تفسير إنجيل لوقا أصحاح 13 – أ. بولين تودري

12- ثمر التوبة (13: 1-9)

تقدم قوم إلى يسوع بعد أن القي خطابه الطويل (ص 12)، يخبرونه عن حادثتين وقعا عندهم، هما حادثة قتل الجليليين، وحادثة سقوط برج سلوام علي ثمانية عشر. فقد كانت فلسطين مقسمة في ذلك الوقت ثلاثة أقسام الجليل، والسامرة، واليهودية. وكان الجليليون سكان القسم الشمالي منها، وهم أقل تمدنًا من سائر سكان فلسطين، وأقل خضوعًا للرومانيين، وكثيري الفتن، وكانوا تحت حكم هيرودس، في الوقت الذي كان فيه بيلاطس واليًا علي اليهودية. وقد نادي هؤلاء الجليلييون بعدم تقديم ذبائح لله من أجل سلام الإمبراطور والدولة الرومانية، الأمر الذي أثار بيلاطس فطلب قتلهم وهم يقدمون ذبائحهم في الهيكل، في أورشليم، انتقامًا منهم. أما الثمانية عشر فقد قتلوا خارج أسوار أورشليم، حيث يوجد برج سلوام الذي سقط عليهم.

قد ذكر هؤلاء القوم هاتين الحادثتين لكي يعرفوا رأي المسيح في أفكارهم. فهم يظنون أن كل حادثة تحدث بينهم هي بسبب خطاياهم. وعلي هذا كانوا يرون أن كل من يتعرض لكارثة فهو أشر من غيره.

أما ربنا يسوع فلم ينف إمكان تعرضنا لبعض العقاب علي خطايانا هنا، ولكن ليست الكوارث هي الوسيلة الوحيدة لذلك، فالعقاب الحقيقي للخطية هو الهلاك الأبدي، ولا نجاة من هذا الهلاك إلا بالتوبة.

وأعطاهم مثلًا بالتينة التي تشبه الأمة اليهودية التي غرسها الله في العالم، وجاء يطلب منها ثمرًا فلم يجد.. ثم جاء يسوع الكرام ينقب حولها، ويذكرها بخطاياها، ويعلمها إرادة الآب، ويشفع فيها، ويموت عنها، حتى تستطيع أن تأتي بثمر. فكل من قبل عمل المسيح في حياته وصنع ثمرًا صالحًا فهذا ينجو، أما من لا يأتي بثمر فعمل المسيح من أجله يدينه في اليوم الأخير ويقطعه من بين صفوف التائبين.

13- الشفاء والتسبيح (13: 10-17)

لليهود هيكل واحد في أورشليم يقدمون فيه الذبائح الدموية، ولكن لهم مجامع كثيرة في كل مكان للعبادة اليومية. وفي أحد هذه المجامع شفي الرب المرأة المنحنية. إن الشيطان أحنى نفوسنا برباطات الخطية سنين طويلة، ولكن ملكنا المسيح جاء وأخذنا من قبضته إذ وضع يده علينا، فانتقل ضعفنا وخطايانا إليه وحملهم عنا بالصليب، وأنتقل بره وصلاحه إلينا بقيامته منتصرًا، فاستقامت نفوسنا وأصبحت قادرة أن تنتصب وتأتي بثمر. فلنسبحه ونمجده ونزيده علوًا، لأنه أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له.

14- ملكوت الله يقبل الجميع (13: 18-30)

لقد بدأ يسوع ينادي بملكوت لله يقبل الجميع، ويُعطي شفاء للكل فها هي طيور السماء بأنواعها المختلفة (اليهود والأمم) تتآوى تحته. فإن الإنجيل سيكرز به في المسكونة كلها، سينتشر ويكون شجرة كبيرة وكل من يقبل كلمة الله تصير فيه قوية وفعالة وأمضي من كل سيف ذي حدين وتدخل إلي داخل النفس فتنير الضمير وتنقي القلب وتطهر الحواس، تخمر العجين كله.

وهنا اعترض اليهود، فهم يظنون أنهم فقط القليلون الذين يخلصون فهم أبناء إبراهيم، وعندهم الناموس، ولهم المواعيد. فأجابهم يسوع قائلًا:

اجتهدوا أن تقبلوا المسيح كمخلص، وتقبلوا فعل كلمة الله فيكم حينما تدينكم علي أعمالكم، وتقبلوا الجهاد المتواصل وليس إلى حين فقط، ولا تعتمدوا علي بر أنفسكم، وعلي أنكم أولاد إبراهيم، بل أدخلوا من باب التوبة والإيمان وإنكار الذات، فهذا هو الباب الضيق الوحيد الذي يؤدي إلي الملكوت. فكثيرون سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون، لأنهم يطلبون بابًا واسعًا يشبع شهوات قلوبهم، ويمتع أجسادهم بخيرات زمنية. يريدون بابا يحفظ لهم المظهر المتدين، والشكل الصالح أمام الناس، وهم في قلوبهم يرعون أطماعهم.

15- تهديد هيرودس (13: 31 + إلخ.)

* الإصحاحات من (13: 22 – 18: 14)

تنقل لنا خدمة المسيح في قري بيرية، وهو في طريقه إلي أورشليم. وبيرية كانت جزءًا من مملكة هيرودس كالجليل. ويبدو أن هيرودس أرسل عن طريق هؤلاء الفريسيين تحذيرًا ليسوع لكي يترك بيرية لأنه لا يريد شغبًا وسط شعبه ، لذلك وصفه يسوع بالثعلب إذ أتخذ أسلوب الخداع والاحتيال لكي يخيفه، فهو يعلم أن هؤلاء الفريسيين يكرهون المسيح ويحسدونه لأنه أخذ منهم منابر التعليم، ولكنه أرسلهم إليه في صورة أصدقاء ينصحونه. أما يسوع فقد كانت أمامه مسيرة يومين في قري بيرية حتى يصل إلى أورشليم. فهو لا يتحرك بأمر سلطان بشري. وهنا تذكر أورشليم حيث هو مزمع أن يذهب ليتألم هناك، فلا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم، إذ أن المجلس الذي يحكم في دعاوي الأنبياء هناك، وإن حكم ذلك المجلس علي أحد بأنه نبي كاذب مجدف، وقضي عليه بأنه مستحق الموت، فإنه يسلمه للرومانيين في أورشليم لينفذوا ذلك القضاء.

زر الذهاب إلى الأعلى