العظات الخمسون للقديس أنبا مقار

من يغلب يرث كل شئ

‏‏العظة الثالثة عشرة من العظات الخمسون

[الثمرة التي يطلبها الله من المسيحيين]

1- لقد خلق الله جميع المنظورات ومنحها للبشر لأجل راحتهم وتنعمهم، وأعطى لهم ناموس البر[انظر رو9: 31] ، ولكن منذ مجيء المسيح والله يطلب ثمرة أخرى وبراً آخر- يطلب نقاوة القلب وضميراً صالحاً وكلاماً طيباً وأفكاراً طاهرة صالحة وكل أعمال القيسين القويمة[1] ، لأن الرب يقول : “إن لم يزد بركم على بر الكتبة والفريسيين فلا تقدون أن تذځلوا ملكوت السماوات . ومكتوب في الناموس : لاتزن ، وأما أنا فأقول لكم : لا تشته ؛ ولا تغضب” ( مت5: 20، 27، 28، 22) . لأنه يتعين على من يريد أن يصير حبيباً وأخاً وابناً للمسيح أن يعمل شيئا يفوق ما يعمله باقي الناس ، ألا وهو تكريس القلب ذاته والذهن ذاته ، وبسط الأفكار نحو الله ، وهكذا يعطي الله ، خُفية ، حياة ومعونة للقلب ويأتمنه على ذاته هو . فعندما يسلم أحد سرائره ، أي ذهنه وأفكاره ، لله ، دون أن ينشغل أو يطيش في مكان آخر بل يغصب ذاته ، فإن الله يؤهله لأسراره في قداسة ونقاوة عظيمتين ويهبه غذاءً سماوياً وشراباً روحياً.

2- كما لو كان أحد يقتني ملكاً خاصاً عظيماً وعبيداً وأولاداً ، فإن الطعام الذي يعطيه لعبيده يختلف عن ذاك الذي يمنحه لأولاده الخواص المولودين من زرعه ، فالأولاد يرثون أباهم ويأكلون معه لأنهم صاروا متشبهين بأبيهم ؛ هكذا أيضاً المسيح ، السيد الحقيقي ، قد خلق هو نفسه كل شيء ، وهو يُقيت الأشرار وغير الشاكرين[انظر لو6: 35] ، أما أولاده الذين ولدهم من زرعه[انظر 1يو3: 9] وأسبغ عليهم من نعمته وتصور الرب فيهم[2] ، فإنه يقيتهم بأسمى مما يقيت به بقية الناس – يُقيتهم براحة خاصة وطعام ومأكل ومشرب ، بل ويهبهم [ذاته][3] لأنهم يسلكون في معية أبيهم يسوع ، كما قال الرب: « من يأكل جسدي ويشرب دمي . يثبت فيَّ وأنا فيه » ( يو6: 56 ) ، و « لن يرى الموت إلى الأبد » ( یو8: 51) . لأن الذين لهم الإرث الحقيقي هم كأبناء مولودین  من الآب السماوي ، ويقضون حياتهم في بيت أبيهم ، كما قال الرب : « العبد لا يبقى في البيت، أما الابن يبقى إلى الأبد » ( یو8: 35 – حسب النص ) .

3 – فإن كنا نشاء نحن أيضاً أن تولد من الآب السماوي ، يلزمنا أن نعمل شيئاً فائقاً لما يعمله باقي الناس – يلزمنا الاجتهاد والجهاد والغيرة والمحبة والسيرة الصالحة في إيمان وخوف ، حيث إننا نريد أن نحظى بخيرات هكذا عظيمة ، وأن نرث الله[انظر رو8: 17]، « لأن الرب هو نصيب ميراثي وكأسي »[انظر مز15: 5 س] وهكذا إذا ما رأى الرب نیتنا الصالحة وصبرنا ، يصنع معنا رحمة ، ويطهرنا من وسخ الخطيئة ومن النار الأبدية الكائنة فينا ، ويُصيرنا أهلاً للملكوت . فالمجد لتحننه وللمسرة الصائرة نحونا من الآب والابن والروح القدس ، آمین . 

  1. =عمل قويم ، فضيلة ، ماثرة ، ولعلها هي الكلمة الواردة في ذكصولوجية أنبا أنطونيوس  والتي تُرجمت المعجزات ، والأصح : الأعمال القويمة ، أو المآثر أو الفضائل ، وقد وردت مرتين في سيرة أنبا أنطونيوس.
  2. انظر : غل4: 19 ، حيث الموضع الوحيد الذي ورد فيه هذا الفعل  μορφὸω في الكتاب المقدس. 
  3. وردت فقط في الجزء المقابل في الـ PG 34 , 572 D ) PG ) .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى