تفسير سفر يهوديت 16 للقمص أنطونيوس فكري

 

آيات (1-31): “حِينَئِذٍ أَنْشَدَتْ يَهُودِيتُ هذَا النَّشِيدَ لِلرَّبِّ فَقَالَتْ: «سَبِّحُوا الرَّبَّ بِالدُّفُوفِ، رَنِّمُوا لِلرَّبِّ عَلَى الصُّنُوجِ، أَنْشِدُوا لَهُ إِنْشَادًا جَدِيدًا، عَظِّمُوهُ وَادْعُوا بِاسْمِهِ. الرَّبُّ يَمْحَقُ الْحُرُوبَ، الرَّبُّ اسْمُهُ. جَعَلَ مُعَسْكَرَهُ فِي وَسْطِ شَعْبِهِ لِيُنْقِذَنَا مِنْ أَيْدِي جَمِيعِ أَعْدَائِنَا. أَتَى أَشُّورُ مِنَ الْجِبَالِ الشَّمَالِيَّةِ، أَتَى فِي كَثْرَةِ قُوَّتِهِ، فَسَدَّتْ كَثْرَتُهُ الأَوْدِيَةَ وَخُيُولُهُ غَطَّتِ الْوِهَادَ. قَالَ إِنَّهُ سَيُحْرِقُ تُخُومِي، وَيَقْتُلُ فِتْيَانِي بِالسَّيْفِ، وَيَجْعَلُ أَطْفَالِي غَنِيمَةً وَأَبْكَارِي سَبْيًا؛ الرَّبُّ الْقَدِيرُ ضَرَبَهُ وَأَسْلَمَهُ إِلَى يَدِ امْرَأَةٍ فَطَعَنَتْهُ. إِنَّ جَبَّارَهُمْ لَمْ يَسْقُطْ بِأَيْدِي الشُّبَّانِ وَلَمْ يَبْطُشْ بِهِ بَنُو طِيطَانَ وَلاَ جَبَابِرَةٌ طِوَالٌ تَعَرَّضُوا لَهُ، بَلْ يَهُودِيتُ ابْنَةُ مَرَارِيَ بِجِمَالِ وَجْهِهَا أَهْلَكَتْهُ. نَزَعَتْ ثِيَابِ إِرْمَالِهَا، وَتَرَدَّتْ بِثِيَابِ فَرَحِهَا لاِبْتِهَاجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. دَهَنَتْ وَجْهَهَا بِالطِّيبِ، وَضَمَّتْ ضَفَائِرَهَا بِالتَّاجِ، وَلَبِسَتْ حُلَلَهَا الْفَاخِرَةَ لِتَفْتِنَهُ. بَهَاءُ حِذَائِهَا خَطِفَ أَبْصَارَهُ، وَجَمَالُهَا أَسَرَ نَفْسَهُ، فَقَطَعَتْ بِالْخَنْجَرِ عُنُقَهُ. إِرْتَاعَتْ فَارِسُ مِنْ ثَبَاتِهَا، وَالْمَادِيُّونَ مِنْ جُرْأَتِهَا. حِينَئِذٍ أَعْوَلَتْ مَحَلَّةُ الأَشُّورِيِّينَ عِنْدَمَا ظَهَرَ مُتَوَاضِعِيَّ مُلْتَهِبِينَ مِنَ الْعَطَشِ. بَنُو الْجَوَارِي أَثْخَنُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ كَأَنَّهُمْ صِبْيَةٌ مُنْهَزِمُونَ، فَهَلَكُوا فِي الْقِتَالِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ إِلهِي. فَلْنُسَبِّحِ الرَّبَّ تَسْبِيحًا، وَنُرَنِّمْ نَشِيدًا جَدِيدًا لإِلهِنَا. أَيُّهَا الرَّبُّ أَدُونَايُ إِنَّكَ عَظِيمٌ شَهِيرٌ بِجَبَرُوتِكَ وَلاَ يَقْوَى عَلَيْكَ أَحَدٌ. إِيَّاكَ فَلْتَعْبُدْ خَلِيقَتُكَ بِأَسْرِهَا، لأَنَّكَ أَنْتَ قُلْتَ فَكَانُوا أَرْسَلْتَ رُوحَكَ فَخُلِقُوا، وَلَيْسَ مَنْ يُقَاوِمُ كَلِمَتَكَ. تَهْتَزُّ الْجِبَالُ مِنْ أَسَاسِهَا مَعَ الْمِيَاهِ، وَالصُّخُورُ كَالشَّمْعِ تَذُوبُ أَمَامَ وَجْهِكَ، وَالَّذِينَ يَتَّقُونَكَ يَكُونُونَ أَعِزَّةً عِنْدَكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ. اَلْوَيْلُ لِلأُمَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى شَعْبِيَ، الرَّبُّ الْقَدِيرُ يَنْتَقِمُ مِنْهُمْ وَفِي يَوْمِ الدَّيْنُونَةِ يَفْتَقِدُهُمْ. يَجْعَلُ لُحُومَهُمْ لِلنَّارِ وَالدُّودِ، لِكَيْ يَحْتَرِقُوا وَيَتَأَلَّمُوا إِلَى الأَبَدِ». وَكَانَ بَعْدَ هذَا أَنَّ جَمِيعَ الشَّعْبِ بَعْدَ غَلَبَتِهِمْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيَسْجُدُوا لِلرَّبِّ، وَلَمَّا تَطَهَّرُوا قَدَّمُوا جَمِيعُهُمْ مُحْرَقَاتِهِمْ وَنُذُورَهُمْ وَأَوْعَادَهُمْ. وَيَهُودِيتُ أَيْضًا قَدَّمَتْ جَمِيعَ أَدَوَاتِ حَرْبِ أَلِيفَانَا الَّتِي أَعْطَاهَا لَهَا الشَّعْبُ وَالْخَيْمَةَ الَّتِي أَخَذَتْهَا مِنْ سَرِيرِهِ إِبْسَالَ نِسْيَانٍ. وَكَانَ الشَّعْبُ مَسْرُورِينَ بِمُشَاهَدَةِ الْمُقَدَّسَاتِ، وَعَيَّدُوا لِفَرَحِ هذِهِ الْغَلَبَةِ مَعَ يَهُودِيتَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَبَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ، وَعَظُمَتْ يَهُودِيتُ فِي بَيْتِ فَلْوَى جِدًّا، وَكَانَتْ أَجَلَّ مَنْ فِي جَمِيعِ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ فِيهَا الْعَفَافُ مَقْرُونًا بِالشَّجَاعَةِ، وَلَمْ تَعُدْ تَعْرِفُ رَجُلًا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهَا مُنْذُ وَفَاةِ مَنَسَّى بَعْلِهَا، وَكَانَتْ فِي الأَعْيَادِ تَظْهَرُ بِمَجْدٍ عَظِيمٍ. وَبَقِيَتْ فِي بَيْتِ بَعْلِهَا مِئَةً وَخَمْسَ سِنِينَ، وَأَعْتَقَتْ وَصِيفَتَهَا، وَتُوُفِّيَتْ وَدُفِنَتْ مَعَ بَعْلِهَا فِي بَيْتَ فَلْوَى. فَنَاحَ عَلَيْهَا جَمِيعُ الشَّعْبُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَلَمْ يَكُنْ مُدَّةَ حَيَاتِهَا كُلِّهَا مَنْ يُقْلِقُ إِسْرَائِيلَ وَلاَ بَعْدَ مَوْتِهَا سِنِينَ كَثِيرَةً، وَأُحْصِيَ يَوْمُ هذِهِ الْغَلَبَةِ عِنْدَ الْعِبْرَانِيِّينَ فِي عِدَادِ الأَيَّامِ الْمُقَدَّسَةِ، وَالْيَهُودُ يُعَيِّدُونَهُ مُنْذُ ذلِكَ الْوَقْتِ إِلَى يَوْمِنَا هذَا.”

 

آيات (1، 2): إنشادًا جديدًا= فكل يوم يعمل معنا الله عملًا جديدًا. وكل يوم نكتشف عن الله شيئًا جديدًا نسبحه عليه. والأنشودة الجديدة دائمًا لذيذة وليست فيها ملل، وهكذا تسبيح الله إذا عرفناه حقيقة لا يكون فيه ملل.

 

آيات (3، 4): الرب يمحق الحروب= أي يسحق أعداءه وأعداء شعبه الذين أتوا ليحاربوا شعبه. وهو يسكن وسط شعبه وينقذهم. بنو طيطان= الكلمة غير معروفة ولكن المعنى واضح أن الله هزم هذا الجبار بيد امرأة وليس بيد جبابرة.

 

آيات (12-14): أعولت محلة الآشوريين= سمع عويلهم وصراخهم ومِنْ مَنْ؟ عندما ظهر متواضعيَّ من جنود اليهود المتواضعين البسطاء الخائرين من الجوع والعطش= ملتهبين من العطش فأليفانا كان قد منع المياه عنهم. حقًا “قوتي في الضعف تكمل” (2كو9:12).

بنو الجواري= كان أشور يتصور أن اليهود عبيد لهم، فصار الآشوريون كصبية منهزمون.

 

آيات (15-18): أدونايهو اسم الرب في العهد القديم.

 

آيات (22-24): لم ينسى الشعب أن يذهب ليشكر الله في أورشليم حيث الهيكل ويقدمون ذبائحهم. مهم أن نصلي لله في المخدع ومهم أن نذهب للكنيسة.

إبسال نسيان= الغنائم التي أخذتها يهوديت في مقابل بسالتها وشجاعتها، ها هي تقدمها لله حبًا فيه، وتنساها = تنسى ما عملته، فالله هو الذي عمل حقيقة [هذا يتطابق تمامًا مع (زك9:6-15)]. هي كرست كل ما حصلت عليه لله ليكون في بيت الله دليلًا على مدى الأجيال لقوة الله وعنايته بشعبه، وضعف الأشرار أمام عظمة الله.

المعنى أن الذي عمل العمل هو الله، ويهوديت ما كانت سوى أداة قبلت أن يعمل الله بها، وكانت هذه البسالة هي قوة أعطاها لها الله وليست منها . فإن كان العمل قد تم ونجح فعليها أن تنسى أنها عملت شيئا… لماذا؟

لأن الشيطان يُغوى كل من عمل عملا ناجحا أنه هو الذي نجح وينسى أن الله هو الذي أعطاه النجاح. فبدلًا من أن يشكر الله على النجاح تجد هذا الشخص ينسب النجاح لذكائه أو خبراته أو.. إلخ.، بدلًا من أن يشكر الله على أنه قَبِلَ أن يستخدمه في إتمام هذا العمل. فهو بهذا كأنه يسرق عمل الله وينسبه لنفسه.

أما يهوديت فلقد تصرفت بالطريقة السليمة، فهي بدلا من أن تحتفظ بغنائم القائد الذي قتلته ببسالة، نجدها تضع هذه الغنائم في هيكل الله ناسبة الفضل كله لله. ولا تحتفظ بهذه الغنائم في بيتها أمام عينيها فتكون كشرك لها، فتظل تذكر بسالتها فيما عملته ناسية أن الله هو الذي عمل العمل ويوما وراء يوم تتضخم الأنا داخلها وتنسى الله، وكلما تضخمت الأنا لا يعود الإنسان يرى شيئا سوى نفسه. ولنفهم شيئين:-

إما أن أتذكر نفسي وأنسب كل نجاح لنفسي وأنسى المسيح، فحينئذ أتحوصل حول نفسي فاصلا نفسي عن المسيح وهذا هو الموت لأن المسيح هو الحياة (يو11: 25). وإما أن أنسب كل النجاح والعمل للمسيح، وأن المسيح هو الذي عمل العمل بي وأنا كنت مجرد أداة، فبهذا تكون لي حياة… فلماذا؟ لأنني حينما أنسب العمل للمسيح وأن المسيح عمل بي فأنا أولًا أعلن الحقيقة ولا أسلب المسيح حقه. ثانيا حين أشعر بهذا فأنا أشعر بالمسيح الذي عمل فيَّ وألتصق به، والمسيح يثبت فيَّ، والمسيح الذي يثبت فيَّ هو الحياة، ولهذا أحيا. الأنا المتضخمة هي انفصال عن الله، لذلك يطلب المسيح “اثبتوا فيَّ” والله الذي خلقنا لنحيا أبديا يعرف أنه لا حياة إلا فيه فهو الحياة. فكيف نحيا أبديا ونحن في حالة انفصال عنه شاعرين بذواتنا وقوتنا وإمكانياتنا. أما الإنسان المسيحي فهو يحب الله ولأن الله محبة، يصير المسيحي حبا ذائبا في حب، وهذا هو الثبات في المسيح. وهذا هو ما قالته عروس النشيد لعريسها “إجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت” [(نش8: 6) برجاء مراجعة التفسير في مكانه لتكتمل الصورة)].

الله الذي لا ينسى كأس ماء بارد، لن ينسى تعب أحد. فيهوديت نسبت العمل كله لله ووضعت الغنائم في بيت الله لكي تنسى نفسها وما عملته، لكن الله الذي لا ينسى ذكر لها عملها وسجله في سفرٍ بإسمها، وصار إسمها يتردد عبر ألاف السنين. فالله يكرم الذين يكرمونه (1صم2: 30).

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى