رؤ20: 4 ..و رايت نفوس الذين قتلوا من اجل شهادة يسوع و من اجل كلمة الله…

 

“وَرَأَيْتُ عُرُوشًا فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْمًا. وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ الْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ.” (رؤ20: 4)

+++

تفسير أنبا بولس البوشي

«ورأيت ملاگا آخر منحدرا من السماء ومعه مفتاح العمق وسلسلة كبيرة في يده، وأخذ التنين الحية القديمة، الذي هو الشيطان إبليس، فربطها إلى ألف سنة، وألقاه في العمق، وأغلق عليه وختم من فوق لئلا يضل الأمم حتى تنقضي الألف سنة. وبعد ذلك مزمع أن يخلى مدة يسيرة.

ورأيت كراسي والجلوس عليها قد أعطوا الحكم. ورأيت النفوس الذين قتلوا لأجل شهادة يسوع المسيح، ولأجل كلمة الله، والذين لم يسجدوا للوحش وصورته، ولم يرسموا اسمه وعلامته على جباههم وعلى أيديهم، قد عاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة. هذه هي القيامة الأولى وأنهم لا يعاينون الموت الثاني، بل يكونوا كهنة الله ومسيحه(تأتي في النص – خطأ ومسبحيه.) ويملكون معه ألف سنة» (رؤ20: 1-6).

التفسير: عني بالقيامة الأولى إقامة العقل الذي للقديسين وهم بعد في الجسد قبل القيامة الجامعة. وذكر أنها تكون ألف سنة، لأن من مجيء الرب إلى آخر الزمان ألف وخمس مائة سنة، فذكر القوة للأكثر، وهو الألف لأن الرب جاء في الألف السادس وفعل الخلاص، فذكر ما بعده وهو الألف الأخير كمال العالم. ويضاف إليه من بدء القيامة التي لربنا المقدسة التي هي أربون(أربون أي عربون، من الكلمة اليونانية) حياتنا المؤبدة وإقامة أوليائه معقولاً قبل القيامة المحسوسة.

وذلك أن أبانا آدم قال الله له: «في اليوم الذي تأكل فيه من عود المعصية تموت موتاً»(تك2: 15). فأكل ولم يمت ذلك اليوم. بل بعد سبعمائة وثلثين سنة، فعني به الموت المعقول أولاً قبل الموت المحسوس. لأن كما أن الموت المحسوس افتراق النفس من الجسد لأنها سبب حياته البشرية، وهكذا بافتراق الروح القدس من نفس الإنسان يكون الموت المعقول. لأن الروح سبب حياته مع الله، فمات آدم أولاً معقولاً يوم أكله من الشجرة المنهي عنها، بافتراق روح الله نفسه، ثم حكم عليه بعد ذلك بالموت المحسوس.

ولذلك الرب له المجد جعل الشفاء قبالة المرض، والحياة عوضاً من حكم الموت. فأحيا المؤمنين به أولاً معقولاً بحلول الروح القدس فيهم أولاً، ثم أقام عقل أصفيائه الذي كان ميتا ساقطا. كما بين ذلك القديس اغريغوريوس الثائولوغس قائلاً: إن العقل إذا صفا من كدر الذنوب يتراءى الله له كمثل برق لامع. ثم يخفي عنه بتدبير. فإذا شاهده ذاك العقل الذي اشتاق إليه لكونه من جوهر الملائكة العلويين، فيسعى في طلبه بمحبة واجتهاد، كمثل الطفل الذي يطلب حضن أمه لكونه يستمد منها حياته الزمنية.

وهكذا بالحقيقة عقل الأطهار أضعاف ذلك يشتاق إلى مجد الله، فحينئذ يرفض عنه جميع العوائق العالمية، وكل شيء يصده عن ذلك القصد الفاضل، فينظر الله كنه محبته فيه وأنه لم يؤثر على محبته شيئا آخر. حينئذ يظهر له بالكمال بحلول الروح القدس في نفسه، بذلك الروح القوي المتساوي مع الآب والابن في الجوهر، يصير الإنسان محلاً لله بالروح، ويتم عليه المكتوب: طوبي للنقية قلوبهم فإنهم يعاينون الله.

 وهذه هي الملكوت التي قال الرب إنها داخلكم، وهذه صفة إقامة العقل المائت والذهن الساقط، لأنه صار شبيه الروحانيين وهو باقي بعد في الجسد، وسعيه في السماء، وهو ماكث بعد على الأرض، وهو يسعى بقوة الرجاء ويقطع منه  بسيف الروح كل ما يعوقه عن ذلك، لأنه قد قام وحيا مع الله قبل القيامة الجامعة للكل بحفظ أوامره، وصار ابنًا وارثا لملكوته الأبدية، الذي ولده بالروح لحياة مؤبدة لا تفنى، والموت الزمني لمثل هذا هو انتقال فاضل، كقول ربنا إنهم لا يعاينون الموت، أعنى البعد من الله، بل ينتقلون من الموت إلى الحياة.

وهكذا يتنعمون معه إلى حين القيامة الجامعة، فتقوم أجسامهم كنحو بهاء أنفسهم، فإن الرب قال إن الصديقين يضيئون مثل الشمس في ملكوت أبيهم. والرسول الإلهي بولس يقول: إنه يغير جسد تواضعنا، فيصيره شبيها بجسد مجده، كفعل يده القوية، الذي له يتعبد كل شيء.

 فطوبى بحق لمن له حظ في القيامة الأولى، يعني يتحد مع الله محيي الكل، ويستمد الحياة المؤبدة منه كما قلنا عن الطفل، أنه يستمد الحياة الزمنية من والدته، وهكذا يستريح ويتنيح في حضنه التي هي ملكوته المؤبدة، ويفرح ويستريح مع نظرائه وأقرانه في القيامة الروحانية، الذين هم الأطهار الأفاضل.

فأما الذين لم يصلوا إلى هذا الحد بل هم مؤمنين عاملين على الرجاء، ولم يبلغوا قامة الكمال، بل الرذيلة بعد باقية فيهم تقاتل الفضيلة، وهم لا يهوون ذلك ولا إكمال الرذيلة بالفعل، متألمين وهم يطلبون من الله النجاة منها، ثم يموتون على هذا الحال، فإن الله يقبلهم لكونهم مع تعبهم لم يرجعوا إلى ورائهم بل ينال كل واحد منهم كنحو استحقاقه بقدر ما يجاهد على تنقية قلبه. وهذا المدحة والكرامة والتقرب إلى الله خالقه.

ويجري الأمر في ذلك مثل ما جرى في أمر داود الملك، عندما مضى إلى محاربة الأعداء وتبعه جمع كبير، وأن قوما منهم ضعفوا وتخلفوا في وادي بصران، وأما البقية ذهبوا مع الملك داود النبي، ولم يفارقوه محتفلين به متسلحين. وهكذا حاربوا بشجاعة وهزموا الأعداء، وأخذوا غنائمهم ونهبوا كل ما لهم. وأما أولئك القوم المتخلفين بقوا في الوادي ولم يرجعوا، بل كانا متألمين كيف لم يلحقوا برفقتهم وهم ناظرين الطريق، فلما عاد عليهم أولئك الذين كسروا أعداءهم، ونهبوا ما لهم، استحوا أن يطلبوا منهم مواساة بشيء مما نهبوا من الأعداء، فأمر داود الملك أن يعطوهم أسهمة من النهب. فقال أولئك الحربية كيف نعطيهم ولم يحاربوا معنا ولا ساعدونا، بل تخلفوا. فحكم داود بينهم قائلاً: لو كانوا لما ضعفوا رجعوا إلى ورائهم لم يجز أن تعطوهم شيئاً، والآن فقد ثبتوا يرصدون الطريق، فيجب أن نعطيهم أنصبة من الغنائم. وهكذا قسم عليهم ما يخصهم من النهب.

فأما الذين لا يحفظون أنفسهم بهواهم وشهواتهم لفعل الرذيلة بمحبة ورغبة من غير تورع، مثل القوم الغير مؤمنين، فإن هؤلاء يموتون موتين. الموت الأول الطبيعي، ثم الموت الثاني بعدهم من الله تعالى، ويفرقوا من الحياة المؤبدة ويذهب بهم إلى العذاب الدائم.

وهكذا يجري الحال في رباط الشيطان أنه يوثق إلى آخر الزمان، وعند مجيء الدجال فیقيم كثرة الحروب والفتن، كما يقول الرسول بولص، إذا أخذ من الوسط الذي كان ممسكاً فقط، فخينئذ يظهر المنتهى، ويخرج إنسان الخطية ابن الهلاك الضد، الذي يبيده ربنا بروح فيه، ويبطله بقوة مجيئه. فيعني الممسك في الوسط الشيطان الكبير رئيس جماعة الشياطين، فإذا أُطلق من وثاقه يظهر الدجال الكذاب القائل عن نفسه أنه المسيح، وهو الذي كله خطية وإثم، ابن الهلاك المضاد الذي يبيده الرب القادر.

من الرؤيا: «وإذا كملت الألف سنة، يحل الشيطان من وثاقه، فيخرج ويضل المسكونة ويجمع جوج وماجوج من أربع زوايا الأرض إلى القتال وهم كثير مثل رمل البحر، فيصعدون على سعة الأرض ويحوطون بعسكر القديسين، وبالمدينة الجديدة، فتنزل نار والشيطان الذي أضلهم يلقيه في بركة النار الموقدة بالكبريت، الموضع الذي فيه الوحش والنبي الكذاب، يعذبون ليلا ونهارا، ولا يجدون نياحًا إلى السماء من من عند الله، فتأكلهم، الأبد».

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

“ورأيت عروشًا فجلسوا عليها، وأعطوا حكمًا،

ورأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع، ومن أجل كلمة الله،

والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته،

ولم يقبلوا السمة على جباههم وعلي أيديهم،

فعاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة.

وأما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف سنة.

هذه هي القيامة الأولى.

مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى.

هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم،

بل سيكونون كهنة لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة” [4-6].

هنا يحدثنا عن القيامة الأولى دون أن يذكر الكتاب المقدس في كل أسفاره عبارة “القيامة الثانية”، فماذا تعني القيامة الأولى؟

إننا نعلم أن الخطية دخلت إلى العالم، فملك الموت على كل النفوس، وصرنا نعيش بالجسد لكن نفوسنا ميتة بانفصالها عن مصدر حياتها “الله”. إذًا جاء الرب ليقدم لنا قيامة روحية لأنفسنا قبل أن تتمتع أجسادنا مع أنفسنا بالقيامة العامة يوم الدينونة. يقول الرب “الحق الحق أقول لكم إنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات (بالروح) صوت ابن الله والسامعون يحيون” (يو 5: 25). هذه القيامة ليست أمرًا ننتظره بل كما يقول الرسول: مدفونين معه بالمعمودية، التي فيها أقمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله، الذي أقامه من الأموات” (كو 2: 12).

وبالتوبة أيضًا نتذوق القيامة ونحن بعد على الأرض مجاهدين “استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح” (أف 5: 14). وهي موضوع اختبار مستمر في حياة المؤمن اليومية. فالرسول القائل: “وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات” (أف 2: 4-6) يقول في صيغة الاستمرار “لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه” (في 3: 10).

فبكل تأكيد نقول إن الكنيسة في جهادها بالرغم مما تعانيه من آلام إلا أنها تعيش في الملك الألفي، القيامة الأولى، متذوقة عربون السماويات.

وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [كان الإنسان آخر المخلوقات العاقلة، لكن هوذا قد صار القدم رأسًا. وبواسطة الباكورة صرنا إلى العرش الملكي… لقد أحضر طبيعتنا إلى العرش الإلهي، لذلك يصرح بولس قائلاً: “أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات، في المسيح يسوع. ليظهر في آخر الدهور الآتية غنى نعمته الفائق باللطف علينا” (أف 2: 6-7). كيف نقول ليظهر في آخر الدهور الآتية؟ ألم يظهر الآن؟ لقد ظهر فعلاً. ولكن ليس لكل الناس بل لي أنا المؤمن، أما غير المؤمن فلم يظهر له بعد هذا العجب. لكن في ذلك اليوم تتقدم كل البشرية لترى وتتعجب مما حدث. أما بالنسبة لي فيزداد الأمر وضوحًا.]

إذن هؤلاء الذين يحملون الصليب مع ربنا يسوع شاهدين له حتى الموت يتمتعون هنا بالقيامة الأولى، أما بقية الأموات بالروح الذين لا يقبلون الإيمان فلا يتمتعون بالقيامة الأولى، ويسقطون تحت الموت الثاني الأبدي (رؤ 21: 8).

نعود فنؤكد ما يقوله القديس أغسطينوس: [لن يكون هناك مجيء للمسيح قبل ظهوره الأخير للدينونة، لأن مجيئه حاصل بالفعل الآن في الكنيسة وفي أعضائنا. أما القيامة الأولى في سفر الرؤيا فهي مجازية تشير إلى التفسير الذي يحدث في حالة الناس عندما يموتون بالخطية ويقومون لحياة جديدة.]

فالحكم الألفي للمسيح على الأرض قد بدأ فعلاً بيسوع المسيح نفسه في الكنيسة والقديسون يحكمون الآن فيها.

فكرة “الملك الألفي المادي”

بعدما تعرضنا لتفسير النص السابق الذي يتحدث عن الملك الألفي أو القيامة الأولى نود أن نبين للقارئ أن هناك فكرًا جاء عرضًا بين كتابات الآباء في القرون الثلاثة الأولى وجاء بصورة عنيفة ومغايرة في بعض كتابات المحدثين. وهو تفسير النص بصورة حرفية أن الرب يملك على الأرض مع مؤمنيه مُلكًا زمنيًا لمدة ألف سنة. غير أنه يليق بنا أن نفصل بين ما جاء في الكتابات الأولى وكتابات المحدثين.

فكرة الألف سنة الحرفية في الكنيسة الأولى

نحن نعلم أن اليهود لهم فكرهم المادي، لذلك رفضوا الرب يسوع بسبب رفضه الملك الزمني. وهم لا يزالون إلى يومنا هذا للأسف ينتظرون المسيح الذي يملك ملكًا زمنيًا ويعطيهم سيطرة على العالم كله.

هذا الفكر دخل إلى الكنيسة في بدء نشأتها عن طريقين:

  1. دخول اليهود إلى المسيحية ومعهم بعض تصوراتهم المادية، فبثوا هذه الأفكار عرضًا وسط الكتابات والعظات لهذا نجد مثلاً الأب بابياس من رجال القرن الأول يتصور ملكًا زمنيًا ماديًا لمدة ألف سنة يحدث في بداية القيامة فيه تنمو كروم العنب كل كرم يحمل عشرة الآف فرع وكل فرع يحمل عشرة آلاف غصن… وإلى غير ذلك من الأمور التي تقبلها من الفكر اليهودي المادي في سذاجة.

ويقول يوسابيوس إن بابياس وصل إلى هذه الكيفية المادية بسبب قصور فهمه للكتابات الرسولية غير مُدرك أن أقوالهم كانت مجازية (روحية) وإليه يرجع السبب في أن كثيرين من آباء الكنيسة من بعده اعتنقوا نفس الآراء. ويسمي يوسابيوس هذا الأمر “خرافة”.

وقد انحرف وراء بابياس إيريناؤس وترتليان وكلتنسيوس وفيكتورينوس ويوستينوس وأغسطينوس في البداية، لكنه عاد وأدرك الخطأ.

  1. في قراءة محاورة يوستينوس مع تريفو اليهودي ندرك أن يوستين أخذته الحماسة والغيرة لتأكيد أن كل ما كان لليهود من وعود وبركات قد صارت بكاملها وتمامها لكنيسة العهد الجديد، وبهذا حاول أن يثبت أن ما جاء في (إش 65: 17-25، مي 4: 1-7) سيتحقق للمسيحيين وحدهم.

وإننا نجد نفس الأمر مع ترتليان في محاوراته مع اليهود إذ بعدما أكد نفس الفكرة أن كل ما بالعهد القديم صار للكنيسة وحرم اليهود من كل بركة عاد للأسف فحول الفكر اليهودي المادي وجعله للكنيسة.

يقظة الكنيسة

لم تكن عقيدة الألف سنة عقيدة قائمة بذاتها، ولا أعطى لها اهتمام كبير، لكن مدرسة الإسكندرية سرعان ما تنبهت لخطورة الأمر. وكأنها قد تطلعت بنظرة بعيدة المدى لترى في أيامنا هذه كيف مثلت هذه العقيدة الخاطئة فكرًا خطيرًا رئيسيًا في بعض الطوائف مثل الأدفنتست. لهذا انبرى أوريجينوس وقاوم هذا الفكر، وتلاه البابا ديوناسيوس السكندري في القرن الثالث وأدحض فكرة التفسير الحرفي لسفر الرؤيا. وقبل أن ينتهي القرن الرابع كاد هذا الفكر أن يزول تمامًا في كنيسة الإسكندرية.

أما في الخارج فقد قام القديس أغسطينوس، بعدما أدرك خطأه، وأوضح خطورة التفسير الحرفي للألف سنة مُفندًا ذلك بقوة حجة لا تقاوم واعتبر من يقول بها مهرطقًا.

فكرة الألف سنة عند بعض الطوائف البروتستانتية:

ظهرت هذه الفكرة عند بعض الطوائف البروتستانتية، وجعلت منها عقيدة أساسية، وبدأت تضع لها مواعيد محددة لمجيء المسيح ليملك ألف سنة. وهنا نجد اختلافًا للفكرة في الكتابات الأولى وبعض المحدثين.

  1. في الكتابات الأولى جاءت عرضًا وكان دافعها الرئيسي تأكيد أن اليهود الأشرار غير المؤمنين بالرب قد انتزعت عنهم كل المواعيد ويقول الشهيد يوستينوس: (إن كثيرًا من المسيحيين المعتبرين لا يأخذون بهذا التعليم ولا يقرونه).
  2. إن بعض الطوائف البروتستانتية نادت بهذه الفكرة على هذه الأسس.

أولاً: يأتي السيد المسيح ليملك على قديسيه قبل أن يأتي “إنسان الخطية” وتحل الضيقة العظمى، ثم يعود فيظهر مرة أخرى ليبيد ضد المسيح.

ثانيًا: إن إسرائيل تتوب ولكنها تبقى جسدًا متميزًا عن الكنيسة، وإن أورشليم تتسع وتتزين وتصير مركزًا للشعب اليهودي الذي يحكم العالم.

ثالثا : إعادة بناء الهيكل و تقديم ذبائح حيوانية…

وإننى في هذا المجال لا أود الدخول في مناقشات لكنني أترك إخوتي البروتستانت يردون على هذه الطوائف:

  1. يرى ايردمان أن هذه المبادئ التي تقوم عليها فكرة المُلك الألفي المادي تتناقض مع بعضها البعض وتبتعد عن روح الكتاب المقدس.
  2. يرى راى سمرز صاحب كتاب “مستحق هو الخروف” أنه لا يليق أن تُبنى أنظمة شاملة تخص الأمور الأخيرة واللاهوت وفلسفة التاريخ على ثلاث آيات (4-6 من الأصحاح 20) بتفسير حرفي غير مستقر.
  3. H. Monod يرفض التفسير الحرفي للملك الألفي معللاً ذلك بالآتي (بتصرف):

أولاً: أن التفسير الروحي والرمزي يتفقان مع اتجاه الأنبياء عامة وخاصة في سفر الرؤيا. فنجد فيها الكنيسة منارة والخدام كواكب فلا نقبلها بحرفيتها.

ثانيًا: لاحظ أيضًا أن القديس يوحنا يتحدث فقط عن (نفوس) [4] تنتعش وتملك مع المسيح، أي لم يقل “نفوس وأجساد”.

ثالثًا: أن التفسير الحرفي لا يتفق مع النصوص الأخرى الواردة في الكتاب المقدس التي تتحدث عن القيامة العامة. فلم يحدثنا قط عن قيامة تحدث مرتين أو في فترتين مختلفتين. إنما يظهر بوضوح من (إش 12: 2، يو 5: 28، 1 تس4: 16، 17) أن قيامة الأموات – بالنسبة للأبرار والأشرار – يتبعها فورًا الدينونة والحياة الأبديّة.

رابعًا: يستحيل أن نفهم كيف تهب العودة إلى الأرض سعادة للأبرار الذين ماتوا في الإيمان وقد اجتمعوا في الراحة التي لشعب الله؟! إن خطأ اليهود متمثل في رغبتهم أن يملك المسيا مُلكًا زمنيًا، ويختلف الألفيّون عنهم في ذلك.

خامسًا: لو أخذنا بالتفسير الحرفي، ماذا يكون حال الذي يولدون أثناء الحكم الألفي؟ حاليًا بالموت (جسديًا) يخلص المؤمنون: إذ يموتون في سلام تاركين التجارب والبؤس ليرحلوا إلى الرب، لكن هذا لا يحدث للمولودين في المُلك الألفي. أكمل حديثه قائلاً: كيف يحمل المولودون أثناء المُلك الألفي – ما دام هو مُلك زمني مادي فيه يزوِّجون ويتزوَّجون – الصليب مع الرب يسوع؟ وكيف يسيرون في الطريق الضيق؟

سادسًا: هذا النص هو العبارة الوحيدة في الكتاب المقدس التي فيها يقال أن القيامة الأولى تكون قبل نهاية العالم، بينما عدد كثير من النبوات تتحدث عن القيامة دون أن تتحدث عن قيامة للأجساد بالصورة المادية الحرفية. أيهما أصح أن نفسر الكتاب كله وخاصة هذه النبوات على ضوء هذا النص الغامض، أم نشرح النص الغامض على ضوء نبوات الكتاب الكثيرة الواضحة؟

وأخيرًا يختتم معاتبًا الألفيّين الماديّين فيقول: “ليته يدرك ذلك العدد الضخم من النفوس في كنيسة أنفسهم أن هذا الملكوت المسيحي هو هكذا سلطان وهكذا لطيف وعذب ومجيد !”

ويخرج H. Monod بهذه النتيجة: [أن المسيح يسوع يستمر في أن يملك بأن يجلس إنجيله على العرش في داخل الإنسان الذي يقبل الإيمان المسيحي، عندئذ لا تكون الديانة المسيحية أداة للسياسة في يد الحكومات إنها ستكون تعبيرًا مخلصًا لطريقة الحياة.]

  1. يرفض J. Gible فكرة الملك الألفي الزمني، مُدحضًا فكرة قيامة الأجساد ليملكوا مُلكًا جسديًا منظورًا. كما يقول أن نفوس الشهداء حية وهي تمارس نوعًا من القيامة إذ يذوقون نوعًا من الراحة وحالة من السلطان والحيوية. وهم يمارسون نوعًا من المِلكيّة مع الرب قدر الآلام والأتعاب التي احتملوها في فترة جهادهم، من أجل الرب. وأن قديسي الرب يسوع يملكون معه بطريقة مجيدة غير مادية تفوق إدراكنا الحالي. وهو يُسمي الألفيّون بالماديّين والمتشكّكين. كما يطالبنا أن يكون لنا رجاء محدد لا رجاءً ماديًا في أمور باطلة. إنه أفضل للإنسان أن يطلب كل شيء للمسيح ليربح المسيح ويوجد فيه لينتفع بالملكوت السماوي… عالمين أن الصليب هو طريق الإكليل… لا أن نطلب أمور مادية.

وأخيرًا يقول بأن عدم قبول المُلك الألفي الزمني يبعث في المؤمنين تعزية، حينما يخلعون خيمتهم الأرضية. إنهم يعرفون أن نفوسهم لا تنام في حالة من الظلمة بلا إحساس، بينما تكون أجسادهم في التراب، بل يكون الموت بالنسبة لهم ربحًا.

هذه بعض آراء لقليل من إخوتنا البرتستانت، إذ يهاجمون فكرة المُلك الألفي الزمني بعنف.

تفسير القمص أنطونيوس فكري

“و رايت عروشا فجلسوا عليها و اعطوا حكما و رايت نفوس الذين قتلوا من اجل شهادة يسوع و من اجل كلمة الله و الذين لم يسجدوا للوحش و لا لصورته و لم يقبلوا السمة على جباههم و على ايديهم فعاشوا و ملكوا مع المسيح الف سنة. و اما بقية الاموات فلم تعش حتى تتم الالف السنة هذه هي القيامة الاولى. مبارك و مقدس من له نصيب في القيامة الاولى هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم بل سيكونون كهنة لله و المسيح و سيملكون معه الف سنة”.

 هنا نسمع عن موتان وقيامتان:-

الموت الأول:- هو موت الخطية. فكل خاطىء الآن هو ميت فى نظر الله.

الموت الثانى:- هو الموت الأبدى أى الهلاك أى الإنفصال عن الله والدينونة أما موت الجسد الحالى فهو ليس موت بل هو إنتقال هو نوم. وهكذا أسماه المسيح “حبيبنا لعازر قد نام” + الصبية نائمة (بنت يايرس).

 

القيامة الأولى:- هى القيامة من موت الخطية أى التوبة، فالسيد المسيح قال ” تأتى ساعة وهى الآن حين يسمع الأموات (روحيا) صوت إبن الله والسامعون يحيون (يو25:5) + (أف14:5) والإبن الضال كان ميتا فعاش. وملاك كنيسة ساردس كان له إسم أنه حى وهو ميت. (رؤ1:3) لذلك نفهم أن الموت الأول هو الموت الروحى. فالخطية تساوى موت.

 

القيامة الثانية:- قال عنها السيد المسيح ” تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة (يو29:5).

والكتاب المقدس لم يرد فيه عبارة القيامة الثانية لكنها تفهم ضمنا. عموما الموت هو إنفصال عن الله، وهذا ما تفعله الخطية فهى تفصل بين الإنسان والله فيموت الإنسان. أما التوبة فهى تقيم الإنسان من موت الخطية (أف14:5) لذا جاء المسيح ليعطينا أن ننتصر على الخطية، فمن لا يؤمن لا يستطيع أن يحيا. لذلك قال السيد المسيح “كل من يؤمن بى فله حياة أبدية” (يو47:6) فالإيمان بالمسيح يعطى قوة للإنتصار على الخطية. جاء الرب ليقدم لنا قيامة روحية لأنفسنا قبل أن تتمتع أجسادنا مع أنفسنا بالقيامة العامة يوم الدينونة راجع (كو12:2) + (أف11:5-14) + (أف4:2-6) + (فى10:3) لذلك نقول إن الكنيسة تعيش فى الملك الألفى، القيامة الأولى، متذوقة عربون السماويات بالرغم من الصليب الذى تحمله والطريق الضيق الذى تسلك فيه.

فى هذه الآيات نرى صورة لما يحدث خلال الألف سنة، فهناك أبرار يموتون، وهناك شهداء يستشهدون، ولكن هؤلاء مع أنهم يختفون عن أنظار العالم إلا أنهم أحياء، بل لهم عروش  ترتاح عليها نفوسهم = رأيت نفوس الذين قتلوا = فليس لهم أجساد، هؤلاء هم الشهداء الذين هم فى أعلى درجة. هم فى السماء أحياء بل على عروش. ولاحظ أنه رأى نفوس :-

  1. هكذا رأى الملايين العذراء مريم فهى الآن روح (نفس) رأوها فى جسدها النورانى (روح مكتسية بالنور لنتمكن من أن نراها).
  2. هؤلاء عاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة = إذا من يملك مع المسيح نفوس وليس أجساد. فمن أين أتوا بفكرة الملك الألفى التى فيها يملك المسيح مع بشر لهم أجساد لمدة 1000 سنة.
  3. هؤلا نفوس فالأجساد ذهبت للتراب إنتظارا لليوم الذى تلبس فيه النفوس الأجساد الممجدة التى تشبه جسد المسيح.
  4. الموت ليس نهاية حياة بل بداية ملك مع المسيح فى السماء. هؤلاء بقداستهم كانوا أحياء فى نظر الله، لذلك حين ماتوا بالجسد إنتقلوا من حياة إلى حياة أمجد. هم لم يتلاشوا بل هم أحياء بالمسيح ويملكون معه 1000 سنة.
  5. يوحنا يرى النفوس لأنه هو أصلا كان فى الروح (رؤ10:1 + 2:4) هذا الوضع سيستمر حتى فى ايام الوحش، فمن سيرفض الوحش سيكون فى نظر الله حى = فعاشوا = أى نالوا الحياة الحقيقية بإيمانهم بالمسيح، مع أن الوحش ظن أنه قتلهم. وأما بقية الأموات فلم تعش = بقية الأموات هم الذين لم يؤمنوا وعاشوا فى الشر، وقوله لم تعش أى لم ينالوا الحياة الحقيقية. إذا خلال الألف سنة هناك من يؤمن ويعيش وهناك من يرفض ويستمر فى خطيته ويموت، ولا يتمتع بالحياة السمائية التى يحياها أولاد الله، أى لا يتمتع بالقيامة الأولى، ويحيا فى ملكوت الله.

رأيت عروشا = هذه خاصة بنفوس الشهداء.

وأعطوا حكما =

  1. يرتاحون ويفرحون لأحكام المسيح ضد الأشرار، وسيكون لهم نفس رأى المسيح.
  2. برفضهم للخطية فى أثناء حياتهم على الأرض سيدينون من كان يسقط فيها، إذ كان للطرفين نفس الظروف. هم سيحكمون على الأشرار بشهادتهم عليهم. القديسون يدينون العالم أى يشهدوا عليه (1كو 2:6) +( دا22:7).

وملكوا = لقد جعلنا الله ملوكا وكهنة (رؤ6:1) (يملكون ميراث سماوى).

وسيملكون معه ألف سنة = (هى نفس فترة تقييد الشيطان) هنا يملك القديسون على إرادتهم لتخضع لإرادة الله، ويملكون وعودا بميراث سماوى ويملكون بركات مادية وروحية. ومتى إنتهت حياتهم سيملكون نصيبا فى الوطن الأبدى، ميراثا لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل. هنا يملك القديسون عربون المجد الروحى، قبل أن يرثوا المجد الأبدى هناك.

الموت الثانى = الزج فى جهنم.

تفسير كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة

ع4: رأيت عروشًا: أي كراسى عظيمة سمائية.

جلسوا عليها: وعد السيد المسيح الإثنى عشر بالجلوس على الكراسى حوله في ملكوته” (مت19: 28).

أعطوا حكمًا: مرتبطة بنفس الوعد السابق إذ أعطى السيد المسيح الآباء الرسل حق إصدار الأحكام ودينونة الأمم (مت19: 28، 29).

يروى القديس يوحنا لنا عن مشهدين في صورة واحدة، فالمشهد الأول هو جلوس الرسل والقديسين على عروش حول عرشه في مجلس حكمه، أما المشهد الثاني فهو خاص بجميع المؤمنين المتمتعين بالوجود مع المسيح ومصاحبته في مجده. وقد حدد لنا القديس يوحنا أن هؤلاء الناس هم من لم يسجدوا للوحش ولا صورته ولم يقبلوا سمته وقد سبق الكلام عن هذا كله وشرحه في (رؤ 13: 15-18)، والمعنى المراد أنه لن يملك مع المسيح إلاّ من قاوم الشيطان ورفض وانتصر عليه.

 

رؤ20: 3 سفر الرؤيا رؤ20: 5
الرؤيا – أصحاح 20
تفسير رؤيا 20 تفاسير سفر الرؤيا

 

زر الذهاب إلى الأعلى