تفسير رسالة رومية اصحاح 14 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الإصحاح الرابع عشر
العظة ٢٦ :
” من هو ضعيف في الإيمان فاقبلوه لا لمحاكمة الأفكار. واحد يؤمن أن يأكل كل شيء وأما الضعيف فيأكل بقولاً” (رو١:١٤-٢).
1. أعرف إن ما قيل هو أمر غير مفهوم لدى الكثيرين. ولهذا يجب أولاً أن أتكلم عن موضوع هذا الجزء في مجمله، وعن ما يريد الرسول بولس أن يصححه وهو يكتب عن هذه الأمور. إذا ماذا يريد أن يصحح؟ هناك كثيرون مـن اليهـود قـد آتـوا إلى الإيمـان، بيـد أنهـم لم يتحـرروا بعـد مـن الضمير الناموسي، هؤلاء ظلوا حتى بعد الإيمان، متمسكين بالتمييز بين الأطعمة ، ولم يكونوا قد تجرأوا بعد على الإبتعاد بشكل نهائي عن الناموس. ثم بعـد ذلك وحتى لا ينكشف أمرهم، تجنّبوا فقط أكل لحم الخنزير، ثم أمتنعوا فيمـا بعـد عـن كـل اللـحـوم وأقتصـر طعامهم على البقـول. حتـى يبـدو ذلـك صوما، وليس حفظا للناموس. البعض الآخر أيضا كانوا أكثر كمالاً، دون أن يصنعوا تمييزا مشابها، وقد صاروا مزعجون وغير محبوبين لأولئك الذين يحفظون هذه الأمور، وسببوا لهم ضيقا من جراء تبكيتهم وإدانتهم المستمرة لهم.
إذن فخشية الرسـول بـولس، هـي ربمـا وهـم يشـرعون في تصحيح شيئا بسيطا ، من الممكن أن يحطموا كل شيء، وفي محاولتهم الرامية إلى إثناء المؤمنين عن الاهتمام بالأطعمة، يجعلونهم يخسرون الإيمان أيضا، مبادرين إلى تصحيح كل شيء قبل الوقت المناسب، فيتسببوا في وقوع الخسارة في الأوقات المناسبة، ويبلبلـوا أفكـار هـؤلاء في إعترافهـم بالمسيح، مـن جـراء توبيخهم الدائم، فيبقوا هكذا بلا تقويم في كلا الجانبين، أي في الحياة الجسدية، وفي الحياة الروحية، أنظر إلى رؤية الرسـول بـولس وكيـف إنـه يعتني بالجانبين معا، بحكمته المعتادة . لأنه لا يريد أن يقـول لأولئك الذين قاموا بالتوبيخ، إنكم سلكتم بصورة سيئة، حتى لا يبدو إنه يدعم أولئك في حفظهم للناموس، ولا أيضا يقول لهم إنكم صنعتم حسنا، حتى لا يجعلهم أكثر عنادا في التمسك بموقفهم، لكنة يؤنب بحكمة، ومن الواضح إنه يؤنب مـن هـم أكثـر قـوة على المستوى الروحي، لكنـه كـان يوجـه مجمل حديثه للذين يحفظون الناموس، وبعد ذلك يحوله تجاه الذين قاموا بالتوبيخ، هذا النصح هو في كل الأحوال أقل إزعاجا، عندما يوجهـه المـرء لآخر، أي عندما يمس شخصا آخرا، حتى لا يترك من يوبخه ليصل إلى مرحلة الغضب، وفي نفس الوقت وبدون أن يشعر أحد ، يقدم دواء للعلاج.
لاحظ إذا كيف إنه يصنع هذا بتعقل وفي اللحظة المناسبة. لأنه بعدما قال: “ولا تصنعوا تدبيرًا للجسد لأجل الشهوات”، فإنه وجه كلمته نحـو هـؤلاء، لكي لا يبدو إنه يتكلم مدافعا عن أولئك الذين يوبخونهم، ويحرضونهم علـى الأكـل مـن جميع الأطعمة، خاصة وأن العضـو الضعيف يحتاج دوما لرعاية أكثر. ولهذا يتوجه مباشرة نحو العضو القوي قائلا: “ومـن هـو ضـعيف في الإيمـان”. أرأيـت أول ضـربة وجهـت مباشرة للقـوي؟ لأنـه يقـول “مـن هـو ضعيف”، لقد أظهر كيف أن ذاك هو مريض. ثم وجه بعد ذلك لطمـه ثانية ، قائلاً: “فاقبلوه” إذا فقد أظهر مرة أخرى كيف أن الضعيف يحتاج إلى كثير مـن الرعاية، معتبرا الضعف نمـوذج لأسـوأ مـرض. ” لا لمحاكمة الأفكار”، وها هي الضربة الثالثة التي يضيفها. هكذا يوضح أن هـذه هـي خطيئته (أنه ضعيف في الإيمان)، حتى يحدد ويميز أولئك الذين لا يفعلون هذه الخطية ، لكن الذين هم أصدقاء يقبلون علاجه. أرأيت كيـف إنه يعطي إنطبـاع بـأن كلامـه مـوجـه لهـؤلاء الضعفاء، لكنه في الحقيقـة يـوبخ الأقوياء، دون أن يشعر بـه أحـد ، ودون أن يسبب إزعاجا لأحـد؟. وبعـدما أشـار للاثنين في آن واحد ، أشار إلى أحدهما بالمديح، بينما أشار للآخر بالإتهامات. لأنه أضاف قائلاً: ” واحد يؤمن أن يأكل كل شيء”، يحكم عليـه مـن خـلال الإيمان ، “أما الضعيف فيأكل بقولا ” فهو يؤنب ذاك أيضا، لأجل ضعفه.
٢. ولأنه وجه ضربة مؤثرة، أخذ يعزيهم مرة أخرى قائلاً:
” لا يزدر من يأكل بمن لا يأكل” (رو14-3).
لم يقل “ليترك”، ولم يقل “لا يتهم”، ولم يقل “لا يصحح”، بل قال ” لا يزدري” به، ولا يسخر منه ، لكي يظهر انهم صنعوا أمرا يستحق السخرية. ولكنه لا يتكلم هكذا عن الذي لا يأكل، فماذا يقول؟ يقول ” ولا يدين من لا يأكل من يأكل”. لأنه تماما كما أن الكاملين في الإيمان قد قللوا مـن شـأن الـذين لا يأكلون كقليلـي الإيمـان ومـرائـين ومـزيفين، بل ومتهـودين، بالمثل الذين لا يأكلون قد أدانوا من يأكلون كمخالفين أو كشرهين، ومن الطبيعي أن يكـون مـن بـين الذين يأكلون، أنـاس مـن الأمـم. ولهذا أضـاف أيضا “لأن الله قبله”. أمـا مـن جهـة الـذي يأكـل فهو لا يتكلم هكذا. وإن كان الإزدراء قد أرتبط بمن يأكل، لأنه كان شرها، بينما اللوم للذي لم يأكل، لأنه كان قليل الإيمان . لكنه عكس هذا الوضع، لكي يظهر أن من يأكل لا يستحق فقط الإزدراء، بل أيضا الإدانة: إلا أن الرسول بولس لا يقر بإدانته، ولهذا أضاف أن “الله قبله”.
إذن لماذا تدينـه لأنـه خـالف الناموس؟ فالله قـد قبلـه، إذ يقول، “لأن الله قبله”. أي أن الله أظهر له نعمته غير الموصوفة، وخلصه من كل الإدانات. ثم بعد ذلك أيضا يقول للقوي:
” من أنت الذي تدين عبد غيرك” (رو14-4).
وبناء عليـه فـمـن الواضح أن هـؤلاء (الذين لا يأكلون) لم يـزدروا فقـط بالذين يأكلون بل أدانوهم أيضا. “هـو لمـولاه يثبت أو يسقط”، هـا هـو يوجه لطمـه أخـرى. ومـن الـواضـح أن الغضـب مـوجـه للقـوي، لكنـه مـوجـه أيضا للضعيف. لأنه عندما يقول “ولكنه سيثبت”، يظهر انه ما زال بعد متزعزعا، ويحتاج لكثير من الإهتمام ولقدر كبير من العناية، حتى إنه يدعوا الله طبيبًا لهذه الأمور، لأنه يقول “لأن الله قادر أن يثبته”، الأمر الذي نقولـه لمـن هـم في حالـة يـأس شديد. ولكـي لا ييأس فهـو يـدعـوه عبـدا ، علـى الـرغـم مـن إنـه ضعيف ، قائلاً: ” مـن أنـت الـذي تـديـن عبـد غيرك؟”. هنـا هـو يـوبخ الضعيف أيضا، بصورة غير مباشرة. لا بإعتباره إنه يصنع أمور لا تستحق الإدانة، بل لأنه عبد للغير، أي ليس عبدا لك، بل هو عبد الله.
بعد ذلك يعزيه مرة أخرى، فلم يقل، إنه “يسقط”، لكن ماذا قال؟ قال: ” يثبت أو يسقط”. سـواء حدث هذا أو حدث ذاك، فإن الرب يهتم في كلتا الحالتين، طالما أن الضرر يتلاشى، تماما مثلمـا يـحـدث مـع الغـني، عندما يثبـت فـإن هـذه الأمـور، تكـون غـيـر جـديرة بالمرة بالإهتمـام الـذي يليـق بالمسيحيين، إن لم نفهم أيضا هـدف القديس بولس منها، والذي لا يريد أن يوبخ هؤلاء قبل الوقت الملائم. أيضا، الأمر الذي أقوله دائما، أنه يجب علينـا أن نفحص القصد، والدافع من وراء هذه الأقوال، وما الذي يريد أن يحققه الرسـول بـولس بهذا الكلام. فهـو لم يتورط حـيـن قـال هـذه الأقـوال. لأنه إن كـان الله الـذي كـابـد الضـرر وتحمـل إصـلاحه، لم يصـنـع شـيئا مسبقاً للإنسان الساقط، فكيف تكون أنت فضـوليا أكثر مما ينبغي، ومتثاقلاً على هذا الإنسان وتدينه أيضا، وتكون سببا في ضيقه، وذلك في الوقت غير المناسب؟
3-” واحد يعتبر يوما دون يوم، وآخر يعتبر كل يوم ” (رو14: 5).
يبدو لـي هـنـا إنـه يلمـح رويدا رويدا إلى الصـوم. خاصـة وإنـه كـان أمـرا طبيعيا أن البعض ممن كانوا يصومون، قد أدانوا وبشكل مستمر كـل مـن كـان لا يصـوم، أو كـان أمـرا طبيعيا بحسـب هـذه التمييزات، أن البعض كانوا يأكلون في بعض الأيام، ويصومون في أيام أخرى. ولهذا قال “فليتيقن كل واحد في عقله”. هكذا بدد خوف أولئك الذين صنعوا هذه التمييزات، قائلاً إن الأمر لا يستحق الإهتمام، وأبطل عداوة أولئك الذين شنوا هجوما عنيفا على هؤلاء، مظهرا إنه لا يجب إطلاقا أن يسببوا ضيقا فيما يتعلق بهذه الموضـوعات. وهذا الأمر غير مستحب بالمرة، لا بسبب طبيعته، بل بسبب توقيت الحـديث عنـه ، وأيضـا مـن أجـل أنـهـم حـديثي الإيمـان. كـذلك وهـو يكتب إلى أهـل كولوسـي بحـرص شديد ، نجـده يمنـع هـذا الأمر، قائلاً ” أنظروا أن لا يكون أحدكم يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد النـاس حسـب أركـان الـعـالـم ولـيـس حسب المسيح”، وأيضا “فـلا يحكـم عليكم أحـد في أكل أو شرب أو مـن جـهـة عيـد أو هـلال أو سـبت” و “لا يخسركم أحد الجعالة “. بل ويكتب إلى أهل غلاطية بدقة كبيرة ويطلب من هؤلاء الإيمان والكمال في موضوعات مثل هـذه . لكنه هنا لا يستخدم هذا الإسلوب بسبب انهم كانوا حديثي الإيمان . إذا لا يجب أن نقـول هـذه العبارة “فليتيقن كـل واحـد في عقله”، عنـد مناقشة أي موضوع، لأنه حين يكون الكلام عن العقائد أسمع ماذا يقول: “إن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن أناثيما “. وأيضا “أخاف إنـه كمـا خـدعت الحيـة حـواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح”. ويكتب إلى أهل فيليبي قائلا: “أنظروا الكلاب أنظروا فعلة الشر أنظروا القطع” أما بالنسبة إلى أهل رومية. فنظرا لأن الوقت لم يكن مناسبا لتصحيح هذه الأمور. فهو يكتب قائلاً: “فليتيقن كل واحد في عقله”. خاصة وأن الكلام كان عن الصوم أيضا، وهـو قـد تكلـم عـن هـذه الأمور لكي يمحو تفاخر أولئك ولكي يبدد الخوف عند هؤلاء.
” الذي يهتم باليوم فللرب يهتم والذي لا يهتم باليوم فللرب لا يهتم. والذي يأكل فللرب يأكل لأنه يشكر الله. والذي لا يأكل فللرب لا يأكل ويشكر الله” (رو14-6).
هنا أيضا هو مستمر في الإهتمام بهذه الأمور. بالطبع ما يقوله يعني الآتي: أن الأمر لا يتعلق بالمبادئ الأساسية. فإذا كـان هـذا الأمر يفعلـه هـذا وذاك لأجل الله، فإن ما يطلب هو أن الاثنين ( أي الذي يهتم والذي لا يهتم والذي يأكل والذي لا يأكل) يجب أن يختما بالشكر على ما يقومان به، خاصة أن كليهما يشكران الله . إذا فإن كان الإثنان يشكران الله، فسيكون الفرق بينهما ضئيلاً. ولكن عليك أن تلاحظ، كيـف إنـه هنـا أيضا يوجه ضربة إلى المتهود خفية، لأنه إن كان المطلوب هـو الشكر، فإنه من الجلي أن ذاك الـذي يأكـل هـو الـذي يشكر، وليس ذاك الذي لا يأكـل، لأنـه كيف يكون من الممكن للذي لا يأكل أن يشكر، طالما أنه لا يزال ملتزما بالناموس! هذا تحديدا ما قاله بالضبط لأهـل غلاطية : “أيها الذين تتبررون بالناموس، سقطتم مـن النعمة” . إنه يشير بالطبع إلى هذا الأمر، لكنه لا يوضحه هكذا ، لأن الوقت المناسب لذلك لم يكـن قـد حـان بعـد ، بـل إنـه يقيمه أولاً، ثم يوضحه أكثر بالكلام اللاحق. قائلاً:
” لأن ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته. لإننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن” (رو7:14-8).
إنه يشير هنا إلى الحياة مع المسيح بأكثر وضوح من خلال هذه العبارات. لأن من يحيا للناموس، كيف يمكن أن يحيا للمسيح؟ لكنه لا يبرهن على هذا ـ أي الحياة للمسيح ـ من خلال ما قاله فقط، بل إنه يشدد من هو حديث في الإيمـان وقـد بـدأ في تصحيح مسيرته، ويقنعـه أن يكـون طويـل الأنـاة ، موضحا أنـه مـن المستحيل أن يـزدرى الله بهـم ، لكنه سيغيرهم في الوقت الملائم.
٤ـ إذن ماذا يعني بقوله: “ليس أحـد منـا يعيش لذاتـه؟ ” يعني إننـا لسـنا أحرارا ، لنا رب يريد لنا أن نحيا ، ولا يريد لنا أن نموت، والأمران يختلفان بالأكثر بالنسبة لنا. لأنه بهذا يظهر أن الله يعتني بنا أكثر جدا من اعتنائنا بأنفسنا، ويعتبر أن حياتنا ثمينة، والموت خسارة. لأننا لا نموت لأنفسنا فقط، بل ونموت للرب إذا ما تعرضنا للموت. بيد أن الموت الذي يعنيه هنا، هو الموت الذي يأتي بسبب التمسك بالإيمان، بالطبع كان هذا كافيا لكي يقنع أن الله يعتني بنا، وأننا نحيا له، ونموت له، لكنه لم يكتف بهذا ، بل يضيف أمرا أخرا لأنه بعدما قال: “فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن” وبعدما ذهـب مـن مـوت الإيمان إلى الموت الطبيعي، ولكي لا يبدو أن كلامه قاسيا ، يقـدم دليلا آخرا يؤكد عنايته الفائقة بنا. إذا ما هو هذا الدليل؟ يقول:
” لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات” (رو14: 9).
ذلك لكي يقنعك أيضا، بأن المسيح يعتني بخلاصنا وإصلاحنا. لأنه إن لم يكن هو يعتني بنا بهذا القدر الكبير، فهل كانت هناك حاجة للتدبير إذا فإن كان قد أظهر هذا القدر الكبير من الإهتمام، لكي نصير له، فهل يزدري بنا؟ هذا أمر غير ممكن، ولن يكون، وأيضا لن يترك هذه الرسالة العظيمة. من أجل هذا يقول: “لهذا مات”. مثلما يمكن للمرء أن يقول إن هـذا الشخص لـن يحتمل أن يحتقـر عبـده، لأنه يعتني بمدخراته أو يهتم بحفـظ بخزينته. فمحبتنا للمال، لن تكون بقـدر مـا يشتهي هـو خلاصنا، إذ إنه لم يدفع مالاً من أجل خلاصنا ، بل دفع دمه . ومن أجـل هـذا لـن يحتمل أن يترك هؤلاء، الذي من أجلهم دفع هذا الثمن الكبير جدا. لكن إنتبه لقوته أيضا ، كيف يظهر إنها قوة لا يعبر عنها. “لهذا مات وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات”. وفيما سبق قال: “فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن”.
أرأيت مثل هذه السيادة المطلقة؟ أرأيت مثل هذه القوة التي لا تقهر؟ أرأيت الاهتمام التام والكامل؟ ولـكـي لا تقـول لـي إنـه يعتني بالأحياء، يشير إلى إهتمامه بالأموات أيضا. وإن كان يعتني بالأموات، فمن الواضح إنه يعتني بالأحياء أيضا. إذن لا شيء قد غاب عن هذه السيادة، إذ أعطي لذاتـه الحـق بالإعتناء بنا نحن البشر أكثر مما نحرص نحـن عليـه، بدون النظر إلى أي أمور أخرى^. لأن الإنسان بالطبع يدفع أموالاً ، ولهذا فإن عبـده يبـدي قـدرا كبيرا من الاحتمال، بينما المسيح دفع الكثير مقدما نفسه للموت، ولـن يقدم حسابا لأحد من أجل خلاص ذاك الذي اشتراه بهذا الثمن الباهظ، ذاك الذي ربح السلطان بواسطة هذه العناية الفائقة، وهذا العمل . وهو يتكلم عن هذه الأمور مبكثا المتهود ومقنعا إياه أن يتذكر عظمة العمل (الإلهي)، وإذ كـان ميثا، فقـد عـاش، وأن لا شـيء قـد ربـحـه مـن النـاموس، وإن مـا يعـد نموذجا لأسـوأ أنـواع الجحـود ، هـو أن يرجـع للناموس الـذي سـبق وهـجـره ، بالرغم من أنه نال الكثير لأجل خلاصه.
5. فبعدما أنتقد اليهودي، يتركه مرة أخرى قائلاً:
“وأما أنت فلماذا تدين أخاك أو أنت أيضا لماذا تزدري بأخيك؟” (رو14-10).
ومـن الواضـح إنـه يـتكلم بالتساوي عـن هـذه الأمـور، لـكـن مـن خـلال الكلام يظهر أن الفرق أو الإختلاف كبير. أولاً فمـن خـلال تسمية الآخر أخا يكون قد أبطل كل عداوة، ثم بعد ذلك بأن يذكر بذلك اليوم المخوف (يوم الدينونة). لأنه بعدما قال: “لماذا تزدري بأخيك؟ ” أضاف: “لأننا جميعا سوف نقف أمام كرسي المسيح”. ومن الواضح أيضا إنـه يقـول هـذه الأمور، لكي يوبخ من هو أكثر كمالاً في الإيمان، بينما يجعل المسيحي المتهود ، يضطرب بشدة، ليس فقط مؤنبا إياه، بسبب الإحسان الذي ناله، بل ويخيفه من العقاب الآتي. لأنه يقول:
” لأنه مكتوب أنا حي يقول الرب إنه لي ستجثو كل ركبة وكل لسان سيحمد الله. فإذا كل واحد منا سيعطي عن نفسه حسابا لله” (رو14: 11-12).
أرأيت كيف إنه مره أخرى يثير الحيرة في ذهن اليهودي، بينما من الواضح إنه يوبخ الأخر؟ لأنه يقصد شيئا مثل هذا ، كمـا لـو أنـه يقـول، ماذا يهمك؟ هـل سـوف تعاقـب مـن أجـل ذاك؟ لكنـه بالطبع لم يقـل هـذا ، بل ألمح إليـه، وأورده بصورة هادئة، قائلاً: “لأننا جميعا سوف نقف أمام كرسي المسيح” وأيضا “كل واحد منا سيعطي عن نفسه حسابا لله.
ويشير إلى إشعياء النبي، الذي يؤكـد علـى خضـوع الجميع لله، وهـو خضوع تام، خضوع البشر الذين عاشوا في العهد القديم، وبشكل عام جميع نفسك عن وعن البشـر. لأنه لم يقـل فقـط أن كـل واحـد “سيسجد” بـل “وسيحمد “، أي سيعطي حسابا عن أعماله. إذا فقد كان يشعر بالقلق من أجلك، ناظرا إلى إلهنا وهو يجلس على العرش، حتى لا تقسم وتجزئ الكنيسة، وأنت تفصـل النعمة راكضا نحو الناموس، طالما أن الناموس أيضا هو ناموسه. ماذا أتكلم، هل أتكلم عن الناموس؟ وعـن الذين عاشوا بالناموس، والذين عاشوا قبل الناموس. ولن يطلب الناموس منك أن تعطي حسابا، بل أن المسيح هو الذي سيطلب منك هـذا ، بـل ومـن كـل الجنس البشري، أرأيت كيف إنه أبطـل الخـوف مـن الناموس؟ ولكي لا يبدو إنـه يقـول هـذه الأمور عمدا، لكي يخيف ذاك المتهود ، بل إنقاد إلى هذا الأمر كتسلسل منطقي، إذ أتى أيضا لنفس الموضوع قائلاً:
” ” فلا نحاكم أيضا بعضنا بعضا. بل بالحري أحكموا بهذا أن لا يوضع للأخ مصدمة أو معثرة ” (رو14-13).
لكن هذه الأمور لا تذكر بهذا القدر الكبير بالنسبة لمن هو غير كامل في الإيمان، بقـدر مـا ثـذكر للكامل في الإيمان. ولهذا فمـن الممكـن أن يطبقها الأثنان، الكامل في الإيمان الذي يتعثر بسبب تمييز الأطعمة، وأيضا غير الكامل الذي يصدم بالتوبيخ الشديد.
6. ولكن أرجو أن ننتبه، كم سنعاقب نحن الذين تعثر غيرنا بشكل عام. لأنه إن كان الأمر مخالفا، بسبب إنهم وبخـوا في وقت غير مناسب، فإن الرسول بولس عمل على إعاقه حدوث هذا التوبيخ، حتى لا يعثر أو يصـدم الأخ، فعنـدما تعثـر الآخـر، دون أن تُصـلـح شـيئا ، فـأي عقـاب سـنكون مستحقين له؟ إذا إن كنا لا نساهم في خلاص شخص ما، وهذا يعـد أمـر يستحق الإدانة، وقد برهن عليـه الـذي حفر الأرض وأخفى وزنة الفضـة، فهذا أيضا نحن تعثره، أي عقاب نستحقه، بسبب سلوكنا هـذا؟ ماذا إذا إن كـان يعثـر وحـده، هكذا يقـول، لأنه ضعيف في الإيمان؟ إذا كـان الأمـر هكذا ، عليك أن تكون عادلاً ، مظهرا إحتمالاً وصـبرا. لأنـه لـو كـان قويا ، لما أحتاج كـل هـذه العناية، أما الآن فلأنه أكثر ضعفا، فهو يحتاج لعناية كثيرة. لنمنحه هذه الرعاية ولنحميه من كل جهة. لأننا لن تعطي حسابا عن شرورنا فقط، بل عن سلوكنا الذي به أعثرنا آخرين. لكن إن كانت تلك العقوبات في حد ذاتها فرعية، فكيف سنخلص؟ عندما تضاف إليهـا هـذه العقوبات، لا تعتقد إذا إن لدينا مبرر، إن وجدنا مـن يشـاركنا في إرتكاب خطايانا ، لأن هذا يعني بالنسبة لنا عقابا إضافيا أيضا، خاصة وأن الحية قد عوقبت أكثر من المرأة (أي حواء)، تماما مثلما أن المرأة قد عوقبت أكثر مـن الرجل (أي آدم). وبينما أختطف آخاب الكرم، عوقبت إيزابـل بـأكثر قسوة، لأنها كانت هي التي إبتدعت كل الأمر، وأعثرت الملك. لأن الخطية تهلك، ولكن العقاب الأكثر يكـون مـن نصيبنا عنـدمـا نقـود آخرين أيضا لإرتكاب الخطية. ولهذا يقول الرسول بولس: “لا يفعلونها فقط بل أيضا يسرون بالذين يعملون”، حتى إنه عندما نرى أن البعض يخطئون، فلا يجب أن نكتفي فقط بألا نشجعهم على الخطية، بل علينا أن نخرجهم أيضا من وحـل الشـر، لـكـي لا نعـاني نحـن أنفسنا العقاب، بسبب هـلاك الآخـرين. ولنتذكر دائما المنبر المخوف (أي منبر العدل الإلهي)، وبحيرة النار، والقيود التي لا تُحل، والظلام الحالك، وصرير الأسنان، والدود السام الذي لا يموت. قد يقول قائل لكن الله محب للبشر. وبناء على ذلك، فإن هذه الأمور (التي تكلمنا عنها) هي مجرد كلام. إذا فـلا ذلـك الغني الذي إزدرى بلعازر سيعاقب، ولا العذاري الجاهلات سيطردون من العرس، ولا الذين لم يطعموه يذهبون إلى النار التي أعدت للشيطان، ولا ذاك اللابس ملابس دنسه، بعدما يقيد من اليدين والرجلين، سيهلك، ولا ذاك الذي طلب المائة دينار، سيسلم للمعذبين، ولا ما قيل عن الزناة هو أمر حقيقي، “حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ “، بل إن كـل هـذا هـو فقط تهديدات. أخبرنـي مـن أيـن لـك بكل هذه الجرأة، وكيف تبرهن على أمر بهذا الحجم، وأن تصدر الحكم مـن خلال حجج خاصة بك؟ لكنني أستطيع من خلال كـل مـا قاله ، وكل ما فعله، أن أبرهن على العكس . إذا لو إنك لا تؤمن بما سيحدث في المستقبل، فعلى الأقل آمـن بتلك الأمور التي حدثت بالفعل، خاصة وأنها ليست مجرد تهديدات وكلام.
إذن من الذي غمر كل المسكونة، وأحدث ذلك الطوفان المخيف، ودمر كل جنسنا البشري؟ ومن ألقي تلك الصواعق المخيفة والنار من السماء على سدوم بعد كل ما حدث ؟ من أنهك مصر كلها؟ من أهلك الستمائة ألف في البرية؟ ومـن أمـر الأرض أن تفتح فاهـا لتبتلع أولئك الذين كانوا مـع قـورح وداثان؟”. من أهلك سبعين ألف في لحظة واحدة، في زمن داود؟ وهل أتكلم عن أولئك الذين عوقبوا كل على حدى؟ هل أتكلم عن قايين الذي سلم لعقاب دائم؟ أو عن عخان بن كرمي الذي رجم؟ وعن ذاك الـذي عـانـي نفـس الأمر تحديدا، لأنه جمع خشـب يـوم السبت؟ هـل أتكلم عن الأربعين شـابا الـذين افترسـتهم الوحـوش ولم ينالوا عفـوا أو مسامحة، ولا حتـى بسـبب أعمارهم؟ وإذا كنت تريد بعد النعمة أن ترى نفس الأمور، ففكر كم عاني اليهود ، كيـف إلتهمت النساء أولادهن، وبعضهن طهـوا الأولاد، وبعضهن أكلوهم بطريقة أخرى، كيف برغم إنهم سلموا إلى مجاعة لا تحتمل، وإلى حروب متنوعة ومخيفة، فقد طغت كوارثهم التي فاقت كـل حـد علـى تلك المآسي التي ذكرت.
إذن من حيث أن المسيح قد أشار إلى هذه الأمور، فلتسمع إليه لأنه سبق وقال هذا بأمثال، وبأسلوب واضح وقاطع. فيقول: “أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فإتوا بهم إلى هنـا واذبحـوهـم قـدامي”، ويوضح ذلك أيضا في مثل الكرم ومثل العرس. وأيضا، عندما يهدد : “ويقعون بفـم السيف ويسبون إلى جميع الأمـم وتكـون أورشليم مدوسـة مـن الأمـم حتـى تكمل أزمنة الأمم. وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم وعلى الأرض كرب أمم بحيرة. البحر والأمواج تضج، والناس يغشى عليهم مـن خـوف” ويكون حينئذ ضيق عظيم لم يكـن مثلـه منـذ إبتـداء العالم إلى الآن ولـن يكون””. وتعرفون جميعكم كيـف عوقب حنانيا وسفيرة، لأنهما اختلسا جـزءا مـن ثمـن الحقل المبيع، ولكن ألا ترى الكوارث اليومية؟ أم أن هـذه أيضا لم تحدث؟ ألا ترى أولئك الذين يهلكـون مـن الجـوع كـل يـوم؟ ألا تـرى أولئك الذين يسود عليهم داء الفيـل والجذام؟ ألا ترى أولئك الذين يحيون في الفقر الدائم؟ ألا ترى أولئك الذين يعانون من آلام لا حصر لها وهي غير قابلة للشفاء؟ إذا كيف يمكن أن يتبرر البعض، هـل عن طريق أن يدان البعض، ولا يدان البعض الآخر؟ لأنه إن كان الله عادلاً ، وهـو بـالحق كذلك، فأنت أيضا ستدان على كل حال، طالما إنك تخطئ، فإذا كنت ترى أن الله لا يعاقب باعتباره محب البشر فلا يجب لهؤلاء أيضا أن يعاقبوا.
أما الآن بسبب كلامكـم هـذا ، فإن الله سيعاقب كثيرين هنـا( أي في هذه الحياة)، لكي تؤمنون على الأقل بتلك الأمور المختصة بالعقاب، وعندما لا تؤمنوا بما تعتبرونه مجرد تهديدات. ولأن الأمور المختصة بالعهد القديم لا تخيفكم، فإنه يصحح مسار اللامبالين في كل عصر، عن طريق تلك الأمور التي تحدث في كل جيل. ولأي ، سبب، يقول إنه لا يعاقب الجميع هنا (أي في هذه الحياة)؟ يقول هذا لكي يعطي للآخرين فرصة للتوبة. إذا فلماذا يعاقب الجميع هناك (أي في الدهر الآتي)؟ لكي لا يتشككوا تماما في عناية الله. قد تسألني: كم عدد اللصوص الذين قبض عليهم، وكم عدد الذين ماتوا بدون عقاب؟ أين هي إذا محبة الله للبشر؟ وأنا أيضا بدوري أسألك الآن. إن لم يعاقب أحـد بشكل عام، فهل يمكنك أن تلجأ إلى الله لتتـوب؟ لكـن عندما يعاقب البعض، والبعض الآخر لن يعاقب، على الرغم من إنهم صنعوا أسوأ الخطايا، فكيف يمكـن أن يكـون هنـاك عـذرا لإرتكـاب نفـس الخطايا ، وألا يكون هناك نفس العقوبات. وكيف لا يكون واضحا، أن أولئك الذين عوقبوا ، قد ظلموا؟ إذا لأي سبب لا يدان الجميع هنا (أي في هذه الحياة)؟ إسمعه وهو يدافع عن نفسه، لأجـل هـذه الأمور، لقـد مـات البعض، عندما سقط فوقهم البرج، وهنـا يقـول لأولئك الذين يتشككون مـن جهـة هؤلاء، “أتظنون أن هؤلاء كانوا مذنبين أكثر من جميع الناس؟ كلا أقـول لكم، بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكـون “، ناصحا إيانا، ألا تأخذنا الجرأة، عندما يدان البعض، متصورين إننا لا تُدان، على الرغم مـن إننا نصنع خطايا كثيرة، لأنه إن لم نتغير، فإننا سندان حتما.
قد يتساءل أحد قائلا: كيف يقول، إننا سندان دينونة أبدية، بينما نخطئ هنا في هذه الحياة الحاضرة لفترة زمنية قصيرة؟ كيف يحكم على الإنسان الذي يرتكب جريمة قتل في لحظة زمنية قصيرة بالأشغال الشاقة المؤبدة؟ إن الإنسان المتشكك يتصور أن الله، لا يصنع هذا. وأنـا بـدوري أقـول: كيـف أمسك المفلوج لمدة ٣٨ سنة في هذه العقوبة الكبيرة؟ وكون أن الله عاقبه لأجل خطاياه، إسمع ماذا يقول “ها أنت قد برئت فلا تخطيء أيضا ” . أيضا يجيب بإنه شفي، إلا أن الأمور ليست هكذا في الحياة الأخرى، ومن جهة أن العقوبات لـن يـكـون لها نهاية في الدهر الآتي، إسمعـه حين يقـول: ” حيـث دودهم لا يموت والنـار لا تطفأ و “يمضـي هـؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية”.. إذا إن كانـت حـيـاة الـدهر الآتـي أبدية، وأن الجحيم سيكون أبديا ، ألا ترى إلى أي مدى كـان ينذر اليهود؟ ثرى، هل رأيت أن التهديدات قد تحققت، في الكلام الذي سبق؟. إنـه يقـول: “لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض”. هـل رأيت إذا حجرا قـد ثـرك؟ وماذا عن قولـه لا “يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله”.. ألم يحدث هذا؟ أقرأ تاريخ يوسيفوس”، ولن تتمكن حتى من أن تتنفس، وأنت تسمع فقط عن تلك الأمور التي حدثت، والتي عاناها اليهود.
7- أتكلم عن هذه الأمور، لا لكي أحزنكم، بل لأجعلكم في أمان، لأحفظكم وأحميكم، ويكون إعدادي لكم له فائدة، وحتى تصبروا على تحمل الصعاب . أخبرني إذا لماذا لا تقبل أن تُدان، حين تُخطىء؟ ألم يخبرك بكل هذا من قبل؟ ألم ينذرك؟ الم يساعدك؟ ألم يصنع أمورا لا تُحصى مـن أجل خلاصك؟ ألم يهبك معمودية الميلاد الجديد؟ أليس هـو الـذي غفـر لـك كـل خطايـاك السابقة؟ ألم يعطـك أيضـا الـعـون بعـد هـذا الغفران، وهـذه المعمودية ـ عن طريق التوبة ـ عندما تخطىء؟ وبعد هذا الغفران لخطاياك، ألم يمهد لك الطريق ويجعله سهلاً؟ إسمع إذا أي وصية قد أعطى “إن غفـرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي”، هكذا يقول، وأية صعوبة في هـذا الأمر، “أطلبوا الحق، وإنصـفـوا المظلوم، وأقضـوا لليتيم. حـامـوا عـن الأرملة ” ثم يقول “إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالـدودي تصير كالصـوف”. وأي جهد يحملـه هـذا الأمر؟ يقـول . “ذكرنـي فنتحاكم معا. حدث لكي تتبرر “. أية صعوبة في هذا الأمر؟ كذلك يقول “أيها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك وفارق خطاياك بالبر وآثامك بالرحمة للمساكين لعلة يطال إطمئنانك”.. أية متاعب تكمن في هذا المسلك؟ لقد قال العشار “أللهم أرحمني أنا الخاطئ”^°، ونزل مبررا. أي جهدا تحتاج لكي تتمثل بالعشار؟
لكن ألا تريد أن تقتنع، بعد كل هذه الأمور الكثيرة المشار إليها ، انه يوجد جحيم وعقـاب؟ حينئذ سيمكنك بهذا المنطق أن تقول، ولا الشيطان يعاقب. لأنـه يقـول” إذهبـوا عـنـي يـا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكتـه”.. إذا إن لم يكـن الجحيم موجـودا ، وأن الشيطان لـن يعاقـب (لكـان لـك الـحـق فيمـا تقـول)، لكـن بما إن الشيطان سوف يعاقب، فمـن الواضح إننا سنعاقب نحن أيضا. فإننا بالتأكيد أيضا قد عصينا، وإن كان ليس في تلك الأمور ذاتها. لكن كيف لا ترتعب، وأنت تتكلم بكـل هـذه الجرأة؟ لأنـه عنـدمـا تقـول، بإن الله محب للبشر، ولا يعاقب، فإن عاقب، سيكون ـ طبقا لما تقولـون ـ ليس بعـد محبا للبشر. أرأيت إلى أي حديث يقودكم الشيطان؟ ماذا إذا؟ هل الرهبان الذين سكنوا الجبال، وعاشوا في نسك فائق، سيرحلون عن هذا العالم غير متوجين؟ فـإن كـان الأشرار لا يدانون، ولا يوجد تعويض لأي أحد ، فربما يقول شخص آخر، إنه ولا الأتقياء أيضا سيتوجون، ويقـول آخـر أنـه يوجـد ملكـوت فقط، وليس هناك وجـود لجهنم، لأن هـذا يـليـق بـالله . وبناء علـى ذلـك هـل الفـاجر والزاني، والذي أرتكب شـرورا لا حصر لها، سيتمتع بنفس الہبات، التي سيتمتع بها من عـاش في تعقـل وقداسة، وهـل القديس بولس سيقف أمام الله (علـى نـفـس المستوى) مع نيرون، أو من الأفضل القول هل سيكون موقف الشيطان أمام الله، على نفس المستوى من موقف الرسول بولس؟.
إذن إن كان لا يوجد جحيم، وهناك قيامة للجميع، حينئذ فإن الأشرار أيضا سينالوا نفـس الهبـات الـتي ينالها الصالحون. وأنـا بـدوري أسـأل: مـن يستطيع أن يقـول هـذا الكلام، حتى وإن كـان يعـد مـن بين أكثر الناس جنونا؟ أو من الأفضل أن أقول من من الشياطين يستطيع أن يقول هذا القول؟ حيث إن الشياطين يعترفون بوجود جحيم، ولهذا يصرخون قائلين: “أجئت إلى هنـا قـبـل الـوقـت لتعـذبنا ، إذا كيـف لا نخاف ولا نرتعب، فحين تعترف الشياطين (بوجود الجحيم)، أنت ترفض هذا الأمر؟ وكيف لا تنتبه لمعلم هذه العقائد الخبيثة؟ لأن ذاك (أي الشيطان) الذي خـدع الإنسـان منـذ البداية ، وحرمـه مـن الخيرات التي كانت بين يديه، بواسطة إقتراح يتضـمـن رجـاء زائفا، هو الذي يمنع المؤمنين الآن أن يقولوا وأن يفكروا في هذه الأمور، ولهذا فإنه يقنع البعض أن يستنتجوا إنه لا يوجد جحيم، لكي يلقيهم في جهنم، بينما الله على العكس من ذلك، ينذر بالجحيم، وقد أعده، حتى أنه بعدما تعرف (طبيعة الجحيم)، يدفعك هـذا لكي تحيا في تقـوى، حتى لا تسقط في جهنم، فإذا كان الجحيم موجودا في الحقيقة، فكيف لا يكون له وجود، إن كانت الشياطين قد إعترفت بوجوده، هؤلاء الشياطين الذين يحرصون جدا على ألا نؤمن بمثل هذا الأمر، حتى أنـه مـن خـلال لا مبالاتنا بوجود الجحيم، ومن خلال عدم خوفنا منه، نسقط معهم في تلك النـار (نار جهنم)؟ إذا كيف إعترفوا بجهنم عندئذ؟ السبب في ذلك هو أنهم لم يحتملوا العقوبة التي هددوا بها.
إذن بعدما نكون قد فهمنا كل هذا ، لتوقف هؤلاء الذين يتكلمون بهذا الكلام، هؤلاء الذين يخدعون أنفسهم أيضا، ويخدعون الآخرين، لأنهم سیدانون عن هذا الكلام، إذ يسخرون من تلك الأشياء المخوفة (أي العقاب الأبدي)، ويضيفون رغبة الكثيرين في الإهتمام بذلك كله، وحتى البرابرة لا يحاكموا . لأن أولئك بالرغم من إنهم كانوا جميعا عديمي الخبرة، إلا إنهم عندما سمعوا أن المدينة ستهلك، ليس فقـط قـد آمنوا ، بل أيضا تنهدوا ولبسوا مسوحا، وإضطربوا ، ولم يكفوا عن بذل ما في وسعهم لوقف غضب الله”. بينما أنت الذي عرفت أمورا كثيرة بهذا القدر، إذا سفهت الكلام السابق، سيحدث لـك العكس. لأنـه كمـا أن هـؤلاء قد سمعـوا الكـلام وخافوا ، فإنهم لم يدانوا عن الأمور التي أرتكبوها، هكذا أنت أيضا، لأنك إحتقرت كلام الوعيد ، ستنال العقاب بسبب الأمور التي صنعتها. وإن كان الكلام الآن يبدو لك خرافه، لكنـه لـن يبدو لك هكذا، عندما ستقنعك الأمور ذاتها في حينه.
ألا ترى هنا أيضا ماذا صنع؟ كيف أخذ لصين، ولم يعتبرهما مستحقين لجزاء واحد ، بل أن الواحد قاده إلى ملكوت السموات، بينما أرسل الآخر إلى جهنم؟ ولماذا أتكلم عن لص وقاتل؟ لأن المسيح له المجد، قـد حـزن حتى على التلميذ (أي يهوذا)، لأنه صار خائنا، بل ونظـر إلـيـه وهـو يندفع إلى حبـل ويشنق نفسه، ويشق جسده من المنتصف (لأنه بالحقيقة فتح بطنه وإنسكبت كل أحشاءه)، لكن بالرغم من إنـه عـرف كـل شـيء من قبل، إلا إنـه قـد تركه ليعاني كل هذه المآسي، لكي يقنعك مـن خـلال الأمور الحاضرة ، بكـل مـا سـيحدث هنـاك (أي في الـدهر الآتـي). إذا لا تخدعوا أنفسكم، وتقتنعوا بكلام الشيطان، لأن هذه أفكاره . فإذا كان القضاة والسادة ، والمعلمون، والبرابرة يكرمـون الصالحين، بل ويعاقبون الأشرار، فكيف يمكن أن يكون هناك مبررا لمن يتصور أن الله يفعل عكس ذلك، ويتساوى الصالح مع الشرير أيضا؟
لكـن متـى سيتخلصـون مـن شـرورهم؟ الآن رغم أنهم ينتظرون العقوبة ويواجهون مخاوف كثيرة جدا، إلا إنهم لا يبتعدون عن الشرور ولا حتى بهذه الطريقة، ويقولون إنه عندما ينتقلون إلى الحياة الأخرى، ويتبدد أي خوف، فإنهم ليس فقـط سـوف لا يسقطون في الجحيم، بل وسـوف ينالوا ملكوت السموات أيضا، فمتى سيتوقفون عن أن يكونوا أشرارا؟ أخبرنـي هـل الـدليل على محبة | الله للبشر، هو ألا يدين الشر، وأن يعطى له مكافأة ، فهل يعتبر العفيف والفاسق، والمؤمن والجاحد، بولس والشيطان، مستحقين لنفس الكرامـة؟ إذا فـإلى متـى وإلى أي مـدى سـنهذي نحـن أيضـا؟ ولهـذا فـأنـا أترجاكم بعدما تتخلصوا من هذا الجنون، وبعدما تصبحون سادة أنفسكم أن تخافوا وأن ترتعدوا ، لكي تنقذوا من الجحيم المقبل، وطالما إنك تحيا بالتعقل في الحياة الحاضرة، فستنال خيرات الدهر الآتي، والتي ليتنا جميعا ننالها بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليـق بـه مـع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة إلى الأبد أمين.
عظة ٢٧:
” إني عالم ومتيقن في الرب يسوع أن ليس شيء نجسا بذاته إلا من يحسب شيئا نجسا فله هو نجس” (رو14: 14).
1. بعدما وبخ أولا ذاك الذي يدين أخاه، وبعدما أبعـده هـكذا بالتوبيخ، تكلم عندئذ العقيـدة أيضا ، ، وبهـدوء بـدأ يعلـم عـن الأكثر ضعفا في الإيمان، مظهرا هنا أيضا كثيرا من الوداعة. لأنه لم يقل، إنه سيدان، ولا أي شيء من هذه الأمور، بل ترك الخوف وحده يحركه نحو التغير في الأمر، حتى يقتنع ذاك بكلامه بطريقة أكثر سهولة، ويقول: ” إنـي عالم ومتيقن”. بعد ذلك ولكي لا يقول أحد من غير المؤمنين، وماذا يهمنـا نحـن، إن كنت أنت متيقن؟ لأنك لست موضع ثقـة لتحـل محـل نـاموس عظيم بهذا القدر، ووصايا نافعة نزلت من السماء، أضاف: “في الرب يسوع” أي إنني تعلمت هذه الأمور من السماء، وأخبرت بهـا مـن الـرب يسـوع. وبناء عليه فإن الحكم لا يتعلق بفكر إنساني . إذا فلتقل ما هو يقينك وماذا تعرف؟ ما يعرفه “أن ليس شيء نجسا بذاته”. أي إنه يقول، لا يوجد شيء نجسا بطبيعته، لكنه يصير نجسا بواسطة إرادة الذي يفحصه. هكذا يصبح نجسا بالنسبة لـه وحـده ، وليس لآخرين. لأنه يقول: “من يحسب شيئا نجسا فله هو نجس”.
إذا لماذا لا تصحح تفكير الأخ، حتى لا يعتبر أن شيئا نجس؟ ولماذا لا تبعده عن عادة مثل هذه، وفكر مثل هذا ، بكل ما لك من حق، هكذا يقول إنني أخشى (من فعل هذا) ربما أحزنه. ولهذا أضاف:
” فإن كان أخوك بسبب طعامك يحزن فلست تسلك بعد حسب المحبة” (رو15:14).
أرأيت كيـف إنه إنتزع قبوله أولاً، مبينا كيف إنه تحدث طويلاً لأجل ذاك (الأخ)، حتى لا يحزنـه، بـل ولا أن يأمره بالإقدام علـى فـعـل الأمـور الضرورية جدا، من البداية، بل يجذبه بالأكثر بواسطة الغفران والمحبة؟ لأنه لا يستميله، ولا يلزمه أيضا بأن ينزع خوفه، بل يتركه سيد نفسه، وبالطبع ليس هو نفس الشيء أن يقنعه بالإبتعاد عن بعض الأطعمة، وأن يؤنبه بكلام يقود إلى الحزن. أرأيت كم هو مهتم بالمحبة؟ لأنه يعرف أن المحبة تستطيع أن تصحح كل شيء، ومن أجل هذا فهو هنا أيضا يطلب من هؤلاء شيئا أكبر. لأنه لا يقول فقط، لا ينبغي أن تمنعوهم إجبارا ، بل إن إحتاج الأمر أن تظهروا تسامحاً، ولا تترددوا في فعل هذا. ولهذا فقد أضاف قائلا: “لا تهلك بطعامك ذاك الذي مات المسيح لأجله”.
أم إنك لا تعتقد أن أخاك مستحق لمثل هذا الأمر الكبير، حتى تتجاهل خلاصه، وقد قبل المسيح بالطبع أن يصير عبدا ، ومات لأجله، فكيف لا تترك أنت بعض الأطعمة، لكي تخلصه؟ وإن كان المسيح لم يربح الجميع، لكنه مات لأجل الجميع، متمما كـل مـا يجـب عمله، فهل تعرف أنت إنه بسبب الطعام، تحرم أخاك من الأمور العظيمة؟ وذاك الذي يعد مهما في نظر المسيح، تعتبره بأن ليس له أهمية مطلقا، وذاك الذي أحبه المسيح، أتحتقره أنت؟ والمسيح مات ليس فقط لأجل الضعيف، بل ولأجل العدو أيضا ، المسيح أيضا أظهر الأمر الأعظم، بينما أنت لم تظهر أقل شيء، وإن كان بالطبع هو الرب، بينما أنت تُدعى الأخ. إن هذا الكلام كان كافيا ، لأن يلوم ذاك (الذي تجاهـل أخاه)، لأنه يظهـر كيـف أن نفسـه صغيرة، فبينمـا هـو تمتع بعطايـا عظيمـة مـن الله، لكنه لم يبـادل هـذا العطاء الإلهي، ولـو بأشياء بسيطة .
2- ” فلا يفتر على صلاحكم. لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا” (رو16:14-17)
يقصد بالصلاح هنا، إما الإيمان، أو الرجاء المستقبلي لنيل مكافآت، أو التقوى الكاملة. إذا فأنـت لـن تفيـد الأخ، وليس هذا فقط، بل وتسيء إلى الإيمـان ذاتـه، وتسيء إلى نعمة الله وعطيتـه. أنـت تـثيـر اضـطـرابا عنـدما تتشاجر، وتسبب ألما، وعندما تقسم الكنيسة، وعندما تهين الأخ وتبغضه، فإن مـن هـم خـارج الكنيسة يجـدفون علينا . وبناء على ذلك ليس فقـط لـن يتحقق شيء من وراء هذا ، بل إن العكس تماما هو ما سيحدث، لأن الصلاح بالنسبة لكم هو المحبة، محبة الأخوة، والوحدة والترابط فيما بينكم، وأن تحيوا بالسلام، وبالرأفة. وبعد ذلك أيضا، يزيل خـوف هـذا ، وعداوة ذاك، فيقول “لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا “. إذا هل نستطيع أن تستر أو ننمو بهذه الأمور (الأكل والشرب)؟ هذا بالضبط ما يقوله في موضع آخر “لأننا إن أكلنا لا نزيد وإن لم نأكل لا ننقص”، وهو ليس في حاجة لدليل، لكنه يكتفي بـالحكم. إن مـا يقـولـه يعـني الآتي: هـل إذا أكلت، سيقودك هـذا الطعام إلى ملكوت الله؟ ولهذا يزدرى بهؤلاء، لأنهم تباهوا من جهة هذا الأمر (أنهم يأكلون ويشربون)، ولم يقل فقط أكلا، بل وشربا.
إذن مـا هـي تلـك الأمـور الـتي تقـود إلى الملكـوت؟ هـي البر، والسلام، والفرح، الحياة الفاضلة، السلام مع الأخ، والذي فيـه يـتم التصدي لهذه العداوة، الفرح الناتج عن الوفاق، والـذي بـه يـزول هذا التوبيخ. لكنه لم يتكلم بهذه الأمور ليواجه بها واحدا فقط، بل في مواجهة أثنين أيضا، لأنه ستتاح لـه فـرصـة للكـلام عنـدما يواجـه اثنين. بعـد ذلـك ولأنـه تكلـم عـن السلام، والفرح، ولأنه يوجـد سـلام وفرح حتى في الأمور الشريرة، ولذلك أضاف: ” في الروح القدس”. حتى أن ذاك الذي يحطم أخاه، يكون قد قضى على السلام، وتعدى على الفرح، والأكثـر مـن ذلـك هـو الـذي يسلب المال. والأكثر سوءا من هذا ، هو بينما أن المسيح قد خلص الجميع، فأنت تظلم وتحطم. فإذا كان الطعام والكمال الظاهري لا يستطيع أن يدخل إلى النفس البر، والسلام، والفرح بل يدخل ما يمحو البر، والسلام، والفرح، فكيف لا نزدري بالأمور البسيطة، حتى ننال الأمور العظيمة؟ بعد ذلك لأن هذا التوبيخ قد صار تدريجيا بسبب المجد الباطل، أضاف قائلا:
“لأن من خدم المسيح في هذه فهو مرضي عند الله ومزكى عند الناس” (رو18:14).
لأن الجميع لن يعجبوا بك بهذا القدر لأجل الكمال، بقدر ما سيعجبوا بك لأجل السلام والوفاق، بالطبع هذا الخير سيتمتع به الجميع، بينما ذاك (أي من يتجاهل أخاه)، لن يتمتع ولا حتى بواحدة من هذه الخيرات.
۳- ” فلنعكف إذا على ما هو للسلام وما هو للبنيان بعضنا لبعض” (رو19:14).
هناك أمر يتوجه بـه لـذاك، لكي يهتم بالسلام، والأمر الآخر يتوجـه بـه لهذا الذي يحيا لنفسه، لكي لا يهلك أخاه. لكـن هـذين الأمرين، جعلهما مشتركين فيما بينهما أيضا، قائلاً “بعضنا لبعض”، واظهر إنه بدون السلام لا نستطيع أن نبني بسهولة.
” لا تنقض لأجل الطعام عمل الله” (رو14: 20).
أنـه يسـمـي خـلاص الأخ “عمـل الله”، ويزيـد أكثـر فـأكثر مـن مـقـدار الخائف، مظهرا إنه يفعل عكس ما يسعى نحوه . لأنه ليس فقط أنك لا تبني ما تعتقد فيه، بل و تنقضه، وليس فقط تنقض بناء إنسانيا، بل تنقض بنـاء الله، وليس مـن أجـل أمـر عظيم، بـل مـن أجـل شـيء زهـيـد أو تافـه. “لأجـل الطعام” هكذا يقول الرسول بولس. بعد ذلك ولكي لا يرسخوا كـل هـذه المسامحات لمن هو أكثر ضعفا مـن حيـث قبوله الفكر الشرير، فإنه يضع مرة أخرى مبدأ قائلاً: “كل الأشياء طاهرة لكنه شر للإنسان الذي يأكل بعثرة” أي أنه شر لمن يأكل بضمير شرير.
حتى وإن ألزمته بعد (على السلوك بمحبة) وأكل، فلن تكون هناك أية منفعة. لأنه أن يأكل أحد فإن الطعام لا يجعله نجسا، بل إن ما يجعله نجسا هـو الضمير الذي يأكـل بـه. إذا إن لم تُصلح هـذا الضمير، فكل ما تفعله سيضيع سدى، وبالأكثر تكـون قـد صنعت ضررا ، لأنه لا يجب عليك أن تعتقد في شيء إنه نجس، ثم تأكله. إذا فأنت تصنع خطيئتين هنا، تُزيـد مـن المعوقات بالتشاجر مع الآخر، وتجعله يأكل طعاما نجسا. ولذلك فعليك أن تُقنعه، ولا تجبره (على فعل شيء).
“حسن أن لا تأكل لحما ولا تشرب خمرا ولا شيئا يصطدم به أخوك أو يعثر أو يضعف” (رو14: 21).
مرة أخرى يطلب مـا هـو أكثر، ليس فقط يجب ألا تلزمه، بل أيضا أن تظهـر لـه تسامحا. كذلك فإن الرسول بولس نفسـه قـد صنع هذا الأمر في مرات كثيرة، مثلما حدث عندما تمـم شـريعة الختان، وعندما حلق رأسه ، وعندما قدم تلك الذبيحة اليهودية. ولم يقل لذاك أصنع هذا الأمر، بل يعرض كلامه كرأي، لكي لا يجعل بالأكثر من هو ضعيف في الإيمان، متراخيا أو غير مبالي. وماذا يقول؟ “حسن أن لا تأكل لحما “. ولماذا أقول لحما؟ فسواء كان هذا نبيذا ، أو أي شيء آخر يمكن أن يعثر، فلنتجنبه.
إذن لا يوجد شيء يمكن أن يعادل خلاص الأخ. وهـذا مـا أظهـره المسيح ، بعدما آتي من السموات، وجاز كل الآلام من أجلنا. لكن أرجو أن تلاحظ، كيف يصل إلى ذلك الضعيف، بقوله: “يصطدم أو يعثر أو يضعف”. لا تقل لي ـ هكذا يقول الرسول بولس ـ إن هذا الأمر غير معقول، لكنني أقـول لك، كلما أمكنك (أن تصحح هذه الأمور) فلتصححها، خاصة وأن الضعيف في الإيمـان لـه كـل الحـق أن تُعينـه في ضعفه” وبالنسبة لـك لـن يصيبك أي ضرر، وبالطبع فإن هذا التصرف لا يعد نفاقا ، بل هـو بنـاء وتدبير. لأنه إذا ألزمته ثم هلك، فإنه سيتهمك أنت، وبالأكثر سيصمم على عدم الأكل، بينمـا لـو إنك تُظهـر لـه ترفقا أو مسامحه، فسينتج عن ذلك، محبة كبيرة يتوجه بها لشخصك، ولن يتشكك فيك حين تعلمه، وستحظى بالسيادة مـن الآن فصاعدا ، وتزرع في داخله التعاليم المستقيمة. أما إذا أبغضك مرة واحدة ، فستكون قـد أغلقت المدخل للحديث معه . إذا لا تجبره، بـل أنـت نفسـك فلتبتعد عن كل ما يعثره، وذلك لأجل خلاصه، لا لأنه نجس، بل لأن ذاك الأخ يعثر، وبهذا سيحبك بالأكثر . هذه الوصية هـي الـتي أعطاها الرسول بولس، قائلا: “حسن أن لا تأكل لحما”، لا لأن أكل اللحم نجس، بل لأنه يعثر ويضعف أخاك.
4- ” ألك إيمان؟ فليكن لك بنفسك أمام الله” (رو14: 22).
يبدو لـي هـنـا إنـه يلمح بطريقة هادئة إلى المجـد الباطل بالنسبة لمـن هـو كامل في الإيمان. ما يقوله يعني الآتي: أتريد أن تُظهر لي، انك كامل وتام؟ لا تظهر هذا لي، بل لتحتفظ به في ضميرك. أما الإيمان الذي يقصـده هنا ، فليس هو الإيمان الخاص بالعقائد ، بل الإيمان الخاص بالموضوع الذي يجـري الحديث بشأنه. لأنـه يقـول عـن ذلـك الإيمـان: “الفـم يعترف بـه للخلاص” وأيضا “من استحى بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الإنسان”. لأنه إذا لم يعترف بهذا الإيمان فسيؤدي ذلك إلى الهلاك، بينما يعتبر الجهر والإعتراف بهذا الإيمان الخاص بموضوع حديثنا، هو أمرا غير ملائم، ثم يقـول ” طـوبي لمن لا يدين نفسه فيما يستحسنه”. هكذا يوجه حديثه مرة أخرى للأكثر ضعفا، ويعطيـه تاجا مرضيا ، تاج ضميره، لأنه حتى وإن لم يراك إنسان، يكفيك ضميرك، لكي تصير مطوبا. إذا فقـد قـال “فليكن لك بنفسـك” حتى لا تعتبر هذا القضاء (قضـاء الضمير) أمـرا بسيطا ، فما يمليـه عليـك ضميرك يعتبر بالنسبة لك، أفضـل مـن المسكونة كلها. وحتى إن كـان الجميـع يـدينـك بعـد ، فعنـدما لا ثـديـن أنـت نفسـك، وضميرك لا يعـذبك، فستكون مطوبا. وهـو لم يشـر إلى هـذا الأمـر متكلما بشكل عـام تجـاه الجميع. لأن هناك كثيرون لا يدينون أنفسهم، على الرغم من إنهم يصنعون أخطاء كثيرة جدا ، وهـم أكثـر تعاسـة مـن الجميع. لكنـه يشير أولاً إلى الموضوع الذي يجري الحديث بشأنه.
” وأما الذي يرتاب فإن أكل يدان” (رو14: 23).
يقول هذا مرة أخرى، راجيا ذاك الذي هو كامل في الإيمان أن يتألم لمن هو أكثر ضعفا. لأن ما هي الفائدة، إذا أكل وهو يرتاب، ثم بعد ذلك يدين نفسه؟ لأنني أقبل ذاك الذي يأكل ولا يدين نفسه. أرأيت كيـف إنه يحثه ليس فقط أن يأكل بل وأن يأكل بضمير نقي؟ بعد ذلك يتحدث عن السبب الذي من أجله أُدين، فيضيف قائلاً: “لأن ذلك ليس من الإيمان” ليس بسبب أنه نجس، بل لأن موقفه هذا لم يأت من الإيمان. لأن الذي يأكل لم يؤمن إنه طعام طاهر، بل أكله كطعام نجس . بيد أن مـا يتضـح مـن خـلال هـذه الأمـور، هـو مـقـدار الضرر الذي يسببونه ـ عنـدمـا يجـبروا هـؤلاء دون أن يقنعوهم ـ أن يأكلوا تلك الأطعمة التي تبدو أولا نجسة بالنسبة لهم، لكي يتجنبوا على الأقل التأنيب من خلال هذا. ثم يكمل قائلا: “وكل ما ليس من الإيمان فهو خطية”. إذا عندما يقول، ليس لديه ثقة (أي يرتاب)، ولا يؤمن بأنه طعام طاهر، فكيف لا يكون قد فعل خطيـة؟ كـل هـذا قاله الرسول بولس بخصوص الموضـوع الـذي جـرى الحديث بشأنه، فذلك ليس موجها للجميع. وإنتبه إلى مدى حرصه الشديد على ألا يعثر أحدا. لأنه قال منذ قليـل “فإن كان أخوك بسبب طعامك يحزن فلست تسلك بعد حسب المحبة”. فإن كان لا يجب عليك أن تسبب حزنا ، فكم بالأولى لا ينبغي أن تعثر أحدا.
وأيضا “لا تنقض لأجل الطعام عمل الله”. لأنه إن كان أمرا مخيفا وأحمق أن تهدم كنائس، فكـم بـالحري جـدا هـو أمـر مخيـف أن تهـدم هـيكلاً روحيا، خاصة وأن الإنسان هو أكثر أهمية من المبنى. لأن المسيح لم يمت من أجل الجدران، بل من أجل هذه الهياكل الروحية.
5- إذن لنفحص كـل أمورنـا مـن كـل الجوانب، ولا نعطـي أقـل دافـع “للعثرة”، خاصة وأن الحياة الحاضرة هي مرحلة مؤقته، ويجب أن تكون لنا أعين يقظة من كل جانب، ولا نتصور أن عدم المعرفة يكفي ليكون مبررا. لأنه من الممكن، نعم من الممكن، أن ثدان عن عدم المعرفة، عندما تكون عدم المعرفة في أمر غير قابل للصـفـح . كذلك فإن اليهود أظهروا جهـلاً، لكن لم يكن جهلهم مستحقا للصفح، وأظهر اليونانيون جهلاً، ولم يكن ذلك مبررا لهم . لأنه بالطبع عندما تجهل الأشياء التي لا يمكن معرفتها ، فإنك لن تتهم بأي شيء، أما عندما تجهل الأمور السهلة، التي من الممكن معرفتها، فإنك ستعاقب بأشـد العقـاب . مـن ناحيـة أخـرى، إن لم تنقصنا الشجاعة، بل وتقدم كل مالنا، فإن الله سيمد لنا يد المعونة، في تلك الأمـور التي نجهلها أيضا، الأمر الذي قاله الرسول بولس في رسالته إلى أهـل فيليبي “فليفتكر هذا جميع الكاملين منا وإن افتكرتم شيئا بخلافه فالله سيعلن لكم هذا أيضا.
لكـن عنـدما لا تريد أن تصـلـح أي شـيء يتعلـق بتلـك الأمـور الـتي في استطاعتنا، فإننا ولا حتى في هذه سنصل إلى أتفاق بشأنها، وهو الأمر الذي حدث لليهود. “من أجل هذا أكلمهم بأمثال. لأنهم مبصرين لا يبصرون” كيف بينما أبصروا لم يبصروا؟ أبصروا كيف كان السيد المسيح يطـرد الشياطين، بيد أنهم قالوا أن به شيطان، وأبصروا كيـف أنـه أقـام الموتى، ومع ذلك لم يسجدوا له، بل وحاولوا أن يقتلوه . لكن كرنيليوس لم يكن هكذا ، ولهذا تحديدا، لأنه صنع كل ما كان في إستطاعته برغبة حسنة، فقد أكمل الله له كل شيء.
إذن لا تقل لماذا سمح الله لهذا الإنسان أن يكون ساذجا بالإضافة إلى أنه وثـني؟ لأنـه لـو كـان هـنـاك شخصا بطبيعتـه سـاذج، فمـن غير الممكـن أن يكون هذا معروفا لدى البشر، بل أن ذلك يعرف فقـط لـدى خـالق القلوب . بعد ذلك نستطيع أن نقول أيضا، إن هذا الساذج يهتم بموضوع خلاصـه كثير من المرات، بل ويحاول. وقد يتساءل أحد : كيـف كـان في إستطاعته أن يهتم بخلاصه، بينما كان ساذجا إلى حد كبير جدا؟ أرجو أن تلاحظ هذا الساذج أيضا، كيف إنه يظهر دقة شديدة في أموره الحياتية، والتي إن أراد بالطبع أن يظهرهـا في الأمـور الروحيـة أيضا، فإنـه لـن يتغافـل عنهـا. خاصة، وأن تلك الأمور التي تدعم الحقيقة هي أكثر إشراقا من الشمس ، وفي أي مكان أو حيثما وصل الإنسان، من السهل أن يتمم خلاصه، إن كان بالطبع يريد أن يكترث بهذا الخلاص، ولا يعتبر هذا عملاً نافلاً . إذا هـل أمـور الخـلاص إنحصـرت في فلسطين؟ هـل إقتصـرت عـلـى ركـن صـغيري المسكونة؟ ألم تسمع النبي الذي يقول: “كلهم سيعرفونني مـن صغيرهم إلى كبيرهم. ألا ترى أن هذه الأمور موضع تصـديق؟ إذا كيـف سينال هـؤلاء الغفران، وهم يرون أن تعليم الحق منتشر في كل مكان، ولا ينشغلون بـه ، ولا يحرصون على إقتناءه.
وأيضا قد يتساءل أحد ، ويقـول: هـل هـذه الأمـور تطلبهـا مـن شخص فـظ وبربري؟ وأنا بدوري أقول، وليس فقط من شخص فظ وبربري، بل وأكثر بربرية من البربر الموجودين الآن . أخبرني لماذا يعرف هذا البربري كيف يحتج عندما يظلم في شيء يتعلق بأموره الحياتية، ويقاوم عندما يجبر على فعل شيء، ويدبر كل أموره، حتى إنه لا يريد أن يضار مطلقا ولا حتى لأجل أمر قليل أو يسير، بينما في الأمور الروحية لا يعمل بنفس هذا التعقل؟ وفي الوقت الذي فيـه يسجد لحجـر ما، ويعتبره إلها، ويقيم احتفالات، وينفق أموالاً ، ويظهر مخافة شديدة وإهتمام يعكس عدم سذاجته، فحين أقـول عليـه أن يطلب الإله الحقيقي، تذكر أنت لي السذاجة والبساطة. هذه الأمور ليست صحيحة، فالإدانة هنا تتعلق فقط بعدم المبالاة. لأنـه مـن هـم السذج والأكثر فظاعة في إعتقادك، هل هم أولئك الذين عاشوا في عصـر إبراهيم، أم الذين يعيشون الآن؟ من الواضح جدا إنـك تعتقد أن الأكثر سذاجة وفظاظة، هم الذين عاشوا في عصر إبراهيم. وهل التقوى الآن أيسر، أم في عصـر إبـراهيم؟ مـن الواضـح جـدا إنهـا الآن. لأن الجميـع الآن ينـادون بإسـم الله، والأنبيـاء بشــروا ، والأمـور إكتملت، وأفكـار اليونانيين تقضـت، لكـن في عصـر إبراهيم، كان الكثيرون بعد جهلاء، وقد سادت الخطية، ولم يكن هناك ناموس لكي يعلم، ولا أنبياء، ولا معجزات، ولا تعليم، ولا ذلك الجمع الذي يعـرف الأمـور الدينيـة جيدا ، ولا أي أمـر آخـر مشـابه، بل إن كـل الأشياء كانت قائمة كما لو إنها داخل ظلام دامس، وليل شتاء غير مقمر.
لكن ذلك الرجل العجيب والكريم (أي إبراهيم)، فعلى الرغم مـن وجـود عقبات كثيرة فقد عرف الله، ومارس الفضيلة، وقاد الكثيرين إلى غيرة مشابهة، وأتم ذلك كله دون أن يعرف الحكمة الإنسانية، لأنه كيف كان له أن يعرفها في اللحظة التي لم تكتشف فيها المعارف والعلوم؟ ولأنه بذل من جانبـه و ه قصارى جهده، فإن الله قـدم لـه بعـد ذلـك كـل مـا لـه، وبالطبع لا يمكنك أن تقـول أن إبراهيم قـد قـبـل التقـوى مـن آبائه، فهـو كـان عابـدا للأوثان، وعلى الرغم من إنـه كـان مـن نسلهم، وكان بربريا ونمـى وسـط برابرة، ولم تكن له بوادر التقوى، إلا إنه عرف الله، ونال كرامة أكثر بكثير من كل نسله الذي تمتع بالناموس وبالأنبياء أيضا، وبصورة لا يمكن التعبير عنها. ثرى، لماذا؟ لأنه لم يهتم بالأمور الحياتية بشكل مبالغ فيه، لكنه كرس نفسه بالكامل للجانب الروحي. وماذا عن ملكيصادق؟ ألم يولد في تلك الأزمنة، ألم يكن متميزا جدا ، حتى إنه كان كاهن الله؟ فقد كان من المستبعد، بل ومن المستبعد جدا ، أن يغلق على هذا الإنسان الوديع أو أن يظل مجهولاً.
إذن يجب ألا تقلقكم هذه الأمور، بل تعرفون أن الجدارة في كل مكان ترتبط بالإرادة، فلنفحص أمورنا، كـي نصـير أفضـل. وعلينـا ألا تلقـي المسئولية على الله، ولا أن نفحص لماذا ترك أو أهمل هذا ، ودعا ذاك . خاصةً ونحن نصنع نفس الأمر، وهذا يشبه خادما، أخذ يفحص بالتدقيق عن ما وراء تدابير قد أتخذها سيده، لأنه سخط عليه. أيها التعس والشقي، بينما كـان يجب عليك أن تهتم بتحمل مسئولياتك، وتتصالح مع السيد الرب، تنشغل بشأن الأمور التي لن تقدم عنها حسابا، وتتنصـل مـن تلك الأمور التي ستقدم عنها حسابا بالضرورة.
6. إذن قد تتساءل، هل أقول هذه الأقوال لليوناني والوثني؟ أنا بدوري أقول لك، إنتبه ليس فقط المهم ما ستقوله للوثني، بل كيف تقوم ذاتك. فإذا كان من الممكن أن يعثر وهو يفحص حياتك، فلتفكر ماذا ستقول، لأنه بالطبع أنت لن تعطي حسابا عن ذاك، ولو كان يعثر بعد، ولكن إذا أصابه ضـرر بسبب طريقة حياتك، فإنك ستُعاني خطـرا مخيفا جدا، عندما يرى إنـك تفلسف الأمور عن ملكوت الله، وترتعب من الشدائد في الحياة الحاضرة ، عندئذ فلتنتبه ، إذا عندما يرى هذه الأمور، فسيقع هو في الإدانة، ويقـول لـك إذا كنت تحب الملكوت، فلماذا لا تزدري بالأمور الحاضـرة؟ فـإن كـنـت تنتظر القضاء المخوف، فلماذا لا تحتقر المصاعب الحاضرة؟ ولـو إنـك تترجى الحياة الأبدية، فلماذا لا تسخر من الموت؟ إذا عندما يقـول كـل هـذه الأمور، فعليك أن تجد ما ستدافع به عن نفسك. عندما يرى إنـك ترتعـب مـن فقـدان المال، أنت يا مـن تنتظر ملكوت السموات وتترجاه، وإنـك تفـرح جـدا بفلس واحـد، وأنـك أيضـا تُعطي، حتـى نفسـك، نظير قليـل مـن المـال، عندئذ فلتفكر، لماذا كل ذلك، نعم إن هذه الأمور هي التي تعثر الوثني.
بناء على ذلك فإن كنت قد حرصت على خلاصه، فلتدافع عن نفسك، ليس بالكلام، بل بالأعمال، وبذلك لن يجـدف أحد على الله مطلقا بسبب ذلك الموضوع.
بينما بسبب طريقة الحياة الشريرة، أنتشرت تجـاديف لا تحصى في كل مكان. إذا فهذا ما يجب أن تصححه، لأن الوثني سيقول لك أيضا، مـن أيـن أعلم أن الله أمر بأمور يمكن أن تحدث؟ لأنه، وبينما أنت مسيحي وأسلافك مسيحين، ونشأت في هذه الديانة الحسنة، فإنك لا تصنع شيئا مـن الأمـور الحسنة. بمـاذا ستُجيب؟ إنـك سـتُجيب في كل الأحوال، أن هناك آخـرين يصنعون هـذه الأمور الحسنة، وهـم الرهبان الذين يعيشون في البراري. ألا تخجل بعد ذلك من الإعتراف بإنك بالطبع مسيحي، وأنت تُحيله لآخرين، إذ لا يمكنك أن تُظهـر السلوك الـلائـق بالمسيحيين؟ خاصـة وأن ذاك الـوثني سيقول على الفور، إذا مـا هـي الحاجة أن أسيرة الجبـال وأن أسعى نحـو البراري؟ فإن كان من غير الممكن أن يؤمن المرء وهو يعيش داخل المدن، ألا تكون إدانة طريقة الحياة هذه كبيرة، خاصة إن كان المطلوب أن نركض نحو الصحاري ونهجر المدن؟، بل سيقول لك أشيـر لـي علـى شـخص له زوجة وأولاد ومنزل، ويحيا بالتقوى. فماذا سنجيب عـن هـذا ؟ ألا ينبغي أن تنكس رؤوسنا خجـلا؟ خاصة وأن المسيح لم يوصـي بهـذا ، فبماذا أوصى؟ أوصى قائلاً: “فليضـيء نـوركم هكـذا قـدام الناس”، ليس في الجبال، ولا في الصحراء ولا في الطرق غير المسلوكة. وأقول ذلك، لا لكي أسيء للذين سكنوا الجبال، بل لكي أرثي لحـال الذين يعيشوا في المدن، لأنهم تجردوا من الفضيلة. ولهذا ليتنـا نسـلك هنا في المدن بالفضيلة التي يحيا بها الرهبان في الجبال، لكي تصبح المدن بالحقيقة مدئا. هذا السلوك يمكن أن يصـلـح الـوثني، ويقيـه مـن عثرات لا حصر لها. حتى إن أردت، فذاك أيضا يمكن أن تحميه من العثرة بصفة عامة. وأنت نفسك ستتمتع بمكافأت عديدة، وتُصلح حياتك، وتجعلها مشرقة من كل جانب “لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات” لأنه هكذا سنتمتع نحن أيضا بالمجد العظيم المدخر لنا، والذي ليتنا ننالـه جميعا بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق بـه مـع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة إلى دهر الداهرين أمين.
تفسير رومية 13 | تفسير رسالة رومية | تفسير العهد الجديد | تفسير رومية 15 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | |||
تفاسير رسالة رومية | تفاسير العهد الجديد |