم بناء هيكله في النفس يقدِّم لنا هنا الخرائط للتنفيذ، وهي السلوك في فرائضه والعمل بأحكامه وحفظ وصاياه بالطاعة العمليَّة له، بهذا يقوم البناء فينا خلال عمل روحه القدوس.
داود النبي والملك هو صاحب فكرة بناء هيكل ثابت للرب بدلًا من خيمة الشهادة المتنقلة. جمع الأموال وخزَّن المجوهرات وجهَّز الأدوات والمعدَّات (2 صم 7، 1 مل 5: 3-5؛ 8: 17؛ 1 أي 22؛ 28: 11-29). ويقدِّم لنا الكتاب المقدَّس إحصاءً دقيقًا للأموال والمجوهرات التي أرصدها داود الملك لهذا العمل المقدَّس، أمَّا من خزائنه أو من أعماله وحلفائه.
“وأسكن في وسط بني إسرائيل ولا اترك شعبي إسرائيل” [13].
تحقَّق هذا بصورة أقوى وأعظم بمجيء كلمة الله نفسه في العالم وإقامة هيكله في القلوب، وسكناه في وسط الكنيسة، وفي أعماق المؤمنين.
ما وعد به الله هنا هو تأكيد لما سبق الوعد به في (2 صم 12: 12). إقامة الهيكل هو عربون للحضرة الإلهيَّة وسط الشعب، وتأكيد لما وعد به الله الملك داود، وما ورد في لاويين (26: 11).
“فبنى سليمان البيت وأكمله” [14].
4. الحوائط والأرضيَّة:
“وبنى حيطان البيت من داخل بأضلاع أرز من أرض البيت إلى حيطان السقف،
وغشاه من داخل بخشب وفرش أرض البيت بأخشاب سرو” [15].
المعنى هنا “غطي حيطان البيت…”، فلا يرى في داخل البيت أثر لحجارة الحوائط بل كل البيت مغلف في الداخل بالخشب، والخشب مغلف بطبقة من الذهب الخالص. حتى الأرضيَّة كانت مغلفة بالذهب، فيسير الإنسان على الذهب.
كان الداخل منقسم إلى قسمين بواسطة حجاب يحوي أبواب تطبّقdoors folding تُفتح وتُغلق بسلاسل ذهبيَّة. القسم الداخلي وهو قدس الأقداس في شكل مكعب أضلاعه 20 ذراعًا (حوالي 30 قدمًا). والقسم الأمامي يُدعى القدس طوله 40 ذراعًا. كان خشب الأرض منقوشًا بنقوش جميلة تمثِّل القثاء والزهور والكاروبيم والنخيل. كان الداخل كله مُغطّى بطبقة من الذهب فلا يرى حجر أو خشب قط. لا تنظر العين سوى الذهب سواء الصفائح الذهبيَّة أو تغطي النقوش.
“وبنى عشرين ذراعًا من مؤخر البيت بأضلاع أرز من الأرض إلى الحيطان،
وبنى داخله لأجل المحراب أي قدس الأقداس” [16].
يتحدث هنا عن القسم الخلفي من الهيكل أو الداخلي، أي قدس الأقداس.
“وأربعون ذراعًا كانت البيت أي الهيكل الذي أمامه.
وأرز البيت من داخل كان منقورًا على شكل قثاء وبراعم زهور.
الجميع أرز لم يكن يرى حجر” [17-18].
5. المحراب (قدس الأقداس):
“وهيأ محرابًا في وسط البيت من داخل،
ليضع هناك تابوت عهد الرب” [19].
المحراب أو قدس الأقداس أو “موضع الكلام” (كما تعني الكلمة العبريَّة). تدعى هكذا لأن الله كان يتكلم مع موسى خلال كرسي العرش فوق التابوت، أو لأن الله يتحدث هناك مع رئيس الكهنة حينما يرتدي الصدريَّة ويستشيره.
لقد جدد سليمان كل شيء ما عدا تابوت العهد بالكاروبين وكرسي العرش لأنَّه يمثِّل الحضرة الإلهيَّة. هذه الحضرة لن تتغير مع الزمن، بل تتحقَّق بذاتها مع شعبه سواء خلال خيمة الاجتماع أو هيكل سليمان.
كان قدس الأقداس أو المحراب في الهيكل ضخمًا جدًا إن قورن بذاك الذي في خيمة الاجتماع. كان يبدو تابوت العهد صغيرًا جدًا في وسط هذه المساحة، لهذا أُقيم الكاروبان الضخمان من الحائط إلى الحائط، ووضعت زينات كثيرة فلا يظهر قدس الأقداس فارغًا.
“ولأجل المحراب عشرون ذراعًا طولًا وعشرون ذراعًا عرضًا وعشرون ذراعًا سمكًا،
وغشاه بذهب خالص وغشى المذبح بأرز.
وغشى سليمان البيت من داخل بذهب خالص.
وسد بسلاسل ذهب قدام المحراب وغشاه بذهب” [20-21].
يصعب تقدير قيمة الذهب الذي يغلف المبنى كله من الداخل بجانب المنارة الذهبيَّة ومذبح البخور الذهبي إلخ.
“وجميع البيت غشاه بذهب إلى تمام كل البيت،
وكل المذبح الذي للمحراب غشاه بذهب” [22].
6. الكاروبان:
“وعمل في المحراب كروبين من خشب الزيتون علو الواحد عشر أذرع.
وخمس أذرع جناح الكروب الواحد وخمس أذرع جناح الكروب الآخر.
عشر أذرع من طرف جناحه إلى طرف جناحه.
وعشر أذرع الكروب الآخر قياس واحد وشكل واحد للكروبين.
علو الكروب الواحد عشر أذرع وكذا الكروب الآخر.
وجعل الكروبين في وسط البيت الداخلي.
وبسطوا أجنحة الكروبين.
فمس جناح الواحد الحائط وجناح الكروب الآخر مس الحائط الآخر،
وكانت أجنحتهما في وسط البيت يمس أحدهما الآخر.
وغشى الكروبين بذهب” [23-28].
كما يحمل غطاء التابوت كاروبين هكذا يوجد كاروبان يملآن قدس الأقداس، طرف جناح كل منهما يلمس من جانب الحائط ومن الجانب الآخر يلمس جناح الآخر، إشارة إلى أن الموضع سماوي، يمثِّل شركة السمائيين. أمَّا أنظارهما فلا تتجه نحو بعضهما البعض بل نحو التابوت، وفي (2 أي 3: 13) متجهة نحو البيت. فمع وجود الشركة بين السمائيين أي أن فكرهما لا ينشغل ببعضهما البعض بل بالله الساكن في هيكله المقدَّس.
* تنضم القوات الملائكيَّة إلى جماعات المؤمنين، إلى حيث تحل قوة ربنا ومخلصنا نفسه. وحيث تجتمع أرواح القدِّيسين، الذين سبقوا فرحلوا، ومن هم مازالوا بين الأحياء. ولو أن شرح ذلك ليس بالأمر السهل(54).
العلامة أوريجينوس
الكاروبيم (الشاروبيم):
“الكاروب” هم أحد الرموز الهامة في العبادة الموسويَّة، فيظهر في خيمة الاجتماع، وفيما بعد على حوائط هيكل سليمان، وفي رؤيا حزقيال الخاصة بالهيكل الجديد. ارتبط الشاروبيم بخيمة الله، مسكن الله وسط شعبه. يظهر كاروبان تمثالان من الذهب على كرسي الرحمة القائم على تابوت العهد القديم (خر 25: 17-22)، يشيران إلى المجد الإلهي، وكما يقول الرسول: “فوقه كروبا المجد مظللين الغطاء” (عب 9: 5).
متى أشير إلى الكاروبيم لا يدعوا “ملائكة”، لأنَّهم لا يقوموا بالعمل كمرسلين من الله إلى البشر لتقديم رسالة معينة، إنَّما يظهروا للبشر في رؤى لإعلان مجد الله وسلطانه وقداسته. بظهورهم يُعلن مسكن الله وعرشه السماوي، أي يمثِّلون الحضرة الإلهيَّة. يُشار إلى الله كجالس على الكاروبيم: “يا جالسًا على الكاروبيم أشرق” (مز 80: 1). “الرب قد ملك، ترتعد الشعوب، هو جالس على الكاروبيم، تتزلزل الأرض” (مز 99: 1).
اسم “الشاروبيم” يعني فيضًا من المعرفة أو تدفقًا من الحكمة. لذا فهم يشيرون إلى قوة المعرفة وإلى رؤية الله. يتأملون في جمال اللاهوت في أول إعلاناته، شركاء في الحكمة الإلهيَّة. يفيضون بينبوع حكمتهم على من هم أقل منهم بسخاء.
والعجيب أن الكاروب ارتبط بخلاصنا ارتباطًا وثيقًا، ظهر في أول أسفار الكتاب المقدَّس ممسكًا سيفًا ملتهبًا نارًا يحرس طريق الفردوس حتى لا يدخل الإنسان إلى شجرة الحياة (تك 3: 24). إذ لا تقدر طبيعة الإنسان الساقطة أن تقترب من سر الحياة. كما ظهروا في آخر أسفار الكتاب المقدَّس مع الأربعة وعشرين قسيسًا السمائيين يشتركون في تسبحة الحمل التي هي تسبحة خلاصنا (رؤ 5: 9)، إذ صار للإنسان حق الدخول إلى السماء عينها وقد تمجدت طبيعته في المسيح يسوع الحمل الحقيقي. أمَّا بين بدء الكتاب ونهايته فيظهر أيضًا كاروبان على تابوت العهد في خيمة الاجتماع والهيكل علامة الحضرة الإلهيَّة، وكان الله يتحدث مع موسى من خلالهما. أمَّا وجود كاروبين فوق تابوت العهد حيث يمثِّل عرش الله، فيشير إلى أن الله الساكن وسط شعبه يتحدث معهم ويعاملهم خلال الرحمة والحب. أيضًا وجود اثنين يشير إلى دور السمائيين من نحونا: الصلاة لأجلنا والعمل كخدام للعتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: 14). ورسم شكل الكاروب على ستائر الخيمة والحجاب (خر 27-25) يقترب من شكل الإنسان مجنحًا ليعلن عن اقتراب الطبيعة البشريَّة إلى الحضرة الإلهيَّة.
لقد عرف الإنسان الكاروب، فصار ليس غريبًا عن البشريَّة، لهذا عرفته الأمم ولا سيما الكلدانيون، وإن كانوا قد أضفوا عليه أشكالًا من عندياتهم كما فعل سائر الأمم في كل الحقائق الإيمانيَّة التي تسلموها شفاهًا بالتقليد وصبغوها بفكرهم المنحرف.
إذن حين نرى الكاروب إنَّما نتذكر طبيعتنا البشريَّة التي تمتعت بالخلاص من خلال اتحادها مع الله في المسيح يسوع ربنا بواسطة روحه القدوس.
تبع القدِّيس إكليمنضس السكندري فيلون اليهودي قائلًا: [إن كلمة “كاروب” تعني “معرفة”]، وكأنه من خلال المعرفة الروحيَّة تصير حياتنا مركبة تحمل الله داخلها. هذا ما قبله أيضًا القديس جيروم الذي رأى في الكاروب رمزًا لمخزن المعرفة التي تعمل في طبيعتنا لترفعها وتنطلق بها بين القوات السماويَّة. تعمل في طبيعتنا المتسلَّطة على الشهوات كأسد، وتحلق في الأمور العلويَّة كنسر وتعمل مجاهدة كالثور وبتعقل كإنسان. هذه المعرفة نغترفها من الأناجيل الأربعة، إذ يقول نفس القدِّيس: “متى ومرقس ولوقا ويوحنا هم فريق الرب الرباعي، الكاروبيم الحقيقيون، أو مخزن المعرفة؛ فإن جسدهم مملوء عيونًا ومتلألئ كالبرق… أقدامهم مستقيمة ومرتفعة، ظهرهم مجنح، مستعدون للطيران في كل الاتجاهات، كل واحد منهم يمسك بالآخر يتشابك الواحد مع غيره، كالبكرات وسط البكرات يتدحرجن على طول الخط، يتحركن حسب نسمات الروح القدس”(55).
“وجميع حيطان البيت في مستديرها رسمها نقشًا بنقر كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج” [29].
وجود الكاروبين في قدس الأقداس ونقش الكاروبين في جميع حوائط البيت ليس لعبادة الطغمات السمائية، وإنما لتأكيد شركة السمائيين مع الأرضيين في عبادة الله الحيّ.
“وغشى أرض البيت بذهبٍ من داخل ومن خارج.
وعمل لباب المحراب مصراعين من خشب الزيتون الساكف والقائمتان مخمسة” [30-31].
7. الأبواب:
“والمصراعان من خشب الزيتون،
ورسم عليهما نقش كروبيم ونخيل وبراعم زهور،
وغشاهما بذهب ورصّع الكروبيم والنخيل بذهب.
وكذلك عمل لمدخل الهيكل قوائم من خشب الزيتون مربعة.
ومصراعين من خشب السرو.
المصراع الواحد دفتان تنطويان، والمصراع الآخر دفتان تنطويان.
ونحت كروبيم ونخيلًا وبراعم زهور وغشاها بذهب مطرق على المنقوش” [32-35].
يعتبر العلامة أوريجينوس أن الكنيسة هي باب البر، من خلاله يدخل يسوع المسيح البار. وتقع أبواب الكنيسة في الاتجاه المضاد لأبواب الموت.
* الآن يمكن فهم أبواب صهيون بصفتها مضادة لأبواب الموت. يوجد إذن باب واحد للموت والإثم، أمَّا باب صهيون فهو ضبط النفس. وهذا ما يقصده النبي القائل: “هذا باب الرب والصديقون يدخلون فيه” (مز 118: 21).
كما يوجد الجبن، وهو باب للموت؛ في حين أن الشجاعة هي باب صهيون.
نقص التعقل هو باب الموت، وعلى العكس التعقل هو باب صهيون.
وفي مقابل جميع أبواب “العلم الكاذب الاسم” (1 تي 6: 20) يوجد باب واحد يجابهها، هو باب المعرفة المنزهة عن الكذب.
ولكن إذا وضعنا في الاعتبار أن “مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ” (أف 6: 12) يمكن القول أن كل قوة ورئيس عالم هذه الظلمة، وكل واحدٍ من “أجناد الشر الروحيَّة في السماويَّات” (أف 6: 12)، هو باب للجحيم والموت(56).
العلامة أوريجينوس
كانت حوائط خيمة الاجتماع من أقمشة ملونة ثمينة مرسوم عليها الكاروبيم فقط. أمَّا في الهيكل فالخشب منحوت بأشكال الشاروبيم والنخيل وأزهار متفتحة. اختيار النخيل إشارة إلى الاستقامة ودوام الأخضرار، وقد عرفت فلسطين بنخيلها، هذا وسعف النخيل يشير إلى السلام مع النصرة، وكأن البيت هو قصر الملك واهب السلام والنصرة، أو هو ملك السلام.
جاء الهيكل أشبه بقصر ملكي ليُعلن أن الله هو الملك الخفي الذي يحكم ويدبر شئون شعبه. كقصور الملوك، مزود بقاعة، ومن الجوانب مبانٍ ثلاثة أدوار منفصلة عنه تعطيه نوعًا من الوقار. الداخل مغلف بأخشاب ثمينة منحوتة مغشاة بالذهب الخالص لأنَّه مسكن الملك السماوي.
* زينة العالم هي الكنيسة المُزينة بيسوع الذي هو نور العالم(57).
بمقارنة النص بما ورد في حزقيال (41: 18) يظهر أن شجر النخيل يوضع مع الكاروبيم بالتبادل، فتظهر شجرة النخيل دائمًا بين كاروبين. فإن كان المؤمن الحقيقي كالنخلة يزهو، فإنَّه مُحاط بالسمائيين من كل جانب. وكأن الهيكل الحقيقي هو مصالحة السمائيين مع الأرضيين، وتمتع البشريَّة بالشركة مع السمائيين خلال نعمة الله المجانيَّة.
8. الدار الداخليَّة:
“وبنى الدار الداخليَّة ثلاثة صفوف منحوتة وصفًا من جوائز الأرز” [36].
الدار الداخليَّة هنا تطابق “دار الكهنة” (2 أي 4: 9)، هذا يفترض وجود دار خارجية أُشير إليها في (2 أي 4: 9) وتُدعى “الدار العظيمة”. الدار الداخليَّة تدعى “الدار العُليا” في (إر 36: 10) حيث أنَّها في مستوى أعلى من الدار الخارجية.
9. مدة البناء:
“في السنة الرابعة أسس بيت الرب في شهر زيو.
وفي السنة الحاديَّة عشرة في شهر بول،
وهو الشهر الثامن أكمل البيت في جميع أموره وأحكامه،
فبناه في سبع سنين” [37].
استغرق بناء الهيكل سبع سنوات أو سبع سنوات ونصف، وهو الوقت الذي فيه تم بناء بيت الهيكل ودار الكهنة مع التهيئة للدار الخارجية. لكن هذه الفترة تعتبر قصيرة جدًا لبناء هيكل ضخم كهذا. غير إنَّنا نلاحظ أن هذه الفترة لا تشمل الأعمال السابقة الضروريَّة للبدء في العمل كتهيئة الأرض؛ وأيضًا مثل فترة قطع الأخشاب وقطع الحجارة ونحتها. مع ضخامة المبنى وجماله وتكلفته الفائقة إىَّ أن مساحته كانت نسبيًّا صغيرة. هذا وأن عدد العاملين لتهيئته ولبنائه ضخم للغاية.
أهميَّة بناء الهيكل ورد في (8: 13، 27؛ 9: 3؛ 2 أي 6: 2) إلخ. أنَّه مسكن ليهوه، وموضع كرسيه، الله الذي لا تسعه سماء السموات قبِل أن يكون له بيت وسط شعبه (8: 27)، يسكن فيه اسمه (8: 26 الخ؛ 2 أي 6: 5؛ 2 صم 7: 13).
الراحة في مقدَّس المعرفة المقدَّسة
* من ثم، فلأنني اعتقدت أنني اعتنق المعتقد الصحيح، وأدركت معرفة تلك الأمور قلت لنفسي: “إذا هو تعب في عينيِّ، حتى دخلتُ مقادس الله، وانتبهتُ إلى آخرتهم” (مز 73: 16-17) وهذا يعني: التعب الوحيد الباقي لي هو أنَّه ينبغي أن أذهب إلى مقدَّس الله حيث الشاروبيم (خر 25: 17-22)، أي إلى عمق المعرفة، وألا انشغل بالآراء الخاملة غير الأكيدة، لأن “حديث الأحمق مثل حِمل في الطريق” (سيراخ 21: 16).
فلندخل إذن إلى مقدَّس المعرفة المقدَّسة، وحِجال الحق (محراب المعرفة الداخليَّة). ولا يكون لنا عمل آخر سواه، لأن الحكمة تجذبنا بعيدًا عن فكر المشقة. فإن يعقوب لم يكدِّ حقًا (تك 27: 20)، حيث سبب المشقة جهل. لأن من لا يعرف أن الجعالة قد أُعدت للأبرار فوق لا ينتعش ولا يبتهج بكدِه، بل بالأحرى ينحني وينكسر بالعمل الذي ينشأ عن افتقاره للمعرفة. لهذا فلندخل إلى مقدَّس الله، حيث الشاروبيم، الذين فيهم تذكر المعرفة المقدَّسة، والنور الأبدي والحقيقي(58).
القديس أمبروسيوس
نختم حديثنا عن بناء هيكل الرب بكلمات العلامة أوريجينوس:
* يا ربي يسوع المسيح، اجعلني مستحقًا للمشاركة في بناء بيتك.
تعالوا نبني خيمة إله يعقوب، يسوع ربنا، ونزينها…
موضع سكني الله هو القداسة المطلوب منا تحقيقها… وبالتالي يمكن لكلٍ منا أن يهيئ خيمة لله في قلبه. تشير شققها العشرة (خر 26: 1) إلى تنفيذ الوصايا العشرة.
فحص خيمة الاجتماع عن قربٍ.
فيرمز الأرجوان والاسمانجوني والبوص المبروم أي الكتان إلخ. إلى الأعمال الصالحة،
ويرمز الذهب إلى الإيمان (رؤ 3: 18)؛
والفضَّة إلى الكرازة (مز 12: 6)؛
والنحاس إلى الصبر؛
والخشب الذي لا يسوس إلى المعرفة التي يقتنيها المؤمن في البريَّة الموحشة، وإلى الطهارة الدائمة.
والكتان إلى البتوليَّة؛
والأرجوان إلى الاستشهاد.
والقرمز إلى بهاء المحبة.
والإسمانجوني إلى الرجاء في ملكوت السموات.
ومن كل هذه المواد تُبنى خيمة الاجتماع.
ولا بُد للنفس من مذبح في وسط القلب، تقدًَّم عليه ذبائح الصلاة ومحرقات الرحمة. تُذبح ثيران الكبرياء بسكين الوداعة، كما تُقتل كباش الغضب ونعاج الترف والشهوة.
لتعرف النفس كيف تقيم منارة دائمة الإنارة، وذلك عن يمين القدس الذي لقلبها(59).
العلامة أوريجينوس
من وحي 1 ملوك 6
بيتك مُعد في وسط قلبي
لتسكن فيه أبديًا!
* بنى سليمان البيت وكل زينته!
بناه بحجارة صحيحة،
ولم يسمع في البيت صوت منحت أو معول.
بنيت كل ملحقاته ولم يعد ينقصه شيء.
وعدته أن حفظ وصاياك تقيم معه كلامك الذي تكلمت به مع داود أبيه.
تسكن في وسط شعبك، ولا تتركه.
* هوذا بيتك مُعد في داخلي.
تجد فيه القدس وقدس الأقداس.
يفرح الكاروبيم وكل الطغمات السمائية بحلولك فيه.
بدخولك تصير أرضي سماءً.
بسكناك يتهلل الكل بك.
لتسكن على الدوام ولا تفارق قلبي.
- سفر الملوك الأول – أصحاح 6
- تفاسير أخرى لسفر الملوك الأول – أصحاح 6
تفسير ملوك الأول 5 | تفسير ملوك الأول القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير ملوك الأول 7 |
تفسير العهد القديم |